في ظل إطار
حماية الطفل غير الشرعي في حقوقه الوطنية باعتباره مواطن الدولة التي ينتمي إليها، والبحث عن طريقة لضمان استقراره النفسي والمعنوي والعيش داخل جو يسوده الاطمئنان
والحنان الأسري الذي يفتقه العديد من هؤلاء الأطفال، سهر المشرع المغربي على وضع قوانين تناسب
تصوراته للحفاظ على هذه الفئة من الأطفال؛ وهذه القوانين تتمثل في: قانون الجنسية وقانون
الكفالة.
حق الطفل غير الشرعي في قانون الجنسية:
حمل تعديل قانون الجنسية بموجب القانون رقم 06-62 العديد
من المكتسبات الرامية إلى تعزيز الحماية القانونية للمرأة والطفل عمل على حد سواء،
وقد تمثلت هذه الحماية بالأساس في تمكين الأم المغربية أسوة بالأب المغربي من الحق
في نقل جنسيتها إلى ابنها عن طريق رابطة النسب.
بالإضافة إلى انه منح الجنسية المغربية للطفل
مجهول الأبوين، حيث جاء في ف7على انه" يعتبر مغربيا الولد المولود في
المغرب من أبوين مجهولين."
غير أن الولد المولود في المغرب من أبوين مجهولين يعد
كأنه لم يكن مغربيا قط – إذا ثبت خلل قصوره– أن نسبه ينحدر من أجنبي وكان يتمتع
بالجنسية التي ينتمي إليها هذا الأجنبي طبق قانونه الوطني. يعد مجهول الأبوين في
المغرب مولودا فيه ما لم يثبت خالف ذلك. أما بالنسبة للفقرة الثانية من ف 9
"يمكن للشخص المغربي الجنسية الذي يتولى كفالة مولود ولد خارج المغرب من
أبوين مجهولين مدة تزيد عن خمس سنوات، أن يقدم تصريحا لمنح المكفول الجنسية
المغربية، مالم يعارض في ذلك وزير العدل طبقا للفصلين 26 و27 من هذا القانون.غير أنه يمكن للمكفول الذي توافرت فيه الشروط المذكورة
أعاله، والذي لم يتقدم كافله بتصريح بعد مرور خمس سنوات على الكفالة، أن
يقدم بصفة شخصية تصريحا للحصول على الجنسية المغربية خلال السنتين السابقتين
لبلوغه سن الرشد، وذلك مع مراعاة حق وزير العدل في المعارضة طبقا للفصلين
المذكورين أعلاه.[1]
حق الطفل غير الشرعي في قانون كفالة الأطفال المهملين:
وعيا من المشرع المغربي بعناية الأطفال
المهملين، ووجوب تمكينهم من العيش الكريم،
وتماشيا مع التزامه بتفعيل مقتضيات الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل. أصدر قانونا
يتعلق بالأطفال المهملين بمقتضى الظهير
الشريف بمثابة قانون رقم: 1.93.165 الصادر في 10 شتنبر 1993، وبسبب قصوره الذي
تبين لاحقا، تم تعويضه بالقانون 15.01 المنفذ بمقتضى الظهير الشريف رقم: 1.02.172
الصدر في 13يونيو2002، اذ ينظم هذا قانون شروط ومسطرة إسناد الكفالة بمقتضى حكم قضائي، حيث يتضمن مجموعة من التدابير الضامنة
لحق الطفل المهمل في الاسم والنسب، وحقه في الرعاية والتربية والنفقة، وحدد آليات
المراقبة القبلية، وتتبع الطفل في مرحلة ما بعد إسناد الكفالة.
فالمشرع من
خلال هذا القانون أولى أهمية كبرى للطفل المهمل، وذلك من خلال معالجة الأوضاع
الاجتماعية، ووضع حلولا قانونية لهذه الفئة من الأطفال في المغرب، بل أكثر من ذلك جاء تزكية للجهود
المبذولة من طرف الدولة فيما يتعلق بحقوق الطفل وحمايته، وضمان مستقبله.
أ- مفهوم الكفالة:
تعتبر
الكفالة بأنها عمل إنساني يرمي بالأساس إلى ضمان حياة عادية وسليمة للطفل، سواء
كان معروف الأبوين أو متخلى عنه، أو كان مولودا من سفاح، فالهدف المتوخى منها هو
القيام ضمان حياة اجتماعية مستقرة لطفل متكفل به[2]،
و كذلك إعطاء فرصة للذين أرادوا أداء هذا العمل الخيري على وجه البر والإحسان
تقربا إلى الله عز و جل، للتكفل بطفل متخلى عنه أو مهمل و ذلك من اجل تربيته و
تنشئته و الإنفاق عليه كما يفعل الأب مع ولده دون أن يترتب عن هذه الكفالة حق في
النسب و لا في الإرث تفاديا للوقوع في التبني، الذي حرمته الشريعة الإسلامية كيفما
كانت صوره نظرا لاعتبار الطفل المتبنى ابنا ينتسب إلى متبنيه كما ينتسب إليه
أبناؤه من صلبه و ما يترتب عن البنوة الشرعية من اثار[3].
ب- مركز الطفل غير الشرعي في نظام الكفالة:
لقد اعتبر قانون الكفالة الأشخاص
الخاضعين له كل الطفل من كال الجنسين لميبلغ سنه ثمان عشر سنة شمسية و ذلك حسب
الفقرة الأولى من م لأولى.[4]
كما أشارت نفس المادة السالفة الذكر إلى
ثلاث حالات يعتبر الطفل فيها طفال مهملا، من بين هذه الحالات إذا ولد من أبوين
مجهولين، أو من أب مجهول وأم معلومة تخلت عنه بمحض إرادتها، وهي الحالة التي يكون
فيها الطفل مجهول النسب من جهة الأبوين معا مما يفترض أنه قد نتج عن زواج صحيح وتم
التخلي عنه فيكون في هده الحالة شرعيا بالرغم من عدم العلم بنسبه، ذلك أن علته
الوحيدة أن بنوته الشرعية أو غير الشرعية من والديه غير ثابتة، فالمولود من أبوين
مجهولين إذن ليس هو الذي لا يعرف والديه في الواقع بل هو الذي لم تثبت بنوته
قانونا منهما.[5]
ت-
حماية الطفل المهمل من خلال شروط الكفالة:
لقد سهر المشرع المغربي على تقديم
حماية أكثر للطفل المحروم من الأسرة وتامين الرعاية البديلة له، حيث نص على جملة
من الشروط التي يجب ان تتوفر في الجهة الراغبة في رعاية الطفل وكفالته، حيث حدد في
م9 من قانون 15.01 الأشخاص والهيئات والمؤسسات التي تسند إليها كفالة الأطفال
الذين صدر الحكم بإهمالهم.
وقد فرق المشرع بين الطفل المراد
كفالته البالغ 12 سنة وبين الطفل الذي لم يتجاوز تلك السن، بحيث اشترط لكفالة
الطفل الذي تجاوز سنه اثنا عشرة سنة موافقته الشخصية، لأن الكفالة ولاية على النفس
وتخضع لمقاييس واعتبارات شخصية تتعلق بالمكفول.[6]
وأخيرا ومن شروط صحة الكفالة وفق هذا
الظهير المتعلق بالأطفال المهملين توفر
الكفلين على الصلاحية الأخلاقية والاجتماعية، وهذا لا يعني التخلق بأخلاق المتصوفة
الناسكين، والابتعاد عن كل نقيصة أو هفوة ، وإنما القصد من ذلك هو التمسك في
السلوك العام بالقيم الحميدة والترفع عن التصرفات المثيرة للنفور الأخلاقي
والاجتماعي التي قد تسيء إلى الطفل المكفول خلقا وتربية ، وأن يكون الزوجين سليمين
من كل مرض معد أو أي مانع يمنعهما من القيام بالكفالة على أحسن وجه ممكن ومن ذلك
مثلا عجزها الجسماني كأن يكونا طاعنين في السن بحيث لا يقويان على تحمل أعباء
التربية والرعاية والتهذيب[7]،
كما منع على مرتكبي إحدى الجرائم الماسة بالأخلاق أو الجرائم المرتكبة ضد الأطفال ، التكفل بهم لأن من يقترف إحدى الأفعال الواردة
في الفصول من 497 إلى 504 من ق.جفي حق الطفل لا يكون أهلا لتحمل التكاليف
الأدبية والمعنوية والمادية اتجاه الطفل المهمل.
ث-
الآثار المترتبة عن الأمر الصادر بإسناد الكفالة:
يترتب على الأمر الصادر عن القاضي
المكلف بشؤون القاصرين المتعلق بإسناد كفالة طفل مهمل، جميع الآثار القانونية التي
تنتج عن سائر الأحكام القضائية فهو ملزم لطرفي العلاقة ومن جملة ما يترتب على
الكفالة:
تحمل الكافل أو المؤسسة أو الهيئة أو
الجمعية أو المنظمة المعنية بالطفل المكفول وحضانته ورعايته وضمان تنشئته في جو
سليم ، مع الحرص على تلبية حاجياته الأساسية المادية والمعنوية كالتعليم والصحة
والكسوة إلى حين بلوغه سن الرشد القانوني ، مع الضبط والإرشاد والتنشئة وفق تعاليم
الشريعة الإسلامية.[8]
أما من حيث ممارسة الولاية على
المكفول، فطبقا لما ينص عليه القانون رقم 15.01، فإنه لا يمكن اعتبار الطفل
المهمل ابنا للزوجين الكافلين أو المرأة الكافلة فلا يترتب عن هذه الكفالة رابطة
النسب بين الكافل والمكفول، كما أن الأخير لا يحمل الاسم العائلي للكافل.[9]
ولا يحق له الارث، وبالرغم من ذلك فانه يمكن للكافل الاعتماد على ما يسمى بالوصية أو
الصدقة أو الهبة، التي من شأنها التعويض على الطفل المتكفل به من إقصاءه من
الإرث، وذلك كله تحت أنظار ومراقبة السيد القاضي المكلف بشؤون القاصرين.
وبما أن توسع العلاقات العائلية في
تزايد مستمر على الصعيد الدولي فقد أدى ذلك إلى تكاثر حالات إسناد الكفالة من قبل
السلطات لفائدة أشخاص مغاربة و أجانب مقيمين خارج المغرب ، ولأجل ضمان استمرارية
الوضعية القانونية لمؤسسة الكفالة العابرة للحدود فإنه يفترض أن ينتقل المكفول مع
كافله إلى موطنه سواء كان مقيما في المغرب أو خارجه حيث سيكون مقر إقامته،[10]
وهو ما تعرض له المشرع في م24 من الظهير، التي سمحت للكافل أن يغادر التراب
المغربي صحبة المكفول لغرض الإقامة في الخارج بصفة دائمة، بعد الحصول على إذن القاضي المكلف بشؤون
القاصرين، على أن يكون ذلك لمصلحة الطرفين ، وفي حالة الموافقة يعهد للمصالح
القنصلية المغربية بمحل إقامة الكافل بدور تتبع الطفل ومراقبة مدى وفاء كافله
بالتزاماته الواردة في م 22 من ظهير كفالة الأطفال المهملين.[11]
وهذا كل ما جاء به قانون كفالة الأطفال
المهملين كألية حمائية لفئة المهملين، غير أن قانون 15.01 مازالت تشوبه
مجموعة من الثغرات المنصوص عليها قانونيا ولاكن لا يطبق في الارض الواقع.
من خلال ما سبق يتبين ان كل هذه
القوانين نصت على حماية الطفل غير الشرعي في حقوقه والحفاظ على كرامته داخل
المجتمع. وبما ان الحماية هي محور موضوعنا فلابد من الاشارة إلى الحماية الجنائية
للطفل غير الشرعي التي نص عليها ق.ج في مختلف فصوله بدا بحق الطفل في حماية
حياته وصحته منذ الحمل إلى حين بلوغ سن الرشد محمي بمقتضيات النصوص من 449 إلى 458
المنظمة لجرائم الإجهاض والعقوبات المقرة لها وفي الفصول من 459 إلى 467 التي
تعاقب على ترك الأطفال وتعريضهم للخطر.[12]
وحق الطفل في تثبيت هويته يحمى
بمقتضيات الفصول من 468 إلى 470 من القانون الجنائي التي تعاقب على الجنايات
والجنح التي تحول دون التعرف على هوية الطفل، وفي هذا الصدد جاء ف469 من
نفس القانون والذي نص على "من عثر على وليد، ولم يخطر به ضابط الحالة المدنية
ولا السلطات المحلية، يعاقب بالحبس من شهر إلى شهرين وغرامة من 120إلى 200 درهم أو
بإحدى هاتين العقوبتين فقط" وهو نفس الشيء الذي نصت عليه 31 قانون 15.01، هذا
من جهة. من جهة ثانية تنص الفقرة الأولى من ف 470 من ق.ج على انه
"من تعمد نقل طفل أو اخفاءه أو تغييبه أو استبداله بطفل اخر أو تقديمه ماديا
على انه ولد لامرأة لم تلده، يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس.[13]
بقلم: سعاد الصبار
[1] ظهير شريف رقم 1.85.250 بسن قانون الجنسية المغربية.
[2] Rajaa Naji ELMAKHAOUI, la
moudawanah le référentiel et le conventionnel en harmonie, T1, le mariage et la
filiation, Bourgreg, rabat ,2005, p274.
[3]
محمد الشافعي، كفالة الاطفال المهملين، ط الاولى، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش
2007، ص 13.
[4] عبد القادر قرموش، كفالة الأطفال المهملين،
دراسة تحليلية نقدية لظهير 13يونيو 2002 على ضوء احكام مدونة الاسرة، ط الأولى
2008، مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، ص22.
[5] عبد القادر قرموش، كفالة الأطفال المهملين، دراسة تحليلية نقدية لظهير 13يونيو 2002 على ضوء
احكام مدونة الاسرة، م. س، ص 29.
[6]نور الدين الشرقاوي الغزواني، قانون كفالة
الاطفال المهملين، ط الاولى، يونيو2003، مكتبة دار السلام للطباعة والنشر
والتوزيع، الرباط، ص 27.
[7]
نور الدين الشرقاوي الغزواني، نور الدين الشرقاوي الغزواني، قانون
كفالة الاطفال المهملين، م. س،
ص20.
[8]عبد المالك زعزاع،
قانون كفالة الأطفال المهملين التطبيقات والصعوبات، مجلة المقال، العدد الثاني
2010، ص 42.
[9] محمد الشافعي، قانون الاسرة المغربي بين الثبات والتطور، ط1،
المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، 2004، ص 163.
[10]محمد اشو، الولد غير الشرعي في القانون المغربي الحماية والقصور، م.س، ص63.
[11]المادة 24 من ظهير شريف رقم 1.02.172 صادر في فاتح ربيع الآخر 1423 (13 يونيو 2002)
بتنفيذ القانون رقم 15.01 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين.
"يمكن للكافل السفر بالطفل المكفول للإقامة الدائمة خارج المملكة، بعد
حصوله على اذن بذلك من طرف القاضي المكلف بشؤون القاصرين وذلك لمصلحة
الطرفين".
[12]ميلود العطار، حقوق الطفل في التشريع المغربي المستجدات وتحديات. https://alhoriyatmaroc.yoo7.com/t615-topic تاريخ النشر 16 يوليو 2013، تاريخ الاطلاع 10/06/2022 على الساعة 17:04.
[13]ظهير الشريف 1.19.44 المتعلق بقانون 33.18 الصادر بالجريدة الرسمية يوم 25
مارس 2019.