قراءة في كتاب: "الخبرة المغربية والكندية في مادة العقوبة البديلة:
L'expertise marocaine et canadienne en matière de justice alternative:
Dr.Rachid RINGA
ترجمة الكاتب :
ولد رشيد الرينكة في 10 يونيو 1955 بالرباط ، كان أستاذاً أكاديميًا باحثاً في علوم التربية و السوسيولوجيا، له عدة دراسات وأبحاث فيما يخص أحداث الجانحين ومناهضة الإرهاب.
رشيد الرينكة حصل على البكالوريا من ثانوية الحسن الثاني بالرباط. التحق بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة محمد الخامس حيث حصل على دبلوم الدراسات الجامعية العامة في العلوم القانونية.
تابع دراسته في المعهد الملكي لتكوين الأطر الذي درّس فيه فيما بعد ، تابع دراسته في جامعة العلوم الإنسانية في ستراسبورغ وحصل منها على دكتوراه المرحلة الثالثة عام 1988 ، ثم دافع عن أطروحة الدكتوراه في علوم التربية في نفس الجامعة عام 1993، وعنوانها Regard Sociologique sur la Délinquance Juvénile au Maroc ، قد تم نشرها بعد ذلك في عام 1998.
في عام 2011 حصل على الوسام الملكي لعمله البحثي في مجال مكافحة الإرهاب من خلال تسليط الضوء على التجربة المغربية في هذا المجال .في 2018 اشتغل كمستشار لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني .
وكان باحثا زائرا في جامعة LAVAL ، حيث ركزت أبحاثه على الخبرة المغربية والكندية في مجال العقوبة البديلة حيث عمل بشكل وثيق مع البروفيسور " دينيس جيفري " حول هذا الموضوع ، في الوقت نفسه كان عضوا في الجمعية الفرنسية للعلم (ACFAS) ومقرها كيبيك وشارك في مؤتمرها الثامن والستين في مونتريال ، حيث تركزت مشاركته على العقاب البدني في النظام المدرسي المغربي .
توفي رحمة الله عليه 15 يونيو 2019 عن سن يناهز 64 سنة بعد أن ترك موروثا علميا زاخرا بالأبحاث حول الجريمة والعنف وجنوح الأحداث ومكافحة الإرهاب.
تقديم الكتاب من حيث الشكل:
يقع هذا الكتاب في 194 صفحة يستهل برسالة ملكية سامية تشيد بهذا المجهود الفكري في رصد ظاهرة العنف و الجريمة والإرهاب، يليه تقديم عام للبروفيسور Denis Jeffrey ومدخل عام للمؤلف، و ثلاثة أقسام كبيرة يحتوي القسم الأول على ثلاثة فصول بينما القسم الثاني و الثالث يشتملان على فصلين لكل واحد منهما ،مستشهدا بالدراسات والأبحاث الكندية والمغربية في مجال جنوح الأحداث وأخيرا لائحة المراجع .
يغطي القسم الأول من هذه الدراسة الجانب النظري والمفاهيمي، إذ تعرض الباحث لمجموعة من المفاهيم تخص العنف والجنوح وما يترتب عليها من ظواهر اجتماعية في دراسة تحليلية مقارنة تطال الشباب سواء في المغرب أو كندا.
في القسم الثاني الباحث رشيد الرينكة يخصص بشكل عام هذه الدراسة لتحليل خطابات المشرع المغربي في موضوع جنوح الأحداث خلال فترة الحماية و بعد استقلال المغرب، وذلك بإظهار نقاط القوة والضعف في الخبرة المغربية من خلال ثلاثة نصوص رئيسية حول إعادة تأهيل الشباب الجانحين.
في القسم الثالث يقوم الكاتب بتحليل مجموع القوانين الكندية من التشريع الأول المتعلق بالمجرمين الأحداث ، و الذي يعود تاريخه إلى عام 1857، إلى أحدث القوانين.
إشكالية البحث:
تعتمد هذه الدراة على ثلاثة مناهج علمية:
- المجال القانوني.
- المجال السيكولوجي.
- المجال السوسيولوجي.
إن الإشكالية الرئيسية لهذا البحث تدور حول عدة تساؤلات:
- ماذا نعرف عن جرائم الشباب؟
- ما الذي جعل الطفل عرضة لتأثير الأمثلة السيئة؟
- كيف يمكن الوصول إلى المصالحة؟
- كيف يتفاعل القانون والمؤسسات وسياسات التدخل مع السلوك المنحرف للشباب؟
- كيف يمكن معالجة مشكلة جنوح الأحداث؟
- ماهي العلاجات المقترحة لانحراف الأحداث؟
- هل هناك بديل للعقوبة الجنائية؟
- هل يمكن أن تكون برامج التدابير البديلة أدوات تعليمية وفي أي سياق؟
- هل يمكن للعقوبة أن تكون تعليمية؟
- هل يمكن للتعليم أن يستبعد العقوبة والعقاب؟
بغض النظر عن مدى الجنوح وحدته فقد صنف الباحث الجنوح إلى ثلاث أقسام رئيسية:
- الجنوح العرضي: يصل إلى 80% من المراهقين؛
- الجريمة الانتقالية: تصل إلى 10% من المراهقين؛
- الجنوح المزمن: يتطور إلى أن يعد سلوكا معاديا للمجتمع.
فرضيات البحث :
تم اسنباط فرضيات الدراسة من المجالات التي تناولت الانحراف بشكل رئيسي وتسمح بفهم ظاهرة جنوح الأحداث من خلال العلاقة بين الوالدين والطفل التي تساهم بشكل كبير في تفاقم أم تقليل الميول إلى الجنوح عند الشباب.
الفرضية الأولى:
تشير الفرضية الأولى إلى طرق هيكلة العلاقات، وتتمثل في متغيراتالممارسات التربوية مثل الإشراف.العقوبات، القواعد.
الفرضية الثانية:
تشير إلى جانبها النوعي مثل: الاتصال، مرفق، عاطِفَة، قبول، الرفض.
الفرضية الثالثة:
فرضية أخرى لا تفتقر إلى الحقيقة العلمية هي تلك التي تشير إلى أن ظهور جنوح الأحداث، الذي يتبع تفاعلًا معقدًا بين العوامل البيولوجية والقوى الاجتماعية، حيث تشير إلى استكشاف العوامل الوراثية وفترة مابعد الولادة، أو التأثيرات البيئية المبكرة جدًا.
أهم المفاهيم :
تناول الكاتب رشيد الرينكة عدة مفاهيم إجرائية تخدم مقاصد الدراسة التي تهم جنوح الأحداث بكل من المغرب وكندا، وما يترتب عن هذا الانحراف من عقوبات قانونية تستلزم مراعاة الأبعاد السيكولوجية والسوسيولوجية والتحولات الراهنة المتعلقة بفئة الشباب، وككل دراسة تحترم المناهج العلمية تعرض المؤلف للمصطلحات التالية:
العنف: أظهر ميشيل فوكو في "surveiller et punir " 1976 كيف أن العنف والسلطة إنتاجان تاريخيان يحددان المعايير. وفي المقابل يعارض "روجر دادون" مفهومين تم الرد عليهما بشأن التطورية العنيفة والفلسفة المتعالية، ويعتبر المفهوم التطوري للإنسان البدائي أكثر عنفًا من الإنسان الحديث، من خلال تطوير قدرته على التفكير ، فإن الإنسان العاقل سوف يبتعد عن السلوك العنيف.
الانحراف: إذا كنا نعني بالعنف أي شكل من أشكال التعدي الاجتماعي ، كما أن السرقة الأكثر بساطة تصبح عنفًا. ولا يكاد يوجد فرق بين الانحراف والعنف، فمن الصعب بالنسبة للشباب التمييز بين ما هو مسموح به وما هو محظور. يشير الانحراف إلى الأفعال أو السلوكيات التي يضبطها القانون والتي تهدد الفاعل بالعقوبة. فالجنوح هو سلوك يتسم بجرائم متكررة تعتبر خاصة من منظور اجتماعي ولكن أيضًا عقابي، فهو يعتبر خطوة أولى نحو الإجرام وبالتالي يتم قمعه.
الإرهاب: الإرهاب هو لعبة يتم لعبها في ثلاث عناصر : الجماعة الإرهابية، النظام، الجماهير. يقارن "دادون" هذا المثلث بمكونات البنية النفسية؛ حيث الجماعة الإرهابية متمركزة حول ذاتها، أنانية، نرجسية، تدعي الاستقلال والهوية، تمثل الأنا، فهي تعارض النظام، وتجعله قابلاً للمقارنة مع الأنا الأعلى، الذي يعلن المحظورات والقانون والعرف ، ويفرض القمع. الكتلة التي يمثلها الناس هي الهو، أي القوة الخام اللاواعية ، وخزان الطاقة.
الشمولية: يرى" دادون" أن الشمولية هي النظام الذي تكون فيه ممارسة السلطة بشكل أساسي، إن لم يكن بشكل حصري، في ممارسة العنف المنظم والمستمر والمعمم. لذلك تسعى الشمولية للسيطرة على المجتمع بأسره.
الديمقراطية: الديمقراطية هي النظام السياسي الذي يجب أن يحمي نفسه على أفضل وجه من العنف من الداخل ، فهو قائم على التسامح والحرية والتعددية والتضامن والانفتاح.
أهداف البحث:
تهدف هذه الدراسة إعادة النظر في ظاهرة جنوح الأحداث. يجب تحديد ذلك ، ليس فقط لفهم تصور المشرع المغربي ونظيره الكندي فيما يتعلق بإعادة التأهيل وإعادة الإدماج الاجتماعي للجانحين الشباب، ولكن الهدف أيضًا هو الكشف عن العناصر البارزة في الأحداث، واتخاذ اقتراح العقوبة البديلة والعدالة التصالحية والتربوية من بين الأهداف الرئيسية، ولتطوير التفكير النقدي في العقوبة الجنائية فيما يتعلق بالجناة الشباب، تستهدف هذه الدراسة الاستكشافية العاملين في المجال ذوي الخبرة والمبتدئين على حد سواء، من أجل تسهيل اختيار الأساليب وتحديد واقع الجاني الشاب بوضوح وضمان متابعة إعادة إدماجه في المجتمع بشكل أفضل.
نتائج البحث المتوصل إليها:
تشير نتائج هذا البحث حسب الكاتب رشيد الرينكة إلى عدد من الأفكار المتعلقة بممارسة السياسة القضائية لحماية الشباب فإذا كنا نعتزم معالجة جنوح الأحداث بشكل فعال، بل وأكثر من ذلك، للقضاء عليه قبل ارتكاب الجريمة، يجب وضع استراتيجية وقائية مناسبة ومتطورة كما يجب علينا حشد القوى الحيوية للمجتمع وخاصة الآباء الذين يجب دمجهم كمتعاونين في التدخل مع أبنائهم. وأخيرًا، يعتبر تسليط الضوء على هذا الخيار مهم وتنزيله يحتاج إلى طول الأمد.
قرائتي في هذا الكتاب:
إن كتاب L'expertise marocaine et canadienne en matière de justice alternative، ليس كتاباً من السهل تحليله و دراسته ، لما يتوفر عليه من غزارة من حيث المعارف و كذلك المقاربات العلمية التي اعتمدها البروفيسور الرينكة لدراسة التحول التاريخي لقانون جنوح الأحداث، ابتداء من عهد الحماية إلى ما بعد الاستقلال وصولا للقوانين الحالية ، مع التفاتة ذكية تضمن للدراسة التحليل والمقارنة بالتجربة الكندية في نفس الآن وذلك للتقارب الحاصل بين التجربتين، معتبراً أن الدراسات السابقة في موضوع جنوح الأحداث إما دراسات سيكولوجية: تدرس الجانب النفسي والسلامة العقلية للجانحين أو دراسة سوسيولوجية: تهم ظاهرة الجنوح وحيثياتها، أو أبحاثاً من طرف متخصصين في علم الإجرام. غير أن هذه الدراسات ظلت تتسم بالقصور وذلك بالنظر لهذا الموضوع من زاوية واحدة وعدم قدرتها الإحاطة بموضوع جنوح الأحداث من أبعاد مختلفة للوصول إلى حلول ناجعة، تمنع الجنوح قبل حدوثه وتساهم في الحد منه، كما تسعى إلى إعادة تأهيل هؤلاء الأطفال الجانحين وإدماجهم من جديد داخل المجتمع ، لذا فقد خلُص الكاتب إلى استحضار الأبحاث السيكولوجية والسوسيولوجية والقانونية أيضا، مستغلا بذلك تخصصه في علوم التربية والسوسيولوجيا وإلمامه بالنصوص القانونية، وقد استدل عن العنف كمفهوم محوري في هذا البحث؛ بما أشار إليه "دادون" عالم اجتماع يستوحي مواقفه من المحلل النفسي "دبليو رايش"، ومن ناحية أخرى أدرج ما جاء به "ميشود" كعالم سياسي يعتبر العنف هو القوة والحيوية والسلطة واستخدام القوة الجسدية ، فهو يقوم أساساً بفحص العنف في معناه القانوني، وهذا النوع من الاستدلال أدمج العديد من المقاربات والرؤى لتصب في الموضوع عينه، جعلت رشيد الرينكة يستخدم تجربته الميدانية بحنكة في مجال حماية الطفولة في كندا والمغرب، التي أكسبت هذا الكتاب قيمة علمية وازنة جعلت منه مرجعاً هاماً ومهماً يتحدث بالتفصيل وبشكل علمي وممنهج على ما يسمى العقوبة البديلة التي تعد قفزة نوعية في مجال العقوبات القانونية، التي بدأ المغرب فعلياً في السير نحو نهج هذا النوع من السياسة القضائية، التي تهدف بالأساس إلى الإصلاح وبناء مجتمع يهتم بكافة أفراده خاصة النشء الذي يعدّ ركيزة المستقبل، وذلك بالتوجيه و المواكبة و تصحيح كل خلل يمكن أن يعيب أو أن يهدم المجتمع المغربي.
إن هذه القراءة لهذا الكتاب لا تغني عن الاطلاع عليه، بل هي دعوة للاستزادة من منافعه لما يحتويه من فوائد في مجال الطفولة والشباب، وما يزخر به هذا المؤلَّف من أبحاث علمية تهم المربين والعاملين في الحقل التربوي السيكولوجي والقانوني والسوسيولوجي. مما يقيم جسور التواصل والانسجام بين هذه الحقول المعرفية، ويفتح أبواباً جديدة للبحث العلمي ما دامت الإنسانية قائمة في الوجود.
بقلم: حليمة سجاع
قسم
علوم