ينطوي الاستغلال الجنسي للأطفال على خطورة كبيرة، تنعكس على صحة الطفل وسلوكه، والأخطر من ذلك، في مناسبات عديدة يتعرض بعض الأطفال لتحرشات واعتداءات جنسية، لكنهم لا يجدون ضمن محيطهم من ينتبه لمعاناتهم، بل قد يواجهون بالضرب والاتهام والنبذ فيسجنون في عزلة وصمت، اللذان يرافقانهم طيلة حياتهم، إلى أن تتفجر في توترات نفسية حادة في المراحل المتقدمة من العمر(مرحلة الرشد)، لان الاعتداء الجنسي في مرحلة الطفولة لا ينتهي بانتهاء الفعل، بل هناك آثار تظهر مباشرة بعد الاعتداء، وهناك أخرى تؤجل لتظهر في مراحل أخرى من العمر.
فغالبا ما يعاني هؤلاء الضحايا من اضطرابات سواء بعد الاعتداء مباشرة أو على المدى البعيد، حيث يؤدي ذلك إلى اضطرابات سلوكية، نشاط جنسي كثيف ومبكر وفقدان تقدير الذات واضطرابات سيكوسوماتية. وفي غالب الأحيان يمر الاعتداء بشكل خفي، وتظهر الأعراض في مرحلة المراهقة أو مرحلة الرشد.
كما أن غياب الأعراض الواضحة عند الأطفال لا يعني غياب الصدمة، فالانهيار النفسي والجسدي اللذان يخلفهما الاعتداء يحدث تغييرا في حياة الضحية وفي علاقتها مع الآخرين، ويظهر ذلك في تعرض الطفل إلى مجموعة من الاضطرابات السلوكية والجنسية، التي لا تنتهي بانتهاء الفعل ولكن غالبا ما تمتد آثارها ومضاعفاتها إلى مراحل متقدمة من العمر، حيث كشف الباحثون أن نسبة 15٪ إلى 49٪ من الضحايا لا تظهر عليهم أعراض محددة على ذلك الاعتداء إلا بعد عدة سنوات، خاصة إذا كان ذلك في المراحل المبكرة من الطفولة، لكون الطفل في تلك المرحلة خاصة في السنوات الخمسة الأولى في طور تكوين شخصيته وجهازه النفسي، فيأتي ذلك الاعتداء ليحدث صدمة وتشوها في ذلك البناء، لان أسسه لم تكن في البداية سليمة، فكل ما لم يبن على أسس سليمة تكون نهايته التشوه أو الانهيار.
ولفهم حجم
وطبيعة معاناة هؤلاء الضحايا، لابد من تشخيص الآثار الجسدية والنفسية للاستغلال
الجنسي، ثم الآثار السلوكية والانحرافية كذلك.
الآثار الجسدية والنفسية للاستغلال الجنسي للأطفال
حسب نتائج
الدراسات التي تم إجراؤها على الأطفال ضحايا الاستغلال الجنسي، فإنه هناك صورة إكلينيكية
واضحة المعالم كشفت عنها هذه الدراسة، وتتضمن هذه الصورة تأثيرات جسدية، ونفسية في
آن واحد. [1]
فأما
التأثيرات الجسدية، فتتمثل في الإصابة بالتهابات حادة، وأوجاع في الأعضاء
التناسلية، أو الإصابة بنزيف أو تلوث في مجرى البول، إذا لم يعالج الاعتداء في
الوقت المناسب، إضافة إلى الشعور بأوجاع في الرأس والحوض وصعوبة في المشي،[2]
وفي حالة ما إذا قاومت الضحية المعتدي، فإنها قد تصاب بجروح، أو كدمات على مستوى
وجهها وباقي جسمها.
وفي بعض
الحالات قد ينتج عن الاغتصاب الذي تعرضت له الفتاة، الإفتضاض أو الحمل، مما يزيد
من تعقد المشكل، وتنامي ظاهرة الأمهات العازبات. وإذا كانت هذه التأثيرات تهم
ضحايا كافة أشكال الاستغلال الجنسي، فإن ضحايا البغاء القسري والسياحة الجنسية
ينفردن بخاصية، تتجلى في الإصابة بأحد الأمراض المنقولة جنسيا، فحسب الإحصاء الصادر
عن منظمة الصحة العالمية، فإن ما يقارب 45% من القاصرات حاملات لفيروس ما يحتك
فقدان المناعة[3]،
و55% حاملات لأمراض جنسية معدية كالزهري.
وأما الآثار
النفسية التي يعاني منها الأطفال ضحايا الاستغلال الجنسي، فقد أكدتها الفحوصات
الطبية، إذ أن هذه الانعكاسات هي الأكثر إيلاما وترسخا في الشعور الباطني؛ بحيث يحمل
هذا الطفل آثار العنف الذي تعرض له في طفولته طيلة حياته، ما لم يصاحب بعلاج نفسي
يزيل الانعكاسات المؤلمة والدفينة للحادث، وتتجلى أهم الانعكاسات النفسية في الشعور
بالذنب الذي يصاحب الطفل ويحوله في نظر نفسه إلى جان بدل ضحية.
وعموما تتصف
المشكلات النفسية التي يعاني منها ضحايا الاستغلال الجنسي بالتعقد، والاختلاف،
ولذلك تكمن صعوبة العلاج في الوقت الذي يستغرقه، حيث يتطلب ذلك مدة طويلة لكي
يتخلص الضحية من بعض الآثار المدمرة.
الآثار السلوكية والانحرافية للاستغلال الجنسي للأطفال
وفقا لما صرح به علماء النفس، فإن الضحية التي تعرضت للاستغلال الجنسي، أو اعتداء جنسي، تحتاج إلى الدعم النفسي، والعطف العائلي بدلا من إلقاء المسؤولية عليها، وتوجيه اللوم لها، لأن مثل هذه المواقف تزيد من حدة المشكل، وقد تدفع الضحية إلى الإتيان بسلوكيات غير مقبولة، مثل الانقطاع عن الدراسة، وذلك بعد الحادث مباشرة من خلال تدني المستوى الأكاديمي للطفل وعدم الرغبة في المشاركة في الأنشطة المدرسية والرياضية...
ثم هناك العدوانية والانتقام، وذلك بهدف تفريغ العنف الذي
تعرض له الطفل، ففي
هذه الحالة وحسب ما صرح به علماء الاجتماع، فإن هذا الطفل بإمكانه أن يصير أكثر
عدوانية في الكبر، إذا لم يستطع التخلص من هذه الآثار الناجمة عن الاعتداء الجنسي، وفي هذا الصدد
يرى عالم الإجرام "فيري"، أن (أخطر المجرمين كانوا ضحايا في الصغر لشتى
صور العنف).[4]
ومن السلوكيات
كذلك هناك الهروب من المنزل، كما أنه قد يصبح ضحية الاستغلال الجنسي شاذا جنسيا، ففي
بحث للعالم الأمريكي "جريجور ديكسون"، ظهر أن 49% من الشواذ جنسيا الذين
تناولهم البحث، قد تعرضوا لنوع من أنواع الاعتداء الجنسي أثناء مرحلة الطفولة،
فالرجل يصاب باللواط والمرأة بالسحاق، حيث أجري هذا البحث على 240 شاذا جنسيا، 180
من الرجال، و60 من النساء، وذلك في ولاية جورجيا سنة 1996.[5]
بقلم: فاطمة الزهراء حيلات.
[2] د. سعيد الواهلية، رئيس مصلحة الفحص الطبي والقضائي بمستشفى ابن رشد الجامعي، بالدار البيضاء، وهذه المصلحة مخصصة لمباشرة حالات الاعتداءات الجسدية والجنسية التي يتعرض لها الأشخاص بصفة عامة، والأطفال، بصفة خاصة.
[3] UNICEF www.unicef.fr.
[4] Jean Archile : « criminologie » , Edition 1979 , p : 29 .