يتحقق الهدف الأساسي عن طريق الحكومة، وهي بناء فرعي من المجتمع القومي، وإن الاقتصاد وهو الآخر بناء فرعي من المجتمع القومي، جزء من وظيفة تكيف المجتمع القومي مع البيئة، فقد ظهرت التكنولوجيا أثناء ممارسة الإنسان للنشاط الاقتصادي، أي أنها ظهرت من خلال النظم الاقتصادية المختلفة، وتهدف التكنولوجيا في الواقع إلى ضبط البيئة أو السيطرة عليها، غير أن بعض الوسائل التكنولوجية، مثل الطاقة الذرية، نشأت بفضل الجهود التي بذلتها الحكومة، أي أن بعض الأدوات التكنولوجية وجدت بفضل الاقتصاد، وبعضها الآخر وجدت بفضل الحكومة.
وهكذا يوضح المثال أن الوظائف الضرورية في المجتمعات المعقدة يؤديها عدد من الأبنية الفرعية، ومن الواضح أن وظيفتي التكيف وتحقيق الهدف متصلتان بطريقة ما بالبيئة الخارجية؛ ﻷن مكانيزمات التكيف ترتبط بقوى خارجة عن النسق الاجتماعي، وكذلك قد يكون لتحقيق الهدف معنى عند وحدات البناء الاجتماعي الأخرى خارج الوحدة المرجعية المحددة، مثال ذلك أن إحدى الشركات قد تعمل على بناء مطار عسكري، وهذا الهدف الذي ترمي إليه الشركة قد يكون تكيف مع أهداف المجتمع القومي، هذا المجتمع الذي قد يرى في بناء هذا المطار وسيلة يستخدمها لربط بيئته وتحقيق أغراضه الوظيفية، ومعنى هذا وجوب الربط بين الوظائف التي يؤديها أي نسق فرعي، لكي يحقق أهدافه بوظائف وأهداف الوحدات الاجتماعية الأخرى.[1]
التكامل: إذا كانت وظيفة تحقيق الهدف والتكيف تشيران إلى الروابط والعلاقات بين الجماعة وبيئتها، فوظيفة التكامل لا تتناول سوى العلاقات التي تتم ضمن النسق الاجتماعي بالذات فدراسة وظيفة التكامل تلقي الضوء الكافي على المنظور السوسیولوجي.
ولعل المقارنة بين الجماعات الإنسانية، والأنساق الاجتماعية عند الحشرات من العوامل المساعدة على إلقاء الضوء على هذا المنظور السوسیولوجي، مجتمع الحشرات يشترك مع المجتمع الإنساني في أداء وظيفة تحقيق الهدف، ووظيفة التكيف، فكلاهما يقيم اقتصاداً حيث يتم إنتاج وتوزيع واستهلاك عدد من السلع والخدمات.
كما يعمل على استمرار النوع، وإلى جانب ذلك فمجتمع الحشرات كنسق اجتماعي يجب أن يتكيف مع البيئة الخارجية، بما فيها من طقس وبيئة جغرافية، وكائنات أخرى، ولمن استمرار مجتمع الحشرات في الوجود قائم على أساس بيولوجي؛ ﻷن الحشرات ترتبط ببعضها ارتباطا اجتماعياً بسبب الاستجابات، وضرورات التفاعل التي تفرضها أجسامها وغرائزها وجهازها العصبي.[2]
وبالتالي فإن سلوكها وصورها الاجتماعية تعبر عن قوى بيولوجية، وعضوية داخلية أي أن تكامل مجتمع الحشرات ودعم النمط فيه يتحقق من خلال العملية التكوينية، ويختلف الإنسان عن الكائنات الحية الأخرى، من حيث أنه يتصف بالمرونة والتكيف، والذكاء كذلك فإنه يخلق الثقافة ويوجد لها أسباب الاستمرار في الوجود، ويترتب على ذلك أن الأبنية الجماعية لا تتماسك في حياة الإنسان بطريقة أوتوماتيكية، ولكن عن طريق التكامل المعياري، والمعاني الرمزية المشتركة، الأمر الذي يلقي عبئاً ثقيلاً على الأنساق الاجتماعية عند الإنسان، وما دامت الأنساق الاجتماعية لا تعتمد على التساند البيولوجي، فإنه يجب أن يقوم الفاعلون بإعادة تكاملها، وإعادة مساندتها وتجديدها.
ومعنى ذلك أن التكامل هو تركيز العلاقات داخل النسق لتحقيق التضامن والتماسك، والاستقرار النسبي لنسق العلاقات، ومعنى ذلك أن عملية التكامل مستمرة لا تتوقف عند نقطة معينة، ومن الضروري استمرار تجديد مكانيزمات التكامل، فليس هناك فاعل يتلقى تنشئة اجتماعية كاملة، كذلك لا يوجد نسق اجتماعي متوازن تماماً، ومناسب للبناء الداخلي للعلاقات، وقد تكون الأهداف الشخصية مدمرة ومخربة ﻷهداف الجماعة ومقاصدها الاجتماعية الإنسانية؛ ﻷنها غير ثابتة بل متقلبة، كل هذا يفرض علينا العمل على استمرار تجديد مكانيزمات التكامل داخل النسق.[3]
دعم النمط وإدارة التوتر: يتصل دعم النمط وإدارة التوتر بالحالة الداخلية للنسق الاجتماعي فإذا كان التكامل يشير إلى العلاقات بين وحدات النسق الفاعلون والجماعات الفرعية، فإن دعم النمط وإدارة الصراع تشيران إلى حالة الفاعلين أنفسهم، إن الشخص أو الفاعل الاجتماعي، يشغل وحدة المركز أو الدور، وتتحدد صورته الأولية بالشكل المميز للتوقعات المعيارية.
فقد يكون الشخص اجتماعياً بصورة أساسية أو هامشية، وقد يكون غير مؤمن، وقد يشكو من فقدان المعايير، ويتضح من ذلك أن النسق إذا كان يضم عدداً كبيراً من الفاعلين الذين يعانون من صراع الأدوار، ولا ينسجمون مع المعايير، فلن يوجد التكامل والانسجام بين الصور الاجتماعية والضرورات والأغراض، وحتى يكون الفاعل متكاملاً مع البناء الاجتماعي لا بدّ أن يكرس قدراً كبيراً من الانتباه حتى تكون التنشئة الاجتماعية مناسبة وتبدأ التنشئة الاجتماعية في مرحلة الطفولة، وداخل الأسر بالذات.
حيث يتم تشجيع الطفل على تعلم وتقبل الصيغ الفكرية والمعيارية المميزة لنسق الثقافة، ثم يشارك بعد ذلك في كل أنواع التدريب والتعليم في السياقات النظامية المتخصصة، والهدف النهائي من ذلك تحقيق التكامل المعرفي للفاعل مع القيم والأبنية والمعايير الاجتماعية للنسق،كذلك فإن للشخصية بعداً آخر انفعالياً، وبالتالي توجد داخل النسق توترات انفعالية يجب ضبطها وإدارتها حتى لا يحدث اضطراب في أداء النسق لوظائفه العادية.
وتتم إدارة التوترات والصراع في بعض الأنساق في مجال العلاقات التي يوجهها المتغير النمطي الأول وهو العاطفة أو الوجدان مقابل الحياد،ومن ناحية أخرى توجد حدود يقف عندها احباط أو كبت أو ضبط التعبير الانفعالي، فالأسرة كنسق اجتماعي تسمح بمجال واسع للتعبير عن التوتر، وبذلك تتيح فرصة للتعبير عن الاستجابة، أو التعبير الانفعالي، وبذلك تخفف من التوتر، ويترتب على ذلك أنها تساعد أعضاءها على أداء وظائفهم بقدر أكبر من الفاعلية في المواقف الاجتماعية التي تتطلب الحسم الدقيق للتوترات.[4]
من إعداد: شيماء بن تواحيت، حسناء المسلوت، خديجة تاكنانت، ريم سكور، زين العابدين البداوي
المصادر:
[1]- الموقع الإلكتروني https:/minbaralhurriya.org تمت زيارته يوم 20/12/2022 على الساعة 20:00.
[2]- النظرية الوظيفية ومفهوم النسق الاجتماعي. منبر الحرية
[3]- إيان كريب - النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس - تاريخ الانشاء 01 يناير1970.
[4]- نيكولاس لومان - مدخل إلى نظرية الأنساق - منشورات الجمل.