-->

دور المدرسة في التربية على قيم المواطنة وحقوق الإنسان.. منظور سياسي اقتصادي

دور المدرسة في التربية على قيم المواطنة وحقوق الإنسان من المنظور الاقتصادي:

يرتبط النظام التربوي ارتباطا نسقيا بالإنتاج الاقتصادي، فكما أن التعلم يعتبر عاملا محددا التنمية الاقتصادية من خلال العلاقة بين نظام التكوين ونظام الإنتاج، فإن نفقات التعليم ليست مجرد استهلاك للموارد المالية فحسب، لكنها تزيد في القدرة على الإنتاج، سواء على مستوى المجتمع عامة، لما للتعليم من دور في التطور الاقتصادي للمجتمعات من خلال زيادة معدلات النمو والتنمية الاقتصادية أو على مستوى المؤسسات الاقتصادية، حيث يرتبط الإنتاج بالكفاءة التي تتطلب يدا عاملة مؤهلة، فالتحول والانتقال من الاقتصاد التقليدي نحو الاقتصاد الصناعي نحو التكنولوجيا المتطورة على سبيل المثال يفرض يدا عاملة أكثر تأهيلا أي نظاما تربويا يناسب هذا التطور، أو على مستوى الفرد من خلال الرفع من إنتاجية العمال وبالتالي تحقيق مردودية أفضل تعود بالنفع عليه وعلى المؤسسة المشغلة وعلى المجتمع ككل.[1]

دور المدرسة في التربية على قيم المواطنة وحقوق الإنسان.. منظور سياسي اقتصادي

دور المدرسة في التربية على قيم المواطنة وحقوق الإنسان من المنظور السياسي:

لقد كانت المدرسة طيلة عقود بعد الاستقلال بؤرة للتوتر بفعل التجاذبات السياسية القائمة آنذاك ومراهنة بعض التيارات على المدرسة كأداة للتنشئة السياسية للناشئة بما يتوافق مع مرجعياتها الإيديولوجية، وقد تم استغلال حالة الارتباك السياسي الذي كانت تعاني منه السياسة التعليمية آنذاك كذريعة للانقضاض على حرمة المدرسة وجعلها وقودا للصراع السياسي القائم في المجتمع.[2]

وكانت كل الإصلاحات التي بوشرت إما إصلاحات مرتجلة أو مجهضة  أو تستجيب لظرف سياسي طارئ، ولعل العامل المشترك بينها أي هذه الإصلاحات هو غياب مشروع تربوي واضح نظرا من جهة لضبابية المشروع المجتمعي وعدم وضوح الرؤية ومن جهة أخرى نظرا لتخلي النخب السياسية عن أدوارها الحقيقية، وتراكم إخفاق المخططات التي كانت تعد على عجل أو وفق أمزجة أصحابها أو بتوصيات من منظمات دولية، هو ما انعكس بالملموس على مستوى التردي المستمر للتعلمات والتراجع الكبير في مستوى الكفايات القاعدية المدرسية.[3]

المفارقة الصارخة هنا تتمثل في وجود عدم التوازن في العلاقة بين تكلفة الاستثمار في التعليم التي تعتبر مرتفعة نسبيا والعائد الإجمالي الهزيل، والمدرسة أصبحت مضادة لرسالتها خصوصا عندما كفت عن لعب دور المصعد الاجتماعي وتحولت من أداة للإدماج إلى وسيلة للإقصاء  وما رافق ذلك من تراجع الثقة في المدرسة المغربية العمومية، واهتزاز صورتها وصورة المدرس وتدني قيمة المعرفة في المجتمع بصفة عامة، تلك العوامل كانت كافية لبداية الطلاق بين المدرسة والقيم، فصرنا أمام ظاهرة هشاشة قيم المدرسة وقابليتها للتحلل.[4]

استمرت تلك الوضعية إلى غاية سنة 2000 حيث تميز دخول  المغرب الألفية الثالثة بتحقيق إنجاز تاريخي تمثل في وضع مدونة لمذهب التعليم سمي" بالميثاق الوطني للتربية والتكوين"، كان بالفعل ثمرة توافق وطني بين مختلف الفاعلين على مختلف الأصعدة، في حين أن المنهجية الديمقراطية كانت تقتضي رؤى الأغلبية التي تفرزها الصناديق الانتخابية شريطة أن تتحمل مسؤولية ما تخططه وتنفذه من مشاريع على مستوى السياسات العمومية.[5]

إن المدرسة كمؤسسة للتنشئة التربوية لا يستقيم العمل التربوي داخلها إلا إذا كان خطابها عبارة عن بنية متناغمة ومتكاملة بحيث تشكل كلا توجد بين مكوناته علاقة شبه عضوية، بحيث كل ما تعرض مكون من مكوناتها إلى تغيير ما، انعكس ذلك على مستوى البنية ككل، وبالتالي إن متخذي القرار التربوي عندما يقبلون بتنزيل التوافق في المناهج التربوية فإنهم يتنازلون عن بذل الجهد الفكري والعلمي اللازم لصياغة فلسفة تربوية شاملة تتمحور حول خيط ناظم بين كل القيم من شأنه أن يحافظ على تناغمها.

إن التوافق التربوي الذي اكتفى بتبني حقول قيمية متنوعة ووضعها متجاورة إلى جانب بعضها البعض الآخر (قيم معرفية ، قيم دينية ، قيم دنيوية ، قيم وطنية، قيم حقوقية، قيم بيئية قيم كونية ...) قد أفسح المجال لواضع البرامج التربوية ومؤلفي الكتب المدرسية وللمدرسين أن يتناولوا تلك الحقول وأن يعالجوها بحسب تأويلاتهم وقناعاتهم الشخصية والإيديولوجية، وليس وفق معيار الأخذ بالوحدة العضوية للقيم التي ينبغي أن تقوم على التناغم والترابط والتكامل والتقاطع.[6]

إن الرهان على المدرسة في التربية  على القيم ، ينبع من اقتناع مفاده أن إنجاح المدرسة المغربية يقع في صميم التحديات التي على المغرب رفعها ، والحال أن هذا الاقتناع لم يتحول بعد إلى التزام راسخ ومتقاسم على أوسع نطاق، وهو ما تجليه  التعبئة الخجولة حول المدرسة المغربية، رغم حجم الرهانات المطروحة عليها.[7]

إن المدرسة المغربية التواقة لأن تكون مؤسسة المردودية العالية، والإنصاف والاستحقاق، واكتساب فضائل السلوك المدني، وقيم المواطنة وقواعد الممارسة الديمقراطية، وفي سياق التحولات السوسيوسياسية التي يشهدها المجتمع المغربي اليوم، مدعوة لمضاعفة الجهود من اجل تحقيق  التوازن الضروري، بين القيام بوظيفتها في التنشئة على القيم المتقاسمة بين مكونات الأمة والتربية عليها، وبين مهمتيها المعتادتين في تعليم الكفايات المنهجية والمعرفية واكتسابها، وفي التأهيل للحياة المهنية.[8]

وهو ما يستدعي المزاوجة الخلاقة بين نقل المعارف، والتكوين الهادف إلى بناء الحكم عليها أي ترسيخ الفكر النقدي، وبين التربية على القيم والتكوين الهادف إلى الحكم على تلك القيم.[9]

 بقلم: إيمان الرحموني

[1] زيد بن محمد الرماني ، التطور الاقتصادي للتربية .

[2] عبد الله الخياري، المدرسة ورهانات التربية على القيم، حدود التنزيل التوافقي للقيم  صفحة 51

[3] تقرير المجلس الأعلى للتعليم عن حالة المنظومة الوطنية للتربية والتكوين وآفاقها 2008

[4] عبد الله الخياري، المدرسة ورهانات التربية على قيم المواطنة.

[5] المرجع بوكلاح المجلد 2020،  منظومة القيم بين الخطاب التربوي والواقع المجتمعي، مجلة 3 العدد 2021،  دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، الصفحة 17 السابق صفحة 52.

[7] عبد اللطيف المودني، المدرسة المغربية ومسارات التربية على القيم المشتركة، دفاتر التربية والتكوين.

 [8] عبد اللطيف المودني، المدرسة المغربية ومسارات التربية على القيم المشتركة، دفاتر التربية والتكوين.

[9] عبد اللطيف المودني، المدرسة المغربية ومسارات التربية على القيم المشتركة، دفاتر التربية والتكوين.

 

إرسال تعليق

شاركنا رأيك في الموضوع

أحدث أقدم