-->

ظاهرة انتحار الأطفال في المغرب..المسكوت عنه

 تعتبر ظاهره الانتحار من المشاكل الإنسانية الأكثر خطورة لأنه يثير مخاوف عميقة تجعل الإنسان منشطرا بين الأسى والأسف والاشمئزاز وقد ظل سلوك الانتحار من بين الموضوعات التي حيرت الباحثين في مختلف الميادين والمباحث العلمية خاصة النفسية والاجتماعية على وجه الخصوص ذلك أن هذا السلوك يناقض الفطرة السليمة للكائن للإنسان الميالة إلى حب الحياة والخلود.

المسكوت عنه: ظاهرة انتحار الأطفال في المغرب

ويعتبر الفعل الانتحاري هو عمل يهدف إلى إلحاق الضرر بالذات وينطوي على مُبادَرات انتحارية ومحاولات للانتحار وانتحار تام. التفكير في الانتحار هو أفكار وخطط حول الانتحار.مُحاولات الانتحار هي أفعال تنطوي على إيذاء الذات ويُمكن أن تؤدي إلى الوفاة، مثل الشنق أو الغرق. قد يؤدي حدث كربيّ إلى تحريض الانتحار عند الأطفالِ الذين يُعانون من اضطرابات الصحة النفسية مثل الاكتئاب، وقد يشعر الأطفال الذين يُواجهون خطر الانتحار بالاكتئاب أو القلق وينسحبون من مُمارسة النشاطات ويتحدثون حول مواضيع تتعلَّق بالموت أو يقومون بتغيير سلوكهم فجأة.

يعد الانتحار نادراً عندَ الأطفال قبل سن البلوغ وهو أساسًا مشكلة تتعلق بالمراهقين، خُصوصًا بين عمر 15 و19 عامًا، وبالبالغين، ولكن يقوم الأطفال في مُقتبل المراهقة بالانتحار فعلياً، وينبغي عدم الإغفال عن هذه المشكلة المُحتَملة.

يعد الانتحار السبب الرئيسي الثاني أو الثالث للوفاة بين المراهقين في الوِلايات المتَّحدة،وهُو يؤدي إلى 2000 حالة وفاة سنوياً،ومن المُحتَمل أيضًا أن عدداً من الوفيات التي تُعزَى إلى الحوادث، مثل الحوادث الناجمة عن السيارات والأسلحة النارية، هي حالات انتحار فعلياً.

 لقد زاد اهتمام الباحثين بالموضوع بتزايد عدد محاولات الانتحار والانتحار التام،حيث وصل عدد حالات الانتحار في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 47,650 عام 2021 بينما كان 46,000 في عام 2020 وذلك بعدما فكر ما يقدر ب 12.2 مليون بالغ في الانتحار في جدية ووضع 3.2 مليون خطة لذلك بينما أقدم 1.2 مليون على محاولة للانتحار فاشلة.

أما في المغرب فالأمر بات كارثة إنسانية تحتاج الدراسة بحيث تبوأ المغرب المرتبة الثانية بعد مصر في قائمة الدول العربية من حيث معدلات الانتحار بحيث وصل المعدل إلى 9.7 حاله لكل 100,000 نسمة في صفوف الذكور و 4.7 لكل 100.000 نسمة وسط الإناء.

هذا في غياب إحصائيات دقيقة تبين على وجه الدقة الفئات العمرية التي يشاع بينها سلوك الانتحار وأننا هنا سوف نبحث سوسيولوجيا في طبيعة ظاهره الانتحار في صفوف الأطفال ما الأسباب والدوافع وما هي سفن الفهم والتفسيرات التي يمكن تقديمها بخصوص الموضوع؟

المقاربات النظرية للانتحار:

يهدف هذا المحور إلى عرض تحليلي لأهم المقاربات النظرية بالمنظور السوسيلوجي للانتحار متمثلا في المنظور الدوركايمي و كذا نموذج التفكك لهلبفاكس ثم نموذج جيبس و مارتن لاندماج المكانات :

الانتحار عند دوركايم:

لقد اعترف دوركايم منذ البدء بتعدد القوى التي يمكن ان تقود إلى الانتحار وتناقضها و ان هناك أنواع مختلفة من الانتحار بقدر تنوع اشكا القوى الاجتماعية التي تسببه و يمكن لهذه القوى اما ان تترك الإنسان على حريته وتقوده بذلك إلى فوضى رغباته و أهوائه – فهنا الفراغ الاجتماعي و ضعف الروابط هما السائدان-أو بالعكس تمارس ضغطا و كأن الفرد ليس له إمكانية الوجود فهنا ضغط المجتمع هو المؤثر و يتعلق الأمر إذن بنظرة أخلاقية ترى ضرورة قيام المجتمع بتوجيه الفرد دون " خنقه " فلابد من ترك مساحة للتعبير عن غرائزه ورغباته مع إعلائها و ترقيتها بربطها بشكل ما بمصالح اجتماعية .ويؤكد دوركايم أن نسبة الانتحار ترتبط بالطريقة التي يتم تمفصل بها هذه القوى حول بعضها البعض وستكون في اضعف نسبة في حالة توازنها، و إن الأشكال المختلفة للاختلال الاجتماعي يمكنها أن تتشابك آثارها وتنتج كذلك أشكالا مختلفة من الانتحار مثلا :

 ﺍﻹﻧﺘﺤﺎﺭ ﺍﻷﻧﺎﻧﻲ : ﻳﺤﺪﺙ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻣﻨﻐﻠﻖ ﻭﻣﻨﺰﻭﻱ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻻ ﻳﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻭﻻ ﻳﺘﺒﺎﺩﻝ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻭﺍﻟﻘﻴﻢ ﻣﻊ ﺍﻷﺧﺮﻳﻦ ‏( ﺍﻟﻔﺮﺩﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ).

 ﺍﻹﻧﺘﺤﺎﺭ ﺍﻹﻳﺘﺎﺭﻱ / ﺍﻟﻐﻴﺮﻱ : ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﻴﺶ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﺠﻤﻌﻲ ﻛﻠﻴﺎ ﻭﻳﻨﻐﻤﺲ ﻓﻴﻪ،ﻭﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﺠﻤﻌﻲ، ﻭﺗﻐﻴﺐ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻭﻳﻨﺘﺤﺮ ﺍﻟﻔﺮﺩ ‏(ﺍﻹﻧﺪﻣﺎﺝ ﺍﻟﻜﻠﻲ ).

 ﺍﻷﻧﺘﺤﺎﺭ ﺍﻷﻧﻮﻣﻲ / ﺍﻟﻼﻣﻌﻴﺎﺭﻱ : ﺇﻧﺘﺤﺎﺭ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺴﻴﺮﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻄﺮﻫﺎ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺗﻨﻜﺴﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻳﻴﺮ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻹﻧﺘﺤﺎﺭ.

و اعتبر دوركايم أن هناك في كل المجتمعات قدر أساسي من التوازن بين كل من الأنانية و الايثارية من جهة و اللا معيارية و الجبرية من جهة أخرى.

هالبفاكس ونموذج التفكك:

عکس دوركايم يرى هالبفاكس أن الدوافع و الظروف الفردية " ترتبط بالهيئة الاجتماعية الضروري اعتبارها كأسباب مستقلة للانتحار .... كما يدعم في الواقع فكرة أن الدوافع الفردية لها علاقة مع الأسباب العامة أنها تشكل نسقا بالاتحاد معهافمن الخطأ الفصل عشوائيا بين التيارات الكبرى للحياة الجماعية و بين هذه الحوادث الفردية إن الاستعدادات العضوية " التي تميز الأنظمة العصبية " وتجعلها كذلك أسبابا اجتماعية لأنه ليس من الصدفة أبدا أن نجدها بأعداد كبيرة في المهن الحرة حساسة للغاية هي الصناعية و التجارية، و في الجماعات الحضرية مقارنة بالمهن والجماعات الأخر.

ضمن هذا المخطط التفسيري تبدوا الدوافع المثارة من طرف المقدمين على الانتحار ليس مجرد تبريرات كما يعتبرها دوركايم بل هي نتائج لأحداث اجتماعية و بالتالي من الضروري أخذها بالاعتبار عند تحليل الانتحار فعكس دوركايم و الذي لا يعتبر هذه الدوافع أسبابا حيث يجعل للعوامل الاجتماعية وحدها قوة سببية في الفعل يتطلب النزول إلى عالم التصرفات الفردية و لا يمكننا ذلك إلا في حالة مشكلة، أو معانات أو حالة ضعف...... الخ.

يرى هالبفاكس أن تزايد نسب الانتحار يظهر نتيجة انهيار المؤسسات التقليدية التي كانت موجودة في الماضي فهو يري ان تزايد نسب الانتحار يظهر نتيحة لشكل الحياة الحضرية حيث يزيد تعقدها من فرص حدوث قتل النفس، و يعتبر هذا الأمر خاصية ثابتة تميز المجتمع الصناعي ، إن هذه الملاحظات تترجم بتعديل مهم في نموذج دوركايم حيث لا يأخذ هالبفاكس بالحسبان الانتحار الغيري الذي يشبهه بالتضحية كما ان الانتحار اللا معياري والجبري ثم إلغاءهما.

جيبس ومارتن: نموذج اندماج المكانات

يعتبر جيبس و مارتن نفسيهما أتباعا لدوركايم و هما يحاولان إتمام النظرية الدوركيمية بإدخال مفهوم إجرائي للاندماج هذا الأخير يتم قياسه من خلال استقرار و استمرارية العلاقات الاجتماعية التي ينسجها الأفراد في جماعة معينة في حين أن ثبات هذه العلاقات الاجتماعية يتعلق مباشرة بمدى الانسجام  التوافق بين الطلبات والتطلعات التي يجب تلبيتها، وهذه الأخيرة محددة بالمكانة التي يحتلها الفرد في المجتمع.

في مجتمعنا المعاصر يحتل الفرد أدوارا و مكانات متعددة في الوقت ذاته، و من هنا تأتي ضرورة الأخذ بالحسبان التقاطعات و بالتالي الصراعات المحتملة بين هذه الأدوار و التي قد تؤدي إلى قطيعة في بعض الروابط الاجتماعية و التي قد تؤدي إلى الانتحار، من هنا نصل إلى نتيجة مفادها إن تواتر الانتحارات في جماعة معينة يتناسب عكسا مع درجة الاندماج في المكانات في هذه الجماعة .

و هذا الأخير يتناسب عكسا مع عدم التجانس في المكانات التي يحتلها أفرادها، و تعتبر المكانات التي تحتوي على أدوار صراعية الأقل شغلا من الأفراد، و هذا الأمر يعود لثلاثة أسباب:

  1. التوتر الناتج عن صراع الأدوار يضعف رغبة الأفراد في شغلها أو يدفعهم للتخلي عن هذه المكانة أو تلك.
  2. عدم قدرة الفرد على الاستجابة لتطلعات متناقضة يدفع في الغالب إلى عزلته ثم إقالته من إحدى مكاناته و إجمالا تقود وضعية صراع الأدوار إلى خسارة الرابطة الاجتماعية ثم إلى الانتحار و هذا يقود بالضرورة إلى ما يمكن تسميته بالانحراف عن المعايير الاجتماعية ،ويمكن تلخيص ما جاء به جيبس و مارثن في النقاط التالية :

  • إن معدلات الانتحار في مجتمع ما تتباين عكسيا مع استقرار العلاقات الاجتماعية و استمرارها داخل المجتمع.
  • إن استقرار العلاقات الاجتماعية و استمرارها داخل المجتمع يتباين مباشرة مع مقدار تمثل أفراد المجتمع لأنماط العقوبات الاجتماعية و متطلباتها و التوقعات التي يضعها الآخرون عليهم .
  • إن درجة تمثل أفراد المجتمع لأنماط العقوبات الاجتماعية و متطلباتها و التوقعات التي وضعها الآخر ونعليهم متباينة عكسيا مع مقدار تعرض هؤلاء الأفراد إلى صراعات الأدوار.

دوافع الانتحار عند الأطفال:

يخطفهم الموت من بين أحضان عائلاتهم دون سابق إنذار، أطفال لم يعيشوا من الحياة سوى بدايتها، فكروا ونفذوا دون استشارة أو إثارة شبهات، فغادروا نحو عالم غيرِ ذلك الذي لم يمكنهم من العيش براحة تامة، آملين إيجاد حلول بالعالم الآخر الذي رأوا فيه الحل الأخير.

قد يعتبره البعض موضوعًا ثانويًا لقلة المعلومات عنه، لكنه أصبح بالنسبة للكثيرين هاجسًا مؤرقًا، خاصة منهم الآباء الذين فقدوا فلذات أكبادهم في لمح البصر، ممّن ذهبوا دون ترك أثر غير علامات استفهام كثيرة ومحيرة.

لكل ظاهرة أسبابها، لم يحصل إجماع حول أسباب لجوء الأطفال إلى إنهاء حياتهم، إلا أن المشاكل الكبرى التي قد تشكّل ضغطاً عليهم معروفة وواضحة بالنظر لبنيتهم النفسية الهشة، وبالنظر لعدة عوامل اجتماعية، دينية وثقافية، تحُول دون الإفصاح عن حالات الانتحار وكشف أسبابه، يتعقد الأمر أكثر ويصعب على الباحثين العمل على تحديد ملابساته القبلية.

سوء معاملة الوالدين:

من الأمور التي يكاد يجمع عليها علماء سوسيولوجية التربية، هو أن الطفل إذا عومل من قبل أبويه المعاملة القاسية، وأدّب من قبلهم بالضرب الشديد، والتوبيخ القارع، والتشهير والسخرية، فإن ردود الفعل ستظهر في سلوكه وخلقه، وإن ظاهرة الخوف والانكماش ستبدو في تصرفاته وأفعاله، الأمر الذي قد يؤدى به إلى ترك المنزل نهائياً تخلصاً مما يعانيه من المعاملة الأليمة، وهكذا قد يتعرض إلى حياة التشرد والجريمة والانتحار.

تخلي الأبوين عن تربية الولد:

 من العوامل الرئيسة التي تؤدى إلى انحراف الطفل هو تهاون الأبوين وتخليهم عن تربيته التربية الصحيحة. وعدم القيام بواجب المسؤولية تجاه من ترعاهم، وتقوم على تربيتهم. فإذا قصّرت الأم مثلا في واجبها التربوي لسبب من الأسباب، وإذا أهمل الأب مسؤولية التوجيه والتربية نحو أولاده لانشغاله بمطالب الحياة أو غيابه المستمر... فلا شك أن الأولاد سينشئون نشأة اليتامى، ويعيشون عيشة المتشردين، بل سيكونون معرضين للانتحار.

التنشئة الاجتماعيّة وتوريث الانتحار:

إذا كانت التنشئة الاجتماعيّة تعني جعل الفرد مناسبا للحياة في المجتمع. وأنّ وظيفة العائلة ترتبط بمقولة التنشئة الاجتماعيّة التي هي "عمليّة التثبيت التي تستمر طوال الحياة كلّها، حيث يتعلّم الفرد القيم والرموز الرئيسيّة للأنساق الاجتماعيّة التي يشارك فيها، والتعبير عن هذه القيم في معايير تكون الأدوار التي يؤدّيها هو والآخرين، فإنّ العديد من الأفراد يجدون أنفسهم داخل وسط عائلي يشجعهم على الدخول إلى عالم الانتحار والجريمة منذ مرحلة طفولتهم، فقد بينت مجموعة من الدراسات الاجتماعية أن الطفل يستلهم فعل الانتحار من أسرته القريبة والبعيدة كذلك.

دوافع اجتماعية:

التحولات الفجائية والجذرية التي تعرفها المجتمعات، وإحداث تغييرات أو تعديلات في نمط حياته، مما يحدث اختلال في التوازن الاجتماعي للمجتمع. فمثلات التحولات التي عرفها العالم بسب تفشي فيروس كورونا، وكذلك الثورات السياسية والاجتماعية التي تعرضت لها بعض الدول العربية كتونس ومصر.

أزمة اتصال وتواصل اجتماعي:

 أما بالنسبة لعلم الاجتماع الاتصال فإنه أداوته التحليلية توصلنا إلى نتيجة في غاية من الأهمية وهي وجود علاقة مباشرة أو غير مباشرة بين غياب آليات الاتصال والتواصل الاجتماعي وبين ظهور وانتشار الظواهر الانحرافية والإجرامية بما في ذلك جرائم القتل التي يكون فيها الفاعل في نفس الوقت الجاني والضحية، أو ما نعبّر عنه بالانتحار، وفي هذا السياق تتوجيه أصابع الاتهام لجل المؤسسات الاجتماعية كالأسرة والمدرسة والمؤسسات العقابية والإصلاحية ...

ادمان الألعاب الإلكترونية:

شهدت العالم في الآونة الأخيرة انتشارا مذهلا للألعاب الإلكترونية العنيفة التي باتت تجتاح أغلب البيوت وتشكل خطرا كبيرا على الأطفال، ومن أخطرها لعبة تحدي الحوت الأزرق حيث تعد هذه اللعبة منأخطر الألعاب الإلكترونية في العالم، إذ تسببت في وقوع العديد من الأطفال والمراهقين في فخ الانتحار تنفيذالأوامر اللعبة وقد أثارت هذه اللعبة جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد وقوع ضحايا لها.

عموما معالجة تفاقم ظاهرة الانتحار لا يجد أن تقتصر على معالجة الشخص الذي حاول الانتحار وفشل والذين يقدّر عددهم بحوالي 20 مرة من عدد المنتحرين الفعليين حسب الإحصائيات الرسمية لمنظمة الصحة العالمية، وإنما المعالجة السوسيولوجية اليوم يجب أن تتوجه لكل أفراد المجتمع بمختلف مكوناته وشرائحه، إضافة طبعا لتفادي كل الدوافع الكامنة وراء تغذية الأرضية الاجتماعية للانتحار.

فعل الانتحار بالمغرب:

يرى البخش، الباحث السوسيولوجي المشتغل على الانتحار في المغرب، خاصةً في جهة الشمال، أن ارتفاع حالات الانتحار عبر العالم سببها تفشي الأمراض النفسية التي تبقى العامل الرئيسي والمباشر في استفحال هذه الظاهرة، والسبب نفسه ينطبق على المغرب، خاصةً أنه يشهد تفشياً غير مسبوق للأمراض النفسية والإدمان على المخدرات النباتية والاصطناعية.

يؤكد البخش، في تصريح ل رصيف22، أن "ظاهرة الانتحار تنتعش في المغرب، وترتبط بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي يعرفها البلد، وبمجموعة من الظواهر الأخرى كالهجرة غير النظامية والتطرف العنيف والإجرام، والقاسم المشترك بين هذه الظواهر هي فرضية الموت واستصغاره، فكلما فقد الموت رهبته كلما تحفز الأفراد على الإقدام عليه بأشكال متنوعة وغايات مختلفة".

يشير الباحث السوسيولوجي، إلى أن ظاهرة الانتحار تتجاوز معطيات السن والجنس والمستوى الاجتماعي والاقتصادي، إنها عبارة عن "ثقافة" تنتقل من جيل إلى آخر، عبر قنوات التنشئة الاجتماعية بطريقة لا شعورية، فعلى سبيل المثال عندما يصيح أب أو أم أو أخ راشد في لحظة غضب أو ضعف أو هزيمة، في وجه طفل بالعبارات التالية: "غادي نعلق راسي، الله يعطينا موتة، والله حتى نقتل راسي..."، فإن هذا الطفل يستقبل هذه العبارات بوصفها خلاصاً من مختلف المشكلات والظروف والانكسارات التي تصيب الإنسان في هذه الحياة، وتالياً قد تسكنه هذا الثقافة ويفكر في الانتحار وقد يقدم عليه وهو قاصر أو راشد.

بخصوص تفشي الانتحار في مناطق معينة بالمغرب، يقول إن هذا الانتحار لا يمكن إرجاعه إلى مقاربة "باثولوجية نفسية" فحسب، بقدر ما يتعلق الأمر بوجود مشكلات ووضعية اجتماعية واقتصادية صعبة تدفع الشباب إلى الخضوع لسيطرة أفكار سوداوية. وخلص الباحث إلى أن "الانتحار في هذه الظرفية الاجتماعية يصبح استراتيجية للهروب من الواقع المرير والمزعج الذي لا يستطيع الشخص أن يتحمله، فينتهي به المطاف إلى إزهاق روحه بنفسه كحل أخير بالنسبة إليه".

حالات انتحار الأطفال بالمغرب:

تتعدد حوادث انتحار الأطفال في المغرب مما يثير مخاوف الأهل والمختصين من تفاقم الظاهرة وانتشارها في ظل غياب للأرقام والإحصاءات.

سنة 2013 فوجئت أسرة مريم، وهي طفلة صغيرة لا يتعدى عمرها 11 سنة، بانتحارها شنقًا،بالدار البيضاء، وسط المغرب. حينها لم يستوعب أحد الحادث المأساوي والأسباب التي دفعت الطفلة للانتحار. يحكي والدها لـ"الترا صوت": "لم أكن أتخيل يومًا أنني سأعيش هذه الواقعة التي ساهمت في تغيير حياة أسرة بكاملها".

  • عثمان كغيره من المغاربة يسمع بين الفينة والأخرى عن خبر مفاده شنق شاب لنفسه، أو عن سيدة ألقت بنفسها أمام سكة القطار، لكنه لم يتخيل أن تقدم ابنته مريم على الانتحار. يقول عثمان في هذا السياق، لـ"الترا صوت": "كانت طفلة عادية في نظري، صحيح أنها كتومة وانطوائية، إلا أنني اعتبرت أن الأمر عادي، تعيش مريم رفقة شقيقتها حياة طبيعية مثل باقي الأطفال".
  • وضع طفل مغربي حدًا لحياته بعدما أقدم على الانتحار بطريقة مروعة في ضواحي مدينة أغادير وسط البلاد.وبحسب صحيفة "أغادير 24"، يبلغ عمر الطفل المنتحر 13 عامًا، ونفذ محاولة انتحار، مساء الخميس، في سيدي بلقاس بضواحي أغادير، وسط صدمة أفراد أسرته. ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة أن الضحية أنهى حياته بطريقة مروعة، مشيرة إلى أن عناصر الأمن والسلطات المحلية انتقلوا على وجه السرعة إلى مكان الواقعة.

وفتحت السلطات تحقيقا في الحادثة للكشف عن ظروفها وملابساتها، بعد نقل جثة الضحية إلى مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي لإجراء التشريح الطبي. لا توجد أرقام رسمية تخص الانتحار بالمغرب، سواء المتعلقة بأشخاص راشدين أو الأطفال، إلا أن المختصين يدقون مؤخرًا ناقوس الخطر.

أهم النتائج:

1. تُعد ظاهر الانتحار من أخطر الظاهر الاجتماعية المنتشرة، وذلك لما لها من عواقب سلبية لا تقتصر على الشخص المنتحر وإنما على الأسرة والمجتمع بصفة عامة.

2. في ظل نقص التوعية والقيم والتوجيه والوازع الديني، أصبح الانتحار المنفذ للكثير من فئات المجتمع التي تنغلق في وجوههم الأبواب وهم يعيشون ظروفاً صعبة لا مخرج منها.

3. تراجع مستوى الأسرة في المتابعة والتوجيه يجعل الأبناء فريسة سهلة في قبضة الانتحار،عند الوقوع في الأخطاء أو الإدمان، بسبب العزلة الاجتماعية والتأثير الهائل والواسع للسلوكات الانحرافة.

التوصيات:

يُمكن أن تؤدي المناقشة المباشرة مع الأطفال الذين يواجهون الخطر حول الأفكار الانتحارية إلى إظهار مسائل مهمة تسهم في معرفة الأسباب الحقيقية المغذية لهذا النوع من التفكير عند الطفل،وبدوره يمكن أن يؤدي التعرف على تدخلات بناءة تجاهه.

1. أهم شيء يتم به محاربة هذه الظواهر الخطيرة ومنها الانتحار على مستوى المجتمع، هو المتابعة والوقاية.

2. دور الأسرة كبير في هذا الجانب، من خلال التوجيه والمتابعة للأبناء المراهقين خاصة، لأن هم في فترة عمرية صعبة من ناحية التربية والتعليم وفي ظل كثرة التأثيرات الخارجية والمتغيرات الاجتماعية.

3. لابد من وجود لمؤسسات اجتماعية تنشط في مجال التوعية والتوجيه للشباب واستقبالهم، والتكفل بمشاكلهم الاجتماعية والنفسية، وحل المشاكل التي تؤدي بهم إلى الانتحار.

4. جانب الدعاة والأئمة والمختصين في عالم الشريعة كبير، من حيث تقديم النصح والإرشاد، وتطمين النفوس، وتذكيرها بحجم وعظم الإقدام على إزهاق النفس عند الله.

5. الحصول على الرعاية الفعالة للاضطرابات النفسية والجسدية، والقدرة على الوصول بسهولة إلى خدمات الصحة النفسية. إلى جانب تعلم السبل السلمية لحلّ النزاعات.

6. الحدّ من وصول الأطفال والمراهقين إلى وسائل الإعلام ذات المُحتوى المُتعلِّق بالانتحار.

على سبيل الختم:

يمكن القول أن الانتحار مشكلة صحية عالمية، مع ما يقرب من مليون حالة وفاة سنوياً، ومن المهم فهم العوامل التي تساهم في التفكير في السلوك الانتحاري. ويعد الألم النفسي أحد الميسرات الأساسية للتفكير بهذا الفعل، حيث يعرف الألم النفسي بأنه ألم عقلي لا يطاق يدفع بصاحبه للتفكير بوضح حد لذلك الألم. ويمكن النظر إلى الانتحار على أنه محاولة للهروب من الألم النفسي الذي يمكن أن يكون ناتجاً عن العديد من العوامل. وتشمل هذه العوامل؛ السمات الشخصية الفردية، والخصائص العاطفية، وعدم التنظيم، والتاريخ العائلي السابق للانتحار.

كما ويعد الانتحار مصدر قلق كبير للصحة العامة، فهو رابع سبب رئيسي للوفاة في جميع أنحاء العالم بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 44 سنة. وتعتبر العوامل الاجتماعية والثقافية من العوامل الهامة التي تساهم في إيذاء النفس والانتحار، لكنها معقدة وغير مفهومة جيدًا.

إن عوامل خطر الانتحار هذه تساهم في ارتفاع معدلات الانتحار. إذ تعد تأثيرات الوسائط من العوامل المهمة التي تؤثر على إيذاء النفس. في اليابان مثلاً، يرتبط الانتحار بالمفاهيم الثقافية للذات والحياة الآخرة، مع أن زيادة معدلات الانتحار بين الشباب الياباني نتاج لظهور حالات انتحار عبر الإنترنت.

كما وتلعب الحالة الاجتماعية دوراً مهماً في تحفيز التفكير في الانتحار أو الانتحار التام، مع كونها واحدة من عوامل الخطر المهمة في ساو باولو كواحدة من المدن التي يشاع فيها السلوك الانتحاري. وقد ذهب بعض الباحثين إلى تفسير ذلك بناء على نظرية دوركهايم التي تقولب أن معدلات الانتحار تختلف عكسيا مع درجة اندماج الفرد في مجموعته الاجتماعية، والتي يمكن تفسيرها على أنها "انتحار أناني" في مناطق معينة مثل المنطقة الوسطى من ساو باولو مع ارتفاع معدلات الأفراد المنفصلين عن ذويه.

الهوامش:

1. بولفلف إبراهيم: تحليل سوسيلوجي لظاهرة الانتحار في الجزائر /مجلة البحوث و الدراسات الإنسانية .جامعة 20اوت 1955 عدد 2.

2. احمد فرفا: ظاهرة الانتحار بين نقص الوازع الديني وتراجع دور الأسرة  والمجتمع في التوعية والتنشئة في ظل المتغيرات الاجتماعية/جامعة الجزائر 1كلية العلوم الإسلامية.

3. حسن فايد دراسات في السلوك و الشخصية .ط.مؤسسة الطيبة للنشر /القاهرة 2004.

بقلم: سعاد الصبار، شيماء بن تواحيت ونعمان حمداوي


إرسال تعليق

شاركنا رأيك في الموضوع

أحدث أقدم