-->

الوقاية من الجريمة

دور الأسرة في الوقاية من الفعل الإجرامي:

إن الشخص  قبل انفتاحه على محيطه ليتفاعل معه بشكل من الأشكال، يكون قد تشبع قبلاً من طرف الأسرة بمجموعة من المعايير والقيم والسلوكات التي تشكل خلفيته وشبكة تواصله مع الغير. ولكن هذه الحمولة المكتسبة قد لا تكون سليمة. وبالتالي فإن دور الأسرة في الوقاية من الأفعال الإجرامية والانحراف يكمن في تبنيها طرق سليمة في التربية تواكب التطور والتغير الاجتماعي الحاصل، لأن الجمود الذي تعرفه الأسرة على مستوى أساليب التربية والتنشئة في عالم تميزه الدينامية المستمرة، يخلق نوع من عدم الاستقرار واللايقين في مبادئ الفرد وقيمه، لأن هدف التربية الأساسي هو: "تنظيم عملية اشتراك الفرد مع بقية أعضاء المجتمع اشتراكاً عن وعي وقصد، اشتراكاً في حياة المجتمع الإيجابي، ولا يمكن التأكد من أي إصلاح اجتماعي إلا إذا وجهنا نشاط الفرد وتفكيره على أساس أنه سيخرج ليشترك مع المجتمع في حياته وإنتاجه."[1]وبالتالي فإن المنهج التربوي للأسرة لا يجب أن يكون مُغدقاً في الأصالة القديمة، وألا يكون غارقاً في حداثة تغيب فيها الهوية وذات المجتمع.

لابد للأسرة أن تعمل من خلال التربية على تطعيم البنية النفسية للطفل وتقويتها لتيسر عملية اندماجه في المجتمع بالشكل الصحيح، وأن تخريب حياة الطفل النفسية بطرق التربية الكلاسيكية المرتكزة على الضرب والتهديد والتخويف.. لا تكون له نتائج حميدة عند انفتاح الطفل على بيئته الاجتماعية. ولعل العمل على إيجاد التوازن بين حياة الطفل النفسية والاجتماعية هي غاية التربية التي لابد للأسرة من التركيز عليها، وهذا هي الغاية التي يراها "جون ديوي" من التربية وهو ما عبر عنه بقوله: 

"I believe that this educational process has two sides-one psychological and one sociological; and that neither can be subordinated to the other or neglected without evil results following."[1] 

لا نشك في أهمية الدور الذي تقوم به الأسرة في تهذيب سلوك أبنائها، ولا نشك في قابلية الطفل لتمثل السلوك السليم إذا نشأ عليه. لكن وجب الوعي في مقابل ذلك بحساسية الأدوار التي تضطلع بها هذه المؤسسة؛ ذلك أن كل ما يتلقاه الطفل داخل أسرته يكون فاعلاً في رسم سلوكه.

إننا نراهن على أن بناء الإنسان الصالح رهين ببناء شخصية طفل خالية من العقد، وأن للطفل قابلية بيولوجية ليتفاعل مع مربيه بشكل كبير، بغض النظر عن طبيعة التربية التي يتلقاها. ذلك أن الطفل في مراحله الأولى ناقص الإدراك والتميز وأن هذا الحال يجعل في موقع مستقبل غير معياري؛ أي أن خاصية تقيم مكتسباته الاجتماعية ومعالجتها بين صالح وطالح تبقى محدودة، بل معطلة في بعض الأحيان. الشيء الذي يجعل منه خزان يضم أنماط من السلوكات التي قد لا تتوافق مع ثقافة مجتمعه وقوانينه. هنا تظهر لنا قابلية الطفل للقيام بأفعال يكون مصدرها الأسرة بالأساس. وبالتالي فإن إعداد طفل لتعايش وفق معايير مجتمعية خاصة رهين أساساً بمدى تأدية الأسرة لدورها في حماية طفلها منذ الحمل. والأسرة مطالبة بتوفير الأمن والحماية لأفرادها، لا عكس ذلك.

كما وأن أهم التأثيرات التي تحدد معالم شخصية الفرد تأتي من الأسرة، وهي كما وصفها فاروق عبد السلام الجماعة التي تؤثر في شخصية الطفل وتحدد معايير  سلوكه وتشكل شخصيته عن طريق التفاعل الداخلي المتكرر، واللقاءات الشخصية المستمرة، كما أنها الجماعة التي تستمر، في الغالب، في تشكيل وصياغة هذه الشخصية لفترة طويلة من الزمن، الأمر الذي يؤدي إلى تثبيت المبادئ التي تؤمن بها الأسرة في شخصية الطفل وتدعيمها طوال الحياة.[3] 

إنه لمن الضروري على الأسرة أن تقوم بالوظائف المنوطة بها على أحسن وجه، وقد حدد أوغبورن Ogburn  هذه الوظائف والأدوار في ستة أساسية وهي: العاطفية، الاقتصادية، الترفيهية، والوقائية الحمائية، ثم الدينية و التعليمية.[4]

كما وأن هذه الأسرة هي المؤسسة الأجدر بالقيام بهذه الوظائف، ولا توجد أي مؤسسة يمكنها أن تعوض الأسرة في هذا الأمر.

Production and rearing of children: It is one of the most essential functions of the family and is also called as the maintenance function of the family. Family is the best institution for production and rearing of children and no other institution can bring up children as efficiently as a family can.[5]

وبهذا وجب على الأسرة أن تؤطر بمناهج تربوية تستجيب لحاجيات الطفل، وأن يعي الآباء أن الطرق التي استساغوا من خلالها التربية، في مراحل سابقة، في كثير من الأحيان لا يكون إسقاطها على أطفالهم أمراً حكيماً. ذلك أن شروط وظروف تلقيهم التربية تختلف عن تلك التي يكون فيها أبنائهم. إنه لمن المهم أن تتبع الأسرة منهجاً تربوياً أصيلاً في قواعده الأخلاقية والقيمية، معاصراً في أشكاله وصوره، مع مراعات تامة لمعطيات الزمان والمكان والتغير الاجتماعي.

دور المدرسة في الوقاية من الفعل الإجرامي:

يمكن للمدرسة كمؤسسة للضبط والتنشئة الاجتماعية أن تكون فعالة في منع جنوح الأحداث ووقايتهم من ارتكاب الجريمة، هذا لأن المدرسة هي البيئة الثانية الأكثر فاعلية في تقويم سلوك الفرد على عدة مستويات. وبما أن المدرسة مصممة لتوفير بيئة ومكان للتعلم تحت إشراف أطر تربوية مكونة تكويناً علمياً، كما أن ولوج هذه المؤسسات يكون إجبارياً فإنه من المؤكد أن يكون لها ولمناهجها التربوية والتعليمة أثر ملحوظ في ثني الناشئة على الفعل الإجرامي بكل أنواعه ودرجاته. وبالتالي فإن المدرسة مؤسسة اجتماعية تعزز الرقابة والضبط الاجتماعي بمناهج محكمة ورسمية.

تعتبر المدرسة   أولى المؤسسات التعليمية بعد الأسرة في رعاية الأطفال، والعناية بهم كما تعد بمثابة النسق المؤسسي المقام من قبل المجتمع خارج نطاق الأسرة للقيام بالعملية التربوية. كما تشير إلى إحدى آليات المجتمع لنقل الثقافة من جيل لآخر ، إضافة إلى السعي لتنمية المهارات، وتقو يم السلوكيات الاجتماعية - : ويمكن تعريفها إجرائيا بأنها  إحدى مؤسسات التنشئة الاجتماعية ، والقائم بالعملية التربوية ، لتنمية المهارات ، وخلق السلوكيات الإيجابية التي تدعم ، وتشكل الشخصيات الاجتماعية ، بما يتوافق وطبيعة ما يهدف إليه المجتمع من تنمية وتطوير وحماية من الانحراف وارتكاب الجرائم ...[6] إذن ما الدور الّذي تلعبه المدرسة في للوقاية من ارتكاب الجريمة؟ للوقاية من ارتكاب الجريمة فللمدرسة در مهم يتمثل في:[7]

  • توعية الطالب بقواعد السلوك والمواظبة يبعدهم عن الجريمة.
  • تنفيذ حملات توعية لمكافحة الـسلوك السلبي للطالب تساعد في الوقاية من الجريمة.
  • إرشاد وتوعية الطلاب المتأخرين دراسيا يسهم في شعورهم بالقبول اجتماعيا و يقيهم من التعرض للجريمة.
  • انعقاد مجالس أولياء الأمور بشكل دوري لمناقـشة أوضاع الطلبة يقلل من الجريمة.
  • إعداد نشرات لتوعية الطالب بمخاطر السلوك الانحرافي في المدرسة يقلل من وقوع الجريمة.
  • يعتبر بث الإذاعة المدرسية في نشاطها اليومي لموضوعات عن الوقاية من الجريمة من الأدوار التي تلعبها المدرسة في وقاية الشباب من اكتساب السلوك الإجرامي.
  • إرشاد وتوجيه الطلبة الذين يعانون من مـشاكل أسرية يقلل من الجريمة.

يمكن القول إذن بأن المدرسة كجهاز رسمي لضبط وتنقيل المعارف التربوية والقيم والكفاءات والمهارات العلمية للطفل، تلعب دوراً هاماً في تهديب السلوك. كما وأن المدرسة إلى جانب الأسرة وباقي مؤسسات الضبط تعمل على منع الميول العدوانية ومواجهتها بالطرق المناسبة. وأن إهمال بعض الأفعال أو مستويات ضعيفة من السلوك غير السوي في مرحلة الطفولة سواء داخل المدرسة "كالتنمر والسرقة والشتائم..." يمكن أن يتطور فيما بعد إلى مستويات أعلى من السلوك المنحرف الأكثر خطورة. وهذا ما أكده العديد من الباحثين في مجال الوقاية من الانحراف الذين يفترضون وجود صلة بين السلوكيات الأقل خطورة والجريمة في وقت لاحق أكثر خطورة.[8]



[1]   أشواق عبد الحسن عبد، العلاقات التفاعلية بين البيت والمدرسة، دراسة نظرية، دراسات تربوية، العدد السادس عشر، 2011. ص 184.

[2]   My pedagogic creed – John Dewey’s famous declaration concerning education.

[3]   فاروق عبد السلام _ عبد الله خوج. الأسرة العربية ودورها في الوقاية من الجريمة ولانحراف، دار النشر بالمركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، الرياض. ص. 15.

[4] Ogburn, W. F,, and Nimkoff, M. F. 1940. A Handbook of Sociology. Boston: Houghton Mifflin Co.

[5] Family Life Education and Quality of Life. Unit_6. Pg.14.

[6]  حافظ، ناهد (2002) دور العائلة والمدرسة في تربية الأبناء ووقايتهم من الانحراف، بحث غير منشور، كلية الآداب، جامعة بغداد، بغداد.

[7]  سعيد ناصف، إنعام يوسف (2020) دور الأسرة والمدرسة في الوقاية من الجريمة دراسة تحليلية ميدانية في مجتمع الإمارات، مجلة جامعة الملك عبدا لعزيز: الآداب والعلوم الإنسانية، م28ع7 ص: 135_174.

[8] Alireza Jahantiqh and Mahmood Boulagh. Effect of School in preventing of crimes committed by children and adolescents. Journal of Novel Applied Sciences. 2016, Pg.220


إرسال تعليق

شاركنا رأيك في الموضوع

أحدث أقدم