الدين الإسلامي:
يمكن القول بأن التنمر مصطلح جديد لم يظهر إلا مؤخرا، لكن عند الرجوع إلا الآيات القرآنية الكريمة، نجد أن الله سبحانه وتعالى قد نهى عن هذا السلوك في قوله تعالى:
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُون}، "سورة الحجرات: الآية 11".
فقد أوضح ابن كثير في معنى الآية الكريمة أن بها نهيا صريحا من الله سبحانه وتعالى عن احتقار الناس والاستهزاء بهم لوجود مرض أو فقر أو أي صفة مختلفة أو غير مألوفة، فربما يكون الشخص الذي تمت السخرية منه له قدرٌ عند الله أعظم من الساخر، بل وربما يكون أحب لله من الشخص الذي قد تنمّر عليه.
أما في قول الله تعالى{وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ} فقد أوضح ابن كثير أن معناها عدم الإيماءات التي توحي للآخرين بالاستهزاء بهم، سواءً كانت بالنظر أو بالحركة أو بالكلام.
وقال تعالى {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} أي لا تقوموا بإطلاق أسماء على البعض يستاؤون منها عندما يستمعون إليها.
كما زخرت السنة بنصوصها التي تبين أن من صفات المسلم الأساسية، أن يسلم الآخرون من أذاه، بل جعلت السنة هذه الصفة لأهميتها تعريفا للمسلم، بحيث لا تنفك عنه، ولا ينفك عنه، وإلا لما استحق وصف المسلم، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:المسلم: من سلم المسلمون من لسانه ويده” وعن أبي موسى رضي الله عنه قال:
قالوا يا رسول الله أي الإسلام أفضل؟ قال: “من سلم المسلمون من لسانه ويده”.[1] كما قاله سبحانه وتعالى: }وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ{، سورة البقرة الآية 109
الخلاصة؛ أن الدين الإسلامي نهى تمامًا عن السخرية التي اتخذت اسمًا آخرًا وهو التنمر.
الديانة المسيحية:
رغم تحريف الإنجيل فالديانة المسيحية بدورها تحرم التنمر في مجموعة من الآيات المقدسة: ماثيو 5:11 "سوف يباركك الله عندما يهينك الناس، ويسيئون معاملتك، ويقولون إن كل أنواع الشر تكمن فيك بسببي".
Blessed are you when people insult you, persecute you and falsely say all kinds of evil against you because of me.[2]
يعقوب :4-11-12
لا يذم بعضكم بعضا ايها الاخوة الذي يذم اخاه ويدين اخاه يذم الناموس ويدين الناموس وان كنت تدين الناموس فلست عاملا بالناموس بل ديانا له واحد هو واضع الناموس القادر ان يخلص ويهلك فمن أنت يا من تدين غيرك.
Don’t speak against one another, brothers. He who speaks against a brother and judges his brother, speaks against the law and judges the law. But if you judge the law, you are not a doer of the law but a judge.
Only one is the lawgiver, who is able to save and to destroy. But who are you to judge another ?[3]
يقصد بالناموس في الإنجيل شريعة موسى التي وضعها بوحي من الله، في الحقوق المدنية والاجتماعية والأدبية والطقسية، والتي تهم بضرورة اتباع ووجود مبادئ أساسية في قلب الإنسان. يوحنا 2:9
"أي شخص يدعي انه في النور، لكنه يكره أخا أو أختا فلا يزال في الظلمات".
Anyone who claims to be in the light but hates a brother or sister is still in the darkness.[4]
إن جميع أنواع الإنجيل تحرم التنمر، فتعاليم الديانة المسيحية تنهي عن التنمر، لان رسالة المسيح جاءت لخلاص الانسان من كل اوجاعه وخطاياه، كما أن المسيح نهر هؤلاء الذين يرمون المجدلية بالخطايا، وقال "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"، فالمسيحية تحث على التسامح وقبول الاخر، ويمكن الرجوع إلى " موعظة الجبل التي خلص فيها المسيح إلى رسم كل معالم الإنسانية واضحة، حيث دعا الي وحدة الانسان ويجب معاونته لا التنمر عليه، وإنما الصلاة من اجله".
الديانة اليهودية
لا تظلموا بعضكم بعضا بل اتقوا إلهكم. لأني انا الرب إلهك. لاويين 25:17
וְלֹ֤אתוֹנוּ֙אִ֣ישׁאֶת־עֲמִית֔וֹוְיָרֵ֖אתָמֵֽאֱלֹהֶ֑יךָכִּ֛יאֲנִ֥ייְהֹוָ֖האֱלֹהֵיכֶֽם׃
Do not wrong one another, but fear your God ; for Ilordam your God.
لا توافق عليه أو تسمعه، ولا تشفق عليه عينك، ولا تشفق عليه أو تخفيه. تثنية 13: 8-11
לאתסכיםלוולאתקשיבלו, ועינךלאתרחםעליוולאתחסוךולאתסתיראותו.
you shall not [a]consent to him or listen to him, nor shall your eye pity him, nor shall you spare him or conceal him.
حرمت الديانة اليهودية كما هو مبين في الآيات أعلاه التنمر أو كما أطلق عليه (الظلم)، فبما أن هذه الديانة ظهرت قرونا قبل الميلاد ورغم تعرضها للتحريف إلا أنا لا نجد تعبيرا صريحا لمصطلح التنمر فقط ما يشار إليه كالظلم والإهانة، وعدم الاهتمام لما يقال عن الشخص أو تصديقه.
من خلال ما سبق فيظهر أن الديانات السماوية (الدين الإسلامي الكريم –المسيحية- اليهودية) تحتوي على آيات تحرم في مضامينها التنمر.
الاكيد والمؤكد ان الرسالات السماوية لم تنزل إلا للارتقاء بالإنسان وتخليصه من الإهانة، وإعطاءه مجموعة من الحقوق والكرامة.
بقلم: شادية الهلالي