لمحة تاريخية عن السياسات العمومية للطفولة
شكل اعتماد الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل
سنة 1989 لحظة تاريخية في مسار النهوض بأوضاع الطفولة على المستوى الدولي. وبعد مضي 30 سنة على
إبرام هذه الاتفاقية، يحتفي العالم خلال سنة 2019 بالتقدم المحرز في مجال الطفولة، وهي مناسبة ملائمة لوقوف بلادنا على حصيلة منجزاتها
من العمل الدؤوب في مجال حافل بالتحديات، وتجديد
التزامها بحقوق الطفل واعطائها مكانة تليق بها في خطة التنمية المستدامة لسنة 2030.
لقد كان المغرب من بين البلدان الأولى التي
بادرت إلى الانخراط في اتفاقية حقوق الطفل، حيث وقع جلالة الملك الحسن الثاني، رحمه الله، عليها
شخصيا سنة 1989 بمدينة نيويورك الأمريكية، كما وقع سنة1992 على الإعلان العالمي من أجل الحفاظ على حياة الطفل
ورعايته وتنشئته.
وبعد مصادقة بلادنا على هذه الاتفاقية سنة
1993، انعقد المؤتمر الوطني الأول لحقوق الطفل سنة 1994، وتم إحداث المرصد الوطني لحقوق
الطفل سنة 1995 تحت الرئاسة الفعلية لصاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم. وتميزت سنة
1999 بإحداث برلمان الطفل باعتباره فضاء لتعزيز مشاركة الأطفال وانخراطهم
في مناقشة وبلورة التدابير والبرامج التي تعنيهم.
وعلى هذا النهج، واصل جلالة الملك محمد
السادس، مسيرة العمل لأجل الطفولة، وأولاها عنايته الخاصة، فكان لحضور جلالته في أشغال
الجلسة الافتتاحية للدورة الاستثنائية ال 27 للجمعية العامة للأمم المتحدة المخصصة للطفل، ماي 2002،
عظيم الأثر على انخراط بلادنا في تفعيل مقتضيات إعلان وخطة العمل «عالم جدير بأطفاله» المنبثقين
عن هذه القمة"[1].
وحرص جلالته على تقديم الدعم المتواصل لتنفيذ خطة العمل الوطنية للطفولة 2006
- 2015 «مغرب جدير بأطفاله»[2]، مؤكدا
على ذلك في مجموعة من الخطب والرسائل الملكية السامية .
وقد مكن تنفيذ الخطة الوطنية من تحقيق مجموعة
من المكتسبات على مستوى ملاءمة التشريعات الوطنية والنهوض بحق الأطفال في مجالات
الصحة والتربية والنمو والحماية والمشاركة، وهو ما أكد عليه التقييم نصف
المرحلي لخطة العمل الوطنية الذي تم تقديمه خلال المؤتمر الوطني لحقوق الطفل في دورته
الثالثة عشرة سنة 2011.
في ظل هذه الدينامية الوطنية، التي رفعت
تحدي إعمال المبادئ والحقوق التي جاءت في اتفاقية حقوق الطفل والإعلان الدولي «عالم جدير بأطفاله»،
عملت بلادنا على وضع السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة بالمغرب 2015 - 2025، بغية تقديم
جواب عملي على التحديات الجديدة التي واجهت خطة العمل الوطنية للطفولة[3].
وتندرج السياسة العمومية في إطار تنزيل مقتضيات
دستور 2011، وتوجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في مجال النهوض بوضعية الطفولة،
وكذا أهداف البرنامج الحكومي 2012-2016 في مجال الطفولة، وتأخذ بعين الاعتبار التوصيات
المتعلقة بالحماية المنبثقة عن التقييم نصف المرحلي لخطة العمل الوطنية للطفولة.
كما ان السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة، التي انطلق مسلسل الإعداد لها منذ مارس 2013 ، تعد تجسيد لالتزام وطني قوي ببناء إطار منسجم، ينخرط فيه الجميع لضمان التنسيق وإدراج بعد حماية الطفولة في مختلف السياسات والبرامج العمومية مركزيا ومحليا، وإحداث أجهزة ترابية مندمجة لحماية الطفولة، سهلة الولوج للأطفال، تضمن لهم حماية فعالة ومستدامة ضد كل أشكال الإهمال والاعتداء والعنف والاستغلال، ويعتبر هذا المشروع ثمرة لمشاورات موسعة بين جميع الفاعلين المعنيين بمجال حماية الطفولة على المستويين المركزي واللامركزي، من قطاعات حكومية، ومؤسسات وطنية، ومنظمات غير حكومية، وجماعات ترابية، وخبراء في مجال الطفولة، وقطاع خاص، بالإضافة إلى الأطفال أنفسهم.[4] .
السياسات العمومية المرتبطة بالأسرة
ينخرط القطب الاجتماعي في جهود
الحكومة لمراكمة الإنجازات المتحققة في مجال النهوض بالأوضاع الاجتماعية للفئات الهشة
وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، ضمن سياسة اجتماعية وحقوقية مندمجة تسعى لتحقيق المساواة وتكافؤ
الفرص لجميع المواطنات والمواطنين، دون أي استثناء ، وتواصل وزارة التضامن و الادماج
الاجتماعي و الاسرة مساهمتها في تنزيل ورش
إصلاح وحكامة منظومة الحماية الاجتماعية، بتعاون مختلف المتدخلين،
باعتباره أولوية استراتيجية لتطوير برامج الدعم و والحماية الاجتماعية وإحداث نقلة نوعية في هذا المجال،
وفق نظام متكامل يرتكز على الاستهداف الناجع للفئات المعنية بالمساعدة الاجتماعية، والذي سيمكن من النهوض
بمستوى عيش الأسر والأفراد، نساء ورجالا وأطفالا، وتحقيق آثار مباشرة وملموسة على حياتهم،
وتحصينهم وحمايتهم من المخاطر المجتمعية، لاسيما خلال فترات الطوارئ الاقتصادية أو
الصحية المختلفة، مما سيعزز إدماجهم في التنمية.
وقد صادق المجلس الوزاري المنعقد يوم 11 فبراير 2021 برئاسة جلالة الملك محمد السادس، على مشروع القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية [5].
وعلى هذا الأساس يستند مشروع السياسة العمومية المندمجة لحماية الأسرة والنهوض بأوضاعها إلى التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس وعنايته الخاصة بإنصاف المرأة وحماية حقوق الأطفال وصيانة كرامة الرجل في مسيرة التنمية الشاملة للنهوض بأوضاع الأسرة. كما تندرج في إطار تنزيل مقتضيات دستور 2011 ولاسيما مسؤولية الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسر بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها.
وينسجم هذا المشروع مع مضامين البرنامج الحكومي 2017 -2021 الذي نص في محوره الرابع المتعلق بتعزيز التنمية البشرية والتماسك الاجتماعي والمجالي على النهوض بوضعية الأسر المغربية، والملاءمة مع الالتزامات الدولية للمملكة المغربية.
ويعتبر مشروع السياسة العمومية لحماية الأسرة رافعة لوضعية الأسرة في صلب النموذج التنموي الجديد وتثمين الدور المحوري للأسرة في المحور الخاص بتعزيز الارتباط بقيم المواطنة الإيجابية والفاعلة وتقوية الشعور بالانتماء للأمة وتعزيز الرابط الاجتماعي والتضامن، لاسيما تجاه الفئات الأكثر هشاشة.
كما يأخذ المشروع بعين الاعتبار السياسات والبرامج العمومية التي اعتمدتها بلادنا في مجالات الطفولة والمرأة والأشخاص في وضعية إعاقة والأشخاص المسنين، ويراعي المؤشرات الديمغرافية والاقتصادية والقيمية التي تعكس الوضعية الاجتماعية للأسر والتحولات التي تعرفها وانعكاساتها سواء الانعكاسات الإيجابية على مستوى عيش الأسر وتوازنها أو الاختلالات والصعوبات التي تستدعي بلورة أجوبة عملية لمعالجتها[6].
وبناء على ما تعرضنا له في بحثنا المتواضع، فإننا نجد بوادر السياسات العمومية في التراث الإنساني القديم، فمنذ تشكيل الانسان لجماعات منظمة سياسيا كان دائما صانعا للسياسات، إلا أن بروز السياسات العمومية كفرع من فروع العلوم السياسية ظهر أول ما ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف القرن التاسع عشر، ويعد ذلك نتيجة لبروز تطورات على مستوى بناء الجماعة السياسية، برز تحليل السياسات العمومية مع التساؤلات التي طرحها هارولد لاسويل سنة 1936 في كتابه السياسة كما وضحنا ذلك في مطلب نشأة السياسات العمومية، ثم نشأت السياسات العمومية الاجتماعية وغيرها والتي كانت نتيجة تعقد المجتمع وبروز مفهوم الدولة التدخلية أو الدولة الحامية. لتظهر بعد ذلك السياسات العمومية المتعلقة بالطفولة والأسرة والتي بدأ الاهتمام بها مع بداية اصدار المواثيق الدولية لحقوق الانسان عامة والطفل والمرأة خاصة، والتي كان المغرب سباقا للمصادقة عليها وحاول أجرأتها من خلال مجموعة من السياسات العمومية والبرامج التي وضعها خاصة مع بداية الألفية الثالثة والتي شهدت وضع العديد من البرامج التي اعتنت بالفئات الهشة عموما، وبالطفولة والأسرة خصوصا باعتبارهما ركيزة أساسية للمجتمع ورافعة لتنمية.
[1] *إن
المملكة المغربية تتعهد بتفعيل مقتضيات الإعلان وخطة العمل، المنبثقة عن هذه القمة
الثانية. وسوف تضعهما في صدارة اهتماماتها الوطنية
الحفاظ على السلم والأمن لصالح هذا الجيل والأجيال المقبلة»، مقتطف من الخطاب الذي وجهه جلالة الملك إلى الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة المخصصة للطفل، تلته صاحبة السمو الملكي الأميرة للامريم، الخميس 9 ماي 200.
[2] خطة العمل الوطنية للطفولة »مغرب جدير بأطفاله« 2015 - 2006 هي الخطة الوطنية التي ترجمت التزامات المغرب خلال الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة الخاصة بالطفل »عالم جدير بأطفاله«، المنعقدة بنيويورك سنة 2002، والتي تستجيب لأهداف الألفية من أجل التنمية.
[3] حصيلة
منجزات المملكة المغربية، 30 سنة من
اعتماد إتفاقية حقوق الطفل ص-ص 9 – 10.
[4] نفس المرجع السابق، ص 9 .
[5] حصيلة منجزات وزارة التضامن والتنمية
الاجتماعية و المساواة و الاسرة 2021-2017 ، ص 11 .
[6] المملكة المغربية وزارة التضامن والإدماج الإجتماعي والأُسْرَة، مشروع السياسة العمومية المندمجة لحماية الاسرة والنهوض بها.