-->

سوسيولوجيا المدرسة ورهان التربية على قيم المواطنة وحقوق الإنسان

طرحت قضية التربية على القيم كأحد المحاور الأساسية التي انشغل بدراستها العديد من الباحثين الاجتماعيين وهو ما تجسد في الكثير من كتاباتهم، إيمانا منهم بأنه توجد علاقة وظيفية بين القيمة باعتبارها ظاهرة اجتماعية أو عنصر مشترك في البناء الاجتماعي وسائر الظواهر الاجتماعية الأخرى السائدة داخل هذا البناء الاجتماعي للمجتمع، فلا يمكن تصور القيم إلا ضمن منظومة اجتماعية متكاملة يعاضد بعضها البعض، وممارسة أي قيمة تحتاج إلى وجود نوع من التلقائية بينها وبين ما يتصل بها من قيم أخرى، كما أن ممارسة قيمة ما يساهم في تقوية ما يوجد في فلكها من قيم أخرى، في حين أن التخلي عن قيمة ما أو نبذها غالبا ما يؤدي إلى تصدع في القيم المجاورة أو إلى اختلال منظومة القيم برمتها.


إن مسألة القيم كانت دوما في مركز اهتمامات علماء الاجتماع الكلاسيكيين شأن إيميل دوركهايم  وبالرغم من وحدة المنظور لدى الباحثين الاجتماعيين في تطرقهم للقيم، إلا أنهم يختلفون في تفسير طبيعتها وأسباب تغييرها، لذلك ظهرت على مسرح الفكر الاجتماعي عدة اتجاهات فرعية تنضوي تحت لواء المنظور السوسيولوجي، محاولة تفسير القيم من حيث نشأتها ومصادرها واكتسابها وكذلك علاقتها بالظواهر الاجتماعية الأخرى وكيف تعمل مؤسسات التنشئة الاجتماعية على نقلها والمحافظة عليها ومواكبتها للتطور الذي تشهدها المجتمعات.

وبالرغم من وحدة المنظور لدى الباحثين الاجتماعيين في تطرقهم للقيم ، إلا أنهم يختلفون في تفسير طبيعتها وأسباب تغييرها ، لذلك ظهرت على مسرح الفكر الاجتماعي عدة اتجاهات فرعية تنضوي تحت لواء المنظور السوسيولوجي، محاولة تفسير القيم من حيث نشأتها ومصادرها واكتسابها وكذلك علاقتها بالظواهر الاجتماعية الأخرى وكيف تعمل مؤسسات التنشئة الاجتماعية على نقلها والمحافظة عليها ومواكبتها للتطور الذي تشهدها المجتمعات.

وفي ارتباط بحركية المجتمع وديناميته وتطور غاياته وأهدافه الكبرى، نجد أن القيم بدورها لم تسلم من هذه الدينامية، إذ تخضع لمسار التحول والتطور، لأنها تتفاعل ضمن منظومات فكرية وقيمية متغيرة، غير أن وثيرة هذا التحول في القيم كانت بطيئة في المراحل التاريخية السابقة بالمقارنة مع الدينامية الاقتصادية والتكنولوجية التي يشهدها عادة المجتمع، والجدير الذكر أنه تحت تأثير تداعيات عالم معولم ومتغير، فإن وثيرة التغير والتحول في النماذج القيمية أصبحت في وقتنا الراهن متسارعة أيضا.
فعلى مستوى المجتمع المغربي نجد أن القيم تساير التحولات المجتمعية المطردة وتخضع بدورها لتحولات ، حاول الباحثين المغاربة رصد نظمها على أربع مستويات:

× المستوى الأول: قيم كانت سائدة وما زالت سائدة في المجتمع ، لكن شكلها تغير .
× المستوى الثاني: بروز قيم جديدة عوضت قيم قديمة.
× المستوى الثالث: انطفاء قيم قديمة دون أن يتم تعويضها بقيم جديدة .
× المستوى الرابع: ظهور قيم جديدة لم تكن معروفة.[1]

وتعتبر المدرسة من أهم المؤسسات التي توكل لها مهمة التنشئة الاجتماعية للمتعلم، بحيث يصبح قادرا على الاندماج داخل مجتمعه وعلى التكيف مع المعايير والقيم والعادات والتصورات التي يمليها وكذا الحركية التي يشهدها، وبحكم أن المؤسسات التعليمية تتولى وظيفة التربية بصورة رسمية، نجدها تعمل على إكساب التلاميذ القيم المرغوب فيها من خلال الأطر التربوية والحصص المقررة والمناهج الدراسية، هذه الأخيرة التي يجب أن يكون محتواها متكاملا ومتناغما مع النسق القيمي والمنظومة القيمية التي يتبناها المجتمع ويسعى لنقلها وترسيخها في عقول أبنائه.

إذا كانت المدرسة مؤسسة اجتماعية توكل لها مهمة الضبط الاجتماعي من خلال تلقين الناشئة مجموعة من القيم والمبادئ المؤطرة للمجتمع خاصة تلك المتعلقة بقيم المواطنة وحقوق الإنسان، فإننا نتساءل اليوم عن مدى انخراط المدرسة المغربية في ترسيخ قيم حقوق الإنسان والتصدي لكل أشكال العنف التي أصبحت ظاهرة تهدد الحياة الدراسية وسلامة الكيان المجتمعي واستقراره[2].

إن دراسة المدرسة المغربية ولو في جانب معين ، تكمن في فهم وظيفتها والمهام المنوطة بها باعتبارها مؤسسة اجتماعية [3]تعمل على تكوين السلوك الاجتماعي للمتعلمين قصد تأهيلهم للقيام بوظائف اجتماعية أساسية ، وتناول دورها لا يمكن أن يتم إلا ضمن حقل علائقي يربط هذه المؤسسة بمحيطها الخارجي وباقي المؤسسات التي تهيكل فضاءات المجتمع، ولا يمكن اعتبارها نواة مستقلة بل هي بنية مترابطة بمحيطها تتفاعل معه تؤثر فيه وتتأثر به. هذا ما يجعل المدرسة المغربية مدعوة للحسم في طبيعة مهمتها التربوية وخلق انسجام وتوازن وتناغم بين دينامية التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي ومنظومة القيم التي تلتزم بترسيخها للناشئة لخلق مجتمع ديمقراطي منسجم في ذاته ، متوازن وديناميي ، منتج ومتطور ، متفتح على القيم الإنسانية الكونية المشتركة[4]، وأن تتمثل التربية على القيم في السلوك الفعلي والترجمة اليومية بين صفوف الأساتذة والتلاميذ والأطر التربوية وكل الفاعلين، و لا تبقى حبيسة التصور البيداغوجي، قصد عدم وضع المتعلم أمام مفارقة بين المواقف والقيم التي يريد تبنيها لشخصيته وبين واقعه المعاش، فيكون ذلك مبررا لبروز بوادر العنف المدرسي والسلوكات السلبية الأخرى التي لا يقبلها المجتمع، وبالتالي لا تتحقق الغايات الكبرى التي ترمي إليها المنظومة التعليمية المتمثلة في إيجاد التلاؤم بين المدرسة والمجتمع [5].

إن مسؤولية التربية على القيم بصفة عامة، والتربية على قيم المواطنة وحقوق الإنسان بصفة خاصة، يجب أن لا تلقى على كاهل المنظومات التربوية فحسب، بل يجب أن تتضافر جهود عدة أطراف كهيئات المجتمع المدني و الأسرة والإعلام وكذا المؤسسات والجمعيات ذات الوظائف التأطيرية لتحمل هذه المسؤولية.

وهو ما يستدعي اليوم ضرورة إرساء صيغ مؤسساتية مستديمة للشراكة والتعاقد والتنسيق من أجل إنجاح برامج تربوية وثقافية هادفة ليتشبع المتعلم المغربي بهذه القيم الكبرى ويكتسب مناعة حقيقية ضد كل أشكال العنف و ضد كل السلوكات السلبية التي تسربت إلى المدرسة المغربية كالعنف والغش. ومن اللازم أن تنخرط المدرسة بشكل فاعل في ربح هذا الرهان ، رهان التربية على قيم المواطنة وحقوق الإنسان.

بقلم: إيمان الرحموني

[1] عبد الله الخياري ، المدرسة ورهانات التربية على القيم ، صفحة 3.

[2] رقية آيت حمو,2017, المدرسة و رهان التربية على القيم, الاتحاد الاوروبي, دار المشرق, الصفحة 18.

[3] بن عاشر الركيب ، نحو فهم سوسيولوجي للمدرسة.

[4] ذ رقية آيت حمو ، المدرسة ورهلن التربية على المواطنة والسلوك المدني.

[5] آيت حمودة حكيمة,2009,أهمية المدرسة في تنمية القيم السلوكية لدى التلاميذ و دورها في تحقيق توافقهم الاجتماعي,مجلة علوم الإناسة و الاجتماع,الصفحة 4.


إرسال تعليق

شاركنا رأيك في الموضوع

أحدث أقدم