النسق كنظرية تعنى بدراسة التنظيم وأجزاءه المعتمدة كلا على الآخر. والنسق يتكون من مجموعة من الأجزاء أو العناصر التي تعمل معا لإنجاز وظيفة محددة وقد يكون بسيطا أو معقدا. وقد عنى الكثير من العلماء بدراسة المجتمع باعتباره أنساق معتمدة وظيفيا على بعضها البعض وكان من أبرزهم "تالكوت بارسونز" الذي درس نسق الفعل باعتباره المسئول عن نشوء الأنساق الأخرى ودرسها "هندرسون"و"كانون" و "فون بيرتالانفي" وكانت محاولاتهم التنظيرية متنوعة في رؤيتها الجوهرية في معنى النسق وانطلقت من زوايا اجتماعية عامة وشاملة وليس جزئية أو محدودة. ولها أهمية كبيرة في تفسير اعتماد أنساق المجتمع على بعضها البعض في مصادر بقائها وتطورها وتفاعلها وتفسر الواقع الاجتماعي المعاش فنحن نرى أن جميع أنظمة ومؤسسات المجتمع معتمدة على بعضها البعض مع وجود نوع من الاستقلالية فالأسرة مثلا نسق مستقل إلى أنه يعتمد على أنساق أخرى لضمان استمراريته وتطوره فهو يعتمد على المدرسة والحي والمسجد والسوق والنسق الصحي، وغير ذلك من الأنساق.
النّسق نظام كوني، فالكون الذي نعيش فيه نسق متكامل الأجزاء، متماسك الجهات والأطراف فهو يـرتبط بـأدق تفاصيل الحياة الإنسانية فمصطلح النّسق يتغلغل في كل العلوم الكونية، التي وجدت لخدمة الإنسان في هذه الحياة.فالنسق وحدة كلية تتكون من مجموعة من الأجزاء تحيطها الحدود حيث تتداخل داخلها الطاقة الفيزيقية والعقلية.
تعريف النسق الاجتماعي؟
أ- تعريف النسق لغة:
يعرف صاحب المقاييس النّسق قائلا: "النون والسين والقاف أصلٌ صحيح يدلُّ على تتابعٍ في الشيء وكلام ٌ نَسقٌ: جاءعلى نظام واحد قد عطف بعضه على بعض أصله قولهم: ثَغْرنَسقٌ إذا كانت الأسنانمتناسقة متسـاوية، وخَـرزنَسقٌ: منظم قال أبو زبيد : بجيد رِيمٍ كريمٍ زانـَهنَسقٌ يكاديلهبه الياقوتُ إلهابا[1]".
أما صاحب اللسان فيعرف النّسق كما يلي:" النّسق من كل شيء: ما كان على طريقة نظام واحد، عـام ٌ فـي الأشياء، وقد نسقته تنسيقا؛ويضيف ابن سيدة: نسق الشيء ينسقه نَسقاً ونَسقه نظَّمه على السواء،وانْتَسق هو تناسـق التنسيق:التنظيم، والنسق: ما جاء من الكلام على نظام واحد النّسقٌ: كواكب مصطفة خلف الثريا، ويقال: رأيت نسـقا ًمن الرجال والمتاع أي بعضها إلى جنب بعض. النّسق بالتسكين: مصدر نسقت الكلام إذا عطفت بعضه علـى بعـض؛ ويقال: نسقت بين الشيئين وناسقت ".[2]
ب- تعريف النسق اصطلاحا:
يعرف الدكتور علي السلمي النّسق فيقول "إن النّسق مفهوم يعم كل الكون، بل إن الكون بكامله ليس إلا نسـقاً كبيراً يحوي داخله أنساقاً جزئية تتداخل فيما بينهما" ويعرف كمال أبو ديب النسق بقوله " إن النسق باعتبـاره كـلاً موحدا، هو نقطة البداية التي يمكن انطلاقا منها... تحديد العناصر المكّونة له"[3].
النّسق إذن هو مجموعة القوانين والقواعد العامة التي تحكم الإنتاج الفردي للنّوع وتمكنه من الدلالة، ولما كـان النّسق تشترك في إنتاجه الظروف والقوى الاجتماعية والثقافية من ناحية، والإنتاج الفردي للنوع من ناحية أخرى، وهـو إنتاج لا ينفصل هو الآخر عن الظروف الاجتماعية والثقافية السائدة، فإنالنسق ليس نظاما ثابتا وجامـدا ،إنّـه ذاتـي التنظيم من جهة ،ومتغير يتكيف مع الظروف الجديدة من جهة ثانية، أي أنّه في الوقت الذي يحتفظ فيه ببنيته المنتظمـة يغير ملامحه عن طريق التكيف المستمر مع المستجدات الاجتماعية والثقافية .[4]
والنسق يخضع إلى طبيعة السلوك الذي ينهجه في مسار التطور إذ يفترض أن يكون هذا السلوك مشروطاً به:التعديلات الداخلية المؤثرة في مكوناته.أو بالعلاقة بين هذه المكونات. أو بالتفاعلات الخاصة بين النّسق ومحيطه.[5]
من خلال التعريفات الواردة يمكن القول إن النّسق باعتباره مجموعة من القوانين والقواعد العامة التي تتحكم في إنتاجه مجموعة من الظروف الداخلية والمتعلقة بالفرد، وظروف خارجية متعلقة بالمحيط الاجتماعي والبيئي.
وقد يتفرع كل نسق مركزي أو رئيسي إلى أنساق فرعية معينة، مثل: النسق الاجتماعي الذي يتفرع إلى النسق العائلي، والنسق التربوي، والنسق الطبيعي، والنسق الثقافي، والنسق الحضري، والنسق القروي، والنسق الأدبي، والنسق الفني، والنسق الصحي، والنسق الجمعوي...
ج- تعريف النسق الاجتماعي:
النسق الاجتماعي هو أية وحدة اجتماعية ضمن نظام اجتماعي تؤدي وظيفة ضمن شبكة معقدة يسعى أطرافها بوعي أو لا وعي منهم إلى تحقيق التكافل والاستقرار في المجتمع.
ومن التعريفات الأخرى للنسق تعريف" ليفي "حيث يعرفه بأنه: أي نسق للسلوك الاجتماعي يتضمن جمعا من الأفراد المتفاعلين.
ويعرّفه" راد كليف براون" بأنه: مجموعة معينة من الأفعال والتفاعلات بين الأشخاص الذين توجد بينهم صلات متبادلة، ويسمى البحث النظري في النسق أيضا بالنظرية الوظيفية.[6]
من إعداد: شيماء بن تواحيت، حسناء المسلوت، خديجة تاكنانت، ريم سكور، زين العابدين البداوي
المصادر:
[1]- ابن فارس، مقاييس اللغة، مادة نسق.
[2]- ابن منظور، لسان العرب، مادة نسق.
[3]- د/ محمد إبراهيم عبادة، معجم مصطلحات النحو
والصرف والعروض والقافية مكتبةالآداب،القاهرة، ص 182.
[4]- علي السلمي، تحليل النظم السلوكية،
مكتبةغريب،القاهرة، ص 33.
[5]- كمال أبو ديب، الرؤيةالمقنعة، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، دار الكتب 1986م، ص 166.
[6]- كمال أبو ديب، الرؤيةالمقنعة، مطابع الهيئة
المصرية العامة للكتاب، دار الكتب 1986م، ص 115.