-->

سؤال التشغيل الجمعوي بالمغرب: الرهانات والخيارات الاستراتيجية

 سؤال التشغيل الجمعوي بالمغرب :الرهانات والخيارات الاستراتيجية.

L’emploi associatif au Maroc : enjeux et choix stratégiques.

صدر قانون 45.18  للعاملين الاجتماعيين، وكذا  قانون 06.18 المتعلق  بتنظيم العمل  التطوعي، وهما نصان تشريعيان يهمان بشكل مباشر  النسيج الجمعوي  بالمغرب، وتركز مقتضياته على جانب من التشغيل الجمعوي سواء المأجور أو التطوعي.

سؤال التشغيل الجمعوي بالمغرب: الرهانات والخيارات الاستراتيجية

ويتشكل نسيج الجمعيات بالمغرب،  من ما  يقارب من  200 ألف جمعية، تشتغل في مجالات  متنوعة، يغلب عليها  الطابع الاجتماعي .

وإذا كان العمل الجمعوي في العديد من الدول يساهم في الارتقاء الاقتصادي والتنموي، بل ويشكل قطاعا مشغلا منافسا لباقي القطاعات، فإن في بلادنا ، يعرف  التشغيل الجمعوي وضعا هشا، إذ على المستوى الكمي ، يتفاوت  عدد الأجراء ما بين 80 ألف و   100 ألف إطار جمعوي أجير ، وهي نسبة نشاط ضعيفة، في حين  في فرنسا تتجاوز نسبة التشغيل الجمعوي 20% وفي إسبانيا 25% ، من مجموع مناصب التشغيل.

وتميز  النظم القانونية والتنظيمية   لبعض الدول، بين أشكال متعددة للتشغيل بين التطوع والعمل المأجور، حتى أن العمل الجمعوي التطوعي مقنن ، وهو نوعان ، هناك  المتطوع bénévole ) (، لا يتقاضى أي أجر من الجمعية، وهو شخص حر في علاقته مع الجمعية، على مستوى حجم أنشطته ووتيرة اشتغاله اليومي، في حين هناك نموذج ثان للتطوع ) volontaire ( ، يتقاضى أجرا ، وغالبا ما يكون أقل من الحد الأدنى للأجر، وتجمعه علاقة شغلية مع الجمعية، في إطار نوع من التطوع شبه المأجور، ثم هناك التشغيل الجمعوي الماجور، حيث يتمتع الإطار الجمعوي الاحير بضمانات    شغلية وحمائية واجتماعية.

وبالرغم من أن التشغيل الجمعوي بالمغرب،  بدأ يعرف  تطورا نوعيا،  يتجلى في إقبال  العديد من خريجي الجامعات ومؤسسات التكوين المهني،  للقيام  بتداريب مهنية لدى العديد من الجمعيات المتخصصة، بل أن العديد من الخريجين ، ولجوا  الوظيفة العمومية أو القطاع الخاص، بعد أن قضوا مدة كمتدربين أو كأجراء  في جمعية من الجمعيات،  إلا أنه بالرغم من ذلك ،  فمستوى استقطاب التشغيل الجمعوي للاطر ما زال ضعيفا،  وذلك لأسباب متعددة.

لقد ارتبط  العمل الجمعوي تاريخيا  بالتطوع   في غياب المهننة، وفي غياب إطار قانوني منظم للتشغيل الجمعوي.

وساهم الفراغ القانوني والتنظيمي للتشغيل الجمعوي وغياب تدابير تحفيزية، في  ضعف الاستقطاب الشغلي،  وعدم  الاستقرار المهني للأطر الجمعوية، ولاسيما وأن  الأجور المعمول بها في أغلب الجمعيات  غير  متناسبة  مع   المستوى التكويني والتجربة والخبرة، كما أن غياب التحفيزات، ولاسيما ما يتعلق بالضريبة على الدخل، و تحمل  الحماية الاجتماعية لدى الصندوق الوطني  للضمان الاجتماعي CNSS.

وفي هذا الإطار، وكمثال على ذلك ،  أن ما يقارب من  5 ألف إطار  أجير في الجمعيات ذات الصلة بمهن التكفل بالأشخاص في وضعية  إعاقة اليوم،  ليست لها حماية اجتماعية، وأن  برنامج  التمويل العمومي لمحور الإعاقة  لهذه السنة،  والذي خُصص له  500 مليون درهم ، والمندرج في صندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي، لا ينص في دفتر التحملات ، الذي يشرف عليه القطاع المعني بالإعاقة ،  على تغطية تحملات الحماية الاجتماعية ل 5 ألف إطار جمعوي أجير.

كما يسجل غياب نظام وطني لتثمين المكتسبات والخبرات S/VAE للعمل الجمعوي، وهو النظام المعمول به في العديد من الدول المتقدمة ، ذلك  أن العديد من الأطر الجمعوية  راكمت تجربة متميزة في العمل الجمعوي ، في مجالات مهنية معينة ، لكن لا يُعترف بها في السلم الإشهادي للشواهد ، وهذه مناسبة لقطاعات التربية والتعليم بالإسراع بإصدار   نظام للتصديق على المكتسبات، المنصوص عليه في القانون الإطار 51.17 المتعلق  بمنظومة والتربية والتكوين والبحث العلمي، والذي توقف مسار إخراجه منذ سنتين .

كذلك من بين أهم مسببات ضعف التشغيل الجمعوي ، ما يتعلق  بالتمويل العمومي، والذي ينقصه الترشيد من جهة،  وضعف الاستدامة  من جهة أخرى ،  ويمكن ابتكار  مجموعة من البدائل التمويلية  للدعم المعمول  بها في العديد من التجارب .

وفيما يتعلق بالتحفيزات الضريبية، يبقى مجالها قانون المالية السنوي، ولاسيما ما يتعلق بالضريبة على الدخل، وتحمل مساهمات الحماية الاجتماعية، وفي المقابل  آن الأوان إلى إخراج نظام محاسباتي خاص بالجمعيات plan comptable associatif ، يراعي خصوصيات التدبير المالي والمادي الجمعوي ، وذلك لعدم ملاءمة  النظام المحاسباتي للمقاولات للعمل الجمعوي، والذي له خصوصيات ومميزات.

إن ضعف تأطير  التشغيل الجمعوي بمقتضيات قانونية  ومعيارية ، يجعل  أجهزة تفتيش الشغل اليوم ، تعتمد أساسا  على مدونة الشغل، وهي المدونة  التي حُدد نطاقها في التشغيل في القطاع الخاص ، ولم تستحضر خصوصيات التشغيل الجمعوي .

وسيزداد ضعف  التشغيل الجمعوي، في غياب أجرأة منظور استراتيجي يؤطر  التشغيل الجمعوي بالمغرب، بأن   تبادر   الدولة، من خلال الحكومة والمؤسسة التشريعية في  التأطير القانوني  والتنظيمي للتشغيل الجمعوي، ومعالجة   الالتقائية في النظم  التشريعية والتنظيمية الصادرة، من قبيل  القانون 45.18 المتعلق بالعاملين الاجتماعيين ، حيث يتم  عرض مشروع المرسوم التطبيقي لهذا القانون على القطاعات الحكومية،  وهو مشروع مرسوم يحدد الإطارات المعيارية والتنظيمية ، والمستلزمات المعرفية والمهارية للعديد من المهن الاجتماعية ذات الصلة بالتشغيل الجمعوي، وهو ما يقتضي توقيف مساره إلى حين توضيح الرؤية والمنظور الاستراتيجي للتشغيل الجمعوي.

كما أن المنطق يقتضي إخراج  إطار مرجعي للمهن والكفاءات REC ، موازاة مع مشروع المرسوم التطبيقي للقانون .

إن الارتقاء بالتشغيل الجمعوي بالمغرب، من خلال  حسن استثمار المورد البشري، سيساهم في تجويد الخدمات من جهة ، وفي التنمية الشاملة بكل أبعادها.

بقلم: أحمد ايت ابراهيم


أحدث أقدم