يرى كانط أن على الّتربية أن تطور كلّ الكمال القادر على بلوغه الّتربية، إذن هي تطوير استعدادات وكفايات ذات رتبة فيزيائية وفكرية وأخلاقية واجتماعية تخول لكل شخص أخذ وضع في المجتمع وتحقيق الذات عبر مختلف الأبعاد الشخصية، وهي كذلك اهتمام مزدوج يستهدف تارة إدماج الشباب في المجتمع، وتارة أخرى جعلهم مستقّلين بذواتهم. إن ذلك بمثابة وجهين لواقع واحد.
ويرى بدوره موكيلي أن المربي عبارة عن وسيط للمعرفة وللقيم الإنسانية.
الّتربية عند ديوى:
آمن ديوي بأن الّتربية هي الحياة نفسها وليست مجرد إعادة للحياة، وهي عملية نمو وعملية تعّلم وعملية بناء وتجديد مستمرين للخبرة، وعملية اجتماعية، ولتكون الّتربية عملية حياة لابد أن ترتبط بشؤون الحياة، ولتكون عملية نمو وعملية تعّلم وعملية اكتساب لخبرة لابد أن تراعى فيها شروط الّنمو وشروط الّتعّلم وشروط الاكتساب الخبرة، ولتكون عملية اجتماعية لابد أن تتضمن تفاعلا اجتماعيا ولابد أن تتم في جو ديموقراطي وجو اجتماعي صالح. إن عامل الخبرة هو الأساس في العملية التربوية عند ديوي وفي9 جميع نصوصه الّتربوية يرد هاذان التعبيران " الخبرة والمهارة" إن الخبرة لديه هي وسيلة للّتربية، وينبغي أن تتميز الخبرة بالاستمرار، ولقد أهمل ديوي
أهداف الّتربية
ذلك أن المتعّلم في رأيه هو الذي يشارك مشاركة أساسية في تعيين هذه الأهداف، وهنا تبرز نزعة الديمقراطية التي ترى أّن غرض الّتربية هو تحقيق ذاتها، وما سوى ذلك فهو قرار يشترك في صياغته أطراف العملية الّتربوية جميعا. واعتبر ديوي بأن المنهج التربوي يستند إلى أن مركز الاهتمام هو خبرات التلميذ ومهاراته، ويربط هذه الخبرات داخل المدرسة وخارجها ومراعاة الفروق الفردية، يقول: إن التعليم الفعال يتحّقق عندما يكون الشيء المراد تعّلمه يعني شيئا للمتعّلم.
من خلال هذا التعريف قد أعطانا ديوي جملة من الشروط والمبادئ التي يجب توّفيها حتى يستقيم جانب الّتربية وتصبح ذات هدف ومغزى، وليس مجرد رد فعل شرطي حيواني فقط، لأن الإنسان خلق ليتعّلم ويعّلم بدوره، لا كبقية الحيوانات التي تسيرها الغرائز ولا يمكنها أن تعّلم بعضها بعضا، كما دعا لفكرة جوهرية في الّتربية الحديثة وهي أن يكون الّتعّلم والّتربية مرتبطين بالواقع المعاش والذي يؤّثر فينا ويتأثر بنا.
أهمية الّتربية:
التربية هي الأسلوب، وهي الأداة التي تضع الأنسان في بداية طريق الّنمو والاستفادة من الوسط الاجتماعي القائم. ومن هذا المنطلق تتجلى أهمية الّتربية سواء على الأفراد أو المجتمعات وهي كالتالي:
لا يولد الإنسان إنسانا، حيث لا يملك شيئا من مقومات الإنسانية: الّلغة والفكر والمشاعر والأخلاق... ولا ينتقل إليه شيء من ذلك بالوراثة من أبويه، وعليه أن يكتسب كلّ ذلك من خلال الّتربية الأسرية والاجتماعية؛ ويظهر هذا جليا حين نقارن بين إنسان الغابة الذي لا يحسن أكثر من جني الّثمار، وبين إنسان يعمل في مركز الأبحاث، أو يقود طائرة حديثة !
مع الّتقدم الحضاري المتساوي صارت الهوة بين الإمكانات والقابليات الفطرية التي لدى الطفل، وبين ما ينبغي أن يكون عليه عند الّنضج واسعة للغاية، ولذا فإن طفولة الإنسان صارت اليوم تستغرق نحوا من 30 % من عمره؛ فهو حتى يجد العمل اللائق، ويفهم الحياة حوله على نحو جيد بحاجة إلى أن يتعّلم ويتدرب، ويكتسب المهارات إلى قرابة سن الثامنة والعشرين أو الثلاثين. وهذا كّله يأتي عن طريق الّتربية، بمعنى أن وظيفة الّتربية في اكتمال الإنسان تزداد أهمية واتساعا، والتقصير فيها صار ضرره أعظم مما كان في الماضي.
إن الّتربية هي التي تقوم بتكوين الوعي لدى الناشئ، وهي التي تغرس في نفسه ضرورة التطّلع إلى المثل العليا والأهداف الكبرى؛ حيث يستلّ المربي من مجموع ما تفيض به ثقافة الأمة، ومما هو متوفر من معرفة.ما يعتقد أّنه أساسي في تكوين من يشرف على تربيته، والمشكل هنا أن التربية لدينا لم تحقق نجاحا واضحا في جعل الناشئة يدركون الأهداف الكبرى على نحو صحيح؛ فالملاحظ أ ن الناس يستشعرون الهدف من هذه الحياة على نحو رتيب أو مبتذل؛ وهذا في حد ذاته يجعل درجة التفاعل معه والحماسة لتحقيقه ضعيفة أو معدومة؛ وهذا ما نلاحظه اليوم؛ حيث يضمر كلّ مسلم في نفسه أن هدفه الأسمى هو رضوان الّله تعالى لكن انعدام الفاعلية الشعورية والذهنية في إدراكه، أدى إلى ضعف السعي إلى تحقيقه والارتفاع إلى مستواه لدى السواد الأعظم من المسلمين.
مهما تقدمت المعرفة فإّنه سيظل في معارفنا بعض الفجوات؛ فالعلم يثير من الأسئلة على مقدار ما يمنحنا من اليقين.
أهمية الّتربية العقلية
تبرز في أّنها تنمي لدينا ملكات إدراكية، وتؤسس مكونات ثقافية، تمكننا من إصدار أحكام سديدة ومنطقية على الرغم من نقص المدلولات والمقدمات والمعلومات. فالإنسان الذي لم يتلقى تربية جيدة قد لا يستفيد حتى من المعلومات اليقينية، ويفسر الأشياء تفسيرا خاطئا، ويسهل خداعه، ويصدر أحكاما لا يساندها علم ولا منطق. والّتربية وحدها تمكن للإنسان أن يتأهل للعيش في المجتمع، والواحد منا لا يشعر غالبا بعظمة الفوائد التي تعود عليه بسبب المحاضن الاجتماعية المختلفة، وتلك الفوائد في الحقيقة، أجلّ أن توصف؛ فالمرء المتوحش نشأ أصلا في بيئة متوحشة، والإنسان المهذب الرقيق اللماح اكتسب ذلك من مجتمع يقدر هذه الصفات، ويربي عليها. وغالبا ما يؤكد رجال التعليم والفكر على ضرورة منح الاستقلالية للأطفال والفتيات، إلا أن كبار السن يدركون المخاطر التي يتعرض لها الناشئ بسبب اختلافه عن السياق الاجتماعي السائد، مما يدفعهم دفعا إلى الضغط على أطفالهم كي يقلدوهم، ويكونوا نسخا مكررة عنهم.
والتربية تبقى هي السكة التي يوضع عليها الطفل حتى يسيل في درب الحياة ويصنع لنفسه طريقا خاصا به يميزه عن أقرانه، لكن إن حاد عن السكة التي وضعت له يبقى فريسة سهلة للأعراف والتقاليد والعادات تصنع منه ما تريد وكيف تريد فينسلخ من مقوماته ومبادئه. كما أن لعلوم التربية صلة بمجموعة من العلوم وأنواع من المعرفة الانسانية فهو يعد من أحد أنواع العلوم الانسانية، إذ يهتم بدراسة الانسان وكيفية تواصله وتفاعله مع الآخرين والبيئة المحيطة به ومن بين هاته العلوم نجد التربية والفلسفة، التربية وعلم الانسان، التربية وعلم الاجتماع، التربية وعلم النفس الذي هو موضوع دراستنا.وبالخصوص علم النفس التربوي.
يعد علم النفس التربوي من العلوم المهمة كونه يهتم بدراسة الظواهروالحالات التعليمية التعلمية التي تؤثر في عمل المعلم، وتحصيل المتعلمين المعرفي, واكتسابهم المهارات وبناء الاتجاهات، وتنمية التفكير ...وغيرها من المؤثرات سلبا وإيجابا، وبما يسهم في الارتقاء بالعملية التعليمية أي انه يخدم جميع المواد التعليمية التي تشترك في بناء وتعديل سلوك المتعلمين وتيسر تحقيق الأهداف التعليمية العامة والخاصة لتلك المواد بالإضافة إلى الأهداف التربوية العامة ولتسليط الضوء على هذا العلم نجد من الضروري أن نتعرف بإيجاز على مفهوم علم النفس التربوي، وعلاقته بعلم النفس العام، وتاريخ نشوءه، وابرز مجالاته, وأهدافه، وأهميته.
بقلم: محمد تفاح