تكفل قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان لجميع البشر على قدم المساواة وبدون أي تمييز الحق في الكرامة والسلامة البدنية والنفسية، وتمنع أي انتهاك لهذه الحقوق، ولان حقوق النساء تشكل في العصر الحالي أولوية للمنظمات الدولية لحقوق الإنسان والدول على حد سواء، فإنها سعت في تعزيزها وكفالة التمتع بها دون أي عوائق تمييزية بين الرجال والنساء.
ويعد العنف ضد المرأة من أهم مظاهر عدم المساواة بين الجنسين وعقبة نحول دون تحقيقه، إذ يرتبط ارتباطا وثيقا بعلاقات القوى غير المتكافئة بين الرجال والنساء ويشكل الحق القائم في عدم التعرض للعنف وكذلك الكرامة المتأصلة والمتكافئة لطل البشر بدون تمييز، أساسا لحقوق الإنسان. فلم تدمج ظاهرة العنف ضد المرأة كمسالة حقوق الإنسان صدفة، إنما كانت المعاناة والآلام التي قاستها النساء بوصفهن أكثر ضعفا ، احد أهم العوامل في جلب الانتباه الدولي ونتيجة للضغط الذي مارسته النساء خاصة في الدول الأوربية بعد الثورة الصناعية والماسي التي خلفتها الحربان العالميتان الأولى والثانية، واستمر نضال النساء خلال المؤتمرات الخاصة بالمرأة التي عرفت بالعنف ضد المرأة كانتهاك لحقوقها يتناقض ومبدأي المساواة وعدم التمييز .
الآليات القانونية لمناهضة العنف ضد المرأة تتضمن الآليات القانونية الدولية المتعلقة بمناهضة العنف ضد المرأة جميع الاتفاقيات الدولية التي تبرمها الدول كتابة وتهدف إلى ترتيب قواعد معيارية وأثار قانونية تلزم الدول الأطراف بضرورة اعتماد تدابير المنع و الحماية من جميع أشكال العنف ومعاقبتهم لوضع حد لحالات الإفلات من العقاب مع توفير سبل الانتصاف المناسبة والفعالة وجبر الأضرار التي تلحق بالضحايا.
شهدت الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان تطورا نوعيا في مقاربتها لموضوع حقوق المرأة سواء على مستوى الالتزام الذي انتقل من مجرد الاعتراف لحقوق المرأة إلى الإقرار وتعزيز و حماية هذه الحقوق، أو على مستوى المقاربة التي انتقلت من مبدأ إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة وصولا إلى تشكل جديد يتعلق بمناهضة كافة أشكال العنف ضد المرأة ،كما اعتمدت الأمم المتحدة عددا من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمناهضة الجريمة.[1]
مناهضة العنف ضد المرأة في الاتفاقيات الدويلة لحقوق الإنسان والآليات التعاهدية
إن حقوق الإنسان هي تلك الحقوق المتأصلة والملازمة للطبيعة الإنسانية التي تستند إلى سعي الإنسان المتزايد من اجل حياة تضمن الحماية للكرامة المتأصلة لكل كائن إنساني، فحقوق الإنسان ذات طبيعة إنسانية و كونية وشمولية و لا يمكن التصرف فيها وغير قابلة للتجزئة والتقسيم يتمتع بها الإنسان لكونه إنسانا حيث لكل إنسان الحق في التمتع بكل الحقوق والحريات دون شكل من أشكال التمييز .[2]
فلكي لا تبقى حقوق الإنسان الواردة في الاتفاقيات الدولية مجرد حقوق جوفاء غير قابلة للإنفاذ الفعلي، انشات الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان بعض اللجان التعاهدية لمراقبة ورصد وتقييم الالتزامات التي التزمت بها الدول الأطراف في هذه الاتفاقيات، والتي تقوم ايضا بتوضيح الالتزامات التي تم السكوت عنها أو التي لم تنص عليها بشكل صريح ومحدد الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان. فتتضمن الاتفاقيات الدولية و آلياتها التعاهدية مناهضة العنف ضد المرأة في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، ومناهضة العنف ضد المرأة في اللجان التعاهدية لحقوق الإنسان.
مناهضة العنف ضد المرأة في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان
يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أهم وثيقة دولية لحقوق الإنسان و الحريات الأساسية وله تأثير كبير على المستوى العالمي و داخل مختلف الدول،[3] ورغم الطابع العام لنصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في النصوص المتعلقة بالمرأة فقد كان له اثر كبير على هذه الحقوق حيث شكل البداية الأولى للتفكير في المعايير المتعلقة بمناهضة العنف ضد المرأة. اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية [4] والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، [5] وذلك لجعل مضمون نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أكثر إلزاما.
لقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة عدد من الاتفاقيات الدولية الهادفة لتعزيز وحماية حقوق المرأة بشكل خاص ،حيث اعتمدت الجمعية العامة الاتفاقية المتعلقة بالحقوق السياسية للمرأة الصادرة عام 1952 التي تعترف للنساء بحق التصويت والترشح في جميع الانتخابات و الهيئات المنتخبة و بتقلد المناصب العامة وممارسة جميع الوظائف العامة بشرط التساوي بينهن و بين الرجال دون أي تمييز. واتفاقية جنسية المرأة المتزوجة 1957، والاتفاقية الخاصة بالرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج و تسجيل عقود الزواج 1962.
اتفاقيات القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المراة
إن انقسام المعايير المتعلقة بحقوق المرأة على مجموعة مختلفة من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان و عدم كفاية هذه الاتفاقيات الدولية في مناهضة التمييز ضد المرأة الذي ظل مستمرا في كافة المناطق و المجتمعات و الثقافات، قد دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى اعتماد اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
قامت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرة على أساس المنع الجدري للتمييز ضد المراة في جميع الميادين وفي كافة المجالات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكونه يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان، وقد حددت الاتفاقية أشكالا من هذا التمييز في الحقوق المرتبطة بالجنسية وفي الأمور المتعلقة بالزواج والمعاملة غير المتكافئة في حق المراة أمام القانون والأنماط الثقافية التقليدية والتمييز في الحياة السياسية و المناصب العامة و التمييز ضد المراة في ميدان الرعاية الصحية وفي مجال التعليم والعمل والأجر.[6]
البرتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز
جاء البرتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المراة 2000، منذ 1993 صادق المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان على توصية تؤكد ضرورة إصدار بروتوكول اختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المراة من احل تمكين المنتفعين النساء و الرجال من أحكام الاتفاقية من تقديم شكوى عند انتهاك حق من الحقوق الواردة فيها .صدر البروتوكول عام 1999 و دخل حيز التنفيذ في مطلع 2000. وقد قرر البرتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المراة آليتين للمراقبة للجنة المعينة بالقضاء على التمييز ضد المرأة:
الآلية الأولى: في إجراء تحقيق دولي في حالة الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق المرأة المنصوص عليها في الاتفاقية.
الآلية الثانية: تتجلى في منح اللجنة اختصاص استلام النظر في الشكوى الفردية التي يرفعها الفرد أو مجموعة من الأفراد أو من ينوبون عنهم قانونا ضد الدول المصادقة على البروتوكول حال انتهاكها لحقوقهم التي كفلتها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة فلا يكفي مصادقة الدول على الاتفاقية فقط لقبول الشكوى وإنما يستلزم أن تكون الدولة مصادقة على البروتوكول، ويجب ان يكون البلاغ مكتوبا وغير صادر عن شخص مجهول ويشترط أن يستنفد صاحب البلاغ جميع وسائل الانتصاف الداخلية.
قد عملت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المراة باعتبارها آلية هامة للتصدي للانتهاكات التي تتعرض لها المرأة، ومن ثم فان البروتوكول قام بتحقيق تطور نوعي لكونه حاول الانتقال بالمرأة من شخص سلب متأثر بمعايير القانون الدولي إلى مرحلة المشاركة الإيجابية للتمتع بجميع الحقوق التي أقرتها المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
اتفاقية مناهضة التعذيب
اهتمت اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللا إنسانية أو المهنية أو المهنية بتحديد الإطار المفاهيمي للتعذيب حيث عرفته بأنه كل عمل يسبب ألما أو عذابا شديدا جسديا كان أو عقليا يلحق عمدا بشخص ما لقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص أخر يتصرف بصفته الرسمية (المادة 1).
وفرقت الاتفاقية بين التعذيب والأعمال القاسية والمهنية واللا إنسانية في المادة 16 منها [7]، وفي إطار مناهضتها للتعذيب تدعو الاتفاقية الدول الأطراف لوضع تدابير و آليات تشريعية وقضائية و إدارية فعالية لمنه التعذيب و معاقبة مرتكبيه.
اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة
جاءت اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي اعتُمدت اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكولها الاختياري في 13 ديسمبر 2006 في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وفُتح باب توقيعها في 30 مارس 2007.
حيث أقرت حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بان المرأة ذات الإعاقة غالبا ما تواجه خطرا اكبر في التعرض سواء داخل المنزل أو خارجه للعنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي أو الإهمال أو المعاملة غير اللائقة و سوء المعاملة أو الاستغلال أو التهديد بأي فعل من الأفعال، وألزمت الدول الأطراف باتخاذ التدابير التشريعية و القضائية والإدارية المناسبة لحظر العنف ضد المراة ذات الإعاقة والحماية منه.[8]
كما تعهدت الدول الأطراف في اتفاقية حقوق الطفل باتخاذ جميع التدابير التشريعية وغيرها من التدابير لحماية الطفل من كافة أشكال العنف الجسدي أو النفسي أو إساءة المعاملة أو الاستغلال بما في ذلك الإساءة الجنسية أو الاستغلال في الدعارة أو الاستغلال الاقتصادي. [9]