يعتبر الإنسان أو الفرد الإنساني هو ذلك الكيان أو المجال الحيوي الذي يتكون من عدة أنساق أولها النسق البيو العصبي حيث لا يمكن أن نتحدث عن التصرف دون الاهتمام بأهمية وتأثيرات الحالة البيو عصبية و الفيزيولوجية على صاحب التصرف ثم النفسي وهنا يمكن القول على أن علم النفس جاء ليحرر الإنسان لأنه علم التحرر، فالاجتماعي وهنا نتحدث عن التفاعلات والعلاقات الانتاجية التي قد تكون داخل الجماعة الأولية أو الجماعة المرجعية والثانوية والنسق الثقافي وهنا يجب التركيز في الأبعاد الأنثروبولوجية والوقوف على التطور الذي عرفه الانسان و الاثار الانتروبولوجية على تكوينه ودور هذا النسق في صيانة الكينونة لدى الإنسان، والبيئي في هذا النسق نستشف المناخ الذي يعيش فيه الإنسان حيث إن البيئة تلعب دور كبير في تأطير الكينونة الحيوية لدى الإنسان, والنسق الزمني و هو الثروة التي يصعب علينا ادخارها.
وانطلاقا من النسق النفسي أحد الأنساق الهامة والمهمة لتحقيق الكينونة البشرية بجميع أبعادها المتعددة النفسية والوجدانية والمعرفية والسلوكية وتأثيراتها الداخلية والخارجية على أنماط المعيش اليومي في كل مراحل نمو الكائن الإنساني التي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على كينونة الفرد الإنساني وحيويته من خلال المغذيات النفسية والمعنوية والصحية والثقافية والاجتماعية و المعرفية وغيرها من المغذيات الضرورية .
ويعد علم النفس علم لتحرير النفس البشرية وفتح أبواب المصالحة مع الذات، بمواجهة مخاطر الضغوطات النفسية والمشكلات التي تواجه الفرد الإنسان، فتورث لديه الاضطرابات النفسية: كالاكتئاب والخوف المرضي أو مايسمى بالفوبيا و الهستيريا إلى غيرها من الاضطرابات التي قد تكون عصابية أو دهانية ترسل صاحبها بعيدا الواقع ليفقد توازنه النفسي والوجدانية وتصاب كينونته بالتصدع.
وفي هذا الصدد يمكن لنا الحديث عن علم النفس الإنساني وهو منظور يركز على النظر إلى الشخص بأكمله أي في شموليته ويبدأ هذا العلم بالافتراضات الوجودية بأن الناس لديهم إرادة حرة ولديهم الدافع لتحقيق إمكاناتهم وتحقيق الذات، وقد كانت الإرهاصات الأولى لعلم النفس من بداية الفلسفة اليونانية مع أرسطو وأفلاطون و سقراط وغيرهم من الفلاسفة الذين طرحوا أسئلة وجودية تسائل الذات البشرية وتتبحث عن التحرر عبر الفكر ، إلى أن تطورت الفلسفة بجميع أركانها في عصر الأنوار مع ديكارت وهيجل وكانط وكارل ماركس وغيرهم إذ عانى هؤلاء المفكرون من الاضطهاد من طرف القوى الحاكمة لما حاربوا الرأسمالية والطبقية والميز العنصري ودعوا إلى التحرر الفكري وحق الانسان في العلم والمعرفة والعيش بالكرامة.. وفي هذه المرحلة كان يمثل العقل والمنطق أسمى مراتب الكينونة الإنسانية فالإنسان بدون عقل لن يستطيع أن يصل للكينونة الحيوية حسب ما جاء على لسان فلاسفة الأنوار أنذاك.
وفي منتصف القرن التاسع عشر وبعد الحرب العالمية الأولى و الثانية ، ظهرت مجموعة من الاضطرابات في السلوك البشري ، نتيجة المآسي وجرائم الحرب من اغتصاب وقتل وقصف وتشتت الأسر و تيتم الأطفال و انتشار الفقر والهشاشة… وللتحولات التي عرفتها المجتمعات أنذاك على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي و البحث العلمي حيث نشطت الدراسات والأبحاث في جميع الميادين خاصة الطبية والبيولوجية والنفسية هذه الأخيرة التي شكلت قفزة نوعية في العلوم الإنسانية لتلحق علم النفس بالعلوم الحقة، ليتسابق العلماء من تخصصات طبية أو بيولوجية في نهج تجارب علمية في الحقل السيكولوجي انبثقت من خلالها النظريات الكبرى التي تعد الدعامات الأساسية لعلم النفس.
وانطلاقا من هذا التقديم يمكن لنا طرح إشكالية رئيسية و هي إلى أي حد ساهم علم النفس بمقارباته التحليلية والسلوكية ولبنائية الإنسانية والوظيفية في تحرير كينونة الفرد الإنساني؟
كينونة الفرد الإنساني من خلا ل النظرية الوظيفية والنظرية السلوكية وفق مقاربة تحليلية:
المحور الأول: النظرية الوظيفية:
التيار الوظيفي أو المدرسة الوظيفية هي مدرسة أمريكية المنشأ ، مؤسسها هو " وليام جيمس " تعلم الطب و ألف كتاباً من جزأين بعنوان ( مبادئ علم النفس) 1800م امتلك قدرة في استنتاج وتركيب المبادئ النفسية لأعقد المشكلات.
- المدرسة الوظيفية ردة فعل لمدرسة البنائية التي كان يعتقد أنها محددة المجال اصطناعية وبلا معنى. جاءت بمصطلح جديد وهو ( السيال الشعوري)، حيث تأثرت بفكرة دارون القائلة: أن الغرائز مختلفة وجميع أجزاء الجسم لا يمكن أن تستمر في بقائها ووجودها إلا لأن لها وظيفة لبقاء الكائن الحي وهو المبدأ المعروف "بأن العضو يموت بموت وظيفته".
قال ويليام جيمس: إن الشعور الإنساني يجب أن يكون له وظيفة دالة فلماذا إذن نشعر ؟
النظرية الوظيفية و محور اهتماماتها:
كما أكد على أن الشعور أضيف من أجل قيادة الجهاز العصبي ولينظم له عمله ، لذلك اهتم الذين اتبعوه بالكيفية التي يحدث بها التفكير أو السلوك ، و ركزوا على " لماذا " . أكثر من " ما يحدث " أو " ما هو السلوك " أو " التفكير الحادث " وهذا هو الاختلاف بين المدرستين والسبب في توسيع البحث .
جاء ستانلي هول وهو أول من حصل على الدكتوراه في علم النفس ، وأسس رابطة علم النفس الأمريكية ، هذا الأخير اهتم بالنمو النفسي خلال فترة الطفولة والمراهقة .وكانت أبحاثه بداية ظهور ( علم نفس النمو ) .
و أما " جون دوي " عالم النفس الوظيفي واهتم بالقدرة على حل المشكلات باعتبارها عامل عقلي شعوري للحفاظ على بقاء الإنسان , وأدى هذا الاهتمام إلى نشأة ( علم النفس التربوي ) وبدأت دراسة سلوك الحيوان في قضايا التعلم فظهر( علم نفس الحيوان ) . باعتباره علماً وظيفياً مما أدى إلى ظهور علم النفس الصناعي .
وبخصوص "علم نفس النمو" و "علم النفس التربوي" و "علم النفس الصناعي" و "علم نفس الحيوان" فهي جميعها قائمة على المدرسة الوظيفية وفلسفة هذه العلوم هي: أن لكل سلوك ولكل عضو من أعضاء الإنسان وظيفة.
النظرية الوظيفية و السلوك الإنساني:
المدرسة الوظيفية بدأت في النظر الى الإنسان أنه عبارة عن كائن يؤثر و يتأثر بكل ما حوله. و بدأت هذه المدرسة أيضا تتعامل مع الإنسان و السلوك الإنساني على اعتبار ان نمط سلوكه يحقق منفعة وهو ما يسمى بالمبدأ البراغماتي اي مبدأ المنفعة فكل سلوك يتحدد بما يعود به من نفع على الإنسان. نجد أيضا ان أصحاب المدرسة الوظيفية ينظرون للسلوك الإنساني على اعتبار عملية تأثير و تأثر هذا الأخير الذي يتحدد قيمته بما يعود به من نفع.
من خلال المقارنة بين المدخل البنائي و السلوكي و التحليل النفسي و المدخل الوظيفي نجد انهم ينظرون إلى الإنسان على أنه كائن يؤثر و يتأثر من خلال البيئة التي يتواجد بها على اعتبار ان البيئة لها دور بارز لتشكيل سلوك الإنسان و العامل الوراثي أيضا له دور مثلا اذا اخدنا العوامل البيئية للطالب الذي يوجد في بيئة يسودها العلم و العلماء نجد انه لديه الدفاعية اكثر للتعلم و ليكون لديه هدف و طموح على عكس تمام لطالب اخر يوجد في بيئة لا تقدر دور العلماء لا يكون لديه هدف واضح او القدرة على السير بشكل محكم و مخط و يتعامل مع الآخرين بعشوائية.
و بعد دراستنا لهذه المذاهب يتضح اننا بدأنا في دراسة السلوك الإنساني .
المحور الثاني: النظرية السلوكية:
توصَف النظرية السلوكية بأنها منهجٌ نفسيٌّ يؤكّد على الأساليب العلمية والموضوعية للتحقّق من سلوك الإنسان، و لا يهتمُّ هذا المنهج إلا بسلوك الاستجابة التحفيزية القابل للملاحظة . وقد أعلنت هذه المدرسة أن السلوكيات قابلةٌ للتعلّم بواسطة التفاعل مع البيئة .
وترتكز السلوكية إلى المبادئ الآتية:
علم النفس هو علم السلوك وليس علم العقل، يمكن وصف سلوك الإنسان وتفسيره دون ردّه إلى عوامل عقليةٍ أو داخلية؛ فالعوامل الخارجية هي مصدر السلوك (البيئة)، لا العوامل الداخلية (العقل(.
لا بدَّ من استخدام المفهومات السلوكية في تفسير السلوك في إطار التطوّر النظري لعلم النفس، ومن الضروري قلبُ المفهومات العقلية إلى مصطلحاتٍ سلوكية عند استخدامها في تفسير السلوك، أو إعادة صياغتها إلى مفاهيم سلوكية.
السلوكية المنهجية: وهي نظريةٌ معيارية عن السلوك العلمي، ترى أنه من الواجب أن يصب علم النفس اهتمامه على سلوك الكائن الحي أكثر من حالته العقلية أو الأحداث الخارجية المؤثرة فيه، أو بنظام المعالجة الداخلي للمعلومات المرتبطة بالسلوك
السلوكية النفسية: وتهدف إلى تفسير سلوك الإنسان والحيوان بواسطة المنبّهات التحفيزية البدنية والاستجابات وعملية التعلم، والتعزيزات. وتظهَر السلوكية النفسية في أعمال بافلوف وسكينر وثورنديك وواطسن، وتتمثّل مهمة السلوكية النفسية في تحديد أنواع الارتباط وفهم كيفية تأثير الأحداث البيئية في السلوك، وتحديد العوامل والقوانين والعلاقات التي تتحكّم في تشكيل تلك الارتباطات وتوضيحها، والتنبؤ بمدى إمكانية تغيير السلوك بتغيّر البيئة.
السلوكية التحليلية:
وهي نظريةٌ فلسفيةٌ تنظر في معاني المصطلحات العقلية أو الأفكار ودلالاتها؛ إذ إنها تشير إلى الحالة العقلية بوصفها فكرةً للتصرّف السلوكي أو امتداداً للنزاعات السلوكية، وتتجلّى فى الكيفية التي يتصرّف بها الفرد في موقفٍ ما، فعلى سبيل المثال: بدلاً من أن نقول أن شخصاً ما في حالةٍ عقليةٍ معيّنة، نحدّد السمات الشخصية للفرد عن طريق سلوكه في مواقف أو تفاعلات بيئيةٍ معينة. ونجد السلوكية التحليلية في أعمال غيلبيرت رايل Gilbert Ryle.
رواد النظرية السلوكية:
وتزخر السلوكية بعلمائها، ونورد منهم أوائلَ علماء علم النفس الذين ركّزوا جهودهم في المدرسة السلوكية:
واطسون: عُرِف واطسن بأبي السلوكية، وكان من المؤيدين الأساسيين لتحويل تركيز علم النفس من دراسة العقل إلى دراسة السلوك- وخاصّةً ذلك القابل للملاحظة ومحاولة السيطرة عليه، وأصبح السلوك المُتعّلّم آنذاك هدف السلوكيين، ودرسوا علاقته بسمات الكائن الحي الوراثية، ونصّت الإيديولوجية التي اعتمدها واطسن حينئذٍ على أن العقل يكون بمثابة لوحٍ فارغٍ عند الولادة .
وتتفرّد كتابات واطسن بالسلوكية المنهجية؛ إذ قدّم عدداً من الافتراضات الأساسية المتعلّقة بالمنهجية والتحليل السلوكي؛ وهي كالآتي:
يجب أن يُنظرَ إلى علم النفس كعلم: فالنظريات تحتاج إلى الدعم عن طريق البيانات التجريبية المأخوذة من عمليات ملاحظةٍ دقيقةٍ ومنظّمةٍ، وقياسٍ للسلوك.
كلُّ السلوكيات مُتعلَّمةٌ من البيئة: تؤكّد السلوكية حسب واطسن على دور العوامل البيئية في تكوين السلوك؛ دون استبعاد العوامل الفطرية أو الوراثية .
تولي السلوكية اهتماماً أكبر بالسلوكيات القابلة للملاحظة؛ على العكس من العمليات الداخلية كالتفكير والعواطف. فالسلوكيون يعترفون بوجود عواطف وأفكار داخلية، ولكنهم يفضّلون دراستهم في إطار سلوكياتٍ قابلةٍ للملاحظة تُقاس بموضوعيةٍ وأسلوبٍ علمي. يوجد اختلافٌ بسيطٌ في التعلّم بين البشر والحيوانات.
إيفان بافلوف: عالم فيزيولوجيا قدّم أوّل الأعمال في النظرية السلوكية. تخصّص في دراسة أحد أنواع السلوك المُتعلَّم؛ وهو الفعل المنعكس المشروط. ينطوي هذا المنعكس على الاستجابة المنعكسة غير الواعية للإنسان أو الحيوان تجاه المنبّهات، ومع مرور الوقت تنتج استجابةٌ مشروطةٌ لحافزٍ مختلفٍ يرتبط بالحافز الأصل.
سكينر: عالم نفسٍ سلوكيٍّ تتمحور أعماله فيما يخص كيفية تأثّر السلوك بالعواقب الناتجة عنه، وتكلّم عن التعزيز والعقاب كعوامل رئيسةٍ في إنتاج السلوك.
جمع فكر سكينر بين أنواع السلوكية الثلاثة؛ محاولاً تبيين كيف يمكن للمفاهيم العقلية إعطاء تفسيراتٍ سلوكية، على الرغم من أنه أشار- في ورقةٍ بحثية قدّمها عام 1997 - أن متغيّرات سلوك الإنسان تكمن في البيئة، وأن التركيب المعرفي قد يعطي توضيحاً مضلِّلاً لما يعتمل داخل نفس الإنسان.
استخدم سكينر في أبحاثه الارتباط الإجرائي، وهو مفهومٌ قدّمه سكينر ليسمح بدراسةٍ متأنّيةٍ لمبادئ تعديل السلوك بواسطة التعزيز والعقاب، ويظلُّ صندوق سكينر من المصادر المهمّة للباحثين الذين يدرسون السلوك .
تحليل النظرية السلوكية للإنسان:
ولذا تُعدُّ المدرسة السلوكية من أهمِّ مدارس علم النفس، وقد انبثق منها أيضاً أسلوبٌ علاجيٌّ قدّم أساليب علاجيةً للأطفال المصابين بالتوحد، وأسلوبٌ آخر للتعامل مع أعراض الفصام المزمن.
وأخيراً؛ لا بدّ من إدراك أنه على الرغم من أن المدرسة السلوكية تقتصر على تفسير سلوك الإنسان من وجهة نظرٍ سلوكيةٍ بالمطلق؛لكن أعلن كارل هيمبل carleHemple 1966 أنه من الخطأ تخيّل أن سلوك الإنسان يُفسّر ويُدرك عن طريق مفهومات سلوكيةٍ غير عقلية، وهذا التوجّه تبناه علم النفس المعاصر والفلاسفة؛ فالسلوك دون بناءٍ معرفيٍّ أعمى، والنظريات النفسية تبدو ضعيفةً دون إسنادٍ من المعالجات المعرفية الداخلية.