الأرقام والإحصائيات:
يعيش مختلف الأطفال في المغرب الذين قُيدت حريتهم نظراً للفعل المحظور الذي ارتكبوه وبسببه أصبحوا في حالة نزاع مع القانون لينتهي بهم المطاف إلى مؤسسات سجنية وشبه سجنية يتم فيها إعادة تربيتهم و إدماجهم، مجموعة من الصعوبات والمشاكل.
ففي أحدث الإحصائيات لسنة 2019، بلغ عدد الأطفال في نزاع مع القانون حوالي 1088 حدث أي ما يعادل %1.26 من إجمالي عدد السجناء. وبخصوص المعتقلين الوافدين من حالة سراح على المؤسسات السجنية خلال نفس السنة فقد بلغ عددهم 2909 أي ما يعادل % 2.58 من إجمالي عدد السجناء.
وفيما يتعلق بالأطفال في نزاع مع القانون المودعين في مراكز حماية الطفولة التابعة لوزارة الثقافة والشباب والرياضة -قطاع والشباب والرياضة- في أحدث الإحصائيات التي حصلتُ عليها هي إحصائيات تابعة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتي أتت كنتيجة للزيارات التي قام بها 17 مراكز حماية الطفولة بالمغرب خلال الفترة الممتدة من 15 إلى 29 نونبر 2012. وعليه فقد بلغ عدد الأطفال في نزاع مع القانون حولي 349 طفلاً أي ما يعادل % 47 من بين المجموع العام لهذه المراكز، لأن هذه الأخيرة لا تضم فقط الأطفال في نزاع مع القانون، بل تضم كذلك الأطفال في وضعية صعبة، وكذا الأطفال الضحايا. وهذه نقطة سيتم التطرق إليها في هذا البحث. إذ يمثل الأطفال في وضعية صعبة في هذه المراكز 393 طفلا نسبة ٪ 53 من بين المجموع العام، والأطفال في نزاع مع القانون 349 طفلا ٪ 47، بينما 1 ٪ من الأطفال هم ضحايا.
وفيما يخص إيداع الأطفال في نزاع مع القانون، فإن أسبابه تتمثل أساسا في الاعتداء على الأشخاص أو الممتلكات أو الأمن أو النظام العام أو الآداب. وهناك أطفال يودعون بسبب حالة العود إلى ارتكاب جنح سبق الحكم عليهم وإيداعهم بسببها في المراكز، وينطبق هذا الوضع على 43 طفلا.
من ضمن الأطفال المودعين المترأوحة أعمارهم بين 12 و18 سنة، يوجد 173 طفلا (23 ٪) ينتظرون صدور القرار القضائي النهائي و459 طفلا (62 ٪) صدر حكم بإيداعهم في مركز من أجل التهذيب. ومما ينبغي تسجيله أن مرحلة الملاحظة تكون، في كثير من الأحيان، أطول من المدة القانونية (من شهر إلى 3 أشهر)، وذلك بفعل التأخر في إصدار القرارات القضائية.
المشاكل والصعوبات التي يوجهونها:
الإقامة:
باستثناء مركز عبد السلام بناني في الدار البيضاء المتوفر على مراقد لستة إلى سبعة أطفال (حسب الزيارات الميدانية التي قام بها، المجلس الوطني لحقوق الإنسان لفائدة 17 مراكز حماية الطفولة بالمغرب خلال الفترة الممتدة من 15 إلى 29 نونبر 2012). فإن مراقد بقية المراكز الستة عشرت ستقبل ما بين 20 إلى 40 طفلا، مما يترتب عنه استحالة الفصل بين الأطفال حسب السن ووضعية الهشاشة، يُضاف إلى ذلك عدم تطبيق التوجيهات المتعلقة بتوزيع المراقد حسب السن بسبب النقص في عدد العاملين (مؤطر واحد كل ليلة). كما لا تتم صيانة الأسِرة والأغطية وتغييرها بالقدر الذي يحافظ على نظافتها. يضاف الى ذلك أن المراقد غير مجهزة بشكل ممنهج بخزانات ذات رفوف وأدراج ومتوفرة على مفاتيح يستطيع الأطفال وضع أغراضهم الشخصية داخلها باطمئنان، مما يضطر الأطفال المودعين في بعض المراكز (مركز مراكش للذكور، مركز الفقيه بن صالح ومركز برشيد) إلى وضع أغراضهم على الأرض.
النظافة:
تتوفر جميع المراكز على حمامات (دوشات) جماعية، لكن بعضها غير صالح للاستعمال (غياب الماء الساخن في مركز الفقيه بن صالح، ضرورة القيام بإصلاحات في مركز الزيات ونادي العمل الاجتماعي بفاس، مشكلة انخفاض درجة الحرارة خلال فصل الشتاء). وتتباين ظروف الولوج إلى "الدو شات" وباقي المرافق الصحية حسب المراكز، ففي مركز مراكش (ذكور) مثلا لا يُسمح الأطفال باستعمال "الدوشات" إلا مرة واحدة كل خمسة عشر يوما، بل أحيانا مرة واحدة كل شهر. كما أن حالة المرافق الصحية سيئة، من حيث النظافة، وغالبا ما تكون بعيدة نسبيا، في كثير من المراكز، عن المراقد، مما يجعل الولوج إليها صعبا. كما يضاف الى ذلك أن مواد النظافة البدنية غير كافية هي الأخرى أو لا توزع على الأطفال بانتظام. وهذا ما يفسر معاناة العديد من الأطفال من أمراض ناتجة عن قلة النظافة، ومن القمل والجرب.
ورغم أن وزارة الثقافة الشباب والرياضة تخصص ميزانية ضئيلة لملابس الأطفال، فإن المراكز التي تتوصل بهبات من طرف محسنين، تتدارك الأمر وتوزع ألبسة على الأطفال. ويشعر الأطفال الذين تم ستف سارهم حول هذا الموضوع بالنقص، ذلك أن الملابس الممنوحة لهم إما مستعملة أو لا توافق مقاساتهم بل لقد صرح كثير من المستفيدين من الملابس أنهم لم يغيروها منذ حلولهم بالمراكز (أكثر من شهر بالنسبة للبعض)، وذلك في غياب بذلة ثانية وإمكانية تنظيف تلك المتوفرة.
التغذية:
تبلغ ميزانية التغذية المرصودة يوميا لكل طفل 20 درهما، مما يجعلها غير كافية، كميا ونوعيا، لتغطية احتياجات الأطفال. ورغم أنه تم وضع برنامج للتغذية فإن المراكز لا تستطيع تطبيقه بسبب غياب الإمكانيات.
لا يتم دائما احترام المعايير الغذائية والمعايير الصحية للتغذية، وذلك بسبب سوء حالة بعض قاعات الأكل
والمطابخ، وكذا بسبب الخصاص في تجهيزات وأواني المطبخ. علأوة على أن بعض المراكز لا تتوفر دائما على طباخ يعمل فيها بشكل دائم (طباخ متطوع في مركزي الفقيه بن صالح والزيات، ولا وجود لطباخ في نادي العمل الاجتماعي بفاس طيلة أربع سنوات) إضافة إلى النقص في عدد عمال المطابخ وافتقارهم لأي تأهيل. وأحيانا يهيئ الأطفال وجباتهم بأنفسهم خلال نهاية الأسبوع والأعياد. وقد طالب الأطفال المستجوبون بتحسين التغذية التي اعتبروها رديئة وغير كافية.
وإجمالا، لا توفر ظروف الحياة في المراكز الحقوق الأساسية للأطفال المودعين، مما يشكل مسا بكرامتهم ويعوق نموهم البدني والنفساني.
الصحة:
تبين من خلال الزيارات الميدانية المنجزة، معاناة عدد من الأطفال من مشاكل صحية:
- 59 حالة إصابة بأمراض جلدية ورئوية، بعضها معدٍ كالجرب وداء السل؛
- 7 حالات إصابة ب أمراض مزمنة كداء السكري والتهاب الكبد؛
- 16 حالة إصابة بأمراض عقلية ونفسية؛
- 19 حالة إعاقة بدنية وعقلية.
وقد لوحظ أيضا أن عددا من الأطفال (ذكورا وإناثا) يعانون من مشاكل الإدمان على المخدرات، وأن الكثير منهم يحملون ندوبا أحدثوها لأنفسهم. توجد قاعة للعلاج في 15 مركزا، لكن 6 من بين هذه القاعات فقط تتوفر على تجهيزات وأدوات علاجية ولا توجد ممرضة إلا في ستة مراكز، كما أن الطبيب المتعاقد معه لا يحضر إلى المركز لفحص الأطفال إلا في حالات الاستعجال.
وإذا كان الأطفال المرضى ينقلون إلى أقرب مستوصف، فإن غياب وسيلة نقل في بعض المراكز يجعل الأطفال الذين قد يصابون ليلا بوعكة صحية لا ينقلون إلى المستوصف إلا في الغد. كما أنه لا يتم إعلام وتحسيس العاملين في المراكز بالأساليب الوقائية وبالعلاجات الأولية الضرورية في حالات الاستعجال الطبي.
وحين حلولهم بالمراكز، لا يستفيد الأطفال بشكل تلقائي من الفحص الطبي، ذلك أن هذا الإجراء رهين بالإرادة الحسنة للمديرين الأطباء المتعاقد معهم. وإذا كان بعض المديرين صارمين في هذا الأمر، فهناك مديرون لا يرون جدوى في استدعاء الطبيب ويعتقدون أن الطفل معافى بمجرد النظر إليه بالعين المجردة. وبما أن أغلبية الأطفال لا يُعرضون على الفحص الطبي حين حلولهم بالمراكز (الطب العام، طب الأمراض العقلية والنفسية)، فإنه لا يتم الكشف، في الوقت المناسب، عن المشاكل المرتبطة بالصحة النفسية والإدمان على المخدرات، الأمر الذي يجعل المربين يواجهون بمفردهم مشاكل تتجأوز قدراتهم. باستثناء مركز عبد السلام بناني بالدار البيضاء الذي يتوفر على طبيب نفساني، فإن الأطفال المودعين بالمراكز، الأخرى لا يستفيدون من خدمات في هذا المجال.
لا يستفيد الأطفال المصابون بإعاقة الأطفال المضطربون نفسيا من المساعدة والتكفل الملائمين، كما أنهم لا ينقلون، عند الاقتضاء، إلى مراكز مختصة. وليس متاحا دائما عزل الأطفال المصابين بأمراض معدية وذلك بسبب انعدام غُرف للعزل. وباستثناء مركز عبد السلام بناني بالدار البيضاء، فإنه لا يتم الالتزام بالجدولة الزمنية الإجبارية للتلقيح. كما يشكل انعدام الدفتر الصحي عائقا أمام الاطلاع على المعلومات المتعلقة بتطور الحالة الصحية، البدنية والنفسية، للأطفال، وخاصة الذين يقضون سنوات كثيرة في المراكز. وعلأوة على ذلك فإن برامج التربية الصحية الموجهة الأطفال منعدمة تماما.
الحماية والأمن:
يتعرض الأطفال لأشكال مختلفة من العنف البدني أو النفسي، سواء من طرف بعض المربين أو من طرف أطفال آخرين. وقد أكد الأطفال الأقل سنا تعرضهم للعنف والتعسف المُمارسين عليهم من قبل أطفال أكبر منهم سنا أو أقوى منهم بنية أو عنيفين، كما عبروا أيضا عن شعورهم بالخوف والقلق، خاصة أثناء الليل.
ولوحظ كذلك، خلال الزيارات، أنه أمام عدم وجود مربين متفرغين لمراقبة مجموعة من الأطفال، يتم تكليف أحد هؤلاء، أحيانا، بمسؤولية المجموعة، وفي هذه الحالة، يمكن "للمسؤول " المدعم بهذا التكليف أن يمارس العنف ضد أولئك الذين يتولى "حراستهم".
ويشكل اختلاط الأطفال وانعدام الحميمية في المراقد والنقص في التأطير عواملا قد تؤدي إلى العدوانية والعنف ويمكن أن تخلق توترات بين الأطفال.
ولأسباب أخلاقية، كان من الصعب التطرق مع الأطفال إلى موضوع الاعتداءات الجنسية. لكن بعض المؤطرين أشاروا، خلال إجراء المقابلات معهم، إلى وجود اعتداءات جنسية بين الأطفال، خاصة وأن بعض الأحداث المحكوم عليهم بتهم اغتصاب أطفال يتقاسمون نفس المراقد مع آخرين أقل منهم سنا.
المصاحبة البيداغوجية -التربوية والنفسية والاجتماعية
تتمثل وظيفة المراكز في تقديم مواكبة بيداغوجية تربوية ونفسية اجتماعية من أجل ضمان تهذيب الأطفال المودعين وإعادة إدماجهم عائليا وتعليميا واجتماعيا ومهنيا. ولبلوغ هذه الأهداف يتم تنظيم بعض الأنشطة: تربية، تكوين مهني، أنشطة ثقافية ورياضية...
التربية:
إن التعليم المدرسي متوفر تقريبا في جميع مراكز حماية الطفولة، وذلك بدرجات متفأوتة. بعض المراكز متخصصة في التكوين المدرسي مثل مركز بنسليمان الذي أبرم اتفاقية مع وزارة التربية الوطنية يسجل بموجبها الأطفال المودعون فيه في أسلاك التعليم الابتدائي بالمِؤسسات العمومية. كما أحدثت أقسام للتعليم غير النظامي بفضل دعم بعض الجمعيات. أما دروس محو الأمية، فلا يتم توفيرها في جميع المراكز وذلك بسبب قلة المدرسين.
وفي بعض المراكز، يتابع فتيان وفتيات دراستهم في مؤسسات تعليمية خارجية (خاصة في مراكش، والدار البيضاء، وطنجة وأكادير).
خلال الزيارات الميدانية التي قام بها المجلس الوطني للحقوق الإنسان، كان هناك 314 طفلا يتابعون دراستهم إما في التعليم الابتدائي (203 من بينهم 97 فتاة)، أو في الثانوي الإعدادي (72 من بينهم 42 فتاة) أو في الثانوي التأهيلي (39 من بينهم 31 فتاة)، بينما كان 203 أطفال) منهم 60 فتاة (يتابعون دروس التعليم غير النظامي، و53 طفلا (من بينهم 9 فتيات (ودروس محو الأمية. غير أن 172 طفلا (أي % 23،18) لم يكونوا لا متمدرسين ولا مستفيدين من دروس محاربة الأمية أو من التعليم غير النظامي.
وأثناء الحوارات مع العاملين في مراكز حماية الطفولة، تمت الإشارة إلى عدد من المشاكل المرتبطة بتدريس الأطفال:
- صعوبة القيام بتقييم المستويات الدراسية للأطفال؛
- التسجيل في المدارس المجأورة للمركز مشروط بشهادة مدرسية مسلمة للطفل من المدرسة التي كان يدرس بها سابقا، وهي وثيقة ليس من اليسير الحصول عليها (المدارس لا تسلم هذه الشهادات إلا للأبوين اللذين يصعب الاتصال ب أحدهما)؛
- التخوف من فرار الأطفال يدفع بعض المديرين إلى تفضيل احتضان المركز للأنشطة المدر سية؛
- مدة انتظار القرار القضائي قد تتجأوز ثلاثة أشهر؛
- إن وجود مركز واحد (بن سليمان) يوفر دروس التعليم الأساسي يطرح إشكالية بُعد الأطفال عن عائلاتهم؛
- إن النقص في عدد المدرسين المؤهلين لا يُمكّن من مراعاة اختلاف مستويات الأطفال، خاصة بالنسبة للتعليم غير النظامي؛
- يظل تتبع وتقييم المعارف المكتسبة من طرف الأطفال جد عشوائي.
الأنشطة الرياضية والثقافية والمخيمات:
تعاني أغلبية المراكز من تلاشي بنياتها، ومن نقص في التجهيزات وغياب منشطين رياضيين مما يعوق ممارسة الأطفال لأنشطة رياضية، حيث ن 47 % فقط منهم يستفيدون هذه الأنشطة. وتنطبق نفس الملاحظة على ولوج الأطفال إلى الأنشطة الثقافية، بسبب نقص التجهيز والتأطير: فرغم توفر جميع المراكز على قاعات صالحة لاحتضان أنشطة ثقافية، فإن 52% فقط من الأطفال المودعين يستفيدون من أنشطة اجتماعية-ثقافية، بسبب النقص في عدد المنشطين، وفي التجهيز و/ أو اللوازم. وخلال عطلة الصيف، يستفيد الأطفال من المخيمات المنظمة من طرف وزارة الشباب والرياضة.
تدبير المراكز: المعايير الدولية والمراقبة
لا يخضع تدبير مراكز حماية الطفولة للمعايير الدولية المعتمدة في مجال حماية الأطفال والتكفل بهم. إذ لا يتم تطبيق مقتضيات القانون رقم 14 - 05 على هذه المراكز. ويجب أن يتم إعمال هذه المعايير من
لدن السلطة الوصية ويتعين ألا تشمل هذه المعاير فقط الجوانب المتصلة بالبنايات والتجهيزات الخاصة باستقبال الأطفال وإنما أيضا الجوانب الخمسة التي تنص عليها المادة 3 من اتفاقية حقوق الطفل وهي:
معدل ونوعية التأطير، نوعية البرامج وإمكانية تقدم الطفل بشكاية في حالة تعرضه للاعتداء أو سوء المعاملة.
إن تتبع أوضاع الأطفال المودعين في المراكز لا يتم بشكل منتظم كما ينص على ذلك قانون المسطرة الجنائية. من جهة أخرى، لا توجد آليات للإشراف على المراكز ومراقبتها من طرف السلطة الوصية، ترمي إلى تقييم ظروف عيش الأطفال ونوعية التأطير والتكفل التي يحظون بها ويكون بمقدورها القيام بالتدابير التصحيحية اللازمة.
لقد أعدت وزارة الشباب والرياضة دليلا للمساطر يتنأول: التدابير والمساطر التأديبية الممكن تطبيقها بمراكز حماية الطفولة، الادعاءات بتعرض القاصرين للاعتداء أو العنف من لدن الموظفين، تدبير الحالات الاستعجالية وتدابير السلامة، كيفيات التكلف بالقاصرين. لقد تم إصدار هذا الدليل مؤخرا ولكنه لم يكن قد وزع بعد على مديري المراكز إبان الزيارات.
لا يخضع تدبير مراكز حماية الطفولة للمعايير الدولية المعتمدة في مجال ظروف الاستقبال والحماية والسلامة ونوعية التأطير والتكلف بالأطفال المودعين. ومن جهة أخرى، لا تخضع هذه المراكز لمراقبة منتظمة من قبل الإدارة الوصية.
الانضباط وآليات التظلم:
أما بخصوص الانضباط، فإن عددا كبيرا من الأطفال المستجوبين يؤكدون أن العنف البدني يشكل الوسيلة "البيداغوجية" المعتمدة في تأديبهم. وتأخذ هذه العقوبات البدنية عدة أشكال: الجلد بواسطة أنابيب مطاطية، الضرب بالعصي، الصفع...
كما صرح الأطفال أيضا بوجود وسائل أخرى للتأديب، من ضمنها الحرمان من بعض الأنشطة (الترفيه والخرجات والرياضة)، والشتم والإهانة. ويتعرض الأطفال، أحيانا، لعقاب جماعي حيث تُعاقب المجموعة بأكملها بسبب ما ارتكبه أحد أفرادها. ولا يقدم للأطفال أي تفسير لسبب هذه العقوبات، مما يجعلهم يعتبرون الأمر غير عادل. وينظر بعض العاملين المؤطرين، إلى الأطفال باعتبارهم مجرمين، عديمي التربية ومثيري الشغب لن ينجحوا أبدا في حياتهم.
وقد صرح بعض المؤطرين، أثناء المقابلات معهم، أن العنف هو الوسيلة الوحيدة ل "تأديب" الأطفال، وأن العقوبات التي لا توظف العنف غير صالحة لهذا "الصنف من الأطفال". والواقع، أنه باستثناء بعض المؤطرين من ذوي الكفاءات البيداغوجية (كفاءات تم الوقوف عليها خلال الزيارات) الذين يعتبرهم الأطفال المستجوبون قدوة، فإن العلاقات بين الأطفال والمربين موشومة بالعنف البدني والمعنوي، الذي يعكس إرادة المربين في ضبط الأطفال وتأديبهم.
العلاقات مع الأسر:
إن الاتصالات بين العاملين في المؤسسات والأسر غير منتظمة ولا ممأسسة. كما يسجل ضعف إشراك الوالدين في اتخاذ القرارات الخاصة بأطفالهم. حيث من النادر أن يستدعى الوالدان ر سميا إلى التدأول حول ما يحدث من مشاكل، وخاصة حول تتبع أطفاله.
علأوة على ذلك فإن أغلبية أسر الأطفال المودعين توجد في وضعية صعبة (الهشاشة الاقتصادية، عائلات تعاني من الاختلال، عائلات أحادية المعيل...) و/ أو مقيمة بعيدا عن المراكز، مما يجعل إقامة علاقات مع الفرق التربوية أمرا صعب المنال. كما لا يسمح النقص في الموارد البشرية واللوجيستيكية للفرق التربوية بالقيام بزيارات إلى الأسر.
كل ذلك يساهم في ضعف الإشراك الفعلي للوالدين في حياة الأطفال وفي القرارات المتخذة ضدهم. ويجهل الآباء والأمهات المستجوبون واقع معيش أطفالهم، كما يفتقدون إلى المعرفة الجيدة بالقوانين والمساطر القضائية. وتعتبر بعض الأسر أن المؤسسة تحمي الطفل من الجنوح والانحراف اللذين يهددانه في الأحياء الشعبية حيث تقطن.
إلا أن هناك أسر أخرى تعتبر هذه المراكز بمثابة سجون، لأن أطفالها يُقتادون من طرف قوات الأمن، التي تقيدهم أحيانا بالأصفاد، ويُقدمون أمام المحكمة. يضاف إلى ذلك عدم وجود أي برنامج للدعم النفسي والاجتماعي موجه الأسر في وضعية صعبة، يهدف إلى تدعيمها وإعادة ربط الصلات الأسرية.
العلاقات بين الأسر والأطفال:
تؤكد المؤسسات، عموما، أنها تشجع الاتصال بين الأطفال وأسرهم، وأنه باستطاعة الأطفال الحصول على برخص قصد زيارة أسرهم خلال العطل وقضاء أعياد الأضحى والفطر معها. أما الأطفال بدون أسر، أو الذين يعجزون عن زيارة أسرهم، بسبب عدم توفر الإمكانيات أو البعد الجغرافي، فإنهم يمكثون في مراكز حماية الطفولة، ويبادر بعض المحسنين والجمعيات إلى قضاء الأعياد مع هؤلاء الأطفال.
ونادرا ما يُشرك الأطفال الوالدين في مشاكلهم، ذلك أنهم يعتقدون أن للوالدين ما يكفي من الانشغالات، وأنه لا فائدة ترجى من إشراكهما في مواضيع لن يستطيعا فهمها.
ويشكوا الأطفال من شدة محدودية تواصلهم مع أسرهم، ومن النقص في الفضاءات المخصصة للقاء الأسر حين زياراتها لهم.
- إن إشراك الأسر وتقوية الروابط الأسرية يظلان غير كافيين.
- إن حق الأطفال في الاتصال بأسرهم ليس محترما بشكل تام.
حالات الفرار من المراكز:
أكد أغلبية الأطفال المستجوبين أنهم لا يطيقون الحياة في المركز وأنهم سيحأولون الفرار، أو سبق لهم القيام بذلك واعتقلوا من طرف الشرطة وقدموا إلى المحكمة وأعيد إيداعهم في المركز.
وحسب تصريح مساعد تربوي تم إجراء استجواب معه، فإن عمليات الفرار تتزايد خلال العطل وفي فصل الصيف. وعادة ما يفر الأطفال المدمنون من المركز قصد الحصول على المخدرات أو الكحول. وقد ارتفع عدد محأولات وعمليات الفرار خلال السنتين الأخيرتين: 187 محأولة فرار و266 عملية فرار سنة 2011؛
وفي سنة 2012 بلغ عدد محأولات الفرار 208 محأولة وعدد عمليات الفرار 342 عملية
الحياة بعد المؤسسة:
من الصعب معرفة مآل الأطفال بعد مغادرتهم للمراكز نظرا لعدم فعالية نظام التتبع.
مبدئيا، تضم المراكز، فرع "ما قبل المغادرة" الذي يهدف إلى تطوير قدرات استقلالية الطفل لتيسير إدماجه في الوسط الاجتماعي والاقتصادي والعائلي، ولمساعدته على إنجاز مشروعه الشخصي. إلا أن هذا الفرع لا يقوم بأداء مهمته فعليا بسبب انعدام الوسائل البشرية والمادية.
كما أن نظام الحرية المحروسة، المفترض فيه أن يضمن، من بين مهام أخرى، تتبع الأطفال في الوسط الطبيعي، تعوزه الفعالية المرجوة بسبب النقص في الموارد البشرية والمادية. ونظرا لعدم فعالية برنامجي "ما قبل المغادرة" و"التتبع في الوسط الطبيعي"، فإن الأطفال يجدون أنفسهم غير مهيئين بما فيه الكفاية لمواجهة العالم الخارجي، وهو ما من شأنه أن يساعد على حالات العود.
يشكو تتبع الأطفال، في الوسط الطبيعي، خلال مرحلة ما بعد مغادرة المراكز، من عدم الفعالية. وهو ما يمس كثيرا بحق الطفل في إعادة اندماجه اجتماعيا.