يصنف علم النفس على أنه واحدا من التخصصات التي تندرج تحت خانة العلوم الإنسانية، والسيكولوجية على وجه الخصوص والتحديد، والباحثين في مضامينه يسعون إلى إدراك كافة المعلومات والحقائق والتجارب التي تؤهلهم لفهم السلوك البشري، والتعامل معه بطريقة مناسبة، وكذلك للعمل في المجال النفسي، الإرشادي، الاجتماعي والتربوي.
ونظرا لارتباط علم
النفس بالمجال الاجتماعي والتربوي، ظهرت علوم جديدة تحمل العلاقة التي تربط هذا
العلم بهذه المجالات، حيث نجد علم النفس الاجتماعي وعلم النفس التربوي.
فالأول، باعتباره فرعا من فروع علم النفس، يعنى بدراسة السلوك الاجتماعي للفرد والجماعة، كالاستجابة للمثيرات الاجتماعية والاهتمام بالخصائص النفسية للجماعات وأنماط التفاعل، ثم التأثيرات المتبادلة بين الأفراد، ومن مكونات علم النفس الاجتماعي نذكر السلوك الاجتماعي، ودينامية الجماعة باعتبارها مجموعة من الأفراد تربط بينهم علاقات اجتماعية ويحدث بينهم تفاعل اجتماعي متبادل، فيؤثرون ويتأثرون فيما بينهم وينقلون معايير وقيم متنوعة تعبر عن المجتمع الذي ينتسبون إليه.
ويمكن اعتباره الدراسة التي تقدم
المفاهيم والمناهج والنظريات الأساسية في تحليل الظواهر السلوكية، والمحاولة
العلمية في فهم جوانب من العلاقات لدى الأفراد في الحياة الاجتماعية. ويهتم أيضا
بدراسة السلوك الاجتماعي للفرد في الجماعة وسلوك الأفراد فيما بينهم، كما عرفه
"دينكن ميتشل" باعتباره العلم الذي يدرس الأفراد في وقت تفاعلهم
وعلاقاتهم مع بنيتهم الاجتماعية، أي أنه العلم الذي يدرس حالة الأفراد النفسية
وأثر العلاقات والتفاعل الاجتماعي فيها.[1]
أما الثاني، فيختص بدراسة السلوك
في المواقف التربوية، وهو من التخصصات الأساسية اللازمة لتدريب المعلمين وتأهيلهم،
ذلك أنه يزودهم بالأسس والمبادئ النفسية التي تتناول طبيعة التعلم المدرسي ليصبحوا
أكثر فهما وإدراكا لطبيعة عملهم وأكثر مرونة في مواجهة المشكلات الناتجة عن هذا
العمل. ويهتم هذا العلم بقضايا كثيرة كالإرشاد التربوي وسيكولوجية المدرسة، وديناميات
الجماعة وتحليل التفاعل الاجتماعي في غرفة
الصف، وبالتربية الخاصة لأطفال القدرات الخاصة، والنظام المدرسي وتأثيره في التعلم
الصفي ...وعرفه الدكتور عماد الزغول على أنه مجال يعنى بدراسة السلوك الإنساني في
مواقف التعلم والتعليم لدى الأفراد، ويسهم في معرفة المشاكل التربوية والعمل على
حلها والتخلص منها.
من هنا تكمن أهمية هاذين العلمين، باعتبارهما مرجعين يعتمدهما القيمين على الشأن التربوي والاجتماعي الذين تربطهم علاقة قريبة ومستمرة بالأفراد والمتعلمين لدراسة المبادئ الأساسية التي يقوما عليها قصد فهم السلوكات الاجتماعية والتربوية وتوجيهها. على هذا الأساس تستنتج ونلاحظ مدى تأثير وارتباط ومساهمة علم النفس الاجتماعي وعلم النفس التربوي في بناء شخصية الفرد وتأثره بقيم الجماعة تربويا واجتماعا وتوجيه سلوكه.
وشكلت القيم على مر
العصور إطارا مرجعيا يحكم سلوك الأفراد ويوجه تصرفاتهم، كما أنها تحفظ للمجتمع
تماسكه وتجانسه وترابطه، ولعل من أبرز دواعي الاهتمام بالقيم ما يتعرض له المجتمع
من عولمة ثقافية، فصار لزاما أن نؤسس لتربية قائمة على القيم، أو أن نكون قادرين
على تحديد القيم التي يجب أن تعزز وتدعم، والقيم التي يجب أن تعدل أو تغير، والقيم التي نشكل لمواجهة تحديات المستقبل. وتعد
التنشئة الاجتماعية التي تقوم بها الأسرة من أهم المصادر الأولية التي تتولى غرس
قيم الثقافة العامة للمجتمع ككل، لتتولى المدرسة بعد ذلك عن طريق ما تقدمه من
مناهج وبرامج تصنيف تلك القيم وتقويمها وتنميتها.[2]
وعلى العموم تتكامل
المؤسسات الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية لتشكيل هوية المجتمع وصياغة توجهات
أفراده في شتى النواحي، وتعد المدرسة المؤسسة الرسمية التي أنشأتها الدولة لتقوم
بتربية وتعليم الناشئة، مبادئ العلوم والأخلاق والقيم والاتجاهات، وتنشئتهم
التنشئة الصالحة التي تخلق منهم مواطنين صالحين، يسهمون في خدمة أنفسهم ومجتمعهم.[3]
ولعل أهم القيم التي تسعى المدرسة إلى نقلها
للناشئة، هي تلك التي تتعلق بالمواطنة وحقوق الإنسان وتكريسها كسلوك وممارسة يومية،
وهي بذلك مدخل أساسي لتنمية المجتمع وتحديثه، وشرط لكل ممارسة ديمقراطية ولكل تنمية تستهدف العنصر البشري.
بقلم: إيمان الرحموني
[1] الصديق الصادقي العماري، 2015، التربية والتنمية وتحديات المستقبل، إفريقيا الشرق,دار الحداثة، الصفحة 55.
[2] مصطفى محسن،2011، الخطاب الاصلاحي التربوي بين أسئلة الأزمة وتحديات التحول الحضاري و رؤية سوسيولوجية نقدية 2016، المركز الثقافي العربي ومكتبة طريق العلم، دار الأسرة للطباعة والنشر، الصفحتين 28 و 35.
[3] أحمد فاضلي _ حكيمة آيت حمودة، أساليب تنمية القيم السلوكية لدى التلاميذ في الوسط المدرسي.