يمثل الأطفال الفئة الأكثر استهدافا من طرف الإعلانات التي
تنشر أو تبث على وسائل الإعلام، وذلك باعتبارهم مؤثرين أقوياء على قرارات الآباء المرتبطة
بالشراءات، وأيضا لكونهم مستهلكي المستقبل. ولهذا فإن الإعلانات الموجهة للأطفال
عرفت انتشارا كبيرا في السنوات الأخيرة، بهدف استمالة هذه الفئة عبر استخدام تقنيات
متطورة والتركيز على الجانب الإبداعي على مستوى الألوان والصوت و الصورة فضلا عن الإيقاعات الموسيقية المصاحبة، مما يجعل الإعلانات
أقرب إلى وجدان وذوق الطفل، و بالتالي تخلق لديه الرغبة وتوجه سلوكه الاستهلاكي نحو
المواد المعلن عنها والتي قد تكون لها انعكاسات سلبية على سلامته وصحته النفسية والجسدية.
مفهوم الإشهار
يعرف الأديب اللبناني بطرس البستاني الإشهار على أنه "الإظهار و النشر والتشهير”. في حين تعرفه دائرة المعارف الفرنسية على أنه "مجموع الوسائل المستخدمة لتعريف الجمهور بمنشأة تجارية أو صناعية، واقناعه بامتياز منتجاتها و الإيعاز إليه بطريقة ما بحاجته إليها.
ويعرف اوكسنفلد oxenfeld الإشهار
بكونه "عملية اتصال إقناعي تهدف إلى نقل التأثير من بائع إلى مشتر على أساس غير
شخصي يحثه على الإقبال على المعروض و الانتفاع بخدماته، مع إرشاده إلى مكان البضاعة
ونوعها و طرق استعمالها مقابل قيمة مالية محدودة، ويتم هذا الاتصال الجماهيري من راديو
وتلفاز و جرائد و مجلات و انترنيت ...الخ .هذا ويشير الإشهار المنجز من طرف فرد أو
جماعة إلى الرغبة في تنامي طاقة الاستهلاك لدى الزبائن أو المتلقين في ظل توقع استجابة
مرغوب فيها من طرف أولائك الزبائن الحريصين على إشباع لذة تذوق جديد".
ويمكن تلخيص ملامح ومميزات الإشهار فيما يلي:
- اتساع نطاق الجمهور وتوجيهه للجمهور، مما يعطيه صبغة جماهيرية؛
- تنوع أساليب صياغة و إخراج الإشهار، وأيضا تعدد الوسائط التي تمثل حلقة الوصل بين المعلن والمستهلك؛
- اعتماد الإشهار على الاتصال غير المباشر؛
- تضمن الرسالة الإعلامية على الجانبين: الجانب المعرفي الذي يخاطب العقل والمنطق، والجانب النفسي العاطفي الإيحائي الذي يتوجه من خلاله المعلن.
أنواع الإشهار من حيث الوسائل المستعملة:
الإشهار المسموع
الإشهار المكتوب
الإشهار السمعي البصري
أنواع الإشهار من حيث الهدف:
الإشهار التجاري
الإشهار غير التجاري
التقنيات المستعملة في الإشهار
إن الهدف الأساس لعملية
الإشهار هي التعريف بالسلعة أو الخدمة، و من أجل تحقيق هذه الغاية، عمل صناع
الإشهار و الوكالات الإشهارية، وكذا الخبراء في مجال التسويق على الاستفادة من
مجموعة من الأبحاث و الدراسات خاصة في مجال علم النفس و علم الاجتماع، و كذلك
التطور الهائل في مجالي الإعلام والتواصل عن طريق توظيف وسائل و تقنيات إقناعية
ونفسية من أجل التأثير على السلوك الاستهلاكي للمتلقي و توجيهه.
وقد ركز صناع الإشهار
اهتمامهم على الأطفال بالأساس، باعتبارهم
يشكلون أكثر الشرائح الاجتماعية ملائمة لغرس عادات و أنماط السلوك
الاستهلاكي، لكون شخصيتهم لا زالت في طور النمو و التشكل.
و من ضمن أبرز هذه الوسائل خاصة على مستوى الإشهار التلفزيوني، نجد نموذج «AIDA»، الذي وضعه الأمريكي « Elias Saint Elmo Lewis » سنة 1903، وهو من أهم المنظرين في المجال المتعلق بتأثيرات الإشهار.
وهذا النموذج يتكون إسمه من الاختصارات الأولى للكلمات التي تعبر عن أهم المراحل لسيرورة تسويق منتوج معين، والتي تتكون من 4 مراحل أساسية، وهي على الشكل التالي:
الآثار السلبية للإشهار على الأطفال
أجمعت معظم الدراسات على إبراز ظاهرة زيادة الاستهلاك عبر العالم، خاصة لدى
الأطفال، فمثلا في سنة 1989، ارتفعت مشتريات الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين 4 سنوات
و 14 سنة بنسبة 6.1 مليار دولار إلى 23.4 مليار
دولار سنة 1997 ليصل إلى معدل 30 مليار دولار
سنة 2002.
و يؤكد هذا الارتفاع المهول، أن الأطفال يشكلون إحدى الدعامات الأساسية في الاستهلاك، و في هذا الصدد، بين تقرير برنامج رهانات « Enjeux » ، الذي يبث في الإذاعة الكندية بأن الأطفال الكنديين سنة 2006 قد أنفقوا قرابة 3 مليار دولار من مصروف الجيب l’argent de poche . إضافة أن الأطفال لهم دور كبير في التأثير على اتجاهات أسرهم في ما يخص الاستهلاك و الاقتناء. ذلك أن الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين 4 و 12 سنة يؤثرون بصفة كبيرة على قرار الشراء داخل العائلة بنسبة %45 خاصة فيما يتعلق بالوسائط السمعية البصرية، والمواد الغذائية، وكذلك اختيار أماكن قضاء العطل، اقتناء الملابس والتجهيزات المنزلية...
بروز ظاهرة الإلحاح المتواصل (المتكرر)
لقد بينت بعض الأبحاث أن قوة تأثير الإشهار على الأطفال تكمن في تحول الأطفال
أكثر فأكثر إلى مستهلكين حقيقيين، حيث أفرزت ظاهرة يطلق عليها علماء النفس"الإلحاح
المتواصل « Nagging » ، للحصول
على ما يرغبون في شرائه، حيث يلجأ الأطفال إلى اعتماد هذا السلوك للضغط على أبائهم
إلى أن يخضعوا لرغباتهم في اقتناء ما يريدونه،
حتى و إن تجاوز ذلك قدراتهم المادية.
و تؤكد "سوزان لين" « Susan
Linn »، في دراسة لها أجريت على 150 أم لأطفال
تتراوح أعمارهم ما بين 3 و 8 سنوات، حيث أقرت
الأمهات تعرضهن لحوالي 10000 « nag » لمدة أسبوعين أي ما يعادل 66 "نقة بالعامية" للأم
الواحدة و 4.7 "نقة" في اليوم الواحد.
تقليص سلطة الأولياء و الوالدين
كانت الوصلات الإشهارية من قبل تتوجه أساسا للآباء أو الراشدين أما حاليا، فالإشهار يعتمد على خطاب يستهدف الطفل، باعتباره أحد الركائز الأساسية الكفيلة بإقناع الوالدين بالشراء، وذلك عن طريق تضخيم بعض الصور لدى الأطفال من قبيل الصور المتعلقة بالشجاعة و القوة، و في المقابل تجسيد صورة الآباء بطريقة دونية dévalorisante، وذلك من خلال إظهارهم كأشخاص منغلقين و غير مواكبين لمقتضيات و تطورات العصر الحالي des personnes archaïques . وهو ما قد يخلق نوعا من التنشئة الاجتماعية المعكوسة socialisation inversée، بحيث يظهر الأطفال بمثابة الرائدين و المجددين، و الآباء بمثابة المتلقين.
خلق عادات غذائية و صحية سلبية
أجمعت العديد من الدراسات الأمريكية و الأوربية على أن أغلب الإشهارات خاصة
التلفزيونية منها تشمل مواد و منتوجات غذائية ضارة بصحة الأطفال. ومن أبرز هذه الدراسات
تلك التي أنجزها سنة 2006 الاتحاد الفيدرالي
للمستهلكين بفرنسا، حيث قامت بتحليل عينة من الوصلات الإشهارية، و خلصت أهم نتائجها
إلى أن :
87% من الوصلات الإشهارية التي تم تحليلها تتضمن منتوجات غنية بالدهنيات و السكريات
و الأملاح؛
%60من الأطفال يشاهدون التلفاز بمجرد
عودتهم من المدرسة؛
77% من الأطفال يفضلون أنواع الحبوب المعلن عنها في الإشهارات عن الحبوب الأخرى
التي لم تستفد من الإشهار؛
71% من الآباء يؤكدون على أن أبناءهم يتأثرون بالإشهارات في اختياراتهم
للمنتوجات.
وبهذا يبرز أن الإشهار التلفزيوني يساهم بشكل كبير في توجيه السلوك الغذائي
لدى الأطفال بتحفيزهم على الإقبال بشدة على منتجات ذات قيمة غذائية ضعيفة لكنها جد
مليئة بالدهون و السكريات و الأملاح كالحلويات و المشروبات، و هو ما قد يؤثر سلبا على
صحتهم الجسدية و النفسية (السمنة، الاكتئاب...)
وقاية الأطفال من الآثار السلبية للإشهار
التربية الإعلامية:
- تسعى التربية الإعلامية إلى تمكين أفراد المجتمع لا سيما فئة الأطفال، من الوعي والمناعة ضد التأثيرات السلبية لمحتويات الوصلات الإشهارية التي تبث على مختلف وسائل الإعلام.
- كما يمكن اعتبارها صمام آمان لتحقيق ذلك الإدراك الواعي و الفهم السليم للرسائل التي تحفل بها الإشهارات التلفزيونية، مما يساهم في تحصين الأطفال من إغراءاتها و يساعدهم على تجاوز سلبياتها، و التعامل معها بحس نقدي من خلال الحكم على مدى مصداقيتها أو الكشف عن تضليلها و زيفها.
القوانين:
يخضع
نظام الإشهار لا سيما في الدول المتقدمة إلى قوانين صارمة تهدف إلى حماية الأطفال
و وقايتهم من الأضرار والآثار السلبية للإشهار. ففي فرنسا مثلا، ثمة العديد من الهيئات التي تقوم بالمراقبة و
التتبع في هذا المجال، كالمجلس الوطني للاستهلاك، مكتب التحقق من الإشهار، و
المجلس الأعلى السمعي البصري.
ومن ضمن القوانين التي تضبط و تقنن الممارسات
الإشهارية في فرنسا:
- قانون 30 شتنبر 1986، الذي يحث على عدم استغلال براءة الأطفال، وعدم خبرتهم في عرض و تقديم الإشهار، الإضافة إلى أن الأطفال لا يمكنهم تقديم أو المشاركة في الوصلة الإشهارية؛
- المادة 7 من الظهير رقم 92-280 سنة 27 مارس 1992؛ من ضمن مقتضياتها، عدم بث إشهار يتضمن التحفيز على الشراء عن طريق استغلال عدم خبرة الأطفال أو حث الأطفال على إقناع آبائهم لشراء المنتوجات المعروضة في الإشهار.