ان العنف ضد المرأة يتم ارتكابه في سياقات مختلفة الشئ الذي يفرض اعتماد معايير دولية مختلفة لمناهضة كل أشكال العنف، وفي هذا الإطار تم اعتماد مجموعة من الاتفاقيات الدولية من قبل الأمم المتحدة لمناهضة الجريمة والتي تتضمن التزامات للدول الأطراف لاتخاذ التدابير الضرورية لمناهضة العنف الذي تتعرض له المرأة في سياق الجريمة خلال النزاعات المسلحة.
إن
ما تشهده الحروب والنزاعات المسلحة من انتشار واسع في مختلف مناطق العالم، والذي
ياخد أشكالا مختلفة بما في ذلك الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي ضد المرأة، فرض
اعتماد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي تعتبر جهاز قضائي دولي دائم
لمواجهة الجرائم الخطيرة بما في ذلك مختلف أشكال العنف الجنسي الخطير والاغتصاب
ووقع الجزاء على مرتكبيها دون الإفلات من العقاب.[1]
تمثل المرأة النسبة الأكثر من ضحايا الاتجار بالبشر عبر الوطن و الذي يتم في معظم الحالات لإغراض الاستغلال الجنسي. وقد اهتم المجتمع الدولي منذ وقت مبكر بمواجهة ظاهرة الاتجار بالبشر و بالمرأة،[2] إذ اعتمد العديد من الآليات الدولية من أهمها الاتفاقية المتعلقة بالرق وبروتوكول تعديل الاتفاقية الخاصة بالرق و الاتفاقية التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرقيق والأعراف والشبيهة بالرق،[3] وفيما يتعلق بالاتجار بالمرأة فقد اعتمد المنتظم الدولي عدة اتفاقيات دولية اعتبرت أن الاتجار بالمرأة لاغرامها على ممارسة الدعارة شكل من أشكال العنف القائم على نوع الجنس، وتتمثل أهم هذه الاتفاقيات الدولية حول تحريم الاتجار بالرقيق الأبيض والاتفاقية الدولية حول تحريم الاتجار بالنساء والأطفال والاتفاقية الدولية حول تحريم الاتجار بالنساء البالغات، [4] وقد تم العمل على توحيد هذه الاتفاقيات الدولية و توسيع مجال تطبيقها بمقتضى اتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص و استغلال دعارة الغير.[5]
بروتوكول باليرمو كآلية دولية للقضاء على العنف ضد المرأة
يعتبر (بروتوكول باليرمو) من أهم المعايير القانونية
الدولية للقضاء على الاتجار بالبشر حيث ساعد على تجاوز الاختلافات الواسعة في
تفسير ما يشكل اتجارا بالأشخاص و كيفية قياسه.[6]
لقد اهتم بروتوكول باليرمو إلى منع و مكافحة الاتجار بالأشخاص
و خاصة النساء والأطفال و حمايتهم، واهتم كذلك بتحديد الإطار المفاهيمي للاتجار بالأشخاص
إذ عرفه في المادة الثالثة بأنه تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة
التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسرأو الاختطاف أو الاحتيال أو
الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الضعف أو إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو
مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص أخر لغرض الاستغلال، ويشمل الاستغلال كحد
أدنى استغلال البغاء الغير ا سائر أشكال الاستغلال الجنسي أو العمل القسري أو
الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء.[7]
لقد تجاوز بروتوكول باليرمو المفهوم الضيق للاتجار بالمرأة
إذ أن مفهوم الاتجار بالمرأة يتكون من عنصرين أساسيين،
الأول: يتعلق بمسار الخضوع
الذي يتضمن عمليات التجنيد والتنقل والإيواء والوسائل المستخدمة في ذلك كالعنف
والتهديد والاختطاف الاحتيال والخداع واستغلال السلطة أو حالة الضعف
الثاني: فيتعلق باستغلال الشخص
ضمن شروط العبودية أو العمل القسري.و من ثم فيكون هذا البرتوكول قد تجاوز التحديد
الصارم لأشكال الاتجار التي يمكن أن تتعرض لها المرأة ضمن سياق الاتجار بالأشخاص حيث جعلها مفتوحة
نظرا لتعدد مظاهر الاتجار وعدم قابليتها للحصر بالنظر لارتباطها بالتطور التقني والتكنولوجي والتقدم العلمي التي تفرز بشكل مستمر أشكالا جديدة للاتجار.[8]
[1] محمد عداوي، مناهضة العنف المبني
على النوع من منظور حقوق الإنسان مرجع سابق ص63-64 (بتصرف)
[2] أسماء محمد: الاتجار بالبشر و تطوره التاريخي، دار النهضة العربية، القاهرة، 2009 ص 25-37
[3] - الاتفاقية الخاصة بالرق : اعتمدت بتاريخ 25 شتنبر 1926 ودخلت حيز النفاد بتاريخ 9 مارس 1927، المادة 1.
[4] - الاتفاقية الدولية حول تحريم الاتجار في الرقيق الأبيض : اعتمدت بموجب قرار عصبة الأمم بتاريخ 4 ماي 1910.
[5] فالي علال : الاتجار بالبشر في التشريع الجنائي المغربي بين مبدأ
الشرعية و ضرورة التجريم ،مجلة الحقوق ، العدد 14، 2013،ص 37
[6] بروتوكول منع وقمع ومعاقبة
الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة
الجريمة المنظمة عبر الوطنية: اعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة
بتاريخ نونبر2000، دخل حيز النفاد
بتاريخ 21 يوليوز 2001.
[7] محمد عداوي،
مناهضة العنف المبني على النوع من منظور حقوق الإنسان مرجع سابق ص 71-72.
[8] محمد عداوي،
مناهضة العنف المبني على النوع من منظور حقوق الإنسان، مرجع سابق، ص72
(بتصرف).