عرفت منظومة المجتمع المغربي عدة تغيرات شملت مختلف المجالات، سواء الاقتصادية أو الثقافية أو السياسية أو الاجتماعية. والأسرة المغربية العريقة بتاريخها وأمجادها وتنوعها الثقافي شهدت بدورها تغيرات على مستوى الشكل والمضمون، فالمعروف في مجتمعنا المغربي هي الأسرة الممتدة "العائلة الممتدة"، وهي الأسرة التي تقوم على عدة وحدات أسرية تجمعها الإقامة المشتركة والقرابة الدموية، وتعتبر وحدة اجتماعية مستمرة لما لا نهاية، حيث قد تتكون من 3 أجيال وأكثر.
وتتسم بمراقبة أنماط سلوك أفراد الأسرة والتزامهم بالقيم الثقافية للمجتمع، وتعد وحدة اقتصادية متعأونة يرأسها مؤسس الأسرة، الذي تتمركز في يده السلطة ويكون إما الجد أو الابن الأكبر. لكن سرعان ما بدا هذا النمط الأسري العائلة الممتدة يندثر ويتفكك ليس فقط داخل المدن، بل حتى في البوادي ليحل محله نمط اسري جديد يطلق عليه اسم الأسرة النووية التي تتكون من الزوجين وأبنائهما هذا النمط الذي طغى عليه النزعة الفر دانية في جانبها السلبي واختفت في ظلها العديد من مبادئ وقيم ساهمت في التربية السليمة لأطفالنا خاصة في عصرنا الحالي الذي يعيش تحديات كبيرة، نتيجة التقدم العلمي والتقني الأمر الذي كانت له تداعيات سلبية على مقومات تماسك الأسرة وأدى إلى اهتزاز قيمها.
ويشكل هذا التحول مظهر من مظاهر التحولات البنيوية التي مست الأسرة المغربية التي تعد الخلية الأساس داخل أي مجتمع لذلك اهتم عدد كبير من الباحثين بدراستها دراسة معمقة كما هو الشأن للعالم أوكست كونت وهو من العلماء الأوائل في السوسيولوجي حيث أوضح أن الأسرة هي الخلية الأولى في جسم المجتمع وأنها النقطة الأولى التي يبدأ منها التطور والوسط الطبيعي والاجتماعي الذي ترعرع فيه الفرد وتعتبر نظام أساسي وعام يعتمد على وجودها بقاء المجتمع، فهي تمده بالأعضاء الجدد وتقوم بتنشئتهم وإعدادهم للقيام بأدوارهم في النظم الأخرى للمجتمع، كما أنها الجماعة الأولى التي تستقبل الطفل وتحافظ عليه خلال سنواته الأولى لتكوين شخصيته.
وهنا يمكن القول أن الأسرة تساهم بشكل كبير في النشاط الاجتماعي في كل جوانبه المادية والعقائدية والسياسية والاقتصادية والثقافية. ومن التعاريف المتدأولة لمفهوم الأسرة هو أنها مكونة من مجموعة أفراد تجمعهم وتوحدهم علاقات القرابة أو الزواج تحيط أعضائها بالعناية وتحميهم وترعاهم وتقوم بتنشئتهم اجتماعيا خاصة الأطفال باعتبارهم الحلقة الأضعف في مؤسستها وكونها تشكل الإطار المرجعي للطفل حيث يتمثل من خلالها معايير المجتمع وتقاليده وأعرافه، وبالتالي تلعب دور مهما في تحديد شخصيته ونمائها، كما عرفها الدكتور عبد السلام زهران بأنها المدرسة الأولى للطفل لذلك لها أهمية بالغة وتأثير قوي على سلوكات الطفل وتصرفاته، فهي العامل الأول الذي يصنع سلوكات الطفل اجتماعيا، وبالتالي هي المسئولة على تنشئته.
كما أن الأسرة تعتبر ذلك الوسيط الأمثل في تربية الطفل وتلقيه القيم الاجتماعية والأخلاقية وبالتالي إكسابه سلوك مقبولة داخل المجتمع هذا في حالة قيام الأسرة بوظيفتها على أكمل وجه وساعدتها البيئة الاجتماعية في تنشئة أطفالها بشكل سليم لكن مع هناك بعض النماذج لفئات عديدة من الأسر المغربية تفشل في أداءها لوظائفها، وذلك راجع لعدة عوامل اقتصادية اجتماعية وثقافية تؤثر على تركيبة الأسرة. وبالتالي يروح الطفل ضحية هذه المشاكل التي تعيق نموه وتنشئته الاجتماعية، ويظهر ذلك من خلال سلوكاته غير المتوازنة، والتي قد تترجم على شكل تصرفات عنيفة قد تصل لفعل الجنوح.
هذه الظاهرة التي باتت منتشرة بشكل كبير في جميع بقاع العالم فجنوح الأحداث بالمغرب يظل واقعا مفضوحا لا تنفع معه محاولات الإخفاء والتلميع، فقد تبلوه إشكالية الدراسة حول ظاهرة الجنوح التي تشكل خطرا لأمن وسلامة المجتمع المغربي واستقرار مؤسساته، وفقا للإحصائيات فقد بلغت عدد الأطفال المودعين بالسجون ومراكز حماية الطفولة التابع لوزارة الشباب والرياضة في نزاع مع القانون وطنيا بلغ 3724 طفلا. هذا المعدل الإحصائي يدلنا على حجم الظاهرة التي أضحت من ابرز الظواهر الاجتماعية الاخدة في النمو.
أمام هذا الوضع المزري الذي يتطلب منا وقفة معمقة إلى مكامن الأمور واستحضار الواقع التي تعرفه الطفولة المغربية وما تعانيه من حرمان ومعاناة اجتماعية وثقافية وتربوية ونفسية وهنا تظهر لنا أهمية الدور التي تعلبه الخدمة الاجتماعية بالمغرب كون الأسرة في حاجة دائمة إلى العديد من الخدمات الاجتماعية والإرشادية، المتمثلة في كشف المشكلات الاجتماعية والعمل على الوقاية منها وعلاجها وخاصة أن الأسر التي تتلقى خدمات اجتماعية وإرشادية تكون أكثر استقرارا ونشاطا في المجتمع والطفل كمكون أساسي من مكونات الأسرة بدوره يتطلب خدمة اجتماعية خاصة تهدف إلى توفير الحماية والتوجيه والمواكبة وتوفير له السبل التي يجد الطفل في إطارها إشباعا لحاجياته الاجتماعية والثقافية، لأنها تعترف بأهمية مرحلة الطفولة وتأثيرها على المراحل التي تليها.
إن طفل اليوم هو رجل الغد، وفي هذه المرحلة تتأسس فيها شخصية الفرد وكيانه النفسي والاجتماعي، لذلك أولت الخدمة الاجتماعية اهتماما خاص بالطفولة، وغطى هذا الاهتمام كافة أوجه الحماية والرعاية والتوجيه النفسي والاجتماعي والثقافي والتربوي للطفولة، كما عملت على مواكبة الأطفال المشكلين من كل مظاهر وأشكال الانحراف الاجتماعي وأشكال القلق والحرمان والإدمان المؤدي إلي ارتكاب أفعال شنيعة والوقوع في الجنوح.
هذه الأخيرة التي أضحت ظاهرة اجتماعية تعاني منها المجتمعات مند القدم وحتى يتمكن الإنسان من الدفاع على نفسه وعلى حقوقه وممتلكاته ،لذلك قام الكثير من العلماء والمفكرين في ميدان علم الاجتماع والحقوق والانثربولوجيا الظاهرة، بهدف تحقيق الاستقرار والأمن في المجتمع من خلال دراسة الظاهرة وفهم طبيعتها ووجود العلاج المناسب لها. وفي هذا السياق ظهرت النظريات والاتجاهات التي تفسر مشكلة الجنوح والانحراف. وقد درس الباحثون العوامل المختلفة المرتبطة بالسلوك الجانح، وبذلك أقيمت سياسية تربوية خاصة لمحاربة هذه الظواهر (إجرام، جنوح، انحراف و تشرد...) ومعالجتها من خلال التربية والتقويم والإصلاح وكذا التأهيل.
بقلم: خديجة العبيدي