إن الطفل الصغير يحتاج دائما إلى رعاية واهتمام خاصين، بسبب عدم اكتمال نموه العقلي والفكري والجسدي، ليس فقط من أسرته وإنما أيضا من الدولة التي ينتمي إليها، ومن المجتمع الدولي ككل. فالطفولة تعتبر هي أولى مراحل حياة الانسان، وهي مرحلة أساسية ذات أهمية قصوى في التكوين والتقويم، حيث فيها يتم اعداد الطفل وتأهيله ليستقبل باقي مراحل حياته، ويستطيع الاسهام بشكل جيد داخل مجتمعه.
وإذا كانت الخلية الأسرية هي المكان الرئيسي
والطبيعي لرعاية وتنشئة الأطفال وحمايتهم من كل ما قد يضرهم أو يؤثر على نموهم،
فإن الواقع المعيش ونتيجة لتداخل عدة عوامل، يشهد على تنامي حالات الأطفال
المحرومين من رعاية أسرهم، الأمر الذي حذا بجل التشريعات إلى سن عدة مقتضيات
قانونية في محاولة منها لإيجاد بديل عن تعذر تنشئة الطفل بين أحضان أسرته الطبيعية.
ومن هذا المنطلق أولت التشريعات
السماوية عناية خاصة للطفل، من خلال ضمان جملة من حقوقه، حيث كان الدين الإسلامي سباقا الى حماية
الأطفال الايتام، حيث يتبين ذلك من خلال العديد من النصوص الدينية، ومنها قول الله
عز وجل:" ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم
فإخوانكم" سورة البقرة الآية 218، كذلك قوله تعالى: "ألم يجِدك يتيما فآوى".[1]
ونتيجة للأوضاع المأساوية التي شهدتها
الطفولة في القرن الماضي، تركزت جهود العديد من دول العالم على البحث عن آليات من
خلالها يكمن الحد من الممارسات السلبية التي تطال هذه الفئة، ومن هذه الجهود نذكر إعلان
جنيف لحقوق الطفل 1924، وقد أوضح الإعلان بأنه ثمة واجب على جميع الناس أن يحفظوا
للطفل الحق في: الوسائل للنماء؛ ومساعدة خاصة في أوقات الحاجة؛ والأولوية في
الإغاثة؛ والحرية الاقتصادية والحماية من الاستغلال؛ والتنشئة التي تغرس الوعي
الاجتماعي والحس بالواجب. كذلك إعلان حقوق الطفل 1959، والذي يقر بجملة من الحقوق
من بينها حق الطفل في التعليم واللعب والبيئة الداعمة والرعاية الصحية. أيضا
اتفاقية حقوق الطفل 1989 التي تعتبر بمثابة دستور للطفل، وتعترف هذه الاتفاقية
بأدوار الأطفال كفاعلين في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمدنية
والثقافية، وتحدد الاتفاقية وتضمن معايير دنيا لحماية حقوق الأطفال في جميع
مواقعهم.
وعليه، فقد كان المشرع المغربي ملزما بالاتفاقيات
والمعاهدات التي صادق عليها من جهة، وكذا التزامه بالنصوص الشرعية باعتبارها مرجعا
من مراجع القوانين الوضعية بالمغرب، حيث حاولت هذه التشريعات والسياسات المتعلقة
بالطفل ضمان حقوقه وحمايته إلى
حين وصوله السن التي تجعله مؤهلا بدنيا وروحیا وعقلیا لیتولى زمام أموره ویعرف
واجباته ویقوم بدور فعال في المجتمع الذي ينتمي اليه.
وفي هذا
السياق أصدر المغرب أول منشور تحت رقم 2 مكرر بتاريخ 1962/05/08[2]، تحدد
بموجبه الإجراءات الأولية للتكفل بالطفل المتخلى عنه، إلا أنه نظرا للصعوبات التي
رافقت تطبيق هذا المنشور عمدت السلطة المختصة إلى إصدار مجموعة من الدوريات
الوزارية[3]
بهدف تقليص المشاكل الناتجة عن عدم وجود مسطرة لكفالة الطفل المهمل.
وأمام هذا
الفراغ التشريعي، ومع تزايد أعداد الأطفال المهملين صدر أول قانون يحدد مسطرة
الكفالة، الصادر بتاريخ 14 يونيو 1993[4]،
حيث أتى هذا القانون بحلول لهذه الفئة من الأطفال وكيفية رعايتهم والتكفل بهم بدءا
من التصريح بالإهمال ومرورا بتحديد المسطرة المتبعة للكفالة والشروط الواجب توافرها
في الكافل.
لكن بالرغم
من أهمية هذا القانون، فإنه شابته بعض الثغرات القانونية خاصة على مستوى الضمانات
المخولة لهذه الفئة من الأطفال وكذلك على مستوى المسطرة المتبعة والآثار المترتبة
على إسناد الكفالة مما استجوب مرة أخرى من المشرع التدخل من جديد وتعديله بمقتضى القانون
رقم 15.01 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين الصادر بتاريخ 15 يونيو 2002[5].
ووفقا
للقانون المشار اليه أعلاه، فيمكن تعريف الكفالة على أنها هي الالتزام برعاية طفل مهمل وتربيته وحمايته النفقة عليه كما يفعل
الأب مع ولده ولا يترتب عن الكفالة حق في النسب ولا في الإرث.
أما بالنسبة للمكفول أي الطفل المهمل
فقد حدد تعريفه من خلال الحالات الاجتماعية المواجد بها، فقد اعتُبر الطفل مهملا
من كلا الجنسين الذي لم يبلغ سنه ثمان عشرة سنة شمسية كاملة إذا وجد في إحدى
الحالات التالية: إذا ولد من أبوين مجهولين، أو ولد من أب مجهول وأم معلومة تخلت
عنه بمحض إرادتها؛ إذا كان يتيما أو عجز أبواه عن رعايته وليست له وسائل مشروعة
للعيش؛ إذا كان أبواه منحرفين ولا يقومان بواجبهما في رعايته وتوجيهه من أجـل
اكتساب سلوك حسن، كما في حالة سقوط الولاية الشرعية، أو كان أحد أبويه الذي يتولى
رعايته بعد فقد الآخر أو عجزه على رعايته منحرفا ولا يقوم بواجبه المذكور إزاءه.
حسب ما سبق ذكره تظهر أهمية موضوع
كفالة الطفل المهمل في جعل لكل طفل أسرة شأنه شأن كل الأطفال، كما أوصى الاسلام
بذلك بدون أي عنصرية مع إرساء المساواة والعدل بينهم، وعلى المستوى الدولي بحمايته
لكل الأطفال في سائر العالم من أي إهمال وعدم حماية، إذ نجد أن المغرب
قد وضع وأدرج
في قوانينه الداخلية قوانين وأحكام تحمي هذه الفئة الضعيفة في المجتمع من خلاله
اعتماد نظام الكفالة.
[1]سورة الضحى الآية 6.
[2]منشور تحت رقم 2 مكرر بتاريخ 08/ 05/ 1962، يحدد بموجبه الإجراءات الأولية للتكفل بطفل مهمل.
[3]من هذه الدوريات الدورية رقم 54 بتاريخ 18/ 05/ 1983 المتعلقة بكفالة الأطفال المتخلى عنهم بعد الوضع.
[4]الظهير الشريف بمثابة قانون، رقم 165 – 93 – 1 صادر في 22 من ربيع الأول 1414 ه / 10 شتنبر 1993 المتعلق بالأطفال المهملين، المنشور 4220 بتاريخ 15 – 09 – 1993 ص 1622.
[5]- ظهير شريف رقم 172- 02 – 1الصادر بتاريخ فاتح ربيع الآخر 1423 الموافق ل 13 يونيو 2002بتنفيذ القانون 15.01المتعلق بكفالة الأطفال المهملين والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5031 بتاريخ 19 غشت 2002.