صحيح أن الطفل وليد العلاقات غير الشرعية في مجتمعنا، يبقى حبيس أنه ابن حرام وابن زنا ولا تختلف نظرته لهذا الطفل، والتي هي نظرة قاصرة له، ولكن هذا الأخير يبقى جزء لا يتجزأ من كيان المجتمع.
وقد يكون القانون قد حاول ولو بشكل بسيط توفير رعاية لهذه الفئة من خلال وضعها ضمن دور ومحاضن ومؤسسات وجمعيات خاصة بالرعاية والدفاع عن هذه الفئة الضعيفة وذلك في محاولة منه لتعويض الحرمان الأسري الذي يعاني منه هؤلاء الأطفال. فجلهم يجدون أنفسهم بين جدران المؤسسات الإيوائية بعد التخلي عنهم من طرف أمهاتهم، وبالتالي يصبح أبن أمه، ابن زنا، ويصبح ابن الدولة بمجرد دخوله لإحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية وحتى وإن كانت أمه معلومة في شهادة ميلاده.
لذلك تحاول
الجمعيات دائما إيجاد بديل لما حرم منه الأطفال، أو تحل محل العناصر التي تنقصه في
حياته، لكي تتكامل لديه الفرص لتكوينه وتربيته بصورة طبيعية، أو على الأقل، لكي
يصبح أقرب إلى هذه الصورة.[1]
وكنموذج يمكننا الحديث عن قرى الأطفال
المسعفين الذي يعود تأسيسها إلى سنة 1985، وهي جمعية ت أو ي الأطفال الأيتام و
اللذين فقدوا الرعاية الأسرية، فهي بمثابة خلية نحل بمسيريها ومستخدميها، تعمل ليل
نهار من أجل إيواء الأطفال الأيتام والذين لا عائلات لهم.
تعتبر القرية من بين مؤسسات الرعاية
الاجتماعية التي تهتم بالأطفال المتخلى عنهم من (مأكل ومشرب ومأوى...)، فهي مؤسسة
دولية تم نشاها من طرف هيرمان جومينر الذي سعى إلى تأسيس هذا المشروع
الإنساني النبيل و المنتشر اليوم في معظم دول العالم، إذ تقوم فكرة هذا البناء
الاجتماعي عل نظرية الأم البديلة حيث يجمع الأطفال الأيتام و فاقدي الأهل في قرية
جماعية بها بيوت مستقلة تقوم على وجود أم بديلة و أبناء و بنات إخوة وأب للجميع
المتمثل في مدير القرية، والخالة والتي تعوض مكان الأم في إجازتها، هذا في ما يخص الإطار
التنظيمي للجمعية. أما بالنسبة للجانب التعليمي للأطفال فيتعلمون في مدارس خصوصية
المرحلة الابتدائية ويتابعون ما تبقى من الدراسة في مدارس عمومية وذلك من اجل خلق
توازن معرفي يمكنهم من إتمام دراستهم فيما بعد ويلتحقون بالجامعات والمدارس والمعاهد
العليا مثلهم مثل أقرانهم.
فالقرية تهدف إلى إيجاد أسر للأطفال المحتاجين ومساعدتهم على
تحديد مستقبلهم كما توفر لهم الفرصة لإقامة علاقات دائمة داخل إطار أسري وتمكنهم من
العيش وفق دياناتهم وثقافة مجتمعهم وتساعدهم على التعرف على مواهبهم وقدرتهم
الفردية وتتأكد من حصولهم على التعليم المطلوب وذلك من خلال الرعاية الطويلة كي
يصبحوا أعضاء وفاعلين في مجتمعهم.
توجد حوالي خمس قرى بالمغرب والمتواجدة في
أيت ورير واكادير وامزورن والجديدة والدار البيضاء بدار بوعزة، نأخذ كمثال هذه
الأخيرة والتي نشأة سنة 2000 والتي وجدت لإيواء الأطفال المتخلى عنهم ومساعدتهم
على تكوين أنفسهم بغية الاندماج في المجتمع، تعتمد على مساعدات مجموعة من العرابين
والراعين، فهي تضم حوالي 103 طفلا، يعيشون في جو عائلي دون أن يحس الطفل على انه
غريب، فلكل أم نحو تسعة إلى عشرة أطفال من مختلف الأعمار تسهر على تربيتهم
والعناية بمتطلباتهم.
فالأطفال يتلقون تربية وتكوين في وسط أسر مليء بالدفء، يتم تأطيرهم من طرف فريق متخصص يضم مساعدة اجتماعية، وطبيب نفسي واطر
متخصصة في التنشيط والرسم حيث يتلقون كل الاهتمام الذي يحتاجون إليه من اجل نموهم
وعيشهم في سعادة.
فالمؤسسة تقوم على مبدأ توفير جميع الظروف
الاجتماعية لأطفال النزلاء من اجل تمكينهم من العيش مثل بقية الأطفال، إذ تتوفر
على بنايات للمعامل التربوية التي تتيح للأطفال فرص لإظهار مواهبهم وتفريغ طاقاتهم
السلبية في أو قات فراغهم والعطل
المدرسية، حيث نجد قاعة للرسم وثانية للأعمال اليدوية، وأخرى للموسيقى وقاعة
للإعلاميات وأخيرا مكتبة تشتغل كقاعة لدعم الأطفال المتعثرين مدرسيا.
وفي نفس المجال نجد جمعية الكرم التي تأسست سنة 1997 بأسفي على يد
مجموعة من الفاعلين المهتمين بمجال الطفولة الصعبة، وفي 2011 تم تأسيس فرع بمدينة
مراكش من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
فالجمعية تستقبل الأطفال ما بين خمس سنوات وسبعة عشرة سنة، هذه الفئة
يوفر لهم الإيواء وجميع متطلبات الحياة منها المساعدة القضائية والإدارية، الطبية
كذلك، ويتم تسجيلهم في المدارس لضمان حقهم في التعليم، والجمعية تلعب دور الوسيط
بين الطفل والمدرسة، إذ أنها تقوم مقام أو
لياء الأطفال، هذه من جهة. من جهة أخرى هناك فئة أخرى تتراوح أعمارهم ما بين
السابعة عشر والخامسة والعشرون سنة هؤلاء يستنفذون من الخدمات السالفة ذكرها ماعدا
الإيواء وهو غير مسموح لهم
قانونيا. فالمركز يضم 57 طفلا إناثا وذكور كما يمكن أن
يضم أكثر أو اقل من هذا العدد وذلك حسب الحركية الدائمة داخل
المركز، فبعد استقبال ذلك الطفل تقوم الجمعية بانعقاد جلسة استماع معه للتعرف عليه
وعلى مشاكله وذلك عن طريق مساعدات اجتماعيات ومربون، بالإضافة إلى طبيب نفسي.
داخل المركز يركز المربون على عدة أنشطة ترفيهية، هي في أغلبها عبارة
عن ألعاب جماعية، فهي تساعد في إدماج الأطفال في المجموعة، فهؤلاء الأطفال تكون
لديهم حساسية كبيرة نتيجة الترسبات النفسية التي يحملونها، وهناك أطفال لديهم طاقة
كبيرة مما يجعلهم يحتاجون إلى مدة طويلة من أجل الاندماج داخل المجموعة.
فمن خلال ما سبق ورغم العدد الهائل الذي يتوفر عليه المغرب والمتمثل
في 97 مؤسسة للرعاية الاجتماعية والجهود المبذولة من طرف جمعيات المجتمع المدني إلا
إن فئة الأطفال غير الشرعيين يواجهون مجموعة من المشاكل التي تلاحقهم بعد خروجهم
من هذه المؤسسات ، فالشاب الذي يغادر المؤسسة بعد بلوغه سن الرشد القانوني بدون
مواكبة، بدون م أو ى، بدون مدخول يومي يوفر له حاجياته الأساسية وبدون تكوين
يساعده على الاندماج داخل المجتمع، يمكن أن تتولد عنده أفكار إجرامية وانحرافيه
تنبثق عليها مجموعة من الظواهر التي تسبب خلل في توازن المجتمع و هذا راجع إلى
الدور الذي لم تنهيه الدولة باعتبارها الوصي الأول والمسؤول الأساسي على حماية هذا
الشاب بعد خروجه من دور الرعاية الاجتماعية. وفي هذا الصدد لا ننسى المجهودات المبذولة
من وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، حيث دعمت مشروع لمواكبة الشباب بعد
مغادرتهم للمؤسسة والذين لا تتجاوز أعمارهم 18 سنة وهو مشرع مقترح من طرف جمعية
أصدقاء الأطفال- المغرب وهو عبارة عن وسيط اجتماعي متخصص في مواكبة الأطفال
لاجتياز المرحلة الانتقالية بين المؤسسة والحياة العملية المستقلة.
ومع ذلك لم يتبين انه هناك تغير في عملية مواكبة الشباب وانه المشكل الأساسي في العديد من الظواهر المنتشرة اليوم. والمراد إذن أن ينشأ الأطفال في إطار عائلي، ضمن بيوت دافئة… دافئة بالحب والأمان والشعور بالانتماء إلى أسرة. الهدف، أن يعتزوا بذواتهم حتى تتعزز ثقتهم في أنفسهم ويندمجوا في المجتمع دون مركب نقص، وأن يصبحوا في المستقبل مواطنين فاعلين.[2]
[1]نامة وسيلة، المركز القانوني لابن غير الشرعي، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، بدون صفحة. (بتصرف).
[2] كريم الهاني، قرى الأطفال SOS
المغرب… حين تمنح الحياة للأيتام والمتخلى عنهم فرصة “العائلة” مرة ثانية!، مرايانا،https://marayana.com/laune/2019/03/27/6567/
تاريخ النشر 27 مارس 2019، تاريخ الاطلاع 19/05/200 على الساعة 00:12.