-->

الأطفال في وضعية نزاع مع القانون (الجنوح)

الأطفال في وضعية نزاع مع القانون (الجنوح)

إن حاجتنا إلى الدراسات والبحوث العلمية تزداد يوماً بعد آخر، فالعلم في سباق محموم للحصول على أكبر قدر ممكن من المعرفة الدقيقة المستمدة من العلوم التي تكفل الراحة والرفاهية للإنسان وتضمن له التفوق على غيره، فالوظيفة الأساسية للبحث العلمي هي في تقدم المعرفة من أجل توفير ظروف افضل لبقاء الإنسان وأمنه ورفاهيته.

والبحث العلمي بمناهجه وإجراءاته من الأمور الضرورية في أي حقل من حقول المعرفة. وأصبح الإلمام بمناهج البحث العلمي المختلفة والقواعد الواجب اتباعها بدءاً من تحديد مشكلة البحث العلمي ووصفها إجرائياً مروراً باختيار منهجية محددة لجمع البيانات المتعلقة بها وانتهاء بتحليل البيانات واستخلاص النتائج من الأمور الهامة في كل العلوم النظرية والتطبيقية.

وتبرز أهمية البحث العلمي بازدياد اعتماد الدول على البحث العلمي إدراكاً منها بمدى أهمية البحث العلمي في تحقيق التقدم والتطور الحضاري واستمراريته.

إذ يعمل البحث العلمي على التوصل إلى نظريات تمكنه من فهم الظواهر الاجتماعية وتفسيرها والتنبؤ بها والسيطرة على متغيراتها. كما يقوم أيضاً على توضيح المشكوك من هذه الظواهر الاجتماعية، وتصحيح الحقائق المتعلقة بالحياة الاجتماعية التي أسيئت معرفتها أو فهمها.  ومن بين العلوم الاجتماعية التي تعتمد هذا البحث نجد علم الخدمة الاجتماعية الذي يعد من أهم العلوم الاجتماعية نظراً للأدوار العظيمة والجبارة التي يقوم بها فهو، يعمل أساساً مع فئات مجتمعية خاصة قصد حل مشاكلهم وتحسين ظروف معيشتهم وتلبية حاجياتهم وتلبية قدراتهم وميولاتهم وإزالة مختلف العوائق التي تعترض طريقهم والقضاء على جميع الآفات والظواهر الاجتماعية بشكل عام.

بل أكثر من ذلك، فعلم الخدمة الاجتماعية لا يقتصر دوره فقط فيما سبق ذكره وإنما يعمل على إجاد حلول وطرق مختلفة من أجل إحداث تغيير للأوضاع الاٍجتماعية وللأنظمة القائمة فيه وذلك باعتماده على مجموعة من الأدوات والأجهزة فعلم الخدمة الاجتماعية إضافة إلى كونه علم كونه أيضا مهنة تمارس ولها مؤسساتها الخاصة بها وكذلك أخصائيون اجتماعيون إضافة إلى توفر للخدمة الاجتماعية أو مهنة الخدمة الاجتماعية كليات ومعاهد تدرس فيها.

ولعل الفئة التي سيتم التطرق إليها في هذا البحث تعد من صلب اِهتمام الخذمة الاجتماعية ألا وهي فئة الأطفال في نزاع مع القانون أو الأحداث الجانحين إذ تعتبر هذه الفئة الهشة من أهم الفئات الاٍجتماعية في أمس الحاجة اٍلى الخدمة الاِجتماعية نظرا لصغر سنها ولكونها في وضعية صعبة تقتضي التدخل السريع من أجل إعادتها إلى السكة التي يسير عليها المجتمع وتنشئتها وفق معايير وقيم مجتمعها. واِذا كان الأطفال الجانحون من بين الفئات التي تهتم بها الخدمة الاجتماعية فمن المفروض أن تشهد هذه الفئة اِنخفاضاً من ناحية أعدادها وهو ما نجده مخالف تماماً للواقع المغربي، إذ يشهد هذا الأخير ارتفاعاً مهولاً في صفوف هذه الفئة خاصة في هذه الأونة الأخيرة. لكن ليس هذا فقط بل الخطير في الأمر هو ارتفاع تسجيل حالة العود كذلك الشيء الذي يثير الشكوك في مدى قيام الخدمة الاجتماعية بالأدوار والمهام السالفة الذكر.

هذا ما سيدفعنا حتما لطرح بعض التساؤلات الفرعية آلا وهي:

  1. ما طبيعة الخدمة الاجتماعية الموجهة للأطفال في نزاع مع القانون بالمغرب؟
  2. ماهي طبيعة الصعوبات التي يعاني منها الأطفال الجانحين؟
  3. ماهي أبرز الدراسات العلمية السابقة في مجال الخدمة الاجتماعية للأطفال الجانحين؟
  4. ما هو الواقع الذي تشهده المؤسسات الاجتماعية في المغرب؟
  5. كيف يمكن توظيف الخدمة الاجتماعية لفائدة الأطفال الجانحين في المغرب؟

 قبل الخوص في غمار بحثنا  لابد من ان نشير الى  بعض المفاهيم الأساسية التي تتنأول موضوع الأطفال في نزاع مع القانون، التي تساعدنا على إزالة أو الإسهام في إزالة الغموض الذي يرتبط بالتحديد الجامع والمانع لهذه الفئة الهاشة، وفي ما يلي بعض المفاهيم التالية التي سنقوم بتحديدها:

الطفل: هو كائن إنساني صغير السن في طور التكوين لم يصل بعد  الى سن الرجولـة  أي الصغير منذ ولادتـه حتى يتم نضجه الفكري والنفسي والاجتماعي وتتكامل لديه عناصر الرشد.

الجنوح delinquency: مصطلح الجنوح استخدمه الرومان، وهو مصطلح مشتق من كلمة لاتينية تعني الخيبة والإهمال، وعدم أداء الواجب، ومعناه الخروج على القانون فيما يتعلق بالأحداث. وأحيانا يستعمل هذا الاصطلاح ليدل على جرائم الكبار، إذ كانت هينة. ناحية، وكان ارتكابها للمرة الأولى من ناحية أخرى. وهنا يكون إطلاق صفة الجنوح على أفعالهم وتسميتهم بالجانحين أخف وطأة على نفوسهم وأرواحم بهم.

ويعرف الجنوح على أنه: "هو موقف اجتماعي يخضع فيه صغير السن لعامل أو أكثر من العوامل ذات القوة السببية مما يؤدي إلى السلوك غير المتوافق.

ويقصد به: "هو الذي تصدرعنه أفعال منحرفة عن النموذج المتوسط. والنموذج المتوسط حسب  دور کایم- صورة الحدث المتكامل في نموه الجسمي والعقلي والذي يستطيع التكيف مع جماعته الأسرية والمدرسية والمهنية.

الجنوح هو الميل والانحراف، ويستخدمه علماء الإجرام عادة للدلالة على الجريمة، ويعني به علماء الاجتماع والقانون وعلم النفس، والتربية والإدارة. ويفسره كل على حسب وجهة نظره. وينصب عموما على أنماط السلوك يجرمها القانون وتستوجب عقوبات خاصة وتعتبر خروجا على قيم المجتمع وتقاليده فهي ضارة به مهددة لنظمه.

الجنوح: ظاهرة اجتماعية تختلف من بيئة إلى أخرى. ومن عصر إلى عصر، فهناك أمور تعد إما في مجتمع ما ولا ينظر إليها كذلك في مجتمع آخر.

الحدث: الحدث الجانح هو الصغير منذ ولادته وحتى يتم له النضج الاجتماعي والنفسي وتتكامل له عناصر الرشد والإدراك، أما الحدث للانحراف هو: "هو كل شخص تحت سن معينة تقل في الحد الأقصى لسن الحدث وهو وإن لم يرتكب جريمة وفقا لنصوص القانون إلا أنه يعد لأسباب مقبولة ذو سلوك مضاد للمجتمع.

ويعني الحدث من الناحية النفسية الاجتماعية الطفل الذي لم يكتمل بعد نضجه ولم تتوافر لديه عناصر البلوغ والإدراك والحرية.

تجدر الإشارة إلى أن علماء الاجتماع يميزون بين أربعة أنواع من الأحداث الجانحين هم:

الحدث المشاكس- الحدث المصاب باضطراب في الجهاز التنفسي: يعاني هذا المريض من الشذوذ الجنسي والشعور بالنقص وعدم الاستقرار والشعور بالذنب.

ويعرف الحدث الناحية القانونية بالطفل في فترة ما بين سن التمييز وسن الرشد والذي يتمثل أمام هيئة قضائية أو أي جهة أخرى رسمية مختصة بسبب فعل يعاقب عليه القانون، أو أنه يوجد في حالة من حالات الانحراف التي نص عليها القانون. وقد عرف مكتب الشؤون الاجتماعية التابع للأمم المتحدة الحدث بأنه: كل شخص في حدود سن معينة يتمثل أمام هيئة قضائية أو أي سلطة أخرى مختصة بسبب ارتكاب جريمة جنائية ليتلقى رعاية من شأنها أن تيسر بإعادة تكيفه الاجتماعي.

إعادة تربية الأحداث الجانحين: 
ذإن إعادة تربية الحدث الجانح داخل المراكز المخصصة لذلك بوجه عام هي عبارة عن تطبيق بعض التدابير منها:
  • التدبير الشفائي: والمقصود به هو إخضاع الحدث الجانح للفحوصات الطبية والسيكولوجية؛
  • التدبير المهني: وفيه يتم قميئة الحدث للحياة العملية و ذلك بتعليمه؛
  • التدبير التربوي: وهدفه الأسمی هو جعل الحدث الجانح منسجما مع مجتمعه.

يبقى التدبير الشفائي من اختصاص الطبيب وحده ،  كذلك دمج المراهق في الحياة المهنية هو الأخر إجراء شفائی سیکو اجتماعي كما أنه بإمكان الطبيب وصف كيفية استخدام الطرائف التربوية التي تعتبر  وسائل شفائية نفسية حقيقية.

تجدر بنا الإشارة إلى أن إعادة تربية الحدث الجانح لا اقتصر فقط على إعادة تكييفه الحياة الاجتماعية بتربية أنماط سلوكية معينة ولكن يجب إدماجه في المجتمع و تفتحه ونموه، وبإثارة مظاهر الوعي عنده ويجعله يعيش الواقع، وبهذا سيعي نفسه ومكانته في المجتمع، و بالتالي يصبح مسؤولا.

ويبدو لنا أن لإعادة التربية ثلاثة مظاهر أساسية هي: 

أولا تفكيك تكيفات الحدث الجانح الماضي، وتفكيكها يفرض في بعض الحالات إبعاد المراهق عن وسطه الأصلي إذا كان وسطه الذي تربى فيه ضارا وسیئا. أما في حالات أخرى فإن تفكيك التكيف يجري في بقاء الحدث في محيطه، ويطبق في هذه الحالات إجراء تربوي تخضع له الجماعة التي ينتمي إليها الحدث كما يخضع له هو نفسه.

أما إعادة التكيف هدفها تمكين الولد من اكتساب ردود الفعل الشريطية، وهدايته عبر وسائل التطبيع والتمثيل بإدماجه في مجموعة ما، فيحتك كما و بأساليب عيشها.

كما أن قضية "شخصية" الحدث الذي أعيدت تربيته لا يمكننا التطرق إليها بجدية دون أن نفحص الظروف الملائمة بالوسط، ومن الضروري أن يمثل هذا الوسط كل حاجات الحدث من حب و حب وود وأمان، وكذلك الحاجة إلى إثبات الذات هي  أساسية فالحاجة للحب لا تبلغ ذروتها إلى إذا أحيط هذا الحدث بجو من الود والصدق والثقة بينه وبين أفراد محيطه، فمن الضروري أن نخلق جوا عائليا نموذجيا حوله.

ونتيجة لكل ذلك يشعر الحدث بهاته العلاقات العاطفية، ويسعى بدوره و بعفوية للعطاء و الحب، ويتقبل التضحيات، ويشعر بأن هناك من شخصية وبأنه على استعداد ليشارك هو بنفسه بإعادة تربية الشخصية، وينتج عن هذا كله شخصية اختفت منها كل أثار الجراح والتفكك من الإرادة .

والحاجة إلى الأمان والطمأنينة تستوجب توفير الإطار الحياتي المبني على أسس قوية التي يجب أن تلقن و تعاش قبل أن تناقش، وتستوجب أيضا تقديم دعم مادي ومعنوي لهذا الحدث بتوفير الملجأ الأمين له والعمل على تقديم أجوبة قيمة لكل تساؤلاته.

فعلى كل مربي أن يعني  أن الشكليات لا يمكنها أن تشكل نقطة الوصول، إذا أن الطفل أو الحدث يحمل في نفسه الحاجة إلى توكيد الذات في مواجهة وسطه وهو بقدر ما يعمل على فرض ذاته دون ما تعارض مع الأخريين، بقدر ما يسير إلى حريته كرجل.

كما ينبغي على المربيين إعطاء أهمية كبيرة لحاجة التملك و حاجة التماثل - والمقصود بالتملك هو امتلاك الحدث لشيء ما كملكية فريق أو مهنة... أما التماثل هو إقتداء الحدث بشخص ما يكون نموذجه في الحياة، وليس من الصعب على المربي أن يلعب هذا الدور وعندما تتحقق لدى الحدث هاتين الحاجتين فهذا انه قد وصل إلى الطمأنينة وتوكيد الذات.

وبقدر ما هو مهم ما يقدمه المربون للأحداث من اجل إشباع حاجاتهم الأساسية، بقدر ما يتوجب عليهم تقديم إطار حياتي حقيق لهؤلاء الأحداث، وذلك بإقحامهم في خضم العالم ومواجهتهم مصاعب الحياة من خلال منحهم الفرصة للقيام بأعباء وتحمل مسؤوليات حقيقية والأخذ بمبادرات فعلية. 

ومن الضروري أن يتعلم الحدث كيف يعيش في وسط جماعي يقوده إلى اعتبار وجود علاقات جماعية، بالإضافة إلى هذا فإن المشاركة للحدث في عملية إعادة تربية الذاتية هي وحدها التي تقوده على أحسن وجه صيرورته رجلا اجتماعيا حرا. كلما إزاداد وعيه لنفسه ولوضعه داخل الجماعة كلما صارت مشاركته اشد رسوخا و إيجابية.

النظريات المفسرة لجنوح الأحداث

إرسال تعليق

شاركنا رأيك في الموضوع

أحدث أقدم