تعددت مظاهر التجمع البشري وتداخلت الأدوار الاجتماعيـة، بموجب عقـــد يكفـل للجميع حق ممارسـة نشاطاته الإنسانية بكل حرية وأمان، وبموجبه يُكفل لكـل شخص الاطمئنان على حقوقه الطبيعية والشرعية دون تدخل همجي يكسر صفو حياته الخاصة. لكن هذا الوضع الاجتماعي الجديد لم يمنع من وقوع بعض الاختلالات تكسر قيود الجماعة وقوانينها المتفق عليها، سميت هذه الاختلالات بالجرائم كأفعال شاذة موجهة نحو باقي أفراد المجتمع، تهدد أمنهم وحياتهم وممتلكاتهم الخاصة. وتشير الجريمة إلى تزايد حالات السلوك المنحرف وارتبطت بمظاهر العدوان والعنف والمساس بمصالح الأخرين، وتبعاً لذلك صُنفت الجريمة إلى مستويات مختلفة مرتبطة بشدة السلوك الإجرامي والضرر الناتج عنه، وعملت المجتمعات على مواجهة الجريمة بطرق مختلفة وعبئت لأجلها جهود كل مؤسسات المجتمع سواء الحكومية منها أو المدنية، لكل الملاحظة والإحصائيات تشير إلى تفاقم الأفعال الإجرامية وتطورها بتطور وسائل الردع والمواجهة.
كما وأن محيط انتشار وممارسة الجريمة، لم يقتصر على المنـــــاطق والبيئات الكلاسيكية؛ كالأسواق والشوارع ومناطق الظل والشبهة التي تزيد فيها احتمالية وقوع صراعات بين أفراد المجتمع، بل إنها زحفت نحو مؤسسة الأسرة كوحدة بنائية يسودها الود والرحمة والتعاطف، ويشترك أفرادها وتربطهم علاقات القرابة الأسرية كالأبوة والبنوة أو الأخوة، فباتت هي الأخرى تعرف أشكالاً وأنواعاً من الأفعال الإجرامية يمارسها أفراد الأسرة الواحدة على باقي الأفراد الأخرين، وغالباً ما تكون هذه الأفعال موجهة نحو الأبناء كأضعف حلقة. ولكن غالباً ما تكون هذه الأفعال الإجرامية غير مقصودة بدافع التربية أو التزاماً بمبادئهم الثقافية ومعتقداتهم الدينية، وفي أحيانٍ أخرى تكون أفعال مقصودة بدافع الانتقام أو السيطرة وإخضاع الأخرين.
وعليه، فإننا أصبحنا نتحدث عن الجريمة الممارسة على الأسرة من الداخل، من فاعل عضو داخل الأسرة إلى مفعول به عضو مشارك في نفس الأسرة. ولعل وقوع الأسرة في أزمة تعرقل أدائها الوظيفي المتمثل في التربية ونقل الخبــرات واستدمــاج مختلف عنــاصر التنشئة الاجتماعية في نفسيــة أطفالهــا، يجرنا قسراً للحديث في المقابل عن أسرة تمارس أشكالاً من الحيف والعدوان على الناشئة بالدرجة الأولى، ثم على الأصول في الدرجة الثانية. حيث يصعب الحــــديث ضمن هذه السياقات عن أسرة متكاملة تربط أفرادها مظـــاهر الـدعم النفسي والتعاون الاجتماعي والتوافق الأسري والعائلي. إنه لمن الصعب تصور انهيار رابطة الأسرة وتفككها، ذلك أن انحلالها انحلالٌ للمجتمع، وممــارسة الأسرة للفعل الإجرامي معناه إكسـاب الطفل سلوك عنيف قــابل لتصريف في المجتمع أو يستهدف به ذاته دون غيره.
إن أهمية هذه الدراسة نظرياً تتأتي في التعرف على علاقة الأسرة بالفعل الإجرامي، والكشف عن بعض الجرائم التي تمس الأسرة وتهدد تماسكها وأدائها الوظيفي السليم، ومدى خطورة الفعل الإجرامي على الأسرة وامتداده الاجتماعي.
أما عملياً فإننا سنحرص على تبيان بعض تدخلات المشرع المغربي للحفاض على تماسك الأسرة واستقرارها، رغم ما يوجد من قصور في تأثير تدخلاته من حيث مستوى التصدي للأفعال الإجرامية الخطيرة التي ترتكب من داخل الحرم الأسري.
كما وتهدف هذه الدراسة إلى إبراز الدور الهام للتربية السليمة بعيداً عن سلوكات العنف والعدوان الموجه لأفرادها، مع تمكين الأسر ومواكبتها للحفاض على استقرارها لما ينعكس إيجابياً على استقرار المجتمع.
أما فيما يخص أسباب اختيار الموضوع فتكمن في كون موضوع "الأسرة والفعل الإجرامي" يحتاج إلى الكثير من الدراسة والبحث وجمع كل المعطيات العلمية بخصوصه لإذكاء الوعي بحساسية وخطورته على المجتمع، كما وأن الجريمة بشكل عام ما هي إلا امتداد لحالات التفكك الأسري ومماسة الجريمة والعنف من داخل الأسرة.
وفي هذا الصدد فالإشكالية التي تطرحها هذه الدراسة تكمن في طبيعة الأسرة كبنية اجتماعية لها حمولة ثقافية وأخلاقية واجتماعية وأهداف تربوية، وعلاقتها بالفعل الإجرامي كفعل ينم عن القطائع الأخلاقية والسلوكات العدوانية المنحرفة التي تظهر على بعض الأفراد. وهي معادلة تضع الأسرة والجريمة على طرفي نقيض، بين الأسرة كبناء يرمز للوحدة والحب، والفعل الإجرامي كسلوك يوحي بالقسوة والتسلط ومشاعر الخوف واللا اطمئنان. وبالتالي فإن مشكلة البحث تتجلى في الكشف عن نوع العلاقة بين الاثنين.
أولاً: التعريفات الإجرائية:
مفهوم الأسرة:
التعريف اللغوي: تطلق كلمة الأسرة على الجماعة التي يربطها رابط مشترك، يقال أسره أسرا أي قيده وأخـذه أسيرا ،ويحمل معنى الأسر في اللغة على التماسك و القوة ،وأسرة الرجل، عشيرته ورهطه الأدنون ،لأنه يتقوى بهم.
في الاصـطلاح: جـاء في معجـم علم الاجتمـاع أن "الأسـرة هي عبـارة عن جماعـة من الأفراد يرتبطون معـا بروابط الزواج والـدم والتبنـي، ويتفاعلـون معا، وقد يتم هذا التفاعـل بيـن الزوج والزوجـة، وبين الأم والأب، وبين الأم والأب والأبناء، ويتكـون منهم جميـعا وحدة اجتماعية تتميز بخصائص معينة ؛إذن فالأسرة حسب المعجم الاجتماعي تقوم على التفاعل بين مجموعة من الأفراد سواء الأب والأم وبين الزوج والزوجة، وبين الوالدين والأبناء، يربط بينهم الدم والتبني، مشكلين وحدة اجتماعية ذات خصائص محددة. (عاطف غيث، علم اجتماع النظم، ج 2، بيروت، دار المعارف، 1967، ص. 6).
الأسرة في القانون:
من الناحية القانونية وبالتحديد في قانون الأسرة الجزائري، المادة الثانية جاء فيها أن الأسرة هي: "الخلية الأساسية للمجتمع تتكون من أشخاص تجمع بينهم صلة الزوجية وصلة القرابة"، وجاء في المادة الثالثة: تعتمد الأسرة في حياتها على الترابط والتكافل وحسن المعاشرة، والتربية الحسنة، وحسن الخلق، ونبذ الآفات الاجتماعية. (وزارة العدل: قانون الأسرة، ديوان المطبوعات الجامعية، 2001، ص. 1).
ويلخص الميثاق العربي لحقوق الإنسان لسنة 2004 في المادة (33) منه، مفهوم الأسرة العربية عموما، ويعرفها في الفقرة الأولى على أنها الوحدة الطبيعية والأساسية للمجتمع، والزواج بين الرجل والمرأة أساس تكوينها وللرجل والمرأة تأسيس أسرة وفق شروط وأركان الزواج على أن ينظم التشريع النافد الحقوق والواجبات لهما، وتكفل الدولة والمجتمع حماية الأسرة وتقوية أواصرها وحماية أفرادها وتحظر أشكال العنف وإساءة المعاملة بين أعضائها وبخاصة المرأة والطفل.
وقد أخذت بعض الدول العربية مثل مصر والمغرب بتبني فكرة المحاكم الأسرية للنظر في قضايا الأسرة وهي تشتمل على مكاتب لتسوية النزاعات الأسرية لها دور توفيقي إصلاحي ذات اختصاص جامع مانع في جميع مسائل الأحوال الشخصية تطبيقا» لمبدأ التخصص في القضاء ويعاون القضاة خبراء اجتماعيين ونفسيين ويراعي النوع الاجتماعي. (مفهوم الأسرة وفقا للمعايير الدولية والتشريعات الوطنية - صحيفة الرأي الإلكترونية، تاريخ زيارة الموقع: 27/05/2021: 22:02 ).
الأسرة في علم الاجتماع:
تشير كلمة "أسرة" من المنظور السوسيولوجي إلى معيشة الرجل والمرأة معا على أساس الدخول في علاقات جنسية يقرها المجتمع، وما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات كرعاية الأطفال وتربيتهم فأساس قيام الأسرة هو الزواج، فيشكل بذلك الرجل والمرأة. (سيـد رمضـان : إسهامـات الخدمـة الاجتماعية في مجال الأسرة والسكان، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1999، ص. 25).
جزءان متكاملان أساس العلاقة بينهما المودة والرحمة والسكينة، وهذا لقوله تعالى: "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء".( سورة النساء الآية 1)
كما يعرفها القامـوس الاجتماعي على أنها "تلك العلاقة التي تربط بين رجل وامرأة أو أكثر معا بروابط القرابة أو علاقات وثيقة أخرى، بحيث يشعر الأفراد البالغين فيها بمسؤوليتهم نحو الأطفال، سواء كان هؤلاء الأطفال أبنائهم الطبيعيين أم أبنائهم بالتبني. (الخطيب، 2002)
ويعرف "أوجيست كونت" الأسرة على أنها: "منظومة علاقات وروابط بين الأعمار والأجناس"، هنا نجد أن هذا التعريف واسع يشمل على مجموعة من العلاقات التي تربط بين الطفل الصغير والرجل وبين الذكر والأنثى دون تحديد ماهية وأسس وأطر العلاقة التي تجمع بينهم، مما جعل هذا التعريف يقلل من دقة التحديد لمصطلح الأسرة، فهم واسع وشامل. (براهيم مذكور: معجم العلوم الاجتماعية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1975، ص. 38).
في حين نجد في كتاب الأسرة ومشكلاتها للباحث "محمد حسن" تعريفا للأسرة جاء فيه أن "الأسرة جماعة من الأفراد يتفاعلون مع بعضهم البعض، وهي تعتبر الهيئة الأساسية التي تقوم بعملية التطبيع الاجتماعي للجيل الجديد، أي أنها تنقل إلى الطفل خلال نموه جوهر الثقافة لمجتمع معين، إذ يقوم الأبوان بغرس العادات والتقاليد أو المهارات الفنية والقيم الأخلاقية في نفس الطفل، وكلها ضرورية لمساعدة العضو الجديد للقيام بدوره الاجتماعي والمساهمة في حياة المجتمع". (براهيم مذكور: معجم العلوم الاجتماعية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1975، ص. 38).
ويرى "جورج ميردوك" أن "الأسرة هي جماعة اجتماعية يقيم أفرادها جميعا في مسكن مشترك، ويتعاونون اقتصاديا". (جابر عوض حسن: الاتجاهات المعاصرة في دراسة الأسرة والطفولة، الإسكندرية، 2000 ،ص.ص7 -8)
أما "إميل دوركايم" فيعرف الأسرة على أنها: "ليست ذلك التجمع الطبيعي للأبوين وما ينجبانه من أولاد على ما يسود الاعتقاد، بل أنها مؤسسة اجتماعية تكونت لأسباب اجتماعية، وتربط هؤلاء علاقات قوية متماسكة تعتمد على أواصر الدم، والمصاهرة، والتبني، والمصير المشترك". هنا دوركايم يؤكد أن الأسرة ليست فقط تجمع لأفراد بل هي مؤسسة اجتماعية أوجدها المجتمع لهدف معين، تربط أفرادها علاقات متينة. (فرج محمد سعيد: البناء الاجتماعي والشخصية، الهيئة العامة للكتاب، الإسكندرية، 1980 ،ص246).
أما عالم الاجتماع الفرنسي "هنري موندر" يرى: "أن للأسرة معنى واضح في اللغة الفرنسية، حيث يشير هذا المصطلح إلى الأشخاص (الابن، الأم والأبناء) المرتبطين معا بروابط الدم، فإننا نعني بكلمة أسرة الأشخاص الذين يعيشون معا في منزل واحد".
أنواع الأسرة:
حسب بعض علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا فالأسرة تصنف إلى أشكال مختلفة. فلقد جاء في معجم العلوم الاجتماعية لفرديريك معتوق، (Frederic Maatouk: Dictionary of sociology, English Arabic, Edited and Revised by Mohamed Debs, Bierut (Lebanon), 2001, P156.). أن الأسرة اهتم بها علماء الاجتماع أكثر بكثير من زملائهم الأنثربولوجين الذين تعمقوا من جهتهم بدراسة القرابة وأناسقها وأنماط الزواج (خارجي، لحمي)، هناك عدة أصناف من الأسرة سنعرض أهمها:
1- الأسرة النواتية: وتتألف من الأب والأم والأولاد، يعيش هؤلاء جميعا تحت سقف واحد أو لا، إلا أن هذا الشكل هو النواة الأساسية للأسر كافة.
2- الأسرة الممتدة: وهو مجموعة تتألف من عدة أسر نواتية تربط بينهم علاقة أعمام وأبناء عم، ويكون القاسم المشترك للأسرة الممتدة المسكن الواحد.
3- الأسرة المجموعة: وهي أسرة ممتدة تربط بين أعضائها علاقة مسكن، ولكن أيضا علاقة نشاط اقتصادي مشترك أو أيضا نشاط تربوي واحد.
أما الباحث غريب سيد أحمد فيقسم الأسرة إلى شكلين هما:
1- أسرة التوجيه: وهي الأسرة التي ولد فيها الإنسان وتربى في أحضانها وتلقى عنها القيم والمعايير وشكلت اتجاهاته وشخصيته.
2- أسرة الإنجاب: وهي الأسرة التي يكونها الفرد عندما يكبر ويتزوج ويستقل بحياته الشخصية عن أسرة التوجيه، كما أنه لا ينكر التقسيم الآخر للعلماء والباحثين للأسرة إلى أسرة نواة، وأسرة ممتدة.(غريـب سيـد أحمد: دراسات في علم الاجتماع العـائلي ، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية (مـصر)، 1995، ص. 22).
مفهوم الجريمة:
ارتبط ظهور الجريمة بظهور الإنسان والحياه الجماعية، وتطورت أشكالها وأنواعها مع تقدم وتغير التجمعات البشرية، ويصعب تحديد معنى ومفهوم الجريمة نظراً لتحول هذا المفهوم وتغيره، فما كان في السابق جريمة قد لا يكون في الوقت الحاضر كذلك، كما أنه وفي نفس الوقت ما يعتبر جريمة في مجتمع معين قد لا يكون في مجتمع أخر جريمة.
إن الجريمة كفعل إنساني أخدت في التنوع وتعدد أشكالها وأنماطها فنجد منها: جرائم الأخلاق وجرائم الأسرة وفي السياسة والاقتصاد.. الأمر الذي يوحي بتعدد خصائص الباحث ومميزاته، لكن وعلى الرغم من ذلك، فقد سارت بحوث كثيره في علم الاجتماع على توصيفها بانها تلك الأفعال التي تمثل خطراً على المجتمع أو تجعل من المستحيل تحقيق التعايش والتنوع بين الأفراد والذين يكونونه، هذه الأفعال مقرونه وملزمه بالفاعل الذي يعمل بوعي أو بدونه على خلق اثر جرمي. على اعتبار أن الفاعل هو الشخص لذي يرتكب الفعل الإجرامي متى استند إليه ذلك بشكل جدي.
لقد وقف السيكولوجيون عند مفهوم الجريمة وحاولوا تحديده على أنه فعل إنساني ناتج على مجموعة من الصراعات النفسية في شخصية الفاعل والتي يترجمه إلى أفعال شاذه غير سوية. فقد يحدث على مستوى شخصية الفرد كخزان للمشاعر والغرائز اضطرابات يكون مصدرها الكبت أو النكوص والحرمان... هذه المشاعر المكبوحة لا تجد مخرجاً سليماً ولا تعوض في شكل صور مقبولة اجتماعياً، ويتم تحويلها وصرفها في شكل مخرجات سلوكيه منحرفة وعاصيه كالاغتصاب والقتل والعنف بمختلف أنواعه ونكون حينها أمام فعل يصنف على جرم ويتهم صاحبه بأنه مجرم.
كما نجد من بين التعريفات التي يتم إعطائها للفعل الإجرامي في حقل السوسيولوجيا تلك التعريفات التي تصفه بأنه الفعل الذي يعرقل حياه الجماعة فيصنف الفعل جرما والفاعل مجرما اذا تعاكس الفعل والفاعل مع قيم الجماعة ومعتقداتها وتعارضت المصالح بما يحدث ضرراً لمصلحة الجماعة، فمصالح الجماعة معرفة ومحددة بالقوانين الرسمية المنظمة للحياة العامة، وبالقوانين غير الرسمية كالأعراف والتقاليد والثقافة والمشاعر الجمعية. مخالفة هذه الحدود والمس بها يكون شكلاً من أشكال الجريمة وهذه الأفعال قد تكون أفعال إيجابية قام بها الفرد أو سلبيه حين امتناعه عن القيام بأفعال من المفترض القيام بها.
الجريمة في معجم علم النفس والتحليل النفسي على أنها القيام بفعل مضاد للقانون الجنائي والذي يقوم به أفراد يحكم عليهم بحكم صادر من المحكمة. ويشير النمط الإجرامي Criminal Type للشخص الذي لديه ميل قوي للسلوك المجرم. (فرج عبد القادر طه، معجم علم النفس والتحليل النفسي، ص. 163). ونلاحظ من خلال هذا التعريف أن الجريمة تعرف بناءً على القوانين الرسمية الصادرة من الهيئات الحكومية.
التعريف الأخلاقي للجريمة:
لقد حاول رواد التيار الأخلاقي رفض التعريفات الاجتماعية للفعل الإجرامي، والتي تعتبره كل فعل يخالف تطلعات وأمال المجتمع. وذلك استنادا لكون معايير وقوانين المجتمع لا تكون دائماً صادقة وعادلة، فكثيراً ما يمارس المجتمع عينه الظلم والعدوان على أحد أفرا المجتمع أو جماعة منه. مستدلين على ذلك بالتضيق والإزعاج بل القتل أحياناً الذي مارسته سلطة الجماعة على علماء وباحثين، لا لشيء سوى أنهم آمنوا بأفكار علمية يراها أصحابها صحيحة. وفي المقابل عرف التيار الأخلاقي الجريمة حسب بسام "محمد أبو عليان" بأنها كل سلوك يتعارض أو يتناقض مع الناموس الطبيعي للأخلاق. (بسام محمد أبو عليان، الانحراف الاجتماعي والجريمة، ص. 16).
لكن هذا التعريف تعرض إلى الانتقادات لأنه لم يتفق أصحاب هذا التوجه على تحديد القواعد الأخلاقية التي إذا اخترقها الفرد يكون مجرماً. وهذه تبقى مسألة نسبية تختلف باختلاف الطبقات الاجتماعية والمجتمعات الإنسانية.
غالباً ما يتم إقران الجريمة بمفهوم الانحراف، هذا المصطلح الذي بدأ استخدامه مؤخراً نوعاً ما، قد حل مكان مصطلح عدم التنظيم أو المرض. ولم يستعمل في علم الاجتماع الأمريكي إلا منذ نهاية الخمسينات. ويقصد به مجموعة سلوكيات فرية أو جماعية التي لا تتوافق مع الانتظارات والمعايير والقيم التي يعبر عنها أو يتقاسمها أعضاءُ مجموعة ما، فإنها تتسبب في خلق جو من التوترات ونشوب الصراعات، وتثير الرفض وتتسبب أيضاً في سلسلة عقوبات وتأنيب العزلة ولم تنفيذها. وهناك "فئات" و"مواضيع" عديدة من الممكن ذكرها: التعدي على الأملاك، أو على الأشخاص، أو على التقاليد، بالإضافة إلى الانتحار... (جيل فيريول، معجم مصطلحات علم الاجتماع، ترجمة أنسام محمد الأسعد، دار ومكتبة الهلال، بيروت، ص. 70).
بقلم: نعمان حمداوي