تعتبر قضية المرأة من بين الموضوعات التي شغلت بال الأمم والشعوب على مر التاريخ، وقد تزايد الإهتمام بها مع اتساع دوائر الحقوق والحريات، وخاصة مع تعالي أصوات الحركات النسوية وبعض الحقوقيين. هذه الحركات التي شكلت وبنت فلسفة جديدة تتخطى الأجناس البشرية إلى ما يسمى اليوم بالنوع الاجتماعي (الجندر، Gender).
يقصد بمفهوم الجندر "اختلاف الأدوار (الحقوق والواجبات والالتزامات) والعلاقات والمسؤوليات والصور ومكانة المرأة والرجل والتي يتم تحديدها اجتماعياً وثقافياً عبر التطور التاريخي لمجتمع ما وكلها قابلة للتغيير" .
وقد عرفت اليونيسكو النوع الاجتماعي بأنه أدوار ومسؤوليات الرجال والنساء التي يتم إنشاؤها في أسرنا ومجتمعاتنا وثقافاتنا. يشمل مفهوم النوع الاجتماعي أيضًا التوقعات المعلقة حول خصائص وكفاءة وسلوكيات الرجال والنساء على السواء (الأنوثة والذكورة).[1]
كما ويُعرّف النوع الاجتماعي حسب إتفاقية المجلس الأوروبي للوقاية ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي، على أنه الأدوار والسلوكيات والأنشطة والسمات التي يحددها مجتمع معين و يعتبرها مناسبة للنساء والرجال.[2]
وجاء كذلك في تعريف النوع الإجتماعي "الأدوار المحددة اجتماعياً لكل من الذكر والأنثى، وهذه الأدوار التي تكتسب بالتعليم تتغير بمرور الزمن وتتباين تبايناً شاسعاً داخل الثقافة الواحدة ومن ثقافة إلى أخرى. ويشير هذا المصطلح إلى الأدوات والمسؤوليات التي يحددها المجتمع للمرأة والرجل.
لابد من التمييز بين الجندر والجنس؛ فالجنس يشير إلى مختلف الخصائص البيولوجية والفيسيولوجية للذكور والإناث مثل الأعضاء التناسلية والصبغيات والهرمونات الخ.
أما الجندر أو النوع الاجتماعي فيشير إلى خصائص النساء و الرجال المبنية اجتماعياـ كأعراف و أدوار وعلاقات النساء والرجال وبينهم والتي تختلف من مجتمع الى اخر ويمكن أن تتغير.
كما يمكن اضافة تمييز ثالث إلى النوعين السابقين؛ وهو الهوية الجندرية وتشير إلى تجربة الشخص الفردانية و الداخلية التي يشعر بها بعمق فيما يتعلق بالجندر و التي قد تتوافق أو لا تتوافق مع فسيولوجيا الشخص أو جنسه المحدد عند الولادة.
- (النوع ليس الجنس Gender isn’t sex)
- (النوع ليس المرأة Gender isn’t a woman)
لقد انبنت النظرية الجندرية أو فلسفة النوع الإجتماعي على فكرة أن كل شي غير الانجاب للمرأة والتخصيب للرجل هو صناعة بشرية يمكن أن تتغير مع الزمن عبر موجات ديناميكية ثقافية وتعليمية يحددها المجتمع.
وبالتالي؛ فإن الجندرية تنكر كل تأثيرات الفروق البيولوجية في تحديد الأدوار الاجتماعية لكل من الرجل والمرأة. بل أن الأفكار التي يأخذها الرجل والمرأة ويتبنيانها عن نفسهما يتطبعان بها من واقعهما الاجتماعي.
يعتقد أن تبني فكرة النوع الاجتماعي ذو أهمية بالغة في زيادة مشاركة المرأة في المجتمع والعمل على المساواة مع الرجل، ويمكن من التوسع في فتح فرص للمرأة وعلى زيادة قدراتها في السيطرة على الموارد المتاحة. وأن تغيير القوانين والممارسات الإدارية التي تمارس التمييز ضد المرأة وتعيق تطورها وتهضم حقوقها ضمن الأفكار التي تحملها فلسفة النوع الاجتماعي، وما يرافقها من زيادة مشاركة المرأة في العمل السياسي، وكذا إزالة السيطرة الأبوية وجعل الأسرة متكافئة يسودها العدل والاحترام.
إن الجندرية تنبني على ثلاثة أسس رئيسية أهمها:
- الأدوار المنوطة بشكل عام بالرجل والمرأة محددة من قبل عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية أكثر منها عوامل بيولوجية؛
- إعادة توزيع الأدوار بين الرجل والمرأة في المجتمع، من منطلق أن مفهوم المشاركة يؤدي إلى فائدة أكبر للمجتمع؛
- إتاحة الفرصة المتكافئة للرجل والمرأة لاكتشاف قدرات كامنة فيهم وتمكينهم من مهارات تفيدهم في القيام بأدوار جديدة تعود بالنفع على المجتمع.
إن الأفكار التي قامت بها وعليها الجندرية كحركة ثورية على العادات والأنسجة الاجتماعية، ليست حديثة النشئة، وقد لاقت دعماً كبيراً من طرف المفكرين والفلاسفة. ولعل أبرزهم جون ستيوارت مل، أحد منظري الفلسفة النسوية، وخلاصته في هذا الأمر "أن الكائن البشري لم يعد في عصر الليبرالية يولد مقيداً بأغلال موقعه الاجتماعي، بل حراً يستخدم ملكاته والفرص المتاحة لتحقيق المصير الذي يفضله، ومن الممكن منطقياً أن يحاول أي شخص الوصول إلى مركز في المجتمع.[3]
وعلى هذه المرتكزات الفلسفية، تشعبت عدة تيارات جنذرية حسب ظروف وعاومل مختلفة، ولعل من بين أبرز تلك التيارات:
النزعة الأنثوية المتطرفة (Feminism) التي تبلورت في ستينات القرن العشرين، والتي تعد أثر من آثار ما بعد الحداثة الغربية، والتي تحمل كل معالم التفكيك لكل الأنساق الفكرية والإيمان الديني الذي هدمته الحداثة بالعلمانية والمادية والوضعية منذ عصر التنوير في القرن الثامن عشر.
الداعون إلى نظرية حركة التمركز حول الأنثى، يتأرجحون بين رؤية مواطن الاختلاف بين الرجل والمرأة باعتبارها هوةً سحيقة لا يمكن عبورها من جهة، وبين إنكار وجود أي اختلاف من جهة أخرى.. ولذا فهم يرفضون فكرة توزيع الأدوار وتقسيم العمل ويؤكدون استحالة اللقاء بين الرجل والمرأة. ويحاولون إما توسيع الهوة بين الرجال والإناث أو تسويتهم بعضهم ببعض.
الجندرية الليبرالية: تدعو إلى توفير نوع من المساواة في العمل والتعليم والمؤسسات الليبرالية، بمعنى أن هذا الاتجاه يعزو التفاوت بين الجنسين إلى التوجهات والمواقف الاجتماعية والثقافية.
إن النظرية الجندرية على ما لها من اهمية في تعزيز بعض من حقوق المرأة وتمكينها في المجتمع، إلا أنها لم تسلم من بعض الانتقادات التي ضربت في الأسس التي تقوم عليها، ولعل أبرزها التي أثارها إيريك زيمور، وهو مفكر فرنسي، والذي يخشى هيمنة الاضطرابات الجندرية في المجتمع، ذلك أن الجندرية حسب هذا الأخير هي فكرة تقوم على التيه في تحديد الأنواع والاجناس البشرية، بمعنى محو الفروق بين الذكر والأنثى وتفكيكهما، وجعل الذكر والأنثى غير طبيعيان بل بناء اجتماعي ومشاعر اجتماعية، كما وأن هدف الجندرية الأخير تفكيك كل المفاهيم التقليدية كالدولة والثقافة والأسرة والجنس. ويضيف أنه من اللحظة التي نقول فيها أن هناك أنواع بدل جنسين، ونقول بأن كل شي اجتماعي وليس بيولوجي، نستنتج أن المذكر والمؤنث هما نتاج تصورات اجتماعية.
بقلم: هاجر ورياشي
[1] UNESCO’S Gender Mainstreaming, Implementation Framework (GMIF)for 2002-2007, P.17
[2] Council of Europe Convention on preventing and combating violence against women and domestic violence, P3
[3] الاستغراب 16، خضر إ.حيدر، مفهوم الجندر، دراسة في معناه، ودلالاته، وجذوره، وتياراته الفكرية. ص. 284