نظرية القهر الاجتماعي هي نظرية تشير إلى أن الأفراد في المجتمعات يمكن أن يتم قمعهم واستبدال إرادتهم واهتماماتهم الحقيقية بإرادة النظام الاجتماعي الذي يعيشون فيه. وتعتمد هذه النظرية على فكرة أن السلطة الاجتماعية والاقتصادية تؤثر على سلوك الأفراد وتحدد مصيرهم.
وقد نشأت نظرية القهر الاجتماعي في سياق دراسات النظرية النقدية، حيث كانت تستخدم لتفسير العلاقة بين الفرد والمجتمع وتأثير السلطة والهيمنة على الحياة الاجتماعية والثقافية. وتتأثر هذه النظرية بالعديد من الفروع الفلسفية والاجتماعية مثل الماركسية والفرويدية والفلسفة الحديثة.
ومن خلال فهم هذه النظرية، يمكننا فهم كيف يمكن للمؤسسات والأنظمة الاجتماعية السيطرة على الأفراد وقمعهم والتحكم في سلوكهم وآرائهم. وتتيح لنا هذه النظرية أيضًا فهم كيف يمكن للأفراد المتمردون والمناهضين للنظام أن يقاوموا ويحاربوا الهيمنة والقهر الاجتماعي.
ينطلق أصحاب هذه النظرية من الإيمان بأن الانحراف ظاهرة اجتماعية ناتجة عن القهر والتسلط الاجتماعي الذي يمارسه بعض الأفراد تجاه البعض الآخر معتبرين الفقر مرتعا خصبا للجريمة وأنه يولد ضغطا على التركيبة الاجتماعية للنظام مما يؤدي إلى انحراف الأفراد، بمعنى أن الفقر باعتباره انعكاسا صارخا لانعدام العدالة الاجتماعية بين الطبقات يولد رفضا للقيم والأخلاق التي يؤمن بها غالبية أفراد النظام الاجتماعي؛ ولو اختل توازن القيم الاجتماعية كما يعتقد "إميل دوركايم (وهو أحد رواد هذه النظرية الأوائل)، فإن حالة الفوضى والاضطراب ستسود الأفراد والمجتمع ومثال ذلك: التطور الذي حدث في البلدان الرأسمالية في القرون الثلاثة الماضية أدى إلى اختلال في توازن القيم الأخلاقية والاجتماعية، الأمر الذي أدى بدوره إلى شعور الناس بانعدام وضوح منارات الهداية ومعالم الأخلاق. ونتيجة لذلك فقد ضعف وازع السيطرة على سلوك الإنسان الرأسمالي خصوصا على نطاق الشهوة والرغبة الشخصية، فأصبح الفرد منحل يرى ضرورة لفرض التهذيب الاجتماعي عليه وعلى الأفراد المحيطين به. كما يدعي أصحاب هذه النظرية بأن الانحراف يعزي أيضا إلى عدم التوازن بين الهدف الذي يتبعه الفرد في حياته و الوسيلة التي يستخدمها في تحقيق ذلك الهدف في النظام الاجتماعي. فإذا كان الفارق بين الأهداف الطموحة و الوسائل المشروعة التي يستخدمها الأفراد كبيرة، أصبح الاختلال الأخلاقي لسلوك الأفراد أمرا واضحا، وهو ما يذهب إليه أيضا روبرت ميرتون، فحسب ادعاء النظام يستطيع الفرد نظريا- أن يصبح أغنى إنسان في المجتمع بجهده وعرقه أو أن يمسي فاشلا في تحصيل رزقه اليومي، ولكن نظرة سريعة على الواقع الخارجي تصبح شيئا مختلفا، فلا يستطيع كل الأفراد أن يكونوا أغنياء في وقت واحد لأن المال محدود بحدود النظام الاجتماعي و الاقتصادي، فإذا تراكم المال بيد الطبقة الغنية فإنه يسبب حرمانا ونقصانا عند الطبقة الفقيرة، فالفرد الذي لا يستطيع الوصول إلى أهدافه بالوسائل المقررة اجتماعيا يسلك سلوكا منحرفا يؤدي به إلى هدفه كالسرقة والرشوة و بيع المواد التي يحرمها القانون، وهنا يلعب القهر الاجتماعي دوار في توليد ضغط لدى بعض الأفراد کي ينحرفوا. و يعتبر لجوء النظام إلى القهر الاجتماعي ناتجة أساسا عن عجزه في سد و إشباع حاجات الأفراد بشكل يتناسب وكرامة الإنسان وحقه في العيش الكريم. ولذلك يشكل الانحراف ظاهرة رفض قوية للنظام الاجتماعي القائم على أساس الظلم وانعدام العدالة الاجتماعية. نظرية دونالد تافت: إهتم فيها بالثقافة العامة للمجتمع، وملخص هذه النظرية أنه إذا كانت ثقافة مجتمع ما تتميز بالديناميكية والتعقيد وتسود فيها معايير و قيم تمجد المادة وتعمل على تشجيع الصراع والمنافسة بين الأفراد وتشيد من جهة أخرى بمن ينجح في هذا الصدد و في الوقت نفسه تغلق جميع منافذ النجاح أمام غالبية أفراد المجتمع فإن ذلك يجبرهم تحت ضغط الحاجة إلى التجمع في الأحياء و الأماكن الخطيرة و التي تنعدم فيها أبسط ضروريات الحياة، وهو ما يؤدي إلى ظهور أمراض سلوكية تمثل خطر على المجتمع بأكمله. ولعل ما يؤخذ على هذه النظرية هو عدم توضيحها للكيفية التي تتشكل بها تلك الثقافة التي ترى بأنها هي التي تؤدي إلى الانحراف، كما أنها لم تراع تعدد مظاهر وأشكال السلوك المنحرف بل أخذته بصفة شمولية موضحة أنه يمكن تفسيره ضمن الإطار الثقافي الذي ينشأ فيه. يبدو بعد استعراض مختلف هذه النظريات التي حاولت تفسير ظاهرة الانحراف بصفة عامة، انطلاقا من منشأ كل واحدة منها - معظمها أمريكية - أنها جاءت معبرة عن اهتمامات وظروف تلك البيئة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وايديولوجيا، مما يدعو إلى الحذر والتمعن، إذا ما أريد الاستفادة منها-هي أو غيرها- على المستوى المحلي، و مع ذلك يمكن النظر إليها على أنها تطرح أسئلة معقولة عن الواقع المعيش و إن كانت الإجابات ليست دائما كذلك. وقد تم استعراض مختلف النظريات في محاولة لتفهم الظاهرة بكل تعقيداتها، وقد أظهرت بعض النظريات وجود ارتباط وثيق بين السلوك الانحرافي و الظروف الذاتية والنفسية للحدث - الفرد عموما - بينما أوضحت نظريات أخرى الارتباط بين الانحراف و الفئات المحرومة والفقيرة اقتصاديا و ثقافيا، فيما اتجهت أخرى إلى ربطه بحالة ضياع القيم والمعايير أو إلى التغير الاجتماعي. وتبدو هذه النظريات في أغلبها، نظریات تبريرية لمواقف معينة النظام الرأسمالي وذلك بالنظر إلى الكيفية التي طرحت بها، و الظروف المحيطة بها في نشأتها داخل بيئتها الخاصة مما يصب مهمة اعتمادها كأساس لتفسير ظاهرة الانحراف.