تعد الدراسات والأبحاث التي أجريت على ظاهرة جنوح الأحداث من الدراسات المهمة في ميدان العلوم الاجتماعية، إذ اهتم بها علماء وباحثين في علم الاجتماع واتخذوها موضوعا للدراسة. لذلك ارتفعت نسب الأبحاث حول هذه الظاهرة، وانطلاقا مما قيل سنحاول التطرق إلى أهم الدراسات التي تناولت مشكلة الجنوح من الناحية الاجتماعية في إعادة إدماج صاحب الفعل الجانح في المجتمع.
الدراسات الأجنبية:
درس مجموعة من الباحثين الأجانب جنوح الأحداث باعتباره ظاهرة دخيلة
على المجتمع وتتطلب معاينة ودراسة دقيقة لذلك كل باحث اعتمد طريقة خاصة به لتفسير
وتحليل الظاهرة حسب وجهة نظره وسنقوم برصد خمسة دراسات أجنبية تمثلت في ما يلي:
دراسة سامون كووا 'samankoua':
قام الباحث سامون كووا بدراسة موضوع جنوح الأحداث في مالي سنة 1978
بمدينة بالي والغاية منها تبيان الهفوات التي قامت بها مؤسسة إعادة التربية بمدينة
بالي عند محاولتها إعادة تربية الأطفال الجانحين واعتمد الباحث في دراسته هذه
المنهج الوصفي مستخدما استمارة لجمع المعلومات وطبقها على عينة مكونة من 200 شخص
وقد توصل إلى نتائج لخصها كما يلي:
إن المؤسسة المكلفة بإعادة التربية تعمل على ملئ وقت فراغ الأطفال
حتى يصلوا إلى سن 18سنة حيث يتم توجيههم إلى المراكز المهنية غير أن هذا التكوين
حسب النتائج المتوصل إليها تكوين سطحي لا يسمح لهم بعد التخرج بإيجاد عمل ويفسر
الباحث هذا العجز بفقر المؤسسة للمربين المتخصصين وكذلك أن طبيعة التكوين لا
تتجاوب مع متطلبات سوق الشغل.
دراسة جان شازال:
قام الباحث جلن شازال كباقي الباحثين الأجانب المهتمين بمقاربة ظاهرة
جنوح الأحداث بدراسة الطفولة الجانحة في فرنسا وكان الهدف من هذه الدراسة إعادة
تربية التي تهدف إلى هداية الفتيان غير المتكيفين إلى الانضمام في الأطر
الاجتماعية وكذلك التركيز على الإمكانيات والفرص المتوفرة للمنحرف كي يعيد تكييف
نفسه مع المجتمع وقد انتهى هذه الدراسة بوصول جان شازال إلى عدة نتائج أهممها
- إن إعادة التربية في مركز لا تستطيع عامة أن تعطي نتائج ايجابية إلا إذا تلتها مرحلة الرعاية بصفة الحرية الجزئية أو المراقبة.
- إن إعادة التربية تحقق نتائج مميزة ولكن إذا لم تعمل على القيام بعمل تربوي فعال فان أكثر من نصفهم سيسقط في الجنوح.
- إن إعادة التربية تهدف إلى هداية حدث غير متكيف إلى النظام في الأطر الاجتماعية ولكن لا يمكن الحصول على هذه النتيجة إلا إذا عرف المجتمع بدوره كيف يكيف نظمه وبنيته مع المشكلات التي يطرحها الحدث.
دراسة هوير ومساعداه الدكتوران لوغيان ولوبتسنسكي:
أجرى هدا البحث في "ليون" وتحددت عينه الدراسة ب150 ولدا
غير متكيف اجتماعيا جرت ملاحظتهم في المراكز المتعدد المهام المسمى "بيت
الأولاد" وقد أعطى هذا التحقيق نسبة للتكيف الاجتماعي الجيد والمتوسط والتي
قدرت ب 15% ولقد اجتهد الأب هوير ومعأوناه لتحديد المعطيات المناسبة وغير المناسبة
للتكيف وقد توصلوا إلى أن أهم المعطيات المساعدة على التكيف هي سيطرة على أنماط
الكبح الذاتي أما المعطيات المعيقة للتكيف فكان من بينها قلة الاكتراث وعدم الرغبة
والاضطراب الشديد وقلة الاهتمام بالعمل.
دراسة العالم بولبي:
لقد اجري هذا العالم دراسته سنة1946على أربعة وأربعين جانحا وعلى
مثلهم من الأطفال غير المتكيفين. نشرها في مذكرة تحت عنوان "أربعة وأربعين
جانحا" ولقد هدف بولبي من هذه الدراسة إلى الكشف عن اثر العلاقة بين الوالدين
وأبنائهم وكذا اثر المرافق المحيطة في عدم توافقهم وفي جناحهم وقد بينت هذه الدراسة
أن أسلوب الجانح له علاقة كبيرة بابتعاد الطفل الجانح عن أمه مدة طويلة في السنوات
الخمس الأولى من حياته، تلك التي تتشكل فيها شخصيته ولقد بلغت نسبة هؤلاء الجناحين
الذين عانوا من الحرمان لمدة طويلة من الأم 30% وفي المقابل وجد بولبي في المجموعة
غير المتوافقة 63% منهم لم يعاني من الفراق عن الأم في السنوات الأولى من حياتهم
ولكن أمهاتهم كن ديكتاتوريات في معاملتهن وكانت تتميز بالتوتر والقلق.
دراسة مارغيت:
قامت مارغريت بنشر مذكرة بعنوان) the délinquance gril in Chicago) حيث أجريت هذه
الدراسة على 362 فتاة جانحة في شيكاغو وتمت المقارنة بينهن وبين ونفس العدد من
فتيات المدارس اللاتي يعشن في نفس الظروف السكنية والمعيشية، فيتبين في الأخير أن
نسبة 67% من الجانحات انحدرن من بيوت متصعدة الأركان بينما كانت مجموعة الأخرى
نسبة 45% فقط من الفتيات اللواتي انحدرن من عائلات مفككة.
دراسة لانيال لافستين
وستانسيو:
نتيجة الإحصائيات التي قام بها باحث يدعى مانو في كتاب نشره باللغة
الفرنسية سنة 1943عن التفكك العائلي والاضطرابات في أطباع الولد، فاثبت انه بين
839 ولد مصاب باضطراب في طباعة أو بتأخر في نمه العقلي، 551 منهم 65% ينتمون
إلى عائلات منحلة.
كما أن العالم الفرنسي هويار اثبت ان88% من الأولاد المنحرفين الذين
قام بدراسة أحوالهم الاجتماعية ينتمون إلى عائلات منحلة اثر طلاق أو الهجر الحاصل
بين الوالدين أو الزوج احد الأبوين مرة ثانية أو المعاشرة غير الشرعية.
كما أشارت بعض الدراسات إلى أن نسبة كبيرة جدا من المنحرفين كانت
لديهم مشكلات في المدرسة، فالانتماء وعدم الانتماء إلى رفاق الفصل في سن الثامنة
غالبا ما يتحول إلى شعور الانتماء أو عدم الانتماء إلى المجتمع في سن 18 لان
المدرسة هي المجتمع بالنسبة إليه في مرحلة الطفولة.
ولم تهمل الدراسات التي بحثت في علاقة المؤسسات التنشئوية بظهور
الانحراف. اثر المحيط الخارجي في ذلك إذ لاحظت أن الرفقة السيئة تشارك في
انحراف الحدث، وكان ذلك إنذار بسوء حاله في حاضره ومستقبله.
كما أن تأثير وسائل الإعلام خاصة التلفزيون وما يعرضه من أفلام عنف
ومشاهد مخلة بالحياء إضافة إلى غياب الوازع الديني كل هذا يؤدي
حتما بالحدث إلى كسر كل ما هو محضرو ويدعم السلوك لانحرافي عنده، فكما
للتلفزيون إيجابيات عديدة له سلبيات وهذا يرجع إلى سوء الاستعمال وسوء التوجيه
وانعدام المراقبة.
الدراسات العربية:
سبب الاهتمام العالمي بظاهرة جنوح الأحداث المخاطر التي تصيب الأحداث
أنفسهم كما تصيب المجتمع الذي يعيشون فيه وكان من جملة ما نجم عن هذا الاهتمام
بحوث عملية جرت في مختلف بلدان العالم وقد نهجت الدول العربية نفس الطريق الذي
سارت عليه الدول الأخرى واهتمت بالأحداث الجانحين وبدأت إجراءات متعددة للوصول إلى
رعايتهم. كما جعلت منهم موضوعا لعدد من الدراسات العلمية وأهمها ما يلي:
دراسة الزيتوني:
أجريت هذه الدراسة بمركز إعادة التربية "ببئر خادم" وتضمنت
عينة من المراهقين لقياس مدى فعالية العلاج واستنتجت الباحثة زيتوني سنة 1981 وجود
خلل نظامي وبيداغوجي أدى إلي شعور الجانح بان عملية إعادة التربية ليست وسيلة
لإعادة إدماجه داخل المجتمع وإنما هي عملية تتمثل في حجز الجانح لمدة زمنية معينة
فقط فالمؤسسة في نظر الجانح ليست إلا ملجأ كغيرها من الملاجئ.
دراسة رشيد زرقين:
قام الباحث رشيد زرقين بدراسة تحت عنوان " لمحة عن ظاهرة الجنوح
في الجزائر" سنة 1982 وكان الغرض منها إبراز خصائص الطفولة الجانحة وسعى من
خلال دراسته إلى إبراز العوامل التي تؤدي إلى الجنوح وقد اتبع الباحث في دراسته
هذه المنهج الوصفي على عينه متكونة من 100شخص وقد توصل إلى نتائج لخصها كتوصيات:
- إدخال مواد وطرق تربوية مناسبة في مراكز إعادة التربية كالتكوين المهني.
- تنظيم نشاطات رياضية وثقافية لصالح هؤلاء الشباب.
دراسة حنفي محروس حسانين (طبيعة جنوح الأحداث ودوافعها).
أقيمت هذه الدراسة بدار الرعاية بمحافظة سوهاج بمصر من قبل الدكتور
حنفي محروس حسانين وقد طرح الدكتور عدة تساؤلات تمثلت في مايلي:
- ما سبب ارتكاب الحدث للجريمة؟
- ما مدى العلاقة بين الحدث وزملائه والمدرسين واثر هذه العلاقة على سلوك الفرد؟
- وما طبيعة العلاقة بين الحدث والمشرفين داخل دار الرعاية؟
- هل الحدث يتعاط مواد مخدرة.
وكان الهدف الرئيسي لهذه الدراسة معرفة أسباب ارتباط الحدث
بجريمته ومعرفته العلاقات الأسرية التي تتم بين الحدث ووالديه وعلاقة الحدث
بزملائه ومشرفي دار الأحداث والتعرف على مدى تعاطيه للمواد المخدرة واعتمد الباحث
في دراسته هذه على منهج المسح الاجتماعي بطريقة الحصر الشامل لمفردات البحث وذلك
بغرض الوقوف على التساؤلات التي أثرتها الدراسة وقد اعتمد الدكتور حنفي على أكثر
من أداة لجمع البيانات ومن هذه الأدوات ذكر المقابلة الشخصية، الملاحظة والاستبيان
وقد طبقت هذه الأدوات على عينة البحث المتكونة من13 فردا وهو مجموع المجتمع الأصلي
المودعين بدار الرعاية وقت إجراء الدراسة وقد انتهت الدراسة إلى مجموعة من النتائج
كما يلي:
- تعتبر المشاكل العائلية بالإضافة إلى أصدقاء السوء من الأسباب المهمة التي دفعت الحدث إلى ارتكاب جرائمه.
- اتضح انه توجد خلافات بين أفراد أسرة الحدث وسبب هذه الخلافات هي أصحاب السوء وعدم الاتفاق في الرأي داخل الأسرة.
- إن معظم الأحداث الجانحين يشعرون بالحزن والألم نتيجة دخولهم دار الرعاية.
- إن نسبة 85% من الأحداث يتعلمون الأعمال والمهن الحرفية داخل الدار ( كهرباء، صباغة، نجارة...).
- علاقات الأحداث مع المشرفين داخل الدار ممتازة وطيبة.
- يتعاط بعض الأحداث المكيفات والمخدرات غالبا في سن مبكرة.
دراسات الباحث عبد المجيد طاك طاك:
قام هذا الباحث بدراسة عنوانها "الشباب غير المتكيفين
بتونس" وجرت هذه الدراسة بمركز إعادة التربية بجر ماط وشملت 750 شابا تترأوح
أعمارهم ما بين 12و19 سنة و 120شابا منحرفا من مركز المريرة واشتملت عينة البحث
على دراسة ملفات 50% من أفراد العينة وكانت نتائجها كالتالي :
- ينحدر 65%من الشباب الجانحين من عائلات غير متفككة.
- ينحدر 25% من الشباب من عائلات غير مصرح بها.
هل التصرب المدرسي مسؤول عن الانحراف؟ أم أن هناك مشكلة أخرى تتمثل
في النظام التعليمي ذاته وقد يعود هذا نسبيا إلى نوعية الأساتذة وضعف تاطيرها وإلى
البيئة السيئة وقد وجد ان90% من أفراد العينة قد رسبوا في دراستهم وقد تم استخلاص
النتائج التالية :
- إن التسرب الدراسي هو مصدر هام للانحراف.
- إن أشكال الانحراف الأكثر شيوعا هي السرقة حيث تدل الدراسة على ان 81% أشاروا إلى قلة المال المتوفر لتغطية حاجاتهم المتزايدة نتيجة للتطور الاجتماعي والاقتصادي.
- يعكس التسكع في الشوارع نسبة 8% من المنحرفين وهذا يأتي في المرتبة الثانية بعد السرقة.
- تقدر نسبة العنف ب5% بالنسبة للظروف الأسرية.
- إن كبر الآباء يكون على حساب تربية الأطفال من ناحية المراقبة للأولاد.
- كل ذلك يدل على الأسرة المتفككة ينتج عنها منحرفين 10 مرات أكثر من الأسرة المتماسكة.
دراسة احمد محمد كريز:
ان هذه الدراسة جاءت بعنوان "الرعاية الاجتماعية الجانحين" وقد حأول الباحث فيها ان يبين اهمية مشكلة الجنوح وابراز العوامل التي تؤدي اليها وقد ركز على الاهتمام بالرعاية الاجتماعية من العوامل المضادة التي يمكن ان تؤدي إلى مواجهة ظاهرة الجنوح ولقد خلص إلى عدة نتائج:
- أن الحدث يحتاج إلى الرعاية الاجتماعية أكثر مما يحتاج إليها البالغ نظرا لظروفه الاجتماعية وأحواله النفسية.
- إن رعاية الحدث الجانح من شانها حماية المجتمع من الخطر الذي يمثله هذا الحدث إذا ترك وشانه وأصبح بالغا مجرما.
- إن خطورة المجرمين الذين بدا إجرامهم في مرحلة الحداثة تفوق خطورة المجرمين الذين بدأ إجرامهم بعد سن الرشد.
وبالتالي خلص إلى إن هناك تناسب عكسي بين جنوح والرعاية الاجتماعية
بمعنى انه كلما زادت الرعاية قل الجنوح
دراسة احمد مطر 1987:
هدفت إلى التعرف على العلاقة بين السلوك العدواني وبين المتغيرات في
الأسرة والمدرسة لدى تلاميذ الحلقة الثانية من التعليم الأساسي ودور الإرشاد
النفسي في تخفيف العدوان باستخدام طريقتين إرشاديتين هما التمثيل النفسي (
السيكودراما) قراءة الكتب والكتابات النفسية.
وقد أجريت الدراسة على عينة قوامها 359 تلميذ، من تلاميذ الصف التاسع
الأساسي بمحافظة الإسماعيلية وقسمهم الباحث إلى ثلاث مجموعات مجموعتين تجريبيتين
ومجموعة ضابطة وقد طبقت على أفراد العينة.
مقياس التقدير الذاتي للسلوك العدواني، ومقياس العلاقات الاجتماعية
ومقياس اتجاهات المعلمين نحو الطلاب ومقياس الاتجاهات الوالدية التنشئة إعداد محمد
عبد الله شوكت. وأدت النتائج عن وجود علاقة سالبة بين العدوان
والاتجاهات الوالدية التي تتسم بالتسلط والحماية الزائدة، وجود علاقة ارتباطية
سالبة دالة بين العدوان لدى الأبناء والعلاقات بين الوالدين.
كما أسفرت النتائج أيضا عن انخفاض العدوانية بدرجة مناسبة لدى
المجموعتين التجريبيتين وعدم انخفاض العدوان لدى المجموعة الضابطة.