-->

الدولة خصائصها وأشكالها وأنواعها

خصائص الدولة:

1. السيادة: يقصد بالسيادة قدرة الدولة على اتخاذ القرارات والأعمال المتصلة بمصيرها على الصعيدين الداخلي والخارجي، بحرية تامة... فالسيادة إذا تجعل من الدولة الإطار الوحيدة القادر على امتلاك (شرعية) فرض استباب الأمن بالداخل، وذلك من خلال أدوات ووسائل قانونية قوية وناجعة كالشرطة والدرك والقوات المساعدة... والحقيقة أن مبدأ السيادة في المجال الداخلي مع ما ينطوي عليه من سلطة وجبر، لا یتناقض مع مبدأ (الحرية) أي حرية الأفراد وحقوقهم، السابقة على وجود الدولة نفسها، وذلك لأن الدولة وإن كانت شخصا معنويا يتمتع بسلطات واسعة تفوق قدرات الأفراد وتسمو على مراكزهم، فهي مع ذلك خاضعة لمبدأ (الشرعية) الذي يقتضي من أعمالها أن تظل مطابقة للقانون ولضوابطه وقواعده.

أما بالنسبة للسيادة الخارجية فتجسدها  الدولة بما تملك من "حرية" التعامل على صعيد العلاقات الخارجية، مع استقلال في ممارستها لشؤونها الداخلية والتي لا تسمح لأي دولة بالتدخل في توجيهها والإعتراض عليها، إلا إذا كانت ناقضة للعقود والاتفاقيات والمواثيق الدولية، التي سبق أن أبرمتها ووقعت عليها أو عقدتها بنفسها معبرة عن سيادتها واستقلالها في أمورها. ومن هنا يكون للدولة في إطار الحفاظ على سيادتها الخارجية، رفض أي تدخل في شؤونها الداخلية مادامت ملتزمة بالاتفاقيات الدولية،كما يكون لها الحق في طلب الانضمام إلى الاتفاقات الجماعية الإقليمية أو الدولية أو في عدم الانضمام لها، وفي الاعتراف بدولة أخرى أو عدم الاعتراف بها أو تأييد دولة أخرى في المحافل الدولية أو التحالف معها، أو إقامة أي نوع من العلاقات الخاصة بينها وبين أي دولة أو مجموعة من الدول الخارجية أو عدم القيام بشئ من ذلك، غير أنه يوجد بالطبع استثناءات معينة لا تمثل مساسا بسيادة الدولة. كمسألة السفارات الأجنبية على أرض الدولة التي تظل خاضعة لسيادة الدولة صاحبة السفارة وجزءاً من أرضها، وكذلك الطائرات والسفن البحرية فإنها تخضع للدول التي تحمل جنسيتها حتى لو كانت راسية على أرض أو في سماء أو في بحار دولة أخرى.

ومن جهة أخرى يكون للدولة الحق في رد أي اعتداء قد تتعرض له ويكون هدفه تهديد حدودها وأمنها واستقرارها، وذلك بالوسائل المناسبة وعلى رأسها القوات المسلحة .

وعلى كل حال؛ فإن مفهوم السيادة في عصر العولمة والتحالفات الكبرى والفضاءات الاقتصادية والثورة الإعلامية والتكنولوجية التي جعلت من العالم قرية صغيرة... وغيرها من العوامل والتحولات التي شهدها العالم في أواخر القرن الماضي ومطلع الألفية الثالثة على مختلف الأصعدة؛ سوف لن تمر دون أن يكون لها بالغ الأثر في إبراز مفهوم جديد للسيادة.

2. الشخصية المعنوية: إن قيام الدولة بأركانها السابقة وتحقق سيادتها يترتب عنه أن تتحقق للدولة شخصية معنوية كاملة في الداخل والخارج؛ أي أنها تصبح قادرة علي اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات؛ وهي تكتسب الشخصية المعنوية على نحو مستقل عن الأشخاص والجماعات والهيئات والمصالح التي تخضع لسلطانها وتقوم على إقليمها.

وهكذا فإن الشخصية القانونية تمكن من التعبير عن استمرارية الدولة باعتبارها كيانا واحدا متميزا عن كيان الوكلاء الذين يعملون باسمها، باعتبار أن وجودها أبقى من وجودهم وغير متعلق بهم؛ لذلك حين تنتهي ولاية الحكام أو الموظفين والوكلاء الذين يمثلونها ويعملون باسمها إما بشكل دستوري وطبيعي أو بشكل غير طبيعي؛ كالإقالة والإعفاء؛ أو عند حدوث انقلاب أو ثورة؛ فإن مؤسسة الدولة تستمر وتستمر معها التزاماتها السابقة؛ خاصة تلك التي تدخل في حقل العلاقات الدولية؛ كالوفاء بالمعاهدات والاتفاقيات التي سبق أن وقعتها وعدم التنكر للالتزامات السياسية والمالية التي التزمت بهاء ولو من قبل مؤسساتها السابقة. كما أن التشريعات تبقى سارية في الدولة رغم ما قد يطراً من تغيير على شكلها أو على نظام الحكم فيها ما لم تلغ هذه التشريعات أو تعدل أو تستبدل بتشريعات أخرى. 

أضف إلى ذلك فإن الشخصية القانونية تمكن الدولة من تكوين ذمة مالية خاصة بمختلف الأعمال التي تقوم بهاء سواء تعلق الأمر بالأعمال والأنشطة العامة التي تنجزها كبناء الطرق والمستشفيات وغيرها... أو تعلق بالموارد والإرادات التي تستخلصها من مصادر الثروة في البلاد (كمستخلصات الثروات النفطية أو المواد الأولية أوالمعادن النفيسة أو من الموارد المرتبطة بالمجال السياحي أو التجاري أو الفلاحي أو غيرها من الموارد ...)؛ فكل هذه التصرفات ترتبط بالدولة كمؤسسة؛ ولا علاقة لها بالذمم المالية للأفراد على اعتبار أن الشخصية القانونية تجعل الدولة تتمتع باستقلالية الذمة المالية.

وعلى العموم فوجود الدولة يفترض اكتسابها لهذه الشخصية المعنوية والتي تبقى مرتبطة بها وجوداً وعدماً فلا تزول عنها إلا بزوال الدولة نفسها.

أشكال الدولة وأنواعها:

تنقسم الدولة من حيث شكلها وطبيعة السلطة الممارسة بها إلى دولة بسيطة (موحدة) ودولة (مركبة).

 الدولة البسيطة أو الموحدة: هي تلك التي تتخذ السيادة فيها صورة واحدة وتتميز ببساطة بنيانها الدستوري؛ بحيث تكون السلطات الأساسية في الدولة موحدة وتتبدئ هذه الصورة من خلال وحدة الدستور. وتباشر الدولة البسيطة وظائفها بواسطة سلطات ثلاث: تشريعية وتنفيذية وقضائية التي تكون واحدة في هذا النوع من الدول. كما تتميز الدولة البسيطة بوحدة الشخصية القانونية ووحدة السيادة الداخلية والخارجية؛ بغض النظر عن شكل النظام السياسي السائد؛ والذي يمكن أن يكون جمهوريا أو ملكيا أو ديكتاتوريا أو ديمقراطيا أو ليبراليا أو اشتراكيا، ومن أمثلة الدول البسيطة والتي تمثل الأغلبية في المنظمات الدولية نجد؛ المغرب الجزائر، تونس مصر، فرنسا، اسبانيا... إلخ.

وجدير بالبيان أن وحدة مصادر السلطة التي تعتبر أهم معيار في تحديد الدولة البسيطة من غيرها

لا يمنع من أخذ الدولة الموحدة بالتنظيم الإداري الذي يتناسب مع أوضاعهاء الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وهكذا فقد تعتمد الدولة البسيطة اسلوب "المركزية" أو "أللامركزية" أو "الجهوية" دون أن تتعارض أو تتناقض هذه الأساليب مع شكل الدولة ونوعها كدولة بسيطة موحدة.

 الدولة المركبة أو الإتحادية: يقصد بالدولة المركبة اتحاد دولتين مستقلتين أو أكثر؛ لتحقيق أهداف مشتركة؛ حيث توزع سلطات الحكم فيها على الدول المكونة لها تبعا لطبيعة ونوع الاتحاد الذي يربط بينهاء ويمكن حصر هذه الإتحادات في صنفين رئيسيين؛ الإتحادات الضعيفة ويمثلها (الاتحاد الشخصي) و(الاتحاد الإستقلالي أو التعاهدي أو الكونفدرالي). أما الاتحادات القوية فميثلها (الاتحاد الفعلي أو الحقيقي) كما يمثلها (الاتحاد المركزي أو الفيدرالي).

1. الاتحاد الشخصي: وهو عبارة عن اتحاد بين دولتين أو أكثر تحت عرش واحد؛ لكن تحتفظ كل دولة بسيادتها الكاملة وتنظيمها الداخلي المستقل؛ وبالتالي فمظاهر الاتحاد هنا لا تتجسد إلا في شخص الدولة فقط فرئيس الدولة هو المظهر الوحيد والمميز للاتحاد الشخصي. الأمر الذي يجعله اتحادا عرضيا وموقوتا يزول وينتهي بمجرد موت أو اختلاف رئيس الدولة. ولذلك فإن الدول المشتركة في الاتحاد الشخصي تبقى متمتعة بكامل سيادتها الداخلية والخارجية، مما يترتب عنه احتفاظ كل دولة بشخصيتها الدولية وانفرادها برسم سياستها الخارجية؛ وإذا نشبت حربا بين دول الاتحاد الشخصي تعد حربا دولية.

2. الاتحاد الاستقلالي الكونفدرالي: ينشأ من اتفاق دولتين أو أكثر في معاهدة دولية على تكوين الاتحاد أو الانضمام إليه؛ مع احتفاظ كل دولة باستقلالها الخارجي وسيادتها الداخلية؛ ويعتبر صك الاتحاد أو المعاهدة والاتفاقية هي الأساس في الاتحاد الاستقلال. يقوم الاتحاد الكونفدرالي على تكوين مجلس يتكون من مندوبين عن الاتحاد وهذا المجلس لا يختص إلا بالمسائل التي تضمنها الصك؛ ومن هنا لا تعتبر الهيئة التي تمثل الدول في الاتحاد دولة فوق الدول الأعضاء؛ وإنما مجرد مؤتمر سياسي, وهكذا تبقى كل دولة في ظل هذا الاتحاد متمتعة بسيادتها الداخلية؛ ومحتفظة بشخصيتها الدولية؛ كما أن رعايا كل دولة من الاتحاد يبقون محتفظون بجنسيتهم الخاصة؛ لذلك فإن العلاقة بين الدول تبقى مجرد ارتباط تعاهدي. وبذلك يكون حق الانفصال عن الاتحاد ممنوح للدول الأعضاء؛ تقرره حسب ما تراه مناسبا ومتماشيا مع مصالحها الوطنية؛ وبالتالي فإن الحرب إذا قامت بين دول وشعوب هذا الاتحاد تعد حربا دولية. ومن أمثلة هذا الاتحاد في العالم العربي "اتحاد المغرب العربي" الذي أنشئ بتاريخ 17 فبراير 1989 وكذا جامعة الدول العربية التي تأسست سنة 1945.

3. الاتحاد الحقيقي أو (الفعلي): يقوم بين دولتين أو أكثر بواسطة اتفاق تفقد بمقتضاه الدول الأعضاء سيادتها الخارجية؛ وبالتالي شخصيتها الدولية؛ فتتوحد في إنشاء شخص دولي جديد؛ أي دولة اتحادية واحدة؛ تخضع إلى رئيس واحد؛ ويترتب على ذلك توحيد السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي ومجالات الدفاع والمالية؛ إلى جانب حمل كل الدول المنضوية في الاتحاد اسم وجنسية وعلم الاتحاد، مع تحول سكان الاتحاد إلى شعب واحد ذو مصير مشترك» وبالتالي فإن قيام حرب بين الدول الأعضاء تعتبر حربا أهلية. ومن أمثلة هذا الاتحاد (الاتحاد الذي قام بين السويد والنرويج ما بين 1815 إلى 1905) وكذلك الاتحاد الذي قام بين (هنغاريا والنمسا)...

إرسال تعليق

شاركنا رأيك في الموضوع

أحدث أقدم