الفعل التربوي المتخصص هو الجهد الذي يبدل من أجل التطوير الجيد لشخصية المستهدف منه وتمكينه من كل متطلبات استثمار الديناميات الداخلية لديه تفكيراً وإبداعاً وتفاعلاً وانتاجاً، بمعنى التركيز على الإنسان كمجال حيوي ينبغي تطويره وتحريره. وهذا الفعل التربوي المتخصص يُفعل تدخلاته العلاجية والتأهيلية والتمكينية إجرائياً اعتماداً على عدة برامج تربوية متخصصة التي تتناسب مع احتياجات المستفيدين منه، وتقدم هذه البرامج بناءً على الادراك العلمي المتجدد للمستفيد، بحيث تتوفر لدينا قراءات علمية لكل حالة من حالات الأطفال في وضعية صعبة موضوع تدخل الفاعل التربوي المتخصص، وتتيسر بالتالي عملية وضع المقاربات التدخلية الناجعة المتوافقة مع خصوصية المستفيدين، ومنها الوصول بهم إلى أقصى حد ممكن من استثمار قدراتهم وامتيازاتهم ومواهبهم في بناء الحياة الاجتماعية المشتركة.
وعليه، فإن الفعل التربوي المتخصص يسعى إلى التعرف على الفئات المستفيدة بواسطة أدوات القياس والتشخيص المناسب لكل حالة، ونذكر من هذه الأدوات على سبيل الاستئناس، بطاقة رصد وتقييم مكونات الشخصية، علاوة على تهيئة وسائل البحث العلمي للاستفادة من قدرات هؤلاء وتوجيهها وتدعيم أوجه النقص بها واتاحة الفرصة أمامهم في مجال نبوغهم والذي يتوسع ليشمل مجالات أخرى، إلى جانب العمل على تمكينهم وتحقيق الكفاءات الشخصية لهم ومساعدتهم على الاعتماد على أنفسهم والتخلص من التبعية. ليكون بذلك هذا الفعل عملاً يقوم على الربط العميق بين الواقع الذي تم تشخيصه وتصنيفه والعمليات التي يحتاج إليها التطور الإيجابي لذلك الواقع.
يمكننا القول كذلك، أن الفعل التربوي المتخصص رسالة تقوم على الإيمان بالمسؤولية التربوية الإنسانية وبالواجب نحو سعادة الآخرين، والاسهام في تحصيل المقوم الفطري السليم لدى الكائن الإنساني والارتقاء به من خانة الفرد ككيان بيولوجي إلى رحاب الذات الراشدة كفاعل حضاري دائم التألق. وليس مهنة ميكانيكية تقوم على الواجب الوظيفي بين أجير ومستأجر. والفعل التربوي المتخصص المتبصر الرامي لبلوغ هذه الرسالة هو الذي يركز على الفرد وليس الجماعة، لأن الاشتغال يتم بشكل متخصص وخاص. بعد هذا الطرح الأولي في مفهوم الفعل التربوي المتخصص،
يمكننا الأن البحث عن موقع الفاعل التربوي المتخصص في هذه العملية التربوية وإلى أي حد نستطيع ملامسة دوره إزاء هذه الفئة من الأطفال. إن الفاعل التربوي المتخصص لا يمارس مهامه التربوية من منطلقات وظيفية كغيره من الفاعلين في مجالات إدارية أو اقتصادية أو سياسية أو تجارية...إلخ. وإنما يضطلع بهذه المهام من منطلقات تحقيق رسالة الفعل التربوي المتخصص ذات الأبعاد القائمة على التمكين الإنساني الثلاثية المداخل؛ الإشباعية والتأهيلية ثم الانتاجية. كما وأنه يستمد كينونته الفلسفية والحياتية الفعلية من أخلاق العناية، ويعمل على أن يستمر في تتبع صعوبات المستفيد من الفعل التربوي المتخصص.
إن الفاعل التربوي المتخصص لا يعمل على تطبيع المستفيدين اجتماعياً أو إدماجهم ولا بإعدادهم للانخراط في سوق الشغل، ولكنه يعمل بكل مسؤولية ويساهم في تأهيل المستفيد وتمكينه من صناعة الحياة الاجتماعية والمشاركة في قيادتها، مع بناء آليات التواصل الجيد والفعال لديهم مع الآخرين وتدعيم كينوناتهم ومستوياتها، وهو بهذا يساهم ويحرص على الانتقال نحو اقتصاد إنساني يقاس نموه بالمستوى الفكري والعلمي والتقني وبالتالي الارتقاء بالإنسان في درجات سلمه الحضاري.
يمكن القول إذن، أن الفعل التربوي عامة والمتخصص بشكل دقيق، يعمل كما حدد ذلك أفلاطون في أهداف التربية، على "إنتاج أطفال قادرين على حكم أنفسهم بأنفسهم، يستطيعون بتفكيرهم التصرف في المسائل المتعلقة بسلوكهم وبذلك يوفرون على الدولة عبء إصدار تعليمات وقوانين تفصيلية في مثل هذه المسائل."[1].
[1]مجلة عالم الفكر، آفاق معرفية، المجلد التاسع والعشرون، العدد الأول، يوليو/ سبتمبر 2000، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ص 25.