-->

تأثير وسائل الإعلام السلبي على الثقافة الشعبية

إن الاتصال والتواصل عمليتان متقاربتان في المعنى ولكنهما مختلفتان أيما اختلاف؛ فالاتصال عملية لخلق ترابط بين شخصين تبدأ بمرسل وتقف عند المرسل إليه. أما التواصل فهو عملية الاتصال مقرون برد مقابل له من طرف المرسل إليه وهذان العمليتان أحد أهم المحاور الكبرى التي يقوم عليها الإعلام الذي استمر في التطور والتحديث إلى أن تشكل في صور متعددة ومختلفة منها الإعلام المسموع والمقروء والمرئي والسمعي البصري وغيرها.. الإعلام الذي استفاد من ثورة التكنولوجيا الحديثة لتقويه الروابط وتعزيزها وأصبح عنصر لا محيد عنه في البنية الاجتماعية لكل مجتمع.

تأثير وسائل الإعلام السلبي على الثقافة الشعبية

والإعلام وجد له مكانا مرموقا داخل المجتمع من خلال احتلال الأجهزة الإلكترونية وخاصة الهواتف الذكية والحواسيب والتلفزيون داخل مؤسسة الأسرة كمظاهر للتحضر والازدهار والمكان الاجتماعية.

إن الانتشار الواسع لهذه الأجهزة والاستخدام المكثف والمتزايد لها جعلها مؤثر حقيقي في حييه الفرد خاصة عندما نتحدث عن التقنيات المتطورة لصناعة المحتوى للمستهلك بشكل جذاب ومقبولة جعل المستخدم لا يكل ولا يمل من مطالعة المادة الإعلامية في كل وقت وحين ولعل هذه الهيمنة الإعلامية على الحياة الفردية جعلت المستهلك مستهدفا بالدرجة الأولى في ثقافته الخاصة لصالح ثقافة العولمة التي تنمحي في ظلها وتغيب الخصوصية الثقافية لكل مجتمع إنسان معين محاولة بذلك بسط الثقافة العالمية الموحدة التي يغيب فيها التميز والاختلاف والشخصية.

فسيادة ثقافة العولمة بمثابة اغتصاب حقيقي لحق الآخر في ثقافته وهويته وتاريخه، اغتصاب رمزي شديد الأثر على مستقبله. إن سيادة ثقافة العولمة على حساب الثقافات الأخرى خطر يهدد المجتمع عامة ويصل تأثيره السلبي إلى مختلف وحداته الأساسية الصغرى؛ سواء تعلق الأمر بمؤسسة الأسرة أو بالأفراد كل على حدة نظرا لارتباط الكل بالجزء وتأثرهما المتبادل ببعضهم البعض. والوقوف على هذه النظرة المكرو-انثروبولوجيه ضروري لفهم باقي الأجزاء الصغرى من سلسلة التأثير والتأثر السلبي الذي يلحق الأفراد جراء هذا الغزو الثقافي. إن وسائل الإعلام اليوم كما بالأمس تضع الثقافات في مواجهة تدفقات كثيفة من المعلومات والمفاهيم والقيم الجديدة التي تجوب العالم الافتراضي اجمع عبر قنوات الإعلام المختلفة وقد تكون هذه التدفقات في كثير من الأحيان لا تخدم الثقافات المحلية لكل مجتمع أو الثقافة العامة لبلد معين.

سنحاول تتبع بعض مظاهر وصور الغزو الثقافي السلبي الذي يطبقه الإعلام على الثقافات الخاصة وكيف أصبح الإعلام عاملا أساسيا في بناء الثقافة لدى الناشئة. 

وجب القول بأن ما يجعل الحديث حول الغزو الثقافي قائما كمشكلة أنثروبولوجيا هو موت روح الفاعل وتراجع إيمانه بالهوية والتاريخ الخاص به وخضوعه وتبنيه لمبادئ التقليد والتبعية والتفاخر بثقافة الغرب على حساب ثقافته الخاصة، مع العلم أن الغرب نفسه اليوم يعاني من فقدان الهوية فهو الآخر يعيش الا هوية ويمشي خلف ثقافة العولمة التي فقد سيطرته عليها، فجعلت الغرب كاملاً بثقافة متجانسة؛ أي مظاهر ثقافية مشتركه انمحت في ظلها ثقافات الشعوب الغربيه. فمبادئ التقليد والتبعيه والاستهلاك قتلت وقلصت الخيور الثقافيه للفرد الانساني وجعلته اسيرا يسير غصبا عن ارادته الحرة في سياق ثقافي حداثي معاصر وموحد.

فأصبح التقليد ميزه الفرد يقلد الغرب في اللغة واللباس والفن والطعام والشراب بل أصبح يقلده حتى في التوجهات الفكرية والأيديولوجية الأمر الذي جعل بعض التنظيمات الضالة عن جادة الصواب والفطر والطبيعة تفطن إلى مستوى الخنوع والخضوع الذي أصبح عليه شباب اليوم نتيجة استهلاكهم غير المعقلين للمواد الإعلامية السلبية وعملت على نشر أفكارها الضالة عبر نظام إعلامي مكثف وموجه لاستهداف هذه الفئة الهشة المعتقدات الفكرية والدينية والأيديولوجية والفنية وغيرها من مجالات الخصوصية.

إن هذا الوضع الجديد الذي تعيشه الخصوصية الثقافية والذي يتميز بالتيه والغربة والعزلة يدفعنا للبحث عن الذات الثقافية الحقيقية ويسائل الفرد عن مدى حفاظه على موروثه الثقافي وخصوصيته الحضارية.

لقد ساعد الإعلام بشكل كبير في تعبيد الطريق لمحو الخصوصيات وفرض في المقابل بدائل سلبية لا ترقى لمستوى وصفها بالثقافية، إنها صور لممارسات سلبية تنقل وتشارك على مختلف وسائل الإعلام في شكل صور وفيديوهات أو بود كاسات صوتية تدعوا اللاواعي الفردي ومنه الجمعي إلى التشبه وتقليد ما يتم عرضه سواء على مستوى الفن والأدب والدين والفكر وأنماط السلوك وطرق العيش والتواصل.. وجعلها أسلوبا للحياة بل أصبح المستهدف اليوم أداه واليه ووسيلة منتجه أو تعاود إنتاج الأنماط ثقافية السلبية كما لو أننا نعيد إنتاج السموم التي تشربناها عبر الوسائل الاعلاميه ذاتها. ان الحديث عن الفئه الاساسيه التي تتعرض لخطر الاستلاب الثقافي وتعويضه بنماذج اخرى سلبيه حديث عن الاطفال بالدرجة الاولى فلماذا الاطفال تحديدا؟

لأن أطفال الإنترنت جيل سرقتهم التكنولوجيا والهواتف الذكية على حد تعبير كاتيا يوسف وهذا ما يجعل عملية تشكين وبناء ثقافة الطفل أمر متروك بيد منتجي المادة الإعلامية المتعددين بمختلف توجهاتهم وأهدافهم ومستوياتهم وخبراتهم.

لقد أظهرت دراسة اماراتيه أن 46 % من الأطفال في الفترة العمرية ما بين ست وعشرة سنوات يدمنون استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة فيما تبلغ نسبتهم بين سنتين وخمس سنوات 34 % وذكرت أن 41 % من الأطفال يستخدمون وسائل التكنولوجيا الحديثة بمعدل أربع إلى ثماني ساعات يوميا فيما يستخدمها نسبه 30 % منهم بمعدل 8 إلى 15 ساعة يوميا بينما يستخدمها 29 % من ساعتين إلى أربع ساعات يوميا كحد أدنى مشيرة إلى ان تلك النسب تختلف حسب المراحل العمريه لكل فئه.[1] 

بقلم: نعمان حمداوي

المصادر:

[1]موقع الامارات اليوم مقال بعنوان 46% من الاطفال مدمونين التكنولوجيا تاريخ الزياره خمسه جوج 2023 على الساعه 7:30.

إرسال تعليق

شاركنا رأيك في الموضوع

أحدث أقدم