هناك من يرى المجتمع المدني ومؤسساته
حبر على ورق ولا يعملون شيئا على أرض الواقع، وهناك من يرى منظمات المجتمع المدني
حفنة من الخونة والمأجورين لإثارة القلاقل في البلاد، وهذه الآراء معتمدة في
المقام الأول عن عدم الاحتكاك بأي خدمة من خدمات المجتمع المدني أو عدم التواصل
المباشر أو غير المباشر ما بين هؤلاء الأفراد وبين إحدى هذه المؤسسات، وجهل بدور تلك
المنظمات وعملها على أرض الواقع، وناتج أيضا عن بعض ما يثار حول غموض عمل هذه
المنظمات وخاصة المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال الطفولة.
ان دور جمعيات المجتمع المدني يكمل أدوار القطاع الحكومي والقطاع الخاص، في عملية تحقيق التنمية، وإدامة تلك التنمية وضمان استمرارية منطلقاتها وأهدافها للرفع من مستوى الأفراد، ذلك بالحرص على إيجاد حلول موضوعية لمعضلات تنموية. اذ يعرف المشهد الجمعوي اليوم في المغرب تنوعا كبيرا، وبالتالي فإن عملية تصنيفه ليست مهمة سهلة. ومع ذلك، هناك حاجة ملحة للقيام بهذه العملية، وذلك لعدة أسباب أبرزها:[1]
- معرفة النسيج الجمعوي معرفة أفضل، الأمر الذي يستدعي تحديد مميزات وخصائص مختلف أصناف الجمعيات ومجالات وأمكنة تدخلها، فضلا عن معرفة طبيعة مقارباتها وأنشطتها.
- المساهمة في أن تقوم مختلف الدراسات باستعمال نفس المصطلحات.
- التوفر على قاعدة معطيات موحدة خاصة بالجمعيات على الصعيد الوطني، تكون سهلة الولوج والمقروئية (سواء بالنسبة للسياسات العمومية أو للديناميات بين الجمعيات : تحقيق التكامل والشراكات والتشبيك، الخ).
- تسهيل المقارنات بين الحركة الجمعوية المغربية والمعطيات التي تتضمنها الأدبيات على الصعيد الدولي.
أما على مستوى الدراسات المغربية، فإن
تصنيف النسيج الجمعوي يتـم علـى أسـاس الموضوع الاجتماعي وقطاع الأنشطة، الأمر
الذي لا يأخذ في الاعتبار التنـوع الـذي يطبع الحركة الجمعويـة علـى نـحـو متزايـد
(حيث أن جمعيات كثيـرة تـزاول أنشطتها في قطاعات متعددة).
علاوة على ذلك، تركز بعض الدراسات على
المجتمع المدني فـي شموليته وليس على الجمعيات فحسب، كمـا هـو الحـال بالنسبة
لدراسة مؤشـر المجتمع المدني [2]. فـي
حيـن أن دراسـات أخـرى، مثل البحـث حـول الجمعيات التنمويـة الـذي أعدته وزارة
التضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية[3]،
تركـز بالعكـس علـى قـطـاع واحـد للأنشطة.
وأخيرا، فإن معايير ومقاييس تجميع
أنواع الجمعيات بهدف تصنيفها، تختلف من دراسة لأخرى؛ بحيث يقـوم تصنيـف المنظمات
غير الربحية، الذي يقترحه دليـل الأمم المتحدة والمعتمد من طرف المندوبية السامية
للتخطيط[4]، على
وضع قائمة تسميات لعدد من مجالات الأنشطة، مثل البناء والمساعدة على السكن. وهـي
مجـالات لا تندرج ضمن اهتمامات الجمعيات المغربية. كما يجمع هذا التصنيف بيـن
أنـواع من الجمعيات غير مألوفـة فـي سياقنا المغربي، كمـا هـو الشأن بالنسبة ل
"منظمات الوساطة الخيرية والتشجيع على القانون والدفاع عن المواطنين
والمستهلكين والسياسة ".
ويبدو أن تصنيف " اليونسكو"[5]، قد
اعتمده العديد من الباحثين [6]والجمعيات،
حيث يميز هذا التصنيف بيـن نوعين كبيريـن مـن الجمعيات مـن جهـة، الجمعيات التي
تهدف إلى تقديم المساعدة وتوفير الخدمات لفائدة الساكنة، ومـن جهـة أخـرى
الجمعيات التي تقوم بالتعبئة الاجتماعيـة
حـول قضايا معينة[7]. ويعتبر
الباحث الاجتماعي عبد الله ساعف، أن هناك اليـوم تمييزا كبيرا يفرض
نفسـه بيـن جمعيات الترافع وجمعيات تقديـم الخدمات[8]. وهـو
تمييز يأخذ في الاعتبار توجها أساسيا هاما للقطاع الجمعوي المغربي المعاصر.
جمعيات تقديم الخدمات:
وهـي جمعيات توفر خدمات يمكن أن تكون
متنوعة: ثقافية، قانونية، رياضية، طبية، وقائية، تربوية، اقتصادية، نفسية، فلاحية،
إلخ.
وتشمل جمعيات التنمية البشرية
والمنظمات الخيرية والاجتماعيـة التـي تـعـمـل مـن أجـل تحسين الظروف المعيشية
للمواطنين، كمـا تنـدرج ضـمـن هـذه الفئة كذلك الجمعيات الدينية التي تستند إلى
الطابع الاجتماعي للإسلام. إضافة إلى جمعيات تعـزيـز قـدرات القطاع الجمعوي، التي
تقتـرح خدمات تتعلق ببرامـج تكوينية تهدف إلى تحسين جودة تدخل القطاع الجمعوي.
على صعيـد آخـر، تتميز جمعيات تقديم
الخدمات بنوعية مقاربتهـا كذلك. فالبعض منها تعتبر جماعي وبالتالي تعتمد على
مقاربة تشاركية، إذ تشرك الجماعات المعنية في الاختيارات والتخطيط وإدارة المشاريع
التي تستهدفها، مشجعة بذلك على تعلم المواطنة الفعالة. ومن أبرزها الجمعيات
العاملة في مجال الإعاقة، التي ينشئها ويشرف على تسييرها أساسا أشخاص تهمهم قضية
الإعاقة (إما أشخاص في وضعية إعاقة، أو آباء وأقارب).
في حين تتبنى جمعيات أخرى بالمقابل
مقاربة إحسانية، وبالتالي تقوم بعمليات تتعلق بالمساعدة ينتج عنها توفير مساعدات
مادية.
ومـن بيـن جمعيات الخدمات، تحتل جمعيات الرعاية وإعادة التأهيل الطبي والنفسي والاجتماعـي مكـانـة خاصـة فـي المشهد الجمعوي ببلادنا، وذلك لخمسـة اعتبارات على الأقل:
- أنها تتكفل بالأشخاص في وضعية هشة (الأشخاص في وضعية إعاقة، الأطفال المتخلى عنهم، اليتامى أو الأطفـال فـي وضعية صعبة، أطفال الشوارع، الأشخاص المسنون)، والنساء ضحايا العنف والأمهات العازبات.
- يندرج تدخلها في إطار الواجب الذي يقع عادة على عاتق الدولة في حماية مواطنيها.
- وضع هؤلاء الأشخاص في هذه المؤسسات يتم عن طريق إجراءات قانونية.
- ينبغي أن يكون التدخل، مـن الناحية الأخلاقية والقيمية، مستداما، لأن مصاحبـة هـؤلاء الأشخاص قـد تدوم لسنوات وتستدعي موارد بشرية ومالية كبيرة.
- يتعين أن تستجيب إعادة تأهيل هؤلاء الأشخاص، وجميع أشكال التكفل بهم، للمعايير المنصوص عليها في القانون.
جمعيات الترافع:
تضم هذه الفئة مختلف جمعيات التعبئة
والترافع والتمكين، التي تهدف إلى تحقيق الإصلاح الاجتماعي والديني والسياسي
والقانوني والثقافي، أو الاقتصادي أو البيئي. وهـي تنشـط، فـي غالبتهـا، فـي مجـال
الدفاع من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الفردية والعامة. غير أن بعض الجمعيات،
ولا سيما الجمعيات الدينيـة تعـمـل مـن أجـل تحقيق إصلاحات محافظة.
وتضـم هـذه الجمعيات في عضويتهـا فـي
غالب الأحيان نشطاء سياسيين سابقين ينتمـون فـي معظمهـم إلـى حركات اليسار الأكثر
نشاطا خلال السبعينيات، كما ينتمون إلى الأجيال الجديدة من النشطاء التي ارتبط
ظهورها بحركات اجتماعية جديدة مثل حركة 20 فبراير على وجه الخصوص.
ورغم أن جمعيات الترافع لا تمثل سـوى
0.95 في المائة من مجمـوع الجمعيات، غير أنها تتمتع عموما بوضوح كبير على
المستويين الجهوي والدولي.
كما تتميز بعض الجمعيات في الوقت نفسه
بتقديم الخدمات والدفاع عن حقوق الأشخاص الذين تستهدفهم. وتقترح فـي نفـس الآن عمليات للدعم المباشر
تستجيب لحاجيات فورية لجمهورها، وعمليات للترافع كفيلة، على المدى الطويل، بخلق
مناخ اجتماعي وثقافي واقتصادي وصحي وقانوني مدمج يحترم حقوق المواطنين.
واجمالا، فإن تصنيف الجمعيات يمكن أن
يتم بصيغ مختلفة تبعا للهدف منها والغايات من ورائها. ومـن ثـم، ولغايات بحثية، فإن التصنيف إلـى 3 فئات كبـرى (جمعيات
تقديم الخدمات، وجمعيات الترافع، والجمعيات التي تجمـع بيـن تقديم الخدمات
والترافع) يمكن أن يكون كافيـا مـن أجـل توفير قاعدة معطيات وطنية مبسطة وواضحة
للجميـع عـن الجمعيات غير أن هذا التصنيف مع ذلك يبدو غير كاف؛ حيث يتعلق الأمر
بتوفير أداة مساعدة على اتخاذ القرارات، وخاصة ما يتعلق بمنح التمويل العمومي.
بالإضافة الى أنه لا يقدم التصنيف صورة حقيقية عن الجمعيات في مجال الأنشطة ولا
يسمح هذا التصنيف كذلك بالتمييز بين الجمعيات المكلفـة مـن طـرف الدولة أو التي
تتكلف بنفسها مـن أجـل تقديم الخدمة العمومية.
بقلم: فاطمة الزهراء حيلات
[1] - دور الجمعيات المغربية في التنمية المحلية، إتحاد الجمعيات
المغاربية،في 2022/05/18 .
[2]
- عز الدين أقصبي وآخرون، "دراسة حول
مؤشر المجتمع المدني في المغرب"، الفضاء الجمعوي، أبريل 2011 .
[3]
- وزارة
التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، "دراسة حول الجمعيات
المغربية للتنمية" تشخيص، تحليل، آفاق، التقرير الثالث.
[4] - المندوبية السامية للتخطيط، 2012، التقرير التركيبي للبحث الوطني لدى المؤسسات ذات الأهداف غير الربحية (2007).
*- إذا أخذنا في الاعتبار
تصنيف اليونسكو، فإن الجمعيات تنقسم من الناحية القانونية إلى جمعيات للترافع:
حقوق الإنسان، المساواة بين الجنسين، قضايا الطفولة، الأشخاص في وضعية إعاقة،
الخ... أما الجانب الثاني فيتعلق بالجمعيات التي تعمل في الميدان أكثر.
ويمكن أن تكون جمعيات ذات أهمية وطنية أو جمعيات ذات أهمية
محلية»، حوار مع إسماعيل العلوي، يومية «ليبراسيون»، 2013.
[6] -LAURINE Pierre; SAAF
Abdellah; QUORAIMI Saliha...
[7] - BEN NÉFISSA, Sara, 2004. ONG et gouvernance dans le monde arabe. KARTHALA Editions (ouvrage collectif).
[8]
- عبد الله ساعف، "مسارات الحركة
الجمعوية المغربية" تاريخ ودلالة، يصدر قريبا.