-->

نماذج من الأفعال الإجرامية التي قد تصيب الأسرة

 

نماذج من الأفعال الإجرامية التي قد تصيب الأسرة

إن الأفعال الإجرامية التي تصيب الأسرة من الداخل أو من الخارج متعددة غير محصورة، بل إنها متجددة تتغير مع دينامية المجتمع. ولعل خطورة الفعل الإجرامي تكمن في تغيره أسرع من القواعد القانونية التي تمنع وقوع الجريمة. فإذا كانت التعريفات القانونية للجريمة تقول بأنه لا جريمة بدون نص، فإننا أصبحنا نجد هذه الأفعال سابقة للنصوص والتشريعات. ونظراً لأن الأسرة جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع فقد تأثرت هي الأخرى بمظاهر التغير والتحول، وتغيرت معها أشكال الجريمة المألوفة داخل الفضاء الأسري.

لابد من الإشارة إلى أن الأسرة المغربية في الوقت الراهن تعيش إكراهات وصعوبات متعددة، ولعل من أكثرها وضوحاً موقف الصراع الداخلي الذي تعيشه؛ بحيث أن التغير الذي فرضه التثاقف والعولمة والانفتاح على الأخر جعل الأسرة في موقف ريبة وشرود، فلا هي أسرة مغربية خالصة ولا هي أسرة على النمط العالمي المعروف "الأسرة الغربية" الذي تشرئب إليه أعناق الناشئة. فأضحت الأسرة في جدال الأجيال؛ بين الآباء المحافظين والأبناء المخالفين لهم.

العنف الموجه نحو الفروع: 

يعد وجود العنف والصراعات الداخلية ما بين الوالدي أو منهم نحو الأبناء من بين العوامل الاجتماعية المؤثرة على الطفل وسلوكه، وقد شاع استعمال العنف داخل الأسرة المغربية كوسيلة من وسائل العقاب. 

إن العنف الأسري ضد الأطفال انتهاك للبراءة بحجة التربية، كما أن تلك السلوكات العنيفة لا علاقة لها بالتربية والتقويم، إنما هي تصرفات ترتبط بالقوة والشدة والعدوان الموجه نحو الطفل، ويضم صوراً من الإيذاء البدني أو اللفظي أو النفسي. وهذه الأشكال الكلاسيكية في التربية راجعة بالأساس إلى رواسب اجتماعية خاطئة وسيطرة الأعراف والتقاليد مجهولة المصدر. إنه لمن السخافة والجهل تبرير التعامل بقسوة مع الأطفال بحجة التربية. إن هذه الأسر تعرض أطفالها للإرهاب والحوادث المروعة عن طريق الضرب والصراخ في وجوههم أو مشاهدة الخلافات الزوجية التي قد تصل إلى حد السب والقدف أو العراك، مما يسبب أثرا نفسيا سيئا جداً في اللاشعور عند الأبناء. هذا الأثر الذي يلازمهم طيلة حياتهم وقد يتم ترجمته وتصريفه على شكل أفعال إجرامية لا تتوافق مع نظام المجتمع. إن الفظاظة في التربية تُهشم شخصية الطفل وتجعله في حالة اضطراب دائم يصعب علاجه، إنها إرهاب وتخويف لطفل لم تكتمل شخصيته بعد، وتُبنى على أساس مضطرب غير مستقر مما يجعله عاجزاً مستقبلاً عن الدخول في علاقات مع الآخرين. بهذا المعنى، يكون تعنيف الطفل من داخل أو خارج الأسرة أفعال تجعل لديه القابلية ليكون ذلك الشخص غير السوي باضطرابات نفسية تجعله ممهداً، منذ الطفولة، إلى إيذاء نفسه والآخرين من حوله؛ أي أننا نجعله مشروعَ منحرفٍ مستقبليّ تتم تزكيته مع كل صرخة أو فعل عنيف.

إن تعرض الطفل المميز بالضعف والعجز، وغير القدرة على معرفة ما ينفعه وما يضره، إلى أشكال من الأفعال العنيفة والجرائم التي تهدد أمنه وسلامته كمنهج للأبلاء في التربية والتقويم والتنشئة. يعد صورة من صور الإهمال الخطير للطفل. كما وتقول المؤشرّات المتوفّرة إن نسبة العنف الأسري وبالأخص العنف الموجه اتجاه الأطفال في ارتفاع حيث أوردت اليونيسيف إن زهاء 90 في المائة من الأطفال بين سنتين وأربع سنوات في المغرب، سبق لهم أن تعرّضوا للعنف من طرف آبائهم وأمهاتهم تخت ذريعة ضبط السلوك والتربية [1].

العنف الموجه نحو الأصول:

إن الحديث عن العنف الموجه نحو الأصول من بين الأفعال الإجرامية التي باتت تعرف حضوراً داخل الأوساط الأسرية المغربية. ذلك أن الآباء باتوا موضعاً للعنف من قبل الأبناء. ولكن هذه العنف كسلوك يبقى كغيره من سلوكات الفرد المكتسبة والمتعلمة في وقت سابق من حياته.

وقد أشار فاروق محمد العدارلي إلى بعض من العوامل الأسرية المؤدية للعنف ضد الأصول ويمكن إجمالها في الأتي:

  • أساليب التنشئة الخاطئة مثل (القسوة - الإهمال - الرفض العاطفي - التفرقة في المعاملة – تمجيد سلوك العنف من خلال استحسانه، القمع الفكري للأطفال من خلال التربية القائمة على العيب والحلال والحرام دون تقديم تفسير لذلك التمييز في المعاملة بين الأبناء).
  • فقدان الحنان نتيجة للطلاق أو فقدان أحد الوالدين. الشعور بعدم الاستقرار الأسري نتيجة لكثرة المشاجرات الأسرية والتهديد بالطلاق.
  • عدم إشباع الأسرة لحاجات أبنائها المادية نتيجة لتدني المستوى الاقتصادي. كثرة عدد أفراد الأسرة فلقد وجد من خلال العديد من الدراسات أن هناك علاقة بين عدد أفراد الأسرة وسلوك العنف.
  •  بيئة السكن فالأسرة التي يعيش أفرادها في مكان سكن مكتظ يميل أفرادها لتبني سلوك العنف كوسيلة لحل مشكلاتهم.[2]

وعليه فإنه وقبل الحديث عن عنف الأبناء تجاه الآباء لابد من طرح سؤال من أكسب الأبناء سلوك العنف؟ وإننا هنا لا نعطي مبرر للعنف ضد الأصول ولا ندافع عليه تحت أية حجة، ولكن من الضروري التنبيه إلى أن القطيعة مع عنف الأصول رهين بقطع العنف ضد الفروع. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى بعض الآراء والنظريات المفسرة للعنف بمختلف أشكاله، إن الحديث هنا عن نظرية التعلم الاجتماعي والتي تقول بأن العنف يتم تعلمه داخل الأسرة والمدرسة ومن وسائل الإعلام، كما وأن العلاقة المتبادلة بين الآباء والأبناء والخبرات التي يمر بها الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة، تشكل شخصية الفرد عند البلوغ، لذلك فإن سلوك العنف ينتقل عبر الأجيال، بحيث أنها تفترض أن العنف يتم ويكتسب خلال عملية التنشئة الاجتماعية.



[1]   العنف ضدّ الأطفال إكراهات قانونية ونفسية في مواجهة سلوك  متشنّج، موقع بناصا، تاريخ زيارة الموقع 29/05/2021. 15:24

[2]   فاروق محمد العادلي، دراسات في الضبط الاجتماعي، القاهرة: دار الكتاب الجامعي، ص. 69.

إقرأ هنا: العوامل المحفزة على ارتكاب الجريمة.

إقرأ هنا: الأسرة والجريمة: تقديم وتعريفات.

إرسال تعليق

شاركنا رأيك في الموضوع

أحدث أقدم