-->

إيمان الرحموني: قراءة في مفهوم حقوق الإنسان

إن الحقوق الإنسانيّة هي المعايير الأخلاقيّة التي تُفرض في المجتمعات وتضمن سلامة كلّ فرد في المجتمع، وهي ملازمة لكل فرد ومستحقّة الحصول، وذلك لأنّها وُضعت ضمن التشريعات والقرارات الدوليّة، ومن المُهمّ وجود قوانين ثابتة تحافظ على الحقوق الإنسانيّة، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948.

إيمان الرحموني: قراءة في مفهوم حقوق الإنسان

وأصبح مفهوم "حقوق الإنسان" من المفاهيم الشائعة الاستخدام، في الأدبيات السياسية والاجتماعية والقانونية الحديثة، وفي الخطاب السياسي المعاصر، وإن كانت الكتابات العربية، التي استخدمت هذا المفهوم، لم تهتم بتأصيله؛ بل أصبح، من شدة استخدامه وشيوعه، يُستعمل دون تمحيص وكأنه لا مجال لمراجعته. لذا، فمن المهم قراءة المفهوم في أصوله، ومقارنته بوضع الإنسان وحقوقه وواجباته.

ومفهوم "حقوق الإنسان" لغوياً مشتق من مفرده "حق"، التي تعني العدل والصواب، ونقيض الباطل والظلم. وحق الأمر حقوقاً، صح وثبت وصدق.

و ليس هناك اتفاق على مصطلح واحد لحقوق الإنسان، بل هناك مصطلحات عدة تستخدم للدلالة عليها، منها: حقوق الإنسان"،  "الحقوق الإنسانية"، "حقوق الشخصية الإنسانية”، ولكن أكثر المصطلحات شيوعاً منذ القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، هو مصطلح "حقوق الإنسان"، كما اختلف الباحثون في تعريفاتهم لحق الإنسان، ومع ذلك هناك العديد من المحاولات لتعريف حقوق الإنسان، فتم تعريفها مثلا بأنها هي تلك الحقوق المتأصلة في طبيعتنا الإنسانية، والتي بدونها لاستطيع العيش كبشر، وعرفت بأنها هي تلك الحريات الإنسانية الأساسية المحفوظة للجميع بدون تمييز ، أيا كان جنسهم أو جنسيتهم أو عرقهم أو وألوانهم أو ديانتهم أو لغاتهم، أو مكانتهم الاجتماعية ،ويعرّفها  القانون الدولي لحقوق الإنسان  بأنها مجموعة القواعد والمبادئ المنصوص عليها في الإعلانات والمعاهدات الدولية، والتي تهدف لحماية حقوق وحريات الأفراد والشعوب في مواجهة الدولة أساسا [1].

وتعد العدالة فضيلة أخلاقية وقيمية اجتماعية تطمح إليها الشعوب والأمم ، وبعض الأنظمة السياسية والاجتماعية ، لهذا كانت محط اهتمام وبحث المفكرين والفلاسفة والعلماء ، سواء علماء القانون أو علماء الاجتماع أو السياسة ، إن من حيث المفهوم أو المبادئ التي يجب أن تقوم عليها ، ودورها في بناء المؤسسات الاجتماعية والسياسية ، فهي أساس بنية المجتمع ، ولقد حلم الإنسان بمجتمع تسود فيه العدالة التي تقوم على المساواة في الحقوق والواجبات ويزول فيه الظلم والتفاوت ، فكان أن فكر الإنسان في بناء مجتمع ودولة أساسها العدل، فوضع نظريات وأفكار في كيفية بناء العدالة ، وهو ما نجده في اليونان مع أفلاطون خاصة ، وفي الفكر الإنساني مع الفرابي ، وصولا إلى فلاسفة التنوير أمثال روسو وهوبز ، أما الفلسفة المعاصرة فقد كان لنظريات جون راولز صدى كبير على المجتمعات وعلى السياسات بما حملته من أفكار وتنظير جديد  [2].

يعد جون راولز أحد أكبر الفلاسفة المعاصرين  الذين تناولوا موضوعا شغل الفكر الإنساني سواء الاجتماعي أو السياسي ألا وهو موضوع العدالة ، ولقب بفيلسوف العدالة لامتلاكه لنظرية قائمة بذاتها ، والتي تعد بمثابة انقلاب في الفلسفة، السياسة والمجتمع والأخلاق، وتعتبر من أهم إبداعات الفلسفة المعاصرة، وشأنه شان باقي الفلاسفة وضع جون راولز نظريته في العدالة وأسسها وفق مبادئ وأفكار ونظريات متأثرا في ذلك بأشهر وأكبر الفلاسفة الذين تناولوا هذا الموضوع، سواء في الفلسفة القديمة اليونانية، أو الفلسفة الوسطى، أو الحديثة، لكن الجديد الذي جاء به راولز هو التنظير العقلي والفلسفي لأسس مبادئ العدالة وتطبيقاتها الواقعية، خاصة وأنه فيلسوف واقعي أراد لنظريته أن تناقش وتعالج موضوعا واقعيا ألا وهو مشكلة العدالة [4].

وفي كتابه "نظرية العدالة " يتساءل جون راولز: هل بالإمكان تكوين مجتمع متكامل ومتناسب وفعال ومتكون من مواطنين عقلانيين ومتساوين وأحرار بواسطة مفهوم كمفهوم العدالة ؟ وكيف يجب أن تكون العدالة لكي يتحقق ذلك الهدف ؟ ويجيب جون راولز على هذا السؤال: " لكي يتحقق الهدف المذكور يجب أن لا نتعامل مع العدالة كفضيلة أخلاقية فردية بل كعمل جماعي يتعلق بالشكل المباشر بالمؤسسات العامة داخل المجتمع "[5] .

لقد آمن جون راولز بنظرية العدالة في المؤسسات السياسية العامة للدولة بحيث يمكن أن تكون أساسا للنظام السياسي والقانوني الداخلي العام للمجتمع ، فهذه النظرية نظرية سياسية جاءت من اجل الدفاع المجتمعات الليبرالية وسياستها الداخلية والخارجية.

إن العدالة عند جون راولز مرتبطة بالعدالة الاجتماعية المتعلقة أساسا بجميع أفراد المجتمع وخاصة مؤسساته التي تعبر عنه، فالعدالة كمفهوم عملي مرتبطة بالمؤسسات العامة للمجتمع، وهذا الربط هو ما يساعدها على أداء وظيفتها.

أما عن دور المجتمع فيؤكد جون راولز أن المجتمع حسن التنظيم هو المجتمع العادل، والذي يملك تصورا عموميا للعدالة بمعنى أن جميع أفراده يقبلون نفس مبادئ العدالة والتي على أساسها تقوم وتنظم جميع مؤسسات المجتمع مرجعا [6].

إن تصور العدالة يختلف على حسب تصور كل مجموعة لدور المؤسسات التي تطبق مبادئ العدالة سواء في التوزيع أو في الحقوق والواجبات ، وعليه فمفهوم العدالة ينطبق على أشياء كثيرة ونحن نستخدم هذا المصطلح لوصف أفعال وأقوال وقرارات وأحكام وغيرها بأنها عادلة أو غير عادلة أي ظالمة ، ويحدد راولز مجال العدالة الاجتماعية عندما يؤكد "بأن العدالة لا يمكن أن توجد إلا أن يكون موضوعها تقسيم الخيرات الأولية والخيرات الأولية هي ما كان الفرد مائلا للحصول عليه وتحقيق رغبته فيها مهما كان تصوره وفلسفته في الحياة... من هنا يدخل مفهوم العدالة في المؤسسات الاجتماعية الأساسية وتكون أسسها لأن المؤسسات الأساسية هي التي كما يقول جون راولز وظيفتها توزيع الخيرات الأولية الأساسية والوظائف في المجتمع بشكل عادل ومنصف ، فنظرية جون راولز حول العدالة تختص بالعدالة الاجتماعية التوزيعية ، فالعدالة الاجتماعية هي موضوع العدالة بالأساس ، والمقصود بالعدالة الاجتماعية العدالة التوزيعية ، سواء توزيع الخيرات أو توزيع المناصب بين أفراد المجتمع. والعدالة أمام القانون فإنه حسب جون راولز تحددها الدساتير السائدة في أي مجتمع وهي عادة لا خلاف حولها، لـأن القوانين تكون عادلة إذا كانت المؤسسات الاجتماعية عادلة فتلك تابعة لهذه [7].

وبعد أن قام راولز بعرض مفهوم وتصور العدالة وربطها بالبينية الأساسية للمجتمع والوضع الأصلي، عاد ليربط العدالة بمبادئ أساسية فوفق نظريته في العدالة، يجب أن يحصل كل شخص على حق متساوي في المخطط الأكثر اتساعا من الحريات الأساسية المتساوية المتوافق مع مخطط مماثل من الحريات للآخرين وهنا يرى "تحسين حمة غريب " في دراسته حول العدالة عند جون راولز أن مبادئ العدالة عند راولز مبدآن هما :

  • مبدأ حفظ الحريات الأساسية .
  • مبدأ عدم المساواة في المسائل الاقتصادية.

التطابق بين نظام العقل (نظام كلي يشمل كل  ما في  الطبيعة بما  في ذلك الإنسان نفسه ) ونظام الطبيعة (المعقول) من جهة وبين الطبيعي والفطري (بدائي أولي)  من جهة أخرى، بسبب تقدم العلم الحديث خاصة الرياضيات والفيزياء وقيام عصر التنوير والعقل ، مما أدى إلى خلخلة التصورات والمعرفة السائدة .

افتراض فلاسفة الفكر السياسي الحديث خلال القرن السابع عشر والثامن عشر "حالة طبيعية " للإنسان تتميز بالحرية والمساواة "كحقوق " قبل قيام أي تنظيم اجتماعي أو سلطة سياسية وبالتالي المطابقة بين "حقوق الإنسان "والحقوق الطبيعية" وتأسيس تلك الحقوق على مرجعية كلية سابقة لأي مرجعية أو ثقافة هي حالة الطبيعة .

الانتقال من حالة الطبيعة حيث يمارس الإنسان حقوقه الطبيعية وسيادة قانون الطبيعة وتضارب الإرادات، إلى الحالة المدنية حيث تجسد الدولة الإرادة العامة وتلتمس المصلحة المشتركة والخير العام بعد عقد اجتماعي يتنازل بموجبه كل فرد عن "حقوقه الطبيعية" قبل استعادتها على شكل "حقوق مدنية"، فتجد حقوق الإنسان الطبيعية بذلك مرجعيتها في الإرادة العامة التي تعلو على جميع الإرادات الجزئية المشكلة لها وعلى ما تتميز به الأخيرة من عصبية وخصوصيات .

تضمن خطاب الدعوة الإسلامية والقرآن خاصة ، المطابقة بين نظام العقل ونظام الطبيعة بهدف جعل العقل المرجعية التي تعلوا على كل مرجعية من خلال الدعوة المتكررة إلى تأمل الطبيعة واستخلاص وجود خالق والارتباط به والتحرر من جميع السلط الأخرى ، لارتباط قوانين الطبيعة مع أحكام العقل .

اقتران الدعوة إلى اعتماد العقل وترك التقليد والعودة إلى الطبيعة في الفكر الأوربي بدعوة الإسلام إلى الرجوع إلى الفطرة فهي مطابقة لحالة الطبيعة .

المقاربة بين فرضية "العقد الاجتماعي" و"الميثاق الماورائي"  الذي وقع عند بدء الخلق ، خلق آدم وذريته ، حيث يقابل تنازل البشر عن حقوقهم _للإرادة العامة _ اعتراف بني آدم وشهادتهم على أنفسهم بربوبية الله وحده لا شريك الله، وتنازلهم بموجب هذا الاعتراف عن حقهم في عبادة أية آلهة والالتزام بعبادة الله وحده والاعتراف به كسلطة تحرر الإنسان من باقي السلط الأخرى ، هذا _الميثاق الماورائي _ يتحول إلى عقد اجتماعي واقعي مع بداية قيام المجتمع الإسلامي، أطلق عليه الإسلام اسم "الشورى"، يؤسس المجتمع وينظم العلاقة بين الناس والدولة.

هذا يعني أن الأفراد عقلاء وأحرار في المجتمع وهذا يقودهم إلى الاتفاق حول هذه المبادئ الأساسية لقيام العدالة التي تنطلق من إقرار الحرية للجميع ، لكن بالمقابل عدم المساواة في الجانب الاقتصادي والاجتماعي ، أي في التوزيع والمناصب ، ويجب ترتيب حالات اللامساواة الاقتصادية والاجتماعية بحيث تكون من جهة متوقعة بشكل معقول على أنها لمصلحة كل شخص ومن جهة أخرى الالتحاق بالمواقع والمناصب المفتوحة للجميع [8].

هذه المبادئ حسب جون راولز هي التي تسهم في بناء الوضع الأساسي للمجتمع وتحقيق العدالة، لأنه على أساسها تحدد وتنظم الحقوق والواجبات والمنافع داخل المجتمع وبناء مؤسسات المجتمع، التي تضمن تطبيق مبادئ العدالة، وهذه الأخيرة هي التي تمنح الشرعية لهذه المؤسسات . وإن حفظ الحريات الأساسية هو أساس بناء نظام ديمقراطي مبني على الدستور كما أن جون راولز يقدم مفهوم الحق على مفهوم الخير، وحسب جون راولز فإن تأمين المبدأ الأول حماية الحريات الأساسية، الذي يؤسس المؤسسات الاجتماعية التي تحقق بدورها المبدأ الثاني من العدالة، مبدأ عدم التساوي وهو المبدأ الثاني عند جون راولز ومبدأ التمايز، أما القيم الاجتماعية الأساسية فهي أيضا قيم يجب أن توزع بالتساوي لأنها تمثل حقوق المواطنين بل ويجب تقديمها عند الضرورة على منفعة الفرد[9].

إن جون راولز هو مفكر سياسي ذو بعد إنساني ، صاغ نظريته في العدالة الاجتماعية وألف كتابه "نظرية في العدالة" بعد اختمار فكري كبير وطويل الأمد ، فهو لم يؤلف كتابه بين عشية وضحاها بل ألفها من خلال تأملاته الطويلة والعميقة في النظام الليبرالي سواء في أمريكا أو البلدان الأنجلوسكسونية ثم الأوربية ، إنه من صنف الفلاسفة الذين اهتموا بالشأن العمومي والسياسي في مقابل فلاسفة اتجهوا نحو الاهتمام بالقضايا الميتافيزيقية، لقد تناول بالدراسة والتحليل ما يعوز المجتمعات اليوم وهو تحقيق العدالة الاجتماعية والأمن الاجتماعي وحقوق الإنسان، ونظريته حول العدالة الاجتماعية ليست قائمة على دعوة إيديولوجية أو دعائية إنما قائمة على الإقناع كقاعدة والحجاج كمنهج من أجل الاستدلال على فكرته في العدالة الاجتماعية، إنها مشروع فكري وسياسي لإرساء توافق اجتماعي بين كل الأطراف والتيارات المتصارعة في المجتمع [10].

ويعتبر محمد عابد الجابري ، المفكر المغربي الذي ارتقى في مسالك التعليم ببلده ، إذ قضى 45 سنة مدرسا ثم ناظر ثانوية ثم مراقبا ثم موجها تربويا لأساتذة الفلسفة في التعليم الثانوي، ثم أستاذا لمادة الفلسفة في الجامعة ، حصل على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة، ثم دكتوراه الدولة في الفلسفة من كلية الآداب التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، وعمل أستاذا للفلسفة والفكر العربي الإسلامي بالكلية نفسها، اشتغل على عدة قضايا، وألف عدة كتب من بينها العصبية والدولة، أضواء على مشكل التعليم بالمغرب، نحن والتراث، تكوين العقل العربي، بنية العقل العربي وكذا الديمقراطية وحقوق الإنسان، اشتغاله على هذه الأخيرة هي ما يهمنا في هذا الصدد.

يذهب الجابري إلى الفكر الأوربي الحديث والمعاصر للكشف عن مفهوم عالمية حقوق الإنسان، التي يقصد بها شموليتها، أي أنها حقوق لكافة الناس لا فرق بين ذكر وأنثى ولا بين أبيض أو أسود ولا بين فقير وغني، بل حقوق للإنسان بما هو إنسان، ويتساءل كيف أسس فلاسفة أوربا خلال القرون السابقة هذه العالمية؟ وما المرجعية التي اعتمدوها في ذلك؟ ليجيب أنها مرجعية تتجاوز سلطة التقليد وسلطة الكنيسة، لتعود إلى البداية، إلى ما قبل أي مرجعية أو ثقافة أو حضارة حيث تتأسس على ثلاث فرضيات أو أصول نظرية رئيسية هي:

  • ضمن هذا الأفق النظري يلح التأسيس الذي قام به فلاسفة الفكري الأوربي في القرنين السابع عشر والثامن عشر لعالمية حقوق الإنسان يتجاوز كل الخصوصيات ليعود إلى البداية، إلى 'ما قبل' أي ثقافة، إلى حالة الطبيعة والعقد الاجتماعي.
  • ويتساءل محمد عابد الجابري مجددا، لكن هذه المرة على مستوى متقدم أكثر من التحليل، هل هذا التأسيس الفلسفي المتعالي لعالمية حقوق الإنسان يجعل إثارة مسألة الخصوصية أمرا غير ذي موضوع.
يقر الجابري أن التأسيس المتعالي لقضايا الإنسانية كالحق والخير والمصير، ظاهرة مشتركة بين جميع الثقافات والحضارات لكن بأشكال مختلفة، فالإسلام تعالى بحقوق الإنسان على أسس نظرية تكاد تتطابق مع تلك التي وضعها فلاسفة أوربا خلال العصر الحديث، مع التنبيه إلى البعد الإجرائي لهذه المقارنة وضرورة اخذ كل الفوارق الزمنية والحضارية بعين الاعتبار، ويمكن استخلاص عناصر المقاربة كما يلي:

بعد هذه المقارنة يؤكد الجابري على عالمية المرجعية الإسلامية لحقوق الإنسان معتبرا إدعاء فلاسفة أوربا العالمية لحقوق الإنسان، حقه في الحرية والمساواة وما تفرع منها، ليس أمرا خاصا بالحضارة الأوربية، وبالتالي ف الأبعاد الثقافية الحضارية لحقوق الإنسان هي أبعاد إنسانية، تشترك في التعالي بها، فوق الواقع الثقافي الحضاري القائم، جميع الثقافات، أما الاعتراض على هذه العالمية بداعي خصوصية تلك الحقوق في الإسلام لعلاقتها بالدين وأحكام الفقه الإسلامي مقابل علمانية أساسها النظري في الثقافة الأوربية، اعتراض مردود، لأن العلمانية لدى فلاسفة هذا الفكر لا تعني الاستغناء على الدين، بل التحرر من سلطة الكنيسة وفهمها للدين وطقوسها ، التي حل مكانها سلطة العقل ، كما الميثاق والفطرة في الإسلام .

ويحلل الجابري مسألة إثارة بعض الأحكام الفقهية كأحكام الميراث والزواج والشهادة، ليصنفها ضمن الجزئيات وموضوع الاجتهاد، لأنها مرتبطة بمقاصد الشرع وأسباب النزول، يجب الرجوع بها إلى المبادئ العامة وكليات الشرعية التي تقر عالمية حقوق الإنسان مثل أي فكر إنساني آخر .

يرتبط هذا التأصيل الفكري والفلسفي لعالمية حقوق الإنسان في الفكر العربي المعاصر لدى الجابري باعتماد مفاهيم تراثية والمقاربة بين كونية تلك الحقوق في المرجعيتين الأوربية والإسلامية وباعتبارها لا اختلاف بينها، بل مطابقة بشروعه النقدي واشتغاله بخدمة مسألة الحداثة بمختلف أبعادها عن طريق التأصل لها في الثقافة العربية أو كما يقول الجابري تحديث التعامل مع التراث بتأصيل الأصول بفكر منفتح يراعي شروط العصر أي من موقع الفاعل وليس من موقع المنفعل الهارب.[11]

ويعتبر الإطار النظري من المكونات الرئيسية في الأبحاث والرسائل العلمية ، ودونه لا يمكن الحديث عن البحث العلمي بمعناه الأصيل ، وسيصبح أي عمل يفتقر إلى هذا الإطار بمثابة رسالة عادية أو مقال مطول خال من أي لمحات أو أطر بحثية .

إن الاهتمام المتزايد بالأطر النظرية والمرجعية وبالزخم العلمي الذي وفره الباحثين في فترات سابقة من الزمن سواء من جانب العرب أو المستشرقين أو الفلاسفة أو مؤرخي العلم له أهمية بالغة على جميع المستويات العلمية الفكرية الأدبية الاجتماعية الاقتصادية السياسة التعليمية الأمنية... وهذا راجع لبذل مجهودات مضنية في رصد الكتابات والمخطوطات والأبحاث وجمعها وفهرستها وترميمها وحفظها وتحقيق نصوصها ومعالجة نماذجها نسخا وقراءة وحلا لمشكلاتها واستجلاء لغموضها وتناولها بالدراسة والتحليل بحثا عما يمكن أن تقدمه من منفعة تزيد قدما بالبحث العلمي.

ولقد حاولنا من خلال هذا الإطار النظري الوقوف على أهم النظريات المرتبطة بمتغيرات البحث (التربية ، قيم المواطنة ، حقوق الإنسان ) ، ورصدنا كيف حاولت كل نظرية أن تؤسس لهذه المتغيرات ، وواكبنا التغير الذي شهدته من فترة لأخرى ومن مجتمع لآخر .

إن التطرق لهذه النقاط في بحثنا من جانب سوسيولوجي كان له الدور الكبير  في فهم واستيعاب محطات تاريخية مهمة من تاريخ المجتمعات إذ ميزتها أعمال ونظريات عدد من المفكرين والسوسيولوجيين والفلاسفة ، هذه النظريات ساهمت بإسهاب في إحداث تحول وتطور  ملحوظ طال جميع مجالات الحياة الإنسانية، خاصة مجالات العلم والقانون والسياسة وأنظمة الحكم .

وإن موضوع بحثنا (المدرسة ورهان التربية على قيم المواطنة وحقوق الإنسان) كما سبقت الإشارة ما هو إلا جزء من بسيط من سلسلة مترابطة من الأبحاث العلمية التي بحث فيها وساهم في تطويرها عدد مهم من الباحثين في فترات سابقة من الزمن ، وإن اعتمادنا على النظريات السابقة التي أطرت متغيرات البحث بالدراسة والتفسير والتحليل ما زاد إلا في توسيع مداركنا وإلمامنا بشكل أوسع بهذا الموضوع.

بقلم: إيمان الرحموني

[1] الموسوعة السياسية _ مفهوم حقوق الإنسان .
[2] عبد الغني بوالسكك _ فلسفة العدالة الكونية عند جون راولز _ مجلة الإحياء _309
[4] فلسفة العدالة الكونية عند جون راولز  _ مرجع سابق ص 310
[5] مرجع يابق صفحة 311 بتصرف
[6]  المرجع السابق _ صفحة 312
[7] المرجع السابق _ بتصرف _
[8] المرجع السابق بتصرف
[9] فلسفة العدالة الكونية عند جون راولز _ 315
[10] من محاضرة الدكتور عبد العالي معزوز  _ قراءة علمية حول كتاب نظرية العدالة عند جون راولز _ نحو تعاقد اجتماعي مغاير
[11] في التأصيل الثقافي لحقوق الإنسان عند المفكر محمد عابد الجابري

إرسال تعليق

شاركنا رأيك في الموضوع

أحدث أقدم