-->

دور القضاء في حماية الطفل غير الشرعي

على الرغم من تحقيق منجزات عظام في المجالات المرتبطة بحماية الطفل و النهوض بأوضاعه كالتربية و التعليم و الصحة فان مسطرة الرفع من مستوى الطفولة مازالت طويلة طالما ان تحديات بعض الظواهر الاجتماعية تؤثر سلبا على الجهود الكبيرة الذي نقوم به، وهي ظواهر غالبا ما يكون من ضحاياها فئات من اطفالنا وتتطلب معالجتها مزيدا من الاهتمام..."[1]

دور القضاء في حماية الطفل غير الشرعي

لا يخفى علينا الاهتمام البالغ الذي يوليه جلالة الملك لقضايا الطفولة ببلادنا. وحرص جلالته على النهوض بأوضاع الطفل وتنشئته التنشئة السليمة. كما أن الاهتمام بالطفولة يعتبر مقتضى دستوريا نص عليه ف32[2]من دستور المملكة بتأكيد التزام الدولة بتوفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية.

ولذلك، فإن اهتمام النيابة العامة وقاضي شؤون القاصرين بحماية الطفل غير الشرعي، يعد محوراً أساسياً من محاور السياسة الجنائية الوطنية. وهذا ما سنتطرق له فيما يلي:

تدخل النيابة العامة في حماية الأطفال غير الشرعيين:

بمجرد أن يصل إلى  علم مؤسسة النيابة العامة، من لدن أي شخص أو من لدن الشرطة القضائية أو أي سلطة معينة، بأن هناك طفلا مهملا بالمعنى المبين سلفا، فإن قانون كفالة الأطفال المهملين خول لوكيل الملك اتخاذ بعض التدابير الرامية إلى  حماية الطفل الوليد الذي تم العثور عليه. ومن هذا المنطلق، يلعب السيد وكيل الملك دور عند العثور على الطفل المهمل، ودور مسطري بعد إيداع الطفل بإحدى المؤسسات المكلفة برعاية الأطفال وحضانتهم أو لدى بعض العائلات المرشحة لكفالة الطفل، ودور في المراقبة والاطلاع على المساطر الرائجة لإتمام إجراءات الكفالة، ودور عند تنفيذ الأمر بالكفالة وتسليم الطفل للكفيل وتتبع الكفالة.[3]

وهكذا يأمر السيد وكيل الملك: بإيداع الطفل المهمل بإحدى المؤسسات أو المراكز المكلفة برعاية الأطفال أو لدى بعض العائلات التي ترغب في كفالة هذا الطفل. بالإضافة إلى  إجراء بحث حول الطفل ثم مباشرة الإجراءات اللازمة لتسجيله في سجلات الحالة المدنية. هذه الإجراءات منصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة الخامسة من القانون التي تنص على أنه: “يقوم وكيل الملك عند الاقتضاء بكل الإجراءات الرامية إلى  تسجيل الطفل بالحالة المدنية قبل تقديمه طلب التصريح بالإهمال، ومن بينها إقامة الدعاوى وكل ذلك مع مراعاة أحكام القانون المتعلق بالحالة المدنية”. والجدير بالذكر أن مقتضيات الفصل الخامس من القانون رقم 01-15 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين، الذي نص على مبادرة النيابة العامة إلى  تسجيل طفل بدفتر الحالة المدنية قبل المطالبة بالتصريح بكونه مهملا، لم يوردها المشرع على سبيل الوجوب، وإنما على سبيل الاقتضاء فقط، ومتى رأى وكيل الملك ضرورة وفق سلطته التقديرية وملائمته لظروف الوقائع المكونة لعنصر الاستعجال المطلوب في الطفل المهمل.[4] وبالتالي يقدم وكيل الملك على الفور طلبا إلى  المحكمة المختصة للتصريح بإهماله.

فبعد البحث الذي أجرته المحكمة لإثبات ان الطفل مهمل يصر الحكم التمهيدي ليتمكن والدا الطفل المهمل من التعريف بنفسيهما للمطالبة باسترداده؛ حيث توجه نسخة من الحكم الصادر المتعلق بإهمال الطفل إلى  السيد القاضي المكلف بشؤون القاصرين. وبالتالي يُنفذ مقرر إسناد الكفالة بحضور ممثل النيابة العامة وباقي الجهات المحددة في المادة 18 من القانون المذكور؛ كما يمكن تنفيذ الأمر بإلغاء الكفالة الذي يتخذه القاضي المكلف بشؤون القاصرين عن طريق النيابة العامة بواسطة القوة العمومية.

غير أن المركز القانوني للنيابة العامة في مسطرة كفالة الأطفال المهملين لا يقتصر فقط في الصفة الانضمامية، بل يتعداه إلى  الصفة الأصلية، إذ نصت المادة 3 من مدونة الأسرة على أنه: “تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى  تطبيق أحكام هذه المدونة”. ولما كانت النيابة الشرعية من ضمن أحكام مدونة الأسرة، فإن النص الخاص مقدم هنا على النص العام الوارد في قانون المسطرة المدنية. وعليه، فالنيابة العامة تشكل طرفا أصليا في دعاوى التصريح بالإهمال، وأن ما يسند هذا الطرح هو أن التصريح بالإهمال ينتج عنه إسقاط الولاية الشرعية للأبوين، ولأن أحكام الولاية تتعلق بالنظام العام، فكان تدخل النيابة العامة في دعوى التصريح بالإهمال له ما يبرره.

وكيفما كانت صفة تدخل مؤسسة النيابة العامة في مسطرة إسناد كفالة الأطفال المهملين، فإن نشاطها القضائي والولائي يمتد من بداية المسطرة إلى  نهايتها.[5]

دور قاضي شؤون القاصرين في قضايا الطفولة غير الشرعية:

عهد المشرع المغربي إلى  السيد القاضي المكلف بشؤون القاصرين بإسناد الكفالة إلى  الشخص أو الجهة الراغبة في الكفالة، وذلك بعد قيامه بجمع المعلومات والمعطيات حول الظروف التي تتسم فيها كفالة الطفل المهمل عن طريق بحث يجريه بواسطة لجنة خاصة مكونة من: ممثل للنيابة العامة؛ ممثل للسلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف والشؤون الإسلامية؛ممثل للسلطة المحلية؛ممثل للسلطة الحكومية المكلفة بالطفولة؛فضلا عن المساعدة الاجتماعية والكفيل.

وحتى يتأتى تفعيل هذه المقتضيات وفق ما توخاه المشرع، وتتحقق الغاية المرجوة من نظام كفالة الأطفال المهملين، أصدر وزير العدل منشور[6] موجه إلى  رؤساء المحاكم ووكلاء الملك والقضاة المكلفين بشؤون القاصرين وذلك: "بإنجاز الأبحاث وجمع المعلومات المتعلقة بالظروف التي ستتم فيها كفالة الطفل المهمل بكل دقة وعناية، مع تفعيل الدور الذي تقوم به اللجنة المنصوص عليها في المادة 16 من القانون 01-15؛تعميق الأبحاث المنجزة من طرف الضابطة القضائية حول أهلية طالب الكفالة ومدى مؤهلاته للتكفل بالطفل وخاصة إذا كان أجنبيا؛التأكد من كون الأجانب الذين يرغبون في كفالة الأطفال المهملين يتوفرون على مؤهلات الكفالة، ولهم الضمانات ما يجعل الرقابة القضائية تمتد لتتبع أحوال الطفل المكفول؛الحرص على أن يتم تسليم الطفل المهمل بحضور ممثل السلطة المحلية والمساعدة الاجتماعية.

فالهدف من البحث الذي يقوم به القاضي المكلف بشؤون القاصرين هو التأكد مما إذا كان الشخص الراغب في الكفالة مستوفيا للشروط المتطلبة قانونا. وفي حالة ما إذا كان البحث إيجابيا، أي في الحالة التي تتوافر فيها الشروط المطلوبة في طالب الكفالة، فإن القاضي المكلف بشؤون القاصرين يصدر أمرا بإسناد كفالة الطفل المهمل إلى الشخص أو الجهة التي تقدمت بالطلب. ويكون هذا الأمر مشمولا بالنفاذ المعجل بقوة القانون.[7]

وبالإضافة إلى  ما سبق، فقد نصت الفقرة الثالثة من المادة 17 من قانون كفالة الأطفال المهملين على أنه: “يكون أمر القاضي المكلف بشؤون القاصرين مشمولا بالنفاذ المعجل بقوة القانون رغم كل طعن”. كما ينص الأمر على تعيين الكافل مقدما عن المكفول، وفي حالة استئناف أمر القاضي فإن المحكمة تبت في هذا الاستئناف في غرفة المشورة لمحكمة الاستئناف والتي تتسم بمميزات منها سرية الجلسة وسرعة البت. وينفذ الأمر الصادر بالكفالة من طرف المحكمة الابتدائية التابع لها القاضي المصدر لأمر الكفالة داخل خمسة عشر يوما من تاريخ صدوره.

بعد التثبت من هوية الكفيل، يُسلم له الطفل موضوع التقرير ليتولى شؤونه ويتعهد بأن لا يسلمه لغيره إلا بموافقة قاضي شؤون القاصرين، وألا يسافر به إلا بعد أخذ إذن من القاضي المذكور، وبإخبار القاضي بكل هبة أو صدقة أو تنزيل ارتأى الكفيل جعلها للطفل. وإذا امتنع كافل الطفل المهمل عن تنفيذ مقتضيات الأمر القضائي الصادر بالكفالة، يشعر القاضي المكلف بشؤون القاصرين بذلك، ويتعين حينئذ على القاضي أن يُحيل الملف على النيابة العامة لتسهر على تنفيذه بواسطة القوة العمومية، أو بما تراه ملائما من الوسائل، ويجب في جميع الأحوال اتخاذ الإجراءات المناسبة لمصلحة الطفل الفضلى.

ويتم إسناد الكفالة عن طريق تسلم الطفل المهمل إلى  الكفيل في المركز أو الحضانة الموجود بها الطفل الذي سبق وأن صرحت المحكمة بأنه طفل مهمل، حيث تتم معاينة الطفل وتوصف حالته ولباسه والتلقيحات التي أجريت له. بعد ذلك يقوم كاتب الضبط التابع لمحكمة نفس القاضي بتحرير ذلك في محضر في ثلاثة نظائر يحتفظ به في ملف خاص لدى مكتب القاضي المكلف بشؤون القاصرين، ويسلم الثاني إلى  الكافل ويحتفظ بالثالث في ملف التنفيذ بالمحكمة.[8]

وسعيا من المشرع المغربي لحماية المصلحة الفضلى للطفل المكفول، أعطى في هذا الإطار دورا فعالا للقضاء، من أجل مراقبة توافر الشروط القانونية، وترك للقاضي سلطة تقديرية واسعة لمراقبة الشروط الأخلاقية والمادية لطالب الكفالة، وبالتالي التأكد من أنه قادر على رعاية الطفل المراد التكفل به، خاصة وأن المواثيق الدولية أصبحت تهتم كثيرا بالإنسان وحقوقه بصفة عامة وبالطفل بصفة خاصة، وبكفالة الطفل المهمل بصفة أخص، وركزت على جملة واحدة: “مراعاة المصلحة الفضلى للطفل.

 ومع ذلكفالعناية التي توخاها المشرع من نظام الكفالة لا تتحقق، رغم الاحتياطات التي يتخذها القاضي المكلف بالتوثيق وشؤون القاصرين.

بقلم: مروى الزاهي

[1] مقتطف من الرسالة الملكية السامية الموجهة الى الدورة الوطنية لبرلمان الطفل بالرباط 25 ماي 2000.

[2] نص الفصل 32 من الدستور المغربي على ان: الأسرة القائمة على عالقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمعتعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعيةوالاقتصاديةللأسرة،بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها

تسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية، والاعتبارالاجتماعيوالمعنوي لجميعالأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية.

التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولةيحدث مجلس استشاري للأسرة والطفولة

[3]محمد المتوكل، كفالة الأطفال المهملين وكيفية تنفيذ الأوامر الصادر بشأنها، مجلة الملف، العدد التاسع، نونبر 2006، ص 189.

[4]قرار مدني صادر عن محكمة الاستئناف بالناضور (المملكة المغربية) عدد 435، ملف رقم 306-1620-11، الصادر بتاريخ 26 أكتوبر 2011، قرار غير منشور. (بتصرف)

[5]مصطفى سدني، دور الكفالة في اسناد الجنسية، في القانون المغربي، مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة العدد 34، ص55.

[6]منشور السيد وزير العدل المغربي رقم 16 س2/ك بتاريخ 28 مارس 2005، في شأن كفالة الأطفال المهملين.

[7]مصطفى سدني، دور الكفالة في اسناد الجنسية، في القانون المغربي، (م، س)، ص 55.

[8]مصطفى سدني، دور الكفالة في اسناد الجنسية، في القانون المغربي، (م، س)، ص 56.

إرسال تعليق

شاركنا رأيك في الموضوع

أحدث أقدم