الكفالة لا تختلف مبدئيا عن بعض المفاهيم المتشابهة كالتبني والحضانة، حيث أن جميع
هذه التعاريف يمكن أن تلتقي في نقطة وهدف واحد، وهو تحقيق غاية مفادها الحماية
اللازمة للقاصر وتربيته. لكن رغم هذا التشابه الموجود بينهم إلا أن الكفالة تختلف
عن النظامين اختلافا كبيرا. وقد حرم الإسلام نظام التبني لأنه يتنافى مع نظامه
العام ويهدر بكثير من الأحكام التي بني عليها نظام الأسرة في الإسلام.
الكفالة والحضانة:
يمكن اعتبار الحضانة هي حفظ الولد مما قد يضرّه، والقيام بتربيته
ومصالحه. وعلى الحاضن، أن يقوم قدر المستطاع بكل الإجراءات اللازمة لحفظ المحضون
وسلامته في جسمه ونفسه، والقيام بمصالحه في حالة غيبة النائب الشرعي، وفي حالة
الضرورة إذا خيف ضياع مصالح المحضون.[1]
فالحضانة لغة: هي
من الحضن وهو الصدر مما دون الإبط وحضن الشيء جعله في حضنه أي ضمه إلى صدره. وحضن
الطائر بيضه حضنا وحضانا: ضمه تحت جناحيه. والحضانة (بالفتح والكسر) اسمه منه.[2]
أما فقها فهي كما عرفها الفقيه المالكي ابن عرفة هي: حفظ الولد في
نفسه ومؤونة طعامه ولباسه ومضجعه وتنظيف جسده.[3] فالحضانة إذن هي: المحافظة على الطفل من كل ما يضره والقيام بلوازمه
إلى أن يستغني عن خدمات النساء.[4]
أما القانون فقد عرف الحضانة من خلال الفقرة الأولى من المادة 163 من
مدونة الأسرة كالتالي: "حفظ الولد مما قد يضره والقيام بتربيته ومصالحه".
وتؤطر المادة 171 من مدونة الأسرة الأشخاص مستحقو الحضانة وترتيبهم، وحصرتهم
في الأم ثم الأب ثم الجدة للام، مع إعطاء المحكمة صلاحية إسناد الحضانة لغيرهم من الأقارب
إذا تعذر إسنادها للمستحقين الثلاث المذكورين. كما أكدت نفس المادة على أن السكنى
اللائقة للمحضون تعتبر من واجبات النفقة.[5]
الكفالة والتبني:
يهدف كل من الكفالة والتبني إلى رعاية الطفل ماديا ومعنويا غير أنهما
يختلفان فيما يخص الشروط والآثار.[6]فالتبني لغة هو من تبنى تبنيا ويقال تبنى الصبي أو ادعى بنوته أو
أتخذه أبنا.
أما اصطلاحا فقد تعددت وتباينت تعاريف
التبني، لكننا سنقتصر فقد على تعريف الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث عرفته بموجب قرارها على إثر الإعلان المتعلق بالمبادئ الاجتماعية
والقانونية المتصلة بحماية الأطفال ورعايتهم مع الاهتمام الخاص بالحضانة والتبني
على الصعيدين الوطني والدولي في المادة 13 من الفصل المتعلق بالتبني، حيث أن الغرض
الأساسي من التبني هو توفير أسرة دائمة للطفل الذي لم يتمكن والداه الأصليان من
توفير الرعاية له.
حيث يتمثل التبني في إلحاق نسب الطفل المتبنى بنسب من تبناه، ويعطيه
اسمه ولقبه فيعتبره كابن حقيقي للأسرة.
لكن كان للإسلام نظرة أخرى للتبني، حيث أنه حرمه تحريما قاطعا ومؤبدا
بعد أن كان عرفا سائدا عند العرب الجاهلية وفي صدر الإسلام، حيث كان العرب قبل
الإسلام يلحقون المتبنى بالأبناء الصلبيين فيقاسمهم الحقوق نفسها ان وجدوا، وإلا
انفرد بالتركة، فكان الرجل يتبنى ولد غيره يقول له ابني أرثك وترثني ويصبح ولده
وتجري عليه أحكام البنوة الشرعية كلها من الإرث ومحرمات المصاهرة وكل الأحكام
المتعلقة بالإذن الصلبي على الوجه الشرعي المعروف.[7]
فجاء الإسلام ورد الأمور إلى نصابها، وأعلنها واضحة
في كتابه الكريم: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ
وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ
وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ
وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ
هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ
فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ
بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.
[8]
وقد جاء في السنة النبوية ما يدل على منع الإنسان من انتسابه وانتمائه
إلى غير أبيه البيولوجي، قوله صلى الله عليه وسلم: "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم، فالجنة عليه حرام".
[9]
وقد كان للإسلام وجهة نظر سديدة لما حرم التبني، حيث أنه يتنافى مع
نظامه العام ويهدر بكثير من الأحكام التي بني عليها نظام الأسرة، كما يهدر بحقوق
الغير ويفوتها على من له الأحقية فيها،[10] إضافة إلى عديد من الحكم والمصالح والتي يمكن
أن نلخصها فيما يلي:
1) الاعتداء على الأنساب: حرصت الشريعة الإسلامية على أقدس وأنبل رابطة وهي النسب من أجل
الحفاظ على أصول كل فرد، فالتبني هنا يلعب دور سلبي يظهر في اختلاط الأنساب
وضياعها وبالتالي انتشار الرذيلة والفاحشة بسبب انتساب شخص أجنبي إلى عائلة لا
ينتمي إليها لا دما ولا لحما في حياتهم، فيشارك هذه العائلة في أخذ حقوقها من
الأفراد الذين ينتمون إليها بيولوجيا والاعتداء عليهم ظلما بمشاركته في الميراث
والنفقة وخاصة وأن نظام الإرث في الإسلام مقصور على القرابة القريبة لا البعيدة
نسبيا، وإذا كان أحد الأفراد يعلم بأن هذا الابن دخيل وغريب عن الأسرة فهذا يحدث
خلاف، تفكك الأسرة وقطع حبل المودة بينهم. [11]
2) انتهاك الحرمات: إن التبني فيه الاطلاع على محارم متبنيه والاختلاط معهن والخلوة بهن،
فهو من أقوى الأسباب على هتك الأستار، وعدم صيانة الأعراض وفي هذا فساد عظيم وشر
مستطير فهو أجنبي عنهن لا يباح له ما يباح للابن الصلبي، وكذلك فإنه من الناحية
المنطقية يحل الزواج بإحداهن إلا أن التبني يحرم ذلك باعتباره أخ لهن وهذا تحليل
للحرام وتحريم للحلال وذلك تلاعب بالشرع، إذ نجد في هذا الصدد قوله تعالى : يا
أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب
المعتدين.[12]
وعليه يمكن القول أن تشييد الإسلام بالمحافظة على الأنساب وتقريرها لأصحابها وذلك
يتماشى مع عناية الإسلام بصيانة الأسرة وروابطها من كل شبهة ومن كل دخل. وأحاطتها
بكل أسباب السلامة والاستقامة والقوة والثبوت ليقيم عليها بناء المجتمع المتماسك السليم
النظيف العفيف.[13]
بقلم: كوثر فلاحي
[1]الموقع الرسمي لوزارة التضامن والادماج الاجتماعي والاسرة.https://social.gov.ma/.
[2]البوشواريمحمد،مستجداتمدونةالأسرةحولالحضانة،المجلسالقانونيالمغربيالعدد
10 شتنبر 2006، ص 190
[3]الفاسي ميارة،
شرح على تحفة الأحكام، دار الفكر،لبنان، 2000، ص 269
[4]البوشواري
محمد،مستجداتمدونةالأسرةحولالحضانة،مرجعسابق، ص 190
[5] اكدي محمد وبناني عبد الاله لحكيم، المقتضيات
الجديدة لمدونة الاسرة. الطبعة الثانية، المغرب، 2007 ص 172
[6] غميض فتيحة " تصديق أحكام مدونة
الأسرة أمام القضاء الفرنسي " دبلوم الدراسات العليا المعمقة وحدة تشريعات
الأسرة والهجرة، جامعة محمد الأول، كلية الحقوق وحدة السنة الجامعية 2008-2009 ص
91.
[7] الحموي أسامة، التبني
ومشكلة اللقطاء وأسباب ثبوت النسب" دراسة فقهية اجتماعية مقارنة"؛ مجلة
العلوم الاقتصادية والقانونية، جامعة دمشق، مج 23، 2007، ص 518.
[8](الأحزاب:4-5)
[9]صحيح
مسلم؛ بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع، الرياض، 1998، ص 47
[10] الإمام الحافظ أبي الحسن
مسلم بن الحجاج القشيري النيساتوري،صحيح مسلم؛ بيت الأفكار الدولية للنشر
والتوزيع، الرياض، ص 48
[11]السبيل عمر
بن محمد، أحكام الطفل اللقيط، دراسة فقهية مقارنة؛ ط1، دار الفضيلة للنشر
والتوزيع، الرياض، 2005، ص 175
[12]سورة
المائدة، الآية 87
[13] بيدويرني كريمة،
الكفالة والتبني، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماستر في الحقوق، جامعة عبد الرحمان، كليةالحقوقوالعلومالسياسية،ميرة، الجزائر، 2013 – 2014، ص 36