يعتبر دستور 2011 دستور السياسات العمومية بامتياز , ففي إطاره تم فسح المجال أمام مشاركة العديد من الفاعلين في بلورة السياسات العمومية , غير أن الملاحظ هو انه غالبا ما يقع الخلط ألمفاهيمي ما بين السياسات القطاعية و السياسات العمومية , كما يقع الخلط مابين هذه الأخيرة و مفهوم السياسة العامة حيت يتم استعمال هذه المفاهيم كما لو كانت مرادفة لبعضها البعض . و الحقيقة أن لكل مصطلح مفهومه الخاص و إطاره المتميز الذي يختلف بشكل جوهري عن المصطلح الأخر.
فما هي أهم السياسات الاجتماعية و القطاعية بالمغرب؟
ماهية السياسة الاجتماعيةː
إن السياسة الاجتماعية كما تحددها الأمم المتحدة هي آلية لبناء مجتمعات تسودها العدالة و الاستقرار و تتوفر لها مقومات الاستدامة و لذالك تقع في نطاق اهتمام صانعي سياسات التنمية الوطنية العامة و هي تتخطى السياسات القطاعية و البرامج و الخدمات الاجتماعية , و منها سياسات التعليم و الصحة و الأمن الاجتماعي , فالسياسة الاجتماعية تقوم تحديد الأطر المؤسسية, و الأحكام اللازمة لدمج مبادئ المساواة الاجتماعية , و تخفيف حدة الفقر و الإقصاء الاجتماعي و إخماد بؤر التوتر الاجتماعي و تحقيق الرفاه العام لجميع المواطنين على اختلاف فئاتهم.
ماهية السياسة القطاعية؟
استنادا إلى فصول الدستور دائما نستطيع أن نميز بين مستويين من السياسات، ويتعلق الأمر بالسياسات الاجتماعية والسياسات القطاعية. فالوزراء مسئولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به طبقا لمفصل 1.93 من الدستور، ومن تم فالسياسات القطاعية سياسات مرتبطة بالقطاعات الحكومية المختلفة كل بحسب اختصاصو، ويمكنها أن تشكل جزءا من سياسة عمومية لان هذه الأخيرة تبقى أشمل وأوسع لكونها تسمح بتدخل فاعلين اجتماعيين إلى جانب الفاعل الحكومي الرسمي طبقا لما يقضي به منطوق الفصل 13 من الدستور الذي ينص على انه تعمل السلطات العمومية على انه تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات لتشاور ، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية و تفعيلها و تنفيدها و تقييمها.
مكانة السياسات الاجتماعية و القطاعية ( السياحة نموذج) بالمغرب:
ا- مكانة السياسة الاجتماعية ː عرف المغرب في بداية التسعينيات حزمة من التدابير الاجتماعية ، شملت تهيئ برنامجا اجتماعيا وبتنسيق مع البنك الدولي سمي ببرنامج الاولويات الاجتماعية , شمل بعض الجهات من البلاد وركز على برامج دعم التربية الأساسية , برنامج الإنعاش الوطني دعم برامج الصحة الأساسية , و تدخل في حزمة البرامج الجديدة, والتي تمت إجرائها ابتداء من سنة 1995 برنامج تأهيل العالم القروي و الهدف منه بالأساس تحسين مستوى المعيشة للساكنة القروية , عن طريق ربط هذه المناطق بشبكة الماء , الصالح للشرب و هو ما يسمى ببرنامج PAGER , بعده جاء مشروع ربط الساكنة القروية بالشبكة الكهربائية و هو ما يسمى بPERG
وفي نفس السياق و من اجل رفع العزلة عن العالم القروي تم تفعيل برنامج لإصلاح و بليط طرق العالم القروي و يعرف با(PNCRR) و بالنسبة للسكن تم في هذا الإطار أحدات برنامج وطني للسكن الاجتماعي سنة 2002, يتوخى القضاء نهائيا على مدى عشر سنوات على السكن غير اللائق و السكن ألصفيحي.
وفي ميدان الشغل، وتحت وصاية وزارة التشغيل والتكوين المهني، تعمل العديد من الأجهزة على تقريب فرص الشغل من الشباب، ودعمهم وبرنامج مقاولتي لتشجيع إنشاء المقاولات الصغيرة للشباب TPE، كما تم توسيع دائرة التغطية الصحية لتشمل فئات اجتماعية جديدة، خصوصا بعد صدور مدونة للتغطية الصحية توضح كيفية تسيير هذا الورش الاجتماعي، أما فيما يتعلق بالتكوين المهني، فقد تم توسيع ميادين التكوين الحرفي، وتوسيع قاعدة المستفيدين، وفرص التكوين لجميع الفئات من خلال برامج خاصة لكل من وزارة التشغيل عن طريق مكتب التكوين المهني، وكذا وزارة التنمية الاجتماعية في إطار التنسيق مع وزارة التعليم بهدف إحداث تكوينات جديدة في الميدان الاجتماعي (المبادرة الحكومية لتكوين 10000 مهني اجتماعي في أفق 2012)، ليدخل إلى قاموس الشغل بالمغرب مهن كالوسيط الاجتماعي، والمنشط الاجتماعي، وعون اجتماعي، ومربي متخصص وغيره من التخصصات الاجتماعية الجديدة. لخلق المقاولات من خلال تدخلات الوكالة الوطنية للتشغيل.
مكانة السياسات القطاعية ( السياحة نموذج )
ترمي الإستراتيجية الوطنية للسياحة، التي تحمل اسم "رؤية 2020"، إلى جعل القطاع السياحي إحدى القوى المحركة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بطموح كبير يتمثل في جعل المغرب ضمن أفضل 20 وجهة سياحية في العالم لترسيخ مكانتها كمرجع في منطقة البحر الأبيض المتوسط في مجال التنمية المستدامة، من خلال نموذج سياحي فريد، يجمع بين النمو المستدام المرتكز على التدبير المسئول للبيئة واحترام الأصالة السوسيوثقافية
ويرتكز هذا الطموح على ثلاثة أهداف إستراتيجية : مضاعفة سعة الإيواء السياحي، عبر بناء حوالي 200.000 سرير جديد، و مضاعفة عدد السياح، عبر مضاعفة حصة المغرب من الأسواق الأوروبية التقليدية الرئيسية، وجذب مليون سائح من الأسواق الناشئة، و أخيرا، رفع عدد الأسفار الداخلية إلى ثلاثة أضعاف.
تجد هذه الاستراتيجية الجديدة قوتها في ثلاث أسس رئيسية : سياسة إعداد و تأهيل التراب ذات الصلة بالعرض السياحي، التي تكفل توزيع الأرباح السياحية و تحقيق تنمية اقتصادية لكل جهات المملكة ، و بنية جديدة للحكامة، قادرة على تحقيق الدينامية و القيادة اللازمتين، و أخيرا، مقاربة مندمجة للتنمية المستدامة، تحترم البيئة و الأصالة السوسيوثقافية.
التحديات التي تواجه السياسات الاجتماعية و القطاعية بالمغرب
توجه السياسات الاجتماعية تحديات عديدة تعتريها العديد من النواقص و المشاكل في مجموعة من المجالات نذكر منها إشكالية الحماية الاجتماعية للأطفال و حوادث الشغل و الأمراض المهنية و الأشخاص الموجودين في حالة بطالة و نضام التغطية الصحية , و هذا ما جاء في تقرير المجلس الاجتماعي و الاقتصادي و البيئي باعتباره هيئة استشارية تشكل المنظومة المؤسساتية بالمغرب ,حيت اعتبر أن إشكالية حوادث الشغل و الأمراض المهنية هي بمثابة مخاطر اجتماعية كبرى يؤطرها نضام تامين متقادم و غير منصف , خاصة إذا علمنا انه في المغرب لا تزال شركات التامين تدبر قطاع التامين عن حوادث الشغل والأمراض المهنية سنة 1927 بناء على ظهير مستمد من قانون فرنسي يعود إلى سنة 1898 , رغم تعديله سنة 2002 الا أن هذا التعديل لم يفلح في إصلاح القانون بل ضل محافظا على مبادئه و أسسه التي استندت عليها و رغم توالي التعديلات سنة 2003 و 2014 إلا أنها لم تمس جوهر المشكل و هو تعميم الحماية الاجتماعية للعمال و ظل هذا سببا لتدني المغرب في مستويات مجال الحماية الاجتماعية و التنمية البشرية .
خاتمةː
لم تكن التنمية الاقتصادية كافية لضمان تحقيق الفوائد الاجتماعية في أنحاء عديدة من المنطقة العربية. فالفقر والبطالة لا يزالان منتشرين في بلدان عدة حيث الخدمات الاجتماعية الأساسية، بما فيها الصحة والتعليم، إما غير منصفة أو غير كافية أو غير متوفرة. وفي هذا التقرير، الذي يشكل جزءاً من المرحلة الثانية من مشروع السياسة الاجتماعية المتكاملة الذي أطلقته الإسكوا في عام 2002 والذي خضع لمراجعة الأقران ولنقاشات مستفيضة بين الخبراء، تحاول الإسكوا تقديم مداخل ملموسة للتعامل مع الاحتياجات والأهداف الإنمائية في المنطقة على نحو يضمن الإنصاف الاجتماعي وحقوق الإنسان. ويقدم التقرير لصانعي السياسات، ومنظمات المجتمع المدني، والوكالات الإقليمية والدولية المعنية بالتنمية، والجهات المعنية الأخرى في المنطقة توجيهات ومقترحات بشأن مأسسة نهج السياسة الاجتماعية المتكاملة الذي يدمج مجمل التدخلات الاجتماعية ويراعي الإنصاف الاجتماعي وحقوق الإنسان في وضع خطط التغيير الاجتماعي والتنمية.