يعتبر اعداد وصياغة السياسات العمومية بالمغرب مرحلة مهمة تحدد نجاح هذه السياسات من عدمه نظرا لما يعرفه هذا المجال من تداخل بين ما هو اجتماعي ثقافي وسياسي وكذا تعدد المتدخلين في مسلسل صنع السياسات العمومية سواء تعلق الامر بالفاعل الرسمي (المؤسسة الملكية، السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية) او الفاعل الغير رسمي (الاحزاب السياسية، الجماعات الضاغطة، المجتمع المدني، المواطن) وايضا لارتباطها بإدارة شؤون الدولة و المجتمع.
فبالرجوع لتعريف السياسات العمومية وعلى الرغم من صعوبة تحديد المفهوم يمكن القول في هذا الصدد وانطلاقا مما جاء به مجموعة من الاساتذة على رأسهم knoepfel . larrue .varonne savard ان السياسات العمومية ”سلسلة من القرارات أو الأنشطة المتناسقة والمنسجمة، تتباين مواردها وإمكانياتها وتتكامل علاقتها المؤسساتية وتختلف المصالح المتوخاة منها، والتي تهدف لتقديم حل لأمر تعتبره الطبقة السياسية مشكلا وتؤدي هذه السلسلة من القرارات والأنشطة والتي تتميز بطبيعتها الملزمة التي تغيير سلوك الفئات الاجتماعية، كل ذلك في إطار المصلحة العامة للفئات الاجتماعية”.
فالحديث عن هذه السلسلة من القرارات يستدعي الحديث بالأساس عن الفاعل المتحكم في دواليب صياغة السياسات العمومية ورسم خارطة الطريق لإنجاحها بمختلف مراحلها بدءا من الاعداد وصولا للتقييم مما يحيل الى تعدد الفاعلين. وبيت القصيد في هذا الموضوع هو الفاعل الرسمي بموجب الدستور عبر مقاربة علم السياسة ومنهج تحليلي نحاول من خلاله استقراء مجموعة من الفصول الدستورية المتعلقة بهذا المجال.
فكل فاعل في هذا الحقل يعتبر صمام الامان وحجر الزاوية في منظومة يتداخل فيها ما هو سياسي بالإداري لتحقيق الغاية المتوخاة وتنزيل تلك السياسات على ارض الواقع، سواء في مرحلة الاعداد التي هي النواة الاساس في تفعيل البرامج الحكومية وصولا لمرحلة التقييم كمستجد عزز من خلاله المشرع مكانة المؤسسة التشريعية كونها تعكس ارادة الامة.
ليدفع بنا هذا الى التساؤل حول الدور الاساسي الذي يلعبه الفاعلون الرسميون في إنجاح السياسات العمومية بالمغرب بجميع مراحلها؟
لتتضح اهمية الفاعلين الموكول لهم مهمة اعداد ، تنفيذ و تقييم السياسات العمومية سيان تعلق الامر بما هو ضمني او ملموس سواء في حديثنا عن المؤسسة الملكية (المطلب الاول) او السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية (المطلب الثاني).
المطلب الاول : المؤسسة الملكية
اضحت المؤسسة الملكية بالمغرب اللبنة الاساس[1] في النسق السياسي للنظام القائم في محصلة تاريخية تراكمية توجت بتعاقدات مجتمعية همت السلطة والمخاطبين بها في اطار سيادة القانون [2]الذي هو نتاج خالص وتمثل واقعي لإرادة الأمة[3] وفق نظام التمثيلية [4]النيابية لنمط اقتراع [5]متفق حوله وشفاف يدود عن إرادة الأمة وضميرها الجمعي.
هذا ما يرخي بضلاله على مختلف المجالات داخل الدولة من بينها السياسات العمومية حيت نجد تدخل المؤسسة الملكية بشكل ضمني انطلاقا من ترأس الملك للمجلس الوزاري وإعطاء املاءات في هذا السياق عبر الخطابات الملكية.
الفقرة الاولى : رئاسة المجلس الوزاري
جاء في الفصل 48 من دستور 2011 أن الملك يراس المجلس الوزاري الذي يتداول في السياسة العامة حسب منطوق الفصل 49 التي ماهي في نهاية المطاف الا الاستراتيجية العامة التي تنهجها الدولة والتي تتمظهر عبر السياسات العمومية، هذا ما يكرس لمكانة الملك في الاسهام في صنع السياسات العمومية الى جانب ما يحتله المجلس الوزاري من اهمية في الهيكل المؤسساتي للدولة فالمشرع كرس له مكانة مهمة من خلال مجموعة من المساطر والاختصاصات ليتحول الى قناة ديمقراطية للمشاركة في ممارسة السلطة بين المؤسسة الملكية والمؤسسات الدستورية المنتخبة .
ورئاسة الملك لهذا المجلس تحيل على البعد الديمقراطي في تدبير الشأن الحكومي ومعطى يدل على الصلاحيات الجديدة لرئيس الدولة التي تجعل الملك الممثل الأسمى للدولة[6].
اضافة الى هذا يتداول المجلس الوزاري كما سبقت الاشارة في التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة ومشاريع مراجعة الدستور والتوجهات العامة لمشروع قانون المالية الذي يعتبر الاساس الذي تقوم عليه البرامج الحكومية.
كما للمؤسسة الملكية سلطة الاطلاع على مداولات المجلس الحكومي الذي ينظر في قضايا نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر السياسات العامة للدولة قبل عرضها على المجلس الوزاري ثم السياسات العمومية والقطاعية اي ان الملك يعد فاعلا اساسيا في صياغة السياسات العمومية.[7]
وبالرجوع لاطلاع الملك على خلاصات مداولات المجلس الحكومي كما هو منصوص عليه في الفصل 92 في فقرته الاخيرة “يطلع رئيس الحكومة الملك على خلاصات مداولات مجلس الحكومة ” مما يبعث على التساؤل حول الغاية من تضمين المشرع لإمكانية احالة خلاصات مداولات المجلس الحكومي على الملك قصد الاطلاع عليها [8].
كما تجدر الاشارة الى ان من بين اهم ما يتداول بشأنه داخل المجلس الحكومي هو السياسات العمومية اي دراسة البرامج والمخططات الحكومية لنجد امتدادا لتدخل المؤسسة الملكية[9] حيث نجد بهذا الصدد جانبا من الفقه يقول ان السلطة التنظيمية بالرغم من تخويلها للحكومة من طرف المشرع المغربي الا ان الملك وبالرغم من كونه ليس سلطة وان السلطة التنظيمية[10] بيد رئيس الحكومة لكن هذا لا يعني ان الملك لا يراقب السلطة التنظيمية ، ما يدل عليه الفصل 92 من دستور 2011 اي الرقابة على العمل الحكومي لكن كيف يبدي الملك رايه سيان تعلق الامر بالتعديل او التوجيه ؟ هذا ما لم يتم التنصيص عليه صراحة في الوثيقة الدستورية .
ليتضح جليا الدور الريادي للمؤسسة الملكية[11] وموقعها في صنع السياسات العمومية وانه الراسم لهذه الاخيرة لكن هل موقع الملك داخل المجلس الوزاري ورقابته على اعمال الحكومة وحده الذي يظهر مدى تدخل السلطة الملكية في صنع السياسات العمومية ام ان هناك تدخلات اخرى ؟
الفقرة الثانية: الخطابات الملكية
يلاحظ من خلال الخطابات الملكية ان هناك مجموعة من الاشارات والتوجهات حول السياسات العمومية بالمغرب حيث لا يمكن اعتبار الخطابات الملكية مجرد خطابات عادية في حدود مهام المؤسسة الملكية بل تمثل ابعد من ذلك حيث تعد المرجعية لكل الفاعلين داخل الدولة وخارطة عمل للمتدخل في صنع السياسات العمومية ورسائل ضمنية تكاد تكون صريحة احيانا، اضافة لما تمثله من اليات تساهم في انزال الممارسة السياسية من ما هو نظري الى الواقع مراعات لمدى مطابقتها مع الواقع وقربها من متطلبات المواطن .
فالخطابات الملكية تتميز بمجموعة من الدلالات الدستورية سيان تعلق الامر بما هو مؤسساتي او توجيهي ولها ابعاد اكثر من ذلك حيث تعتبر الية للتواصل بين الشعب ومضامين تقييم السياسات العمومية المتبعة من طرف الحكومة، ومثال على هذه الخطابات نجد خطاب الملكي المتضمن للأمر المتعلق بصندوق التنمية القروية حيث تعتبر مخططا تنمويا يهدف في نهاية المطاف الى تخطي مشكل معين عبر سياسة عمومية تترجم على برامج ومخططات حكومية يكون هدفها بعث رسائل ضمنية يعتمد عليها الفاعلون في صنع السياسات العمومية ويرسمون من خلال التوجهات الواجب تتبعها .
كما ان الدستور المغربي لازال يكرس الدور الرئيسي للمؤسسة الملكية في تحديد اجندة السياسات العامة للدولة واختياراتها الاستراتيجية ولا يمكن الاغفال على افتتاح الملك للدورة البرلمانية كمصدر اساسي لتأطير العمل البرلماني فمن التقاليد المغربية الراسخة في النظام السياسي المغربي ان يقوم الملك بافتتاح الدورة البرلمانية الاولى في مستهل كل سنة تشريعية و بالضبط في الجمعة الثانية من شهر اكتوبر كما هو منصوص عليه في الفقرة الاولى من الفصل 65من دستور 2011 التي تنص على “انه يعقد البرلمان جلساته اثناء دورتين في السنة ويراس الملك افتتاح الدورة الاولى التي تبتدئ يوم الجمعة الثانية من الشهر اكتوبر وتفتح الدورة الثانية يوم الجمعة الثانية من شهر ابريل ” وكسائر الانشطة الملكية لا يخلو هذا الحدث من احكام دستورية تؤطره دلالات سياسية كبرى .
ويمكن تناول هذا الجانب من زاويتين الاولى متعلقة بالأحكام الدستورية لافتتاح الدورة البرلمانية الاولى والتي تخص التقنية التي منحها الدستور للملك بمخاطبة منه للامة حيث اقر الفصل 52 من دستور 2011 ” للملك ان يخاطب الامة والبرلمان ويتلو خطابه امام كلا المجلسين ولا يمكن ان يكون مضمونه موضوع اي نقاش داخلهما ” وهو نفس ما نص عليه صراحة في الفصل 28 من دستور 1996 الفرق فقط في اضافة “داخلهما ” في النص الاخير “2011”.
مما يوضح انه عقب انتهاء الملك من القاء خطابه لا يكون هناك امكانية النقاش امام نواب الامة [12].
اما الزاوية الثانية فنجدها تتعلق بالدلالات السياسية لافتتاح الملك للدورة التشريعية للبرلمان وبالرجوع لدستور 2011 نجد ان الملك يضل الموجه الرئيسي للعمل البرلماني وتتميز خطاباته امام البرلمانيين بالاهتمامات والقضايا الكبرى للبلد .
وترسم الخطابات الملكية الموجهة الى البرلمان خارطة الطريق التي يجب ان يسير وفقها العمل البرلماني ليتم تجسيدها في شكل قوانين واجراءات لما تمتله من ارتباط بمختلف الميادين سواء كانت ذات صبغة سياسية[13] ،اجتماعية ، اقتصادية ، وقد تتعداها لتنظيمية ومؤسساتية من اجل تحسين وثيرة العمل التشريعي.
وتبقى الدلالة السياسية الكبرى للخطابات الملكية التأكيد على استمرارية المؤسسة الملكية في رئاسة كل المؤسسات السياسية بالنظام السياسي المغربي وتدخله في جميع الميادين لنخلص في الاخير الى ان المؤسسة الملكية فاعل سياسي ،اجتماعي ، وتقافي مستمر.
المطلب الثاني: دور السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية
يرى مونتيسكيو[14] في كتابه “روح القوانين” مبدا فصل السلط كرافعة اساس لنشد اسمى ضمان للحكم السليم وللتحقق الاكمل لكل مقولات السلطة والحرية[15] التي استقرأت تفاصيل مفهوم الانسان واكتنهت أغواره وسط جماعته ، ذاك الانسان الذي اصبح مواطنا بالإعلان العالمي لحقوق الانسان والمواطن سنة (1789/8/27) في اطار سيادة القانون وصون الحق به.
فحينما نجد تقسيم الادوار بين السلط في مجالات معينة من شأنه ان يحقق النتائج المبتغاة ويجعل الهدف الاسمى لكل سلطة اتمام مهمتها في اطار التعاون نكون بذلك امام فصل سليم لتلك السلط ، وهذا جزء لا يتجزأ من مجال السياسات العمومية ايضا .
الفقرة الاولى : السلطة التنفيذية
لما كان صلب الحقل العلمي الذي نغترف منه بحثا وتنقيبا في فعل الحكومات وتنفيذاتها اي في السياسات العمومية على وجه التحديد فمجهر الدراسة تمرين واختبار ذهني وعلمي لقياس مدى موائمة فلسفة وروح الدستور الجديد الذي رصف الصلاحيات واوسعها بالضبط والاحكام ودقة التوجيه على مستوى الممارسة والأجراة العملية [16] لمناطيق قواعد الترسانة القانونية التكاملية .
واذ ذاك يحق لنا التساؤل حول موقع الحكومة في النسق السياسي عامة وفي العمل الاداري على وجه التحديد مادامت الدولة وهي في -حالة الفعل- في مشمولها اعمالا ادارية على شكل قرارات يفترض فيها انها مشروعة وداخل اطار الشرعية.
فالحديث عن الحكومة وهامش تدخلها في سيرورة السياسات العمومية لا يستقيم دون التعريج على صلاحيات المؤسسة الملكية الموسعة دستورا وقانونا باعتبارها الفاعل المركزي في دورة انتاج السلطة وممارستها ،وتجب الاشارة هنا ابتداءا الى انه جلي وواضح الدور الريادي الذي تضطلع به المؤسسة الملكية في مقابل تضييق صلاحيات السلطة التنفيذية الاصلية، كذلك مسالة التحكيم الملكي باعتباره حامي حمى وطن ودين الشعب المغربي وطريق حل كل الخلافات المستعصية بين المؤسسات الدستورية ومن هنا فتقويض سلطات الجهاز الحكومي ليس بمعزل عن هذا التوصيف، والفصل 42 من دستور 2011 واضح في هذا الباب .
من خلال استنطاق محتويات الفصول 89 ،90 ،92 من دستور 2011 نجد ان المشرع وضع السلطة التنظيمية بيد رئيس الحكومة هذا الاخير الذي يتراس المجلس الحكومي الذي من بين ما يناقشه السياسات العمومية ، الا ان رئيس الحكومة مطالب بتقديم تقرير مفصل للملك عن ما راج في هذا المجلس .
هذا دون اغفال دور المجلس الوزاري برئاسة رئيس الدولة في توجيه وصنع وحتى انهاء السياسات العامة التي تشكل التوجه الاستراتيجي للدولة.
الملاحظ من هاته القراءة احتكار فعل الدولة من طرف فاعل مركزي رئيس وسط بقية الفواعل داخل بنية الدولة في حين ان تلك الفواعل هي الاجدر ومنها على وجه الخصوص المؤسسة التشريعية باعتبارها صوت الشعب والضمير الجمعي للامة من خلال نظام التمثيلية وفق السيادة الشعبية التي تصون ارادة الامة وسيادة الجسم الاجتماعي[17] كذلك بعد تأطير[18] وتطويق السلطة[19] في اطار الشرعية والمشروعية[20] وتحقيق الحق لسلطان الواجب والاحق بصنع السياسات العمومية والاشراف عليها واقتراحها كحقوق بالقانون.
من باب المعقولية والموضوعية العلمية تسليط الضوء على واقع تنزيل التمثلات الذهنية والتصورات النظرية الكامنة وراء الرصف النظري التأملي لتنفيذات القواعد القانونية المزمع اقرارها قبل ان تخرج لحيز الوجود وتصبح واقعا يوميا ملموسا .
الفقرة الثانية:المؤسسة التشريعية
بما ان الدور الرقابي للبرلمان عرف قصورا و مكامن ضعف من خلال ما كان مكرسا في دستور 1996 بحيث ان الرقابة على السياسات العمومية لوحدها غير كافية فقد تم تدارك ذلك من خلال التعديل الدستوري الذي عرفه المغرب سنة 2011 حيث وسعت الوثيقة الدستورية من مجال القانون [21]و اصبح البرلمان مكلفا بالتشريع في مجالات اكبر من السابق و هو ما يعني تعزيز امكانية تأثير القانون على دائرة السياسات العمومية كما عملت على تقوية مهمته الرقابية عبر تثمين وظيفة المعارضة و تيسير امكانية اللجوء الى الاليات الرقابية الاكثر قوة .
فالفصل 70 من الدستور نص في فقرته الثانية على ان البرلمان “يصوت على القوانين و يراقب عمل الحكومة و يقيم السياسات العمومية ” فلم تعد مسؤوليته من اجل التوقيع البرلماني على النصوص و لا مسؤولية مناقشة السياسات العمومية لما يتم تحضيره من مشاريع و مخططات من قبل الحكومة بل اضحت وفق مقتضيات الدستور مسؤولية اساسية .
وقد تم تعزيز هذا الدور ايضا عبر الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الاولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية التاسعة سنة 2012.
فالبرلمان فضلا عن مهمتي التشريع و المراقبة اصبح مكلفا بمهمة تقييم السياسات العمومية بحيث اصبح يستأثر باليات مختلفة تتجه نحو حصوله على معلومات تسلط الضوء على العمل الحكومي ومراقبته و تقييمه حيث نجد الفصل 101 من الدستور ينص على انه ” يعرض رئيس الحكومة امام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة اما بمبادرة منه او بطلب من ثلث اعضاء مجلس النواب او من اغلبية اعضاء مجلس المستشارين ، تخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها ” إضافة إلى هذا نجد في منطوق الفقرة الأولى من الفصل 100 من الدستور” تخصص بالأسبقية جلسة في كل اسبوع لأسئلة اعضاء مجلسي البرلمان و أعضاء الحكومة ” .
كل هذه الفصول توضح كيفية تعامل السلطة التشريعية مع مهمة التقييم اضافة الى تقوية المهمة الرقابية للبرلمان عبر تيسير امكانية اللجوء لأليات رقابية اكثر قوة هذا ما تؤكده الفقرة الاولى من الفصل 148 من الدستور ” يقدم المجلس الاعلى للحسابات مساعدته للبرلمان في المجالات المتعلقة بمراقبة المالية العامة ،و يجيب عن الاسئلة والاستشارات المرتبطة بوظائف البرلمان في التشريع و المراقبة و التقييم المتعلق بالمالية العامة “.
اضافة الى امكانية اللجوء للجان تقصي الحقائق من اجل تجميع المعلومات اللازمة عن مختلف القطاعات الوزارية او الوصول الى وقائع معينة او الوقوف على طرق تسيير المرافق العمومية وعلى اساليب استعمالها للمال العام .
كما ان هناك دور استشاري يقوم به المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي حسب ما تم التنصيص عليه في الفصل 152 من دستور 2011 ، لينصب كل هذا في اطار مسلسل تدعيم دور البرلمان في تقييم السياسات العمومية .
ان دسترة تقييم السياسات العمومية من طرف نواب الامة خطوة مهمة في اتجاه انجاح السياسات العمومية و تحقيقها للأهداف التي سطرت لها ، الا ان عملية التقييم [22]تبقى محكومة بمجموعة من الحدود مما يتطلب اتخاذ مجموعة من الحلول الكفيلة بجعل البرلمان يقوم بمهمة التقييم على احسن وجه، فالحاجة الى دعم و مساندة المواطن عبر ما تتخذه الحكومة من قرارات ضروري لذلك ، فتقييم تلك البرامج و المخططات في مختلف الانظمة يؤكد على مدى مراقبة نجاعة و فعالية العمل الحكومي .
الا ان هذا محكوم بمجموعة من القيود [23]تجعل من مسالة التقييم امرا صعبا ، فعادة ما يثار هذا الاخير كجزء من مقتضيات قانونية اكثر شساعة تسعى الى جعله مشابها لتقنية مراقبة العمل الاداري ، مما يؤدي الى الخلط بين النصوص القانونية المتعلقة بالمراقبة الداخلية .
ليؤكد كل هذا على اهمية تفعيل البرامج الحكومية عبر السياسات العمومية وضرورة السهر على انجاحها باعتبارها الرافعة الاساس التي يتم من خلالها تحقيق المصلحة العامة والتوفيق بين المتطلبات والنتائج، الا ان هذا ومن خلال ما سبق لا يتحقق الا بتظافر الجهود والتخطيط المسبق وتتبع خارطة الطريق المخصصة لهذا الغرض سواء في بعدها السياسي او الاداري.
فدوى تزيت: طالبة باحثة بسلك الماستر ، شعبة العلوم الادارية والمالية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي.
[1]. دستور 2011 “التصدير”
[2]. الدكتور مصطفى الصوفي “مدخل لدراسة القانون العام” الصفحة 52،الطبعة الاولى
[3]. نفس المرجع السابق، الصفحة 44
[4]. نفس المرجع السابق ، الصفحة 47
[5]. نفس المرجع السابق ’الصفحة 54
[6].نشير هنا الى ان الكثير من المحللين الذين يرون في شرعية الملكية في المغرب تعدد وتنوع المصادر وتفوق شرعية الانجاز بشكل اكبر ، هنا يطرح السؤال حول ماهية الشرعية واسانيد انبناءها الخاصة الاستثنائية بالنسبة للملكيات بوصف هاته الشرعيات بناءات فكرية مع التسويغات الفعلية الملموسة للأفعال والممارسات اليومية من حيث الفعل الديمقراطي للدولة او الدولة في حالة الفعل .
عبدالله حمودي “الشيخ والمريد” الصفحة 22 ، دار توبقال للنشر ،الطبعة الرابعة 2010
[7]. لما كانت السياسات العمومية رهينة بالتنزيل السليم لمقتضيات الدستور و المدخل الاساسي لتغيير طبيعة الدولة نفسها ومكان للالتقاء توثر دينامي بين منطق الفعالية التي تخدم الصالح العام وموازاة للمنطلق والخيار الديمقراطيين، فلهاته الاخيرة علاقة وطيدة بالنظام السياسي وفهم الثابت والمتغير فيه ، فبعد قراءة نصية لمنطوق الفصلين 48 و 49 من دستور المملكة المغربية 2011 تستنتج النسقية السياسية الواقعة التي يتخذ بها الملك مكان الدماغ من الجسد في خريطة الدولة وبضمانات دستورية اطرتها ايديولوجية سياسية رصفت النيو باتريمونيالية او الابوية الجديدة كما رءاها هشام شرابي في اطار التحليل لتغول الدولة واستفحالها والتبعية التي فرضتها لنشد الاستقرار وتحقيق الثبات والسرمدية.
[8].من خلال الفصلين 48 و 49 من دستور 2011 يتضح من خلال قراءة نصية ان الملك يتحكم في المجلسين معا ويصف حدود تمثلاتهما الواقعية معا ، فبعد رئاسة الملك للمجلس الوزاري فرئيس الحكومة مطالب بقوة القانون ان يفي رئيس الدولة بتقرير مفصل حول ما تم تداوله في هذا المجلس و هاته ممارسات ملكية تنفيذية اكثر منها برلمانية.
[9]. “الدولة اداة لتدبير مصيرنا الزمني ” ماكس فيبر
[10].اللبس المثار في هذا الصدد هو حول مشروعية العمل الذي تباشره الحكومة من خلال المجال التنظيمي ’ على اعتبار ان الحكومة هي سلطة تنفيذية انطلاقا من الفصل 89 من الدستور والتي تمارس بمقتضى مراسيم تنفيذية يتداول بشأنها في المجلس الحكومي طبقا للفصل 92 من الدستور والحالة هاته فان الحكومة تغدو ممارسة لوظيفتين تنفيذية انطلاقا من الفصل 89 من الدستور وتنظيمية انطلاقا من الفصل 90 ’كما ان الفصل 72 من الدستور يمدنا بان المجال التنظيمي هو كل ما خرج عن مجال القانون ، وهنا يتار النقاش حول مجال وحدود السلطة التنظيمية.
محاضرات القيت على طلبة الفصل الثالث شعبة القانون ،مادة “النظرية العامة للنشاط الاداري” بالكلية المتعددة التخصصات بأسفي ،مصطفى الصوفي 2014/2015
[11].فيما يخص مركز الملك ، وعند اصداره بقرارات ادارية يصعب عدم اعتباره سلطة ادارية ، لكنه يجب التنبيه الى انه يرتفع عن كونه فقط سلطة ادارية ، فهو الممثل الاسمى للامة (المشرع ،والمنفذ والحكم ) وهو ما يكرسه الدستور الذي يحتوي في نصوصه المقالات الاسلامية التقليدية للقانون العام المغربي ، وكنتيجة يرى انه من الصعب القبول بالطعن ضد القرارات الملكية ، فالملك –بحسب الدستور السابق- هو الساهر على حسن سير السلط بما فيها السلطة القضائية ، والتي لا يقوم بتفويتها ، بل فقط بتفويضها متوافقا في ذلك مع مهام الامامة في النظام الاسلامي . كما يذكر الاستاذ بان القانون المغربي لا يقبل بمقولة عصمة ولا عدم مسؤولية الملك ، بعيدا عن ذلك فهو يعتبر مواطنا تربطه البيعة بالشعب ، وهو مقيد بمراقبة دائمة من طرف الامة، ويخلص بذلك الى ان قرارات الملك في المجال الاداري من الناحية المادية لها طبيعة ادارية ، الا انها غير قادرة للطعن بالإلغاء او التعويض بسبب مصدرها الذي يعتبر “الممثل الاسمى للامة ” .
القانون الاداري (التنظيم الاداري) الكتاب الاول ، مصطفى الصوفي 2013،
[12]. يستشف من هذا الضبط الدستوري القاطع ان موقع المؤسسة الملكية مركزي في دواليب النسق السياسي و البناء الدستوري عامة وهو شكل صريح من اشكال العقلنة البرلمانية التي تقض مضجع تنزيل الملكية البرلمانية.
[13]. نشير بهذا الصدد الى المستجد الذي استحدث في الساحة السياسية وهو قضية الانضمام لمؤسسة الاتحاد الافريقي الذي يستوجب دستوريا من داخل -صلاحيات الملك على المستوى الديبلوماسي – (يستوجب) تأشير نواب الامة وهو ما تم بالفعل بوجود حكومة تصريف الاعمال التي دبرت الشأن العمومي في انتظار تعيين الحكومة وبعد ذلك تنصيبها في البرلمان ، ما يفيد جزما ان دواليب الفعل العمومي لا من حيث التشريع ولا من حيت التنفيذ ولا من حيث القضاء ترسم فيه مؤسسة الملكية حدود التضيق او التوسيع بأسانيد دستورية قانونية .
[14]. يقول مونتيسكيو في هذا الصدد “انه مخافة ان تتركز السلطة في يد شخص واحد قد يكون الحاكم ويؤسس بعد ذلك للاستبداد فيجب ان تقسم السلط وان توقف السلطة …” De l’esprit des lois، 1748
[15].”التوفيق اذن بين السلطة والحرية ، كان قمة التحليل والتفكير لتجاوز ذلك التناقض الفاضح الذي عاشته المجتمعات السياسية منذ عصور …”الدكتور مصطفى الصوفي ‘مدخل لدراسة القانون العام ‘ مرجع سابق ،الصفحة 42
[16].هنا تطرح مسالة الاشكال الحاصل في تلاقي السياسي بالإداري على مستوى الواقع بحكم ان الاول بلون سياسي وبرنامج انتخابي موجه يعارضه التالي بنمطية المساطر والاجراءات الادارية والتنظيمية التي تمت بصلة بمناطق البيروقراطية وعيوبها ككابح في وجه انفاد الارادة السياسية بعذر احقاق القانون.
[17]. مصطفى الصوفي .المرجع السابق الصفحة 53.
[18].النطاق الترابي للدولة ’ سيادة القانون قواعد المشروعية في الدولة ،نفس المرجع الصفحة 50
[19]. سيادة الجسم الاجتماعي ،الشرعية الديمقراطية ، فصل السلط ،نفس المرجع الصفحة 53
[20].يقول الحسن الثاني في هذا الباب “عدم انفاذ الاحكام يؤدي الى انحلال الدولة “.
[21]. انظر بهذا الصدد الفصل 71 من دستور المملكة المغربية 2011
[22]. وضعت جل المقتربات النظرية التي قاربت علم فعل الدولة مرحلة التقييم بيد السلطة التشريعية لما لها من ولاية على المواطنين والرعايا على حد سواء ممن توجه لهم برامج تلك السياسات ،لكن الملاحظ في تتبع بعض النماذج التطبيقية انه غالبا ما يتم القفز على نجوز هاته المرحلة ويتم التفكير مباشرة في سياسة عمومية جديدة دونما يقتضي هذا التفكير المرور عبر سلسلة علمية مضبوطة في الدورة الحياتية كما وصفها اندرسون السياسة العمومية بدءا في الادراج في الاجندة الى انتهائها، اذ الاجدر تتبع السياسات العمومية والتركيز خصوصا على مرحلة التقييم لتحقيق نجاعة اكبر في سياسة لاحقة تكون انجح افتراض .
[23].انظر بهذا الصدد القيود الزمنية والموضوعية المفروضة على البرلمان من طرف الحكومة في اطار العقلنة البرلمانية ، لما كان قانون المالية هو الوعاء الضام لكل سياسة عمومية او قطاعية كيف ما كانت .
محاضرات القيت على طلبة الفصل الثالث شعبة العلوم القانونية مادة الميزانية العامة بالكلية المتعددة التخصصات باسفي ، عبد بكور بكور 2015/2014.