تعد الوساطة من ابرز الوسائل البديلة لحل المنازعات خارج نطاق المحاكم والهيئات القضائية الرسمية حيت تتميز بسرعتها في حسم النزاع و الحفاظ على السرية خاصة بعد ان اصبح اللجوء الى المحاكم يأخذ وقتا طويلا و جهدا كبيرا و تراكمت أعداد مرتفعة من القضايا . تتعدد مجالات الوساطة و من بين اهم اشكالها : الوساطة الادارية التي تهتم بالنزاعات بين الادارات و المواطنين فما هي هذه الوساطة وما المؤسسات التي تتكلف بها؟
مفهوم الوساطة:
الوساطة في اللغة العربية كلمة مشتقة من "وسط" التي تدل على الشيء الواقع بين طرفين.
تمثل الوساطة أحد الوسائل البديلة لتسوية المنازعات، يلجأ فيها أطراف النزاع لشخص ثالث يسمى الوسيط يتولى مهمة التقريب بين وجهات نظرهم المختلفة للتوصل إلى تسوية ودية بينهما. فإما أن يتم اللجوء إليها باتفاق الأطراف وقبل طرق باب المحاكم فتكون وساطة اتفاقية، أو أن يتم اللجوء إليها بعد رفع الدعوى القضائية وبإحالة من قاضي الدعوى فتسمى وساطة قضائية و يعرف الوسيط على أنه طرف خارجي نزيه يتولى إجراء عملية الوساطة.
الوساطة الإدارية:
“الوساطة“ في الميدان الاداري هي صورة بديلة لحل الخلافات القائمة بين المواطن والاجهزة الإدارية وحتى بين مختلف المتنازعين افرادا أو مؤسسات كانوا في محاولة للتصدي وكبح هيمنة الإدارة وفي أوجه القصور التي كانت تعاني منها الرقابة التقليدية من قبل السلطة وحتى المحاكم في الدفاع على الناس خاصة من تأثروا بالإجراءات الإدارية المتعسفة والغير منصفة.
مؤسسات الوساطة الإدارية
1. مؤسسة وسيط المملكة:
هي هيئة وطنية مستقلة في احقاق الحقوق ورفع المظالم والدور المنوط بها والمتمثل على الخصوص في صيانة حقوق المواطنين في علاقتهم بالإدارة والعمل على انصافهم من أي تجاوزات وذلك في نطاق سيادة القانون وتوطيد مبادئ العدل والانصاف , وذلك من خلال دور الوساطة والتوفيق الذي تقوم به بهدف الاسهام في ترسيخ مبادئ دولة الحق والقانون والحكامة الجيدة في تدبير المرافق العمومية وكذا اقتراح المتابعات القانونية بالضافة اصدار توصيات تهدف لضمان مساواة المواطنين أمام القانون والإدارة والرفع من جودة الخدمات التي تقدمها المؤسسات العمومية ومرافق الدولة والجماعات الترابية.
وقد تم اصدار قرار أممي 75/186 بشأن دور أمناء المظالم والوسطاء في تعزيز حقوق الانسان وحمايتها وكرست هذه الوثيقة الاستقلالية الهوياتية لمؤسسات الوساطة والأمبودسمان عن باقي الآليات الوطنية لحقوق الانسان وكذا الاعتراف الأممي بدور هذه المؤسسات في الدفاع عن حقوق الانسان ودعم الحكامة الجيدة , وجاء القرار الأممي بتعديلات مكنت مؤسسات الوساطة عبر العالم من مكتسبات جوهرية في علاقتها بالمنظومة الأممية لحقوق الانسان وتبنى القرار الأممي مبادئ البندقية المتعلقة بحماية مؤسسات الامبودسمان والنهوض بها.
2. المركز المغربي للوساطة البنكية:
• من بين القضايا التي يختص بالوساطة فيها , صعوبات تسديد المقاولات الصغيرة جدا والمتوسطة للقروض البنكية , عدم احترام شروط تسديد المساعدات المالية ,وخلال آلية الوساطة يقوم المركز بجمع معلومات ويمنح المرتفقين الفرصة لطرح الخلاف ويحدد انشغالاتهم الرئيسية ثم يساعدهم الوسيط في حل الخلاف وأخيرا يتوصلون لاتفاق مع الطرف الآخر؛
• المسطرة التي يتبعها المركز تتمثل في عدة مراحل.
المرحلة الأولى:
• تلقي الشكاية وتحديد النزاع و(إمكانية قبول الشكاية)؛
• تكوين ملف كامل: وثائق الاثبات، الشكاية الموجهة إلى المؤسسة مصحوبة بالجواب عنها؛
• إعلام المؤسسة فورا ,والشروع في المسطرة , يبدأ احتساب أجل 30 يوما منذ تصريح الوسيط بقبول الملف مع إمكانية تجديد المدة ل 30 يوم إضافية.
المرحلة الثانية:
• النظر في الملف؛
• تتمتع المؤسسة بأجل 8 أيام لتحقق والتأكد إذا ما كان النزاع دخل في أية مسطرة قضائية وفي هذه الحالة يقفل المركز المغربي للوساطة البنكية هذا الملف ويشعر الزبون بذلك؛
• تنظيم الاجتماعات؛
• اقتراح الحل على الطرفين؛
• منح أجل 10 أيام لقبول الملف أو رفضه.
المرحلة الثالثة:
• الصلح بين الطرفين , يتم تحرير بروتوكول الصلح ويوقعه الطرفان, ويعمل الزبون على تصحيح امضاءه ويقدمه في أجل أقصاه 10 أيام؛
• وتتمتع المؤسسة بأجل أقصاه 10 أيام لتنفيذ الصلح.
• المرحلة الرابعة
• إقفال الملف ويتم تسليم كل طرف نظيرا للوثيقة في حالة الصلح؛
• أو يتم إشعار كل طرف إشعارا بعدم الصلح ونسخة من المحضر؛
• إقفال الملف على مستوى المركز.
مقارنة بين مؤسسات الوساطة في المغرب وتونس والسويد
• إذا قارنا بين تجربة المغرب وتونس والسويد في مجال الوساطة الإدارية نجد أن السويد استطاع أن يمتد تأثيره إلى العديد من الدول بما فيهم الغربية المتطورة , واستطاع أن يصنع مكانة دستورية وإدارية وسياسية ضمن المؤسسات التقليدية للدولة إلا أن الاستثناء وقع على الدول النامية بما فيهم التجربة التونسية والمغربية اللتان بقيتا ضمن نطاق مؤسساتي ضيق ولم تسهم في تكريس مبدأ السيادي الدستوري للمواطن.
• بالنسبة للمغرب تم ادراج التعديل الدستوري عام 2011 حيث اعتبرت مؤسسة الوسيط الإداري والتي كانت من قبل تسمى بديوان المظالم ,مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة تتولى مهام الدفاع عن الحقوق والاسهام في ترسيخ سيادة القانون وإشاعة مبادئ العدل والانصاف والعمل على نشر قيم التخليق والشفافية في تدبير المرافق العمومية وهذا ما نص عليه الفصل 162 من الدستور 2011.
• أما في تونس تم احداث المؤسسة تحت اسم "مصالح الموفق الإداري " تتمتع هذه المؤسسة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وتم تمكينها من صلاحيات واسعة للتدخل لفائدة المواطنين لدى الإدارة والمؤسسات العمومية وكل الهياكل المكلفة بمهمة تسيير مرفق عمومي إلا أنه يشكو من طابعه الإداري أي تغليب الطابع الرئاسي من التبعية في اعتباره مؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية تحت اشراف رئاسة الجمهورية نفوذا حقيقيا على باقي السلطات العمومية.
• تختلف مؤسسات الوساطة الإدارية في المغرب وتونس والسويد من حيث اختلاف طبيعة النصوص القانونية المحدثة لها، ومدة الولاية ففي السويد الأمبودسمان ينتخب بموجب صك حكم لولاية تقدر ب 4 سنوات قابلة لتجديد عن طريق البرلمان.
• في حين الوسيط الإداري بالمغرب يعين بظهير شريف لمدة 5 سنوات قابلة لتجديد مرة واحدة.
• أما الموفق الإداري في تونس فيعين بأمر رئاسي لمدة 5 سنوات.
• ويبقى الأساس القانوني محددا في قوة أو ضعف أداء مراقبة الوسيط للإدارة.
فوائد مؤسسات الوساطة الإدارية:
- توسيع نطاق تطبيق الوساطة الى النزاعات الإدارية ؛
- تخفيف الضغط على المحاكم الادارية وكذلك تسريع حل النزاعات؛
- انخفاض تكلفة الوساطة مقارنة بغيرها من سبل و أساليب القانون الأخرى؛
- تتيح لأطراف الخلاف أو النزاع مناقشة الموضوع أو القضية محل النزاع من قبل الأشخاص المتخصصين و من يشهد لهم بالمهارة و القدرة الفائقة على ايجاد الحلول المناسبة لمثل هذا النوع من القضايا؛
- تحاول المحافظة على العلاقات التي تجمع بين طرفي الخلاف أو النزاع.
الرهانات:
- نهدف بالوساطة الى تسوية النزاعات بعيداً عن أروقة المحاكم و توفير الوقت والجهد والتكلفة العالية على أطراف النزاع والتخفيف من الضغط على المحاكم لكن هناك العديد من التحديات و الرهانات التي تواجهها :
- قلة الوعي بأهميتها؛
- قلة مراكز الوساطة الادارية؛
- وجود غموض في النصوص القانونية المنظمة للوساطة في القانون 05ــ08 المتعلق بالوساطة الاتفاقية؛
- ضعف الثقة بها كبديل عن التقاضي؛
- قلة الموارد البشرية من قضاة و أطر؛
- وجود جدل فقهي واسع حول جواز اللجوء للوساطة القضائية في المنازعات الإدارية من عدمه؛
- تواجد الوسيط الاداري في المغرب بشكل شكلي اكثر منه واقعي؛
- عدم توفر الوسيط الاداري على الفعالية بسبب انعدام التخصص في منصب الوسيط؛
- قلة مراكز الوساطة الادارية؛
- اقتصار المغرب على الوساطة الاتفاقية فقط دون الوساطة القضائية.
المراجع:
- محمد الكراوي، دور الوساطة في تسوية المنازعات من خلال التشريع المغربي؛
- دندوقي سمية و قاسم ميلود ،التحليل المؤسسي لنظم الوساطة الإدارية (دراسة مقارنة بين السويد والمغرب وتونس)؛
- القانون رقم 08.05 المتعلق بالوساطة الاتفاقية؛
- قراءة في قانون 05ــ08 المتعلق بالوساطة الاتفاقية، موقع طالب القانون ، حرر في ابريل 2020.
إعداد كل من:
حسناء المسلوت
هاجر ورياشي
هاجر ورياشي