البيئة هي كل ما يحيط بالإنسان من حيوان ونبات ومظهر من المظاهر الأخرى المختلفة، ولأن القانون ظاهرة اجتماعية وليدة واقع الحياة الاجتماعية فهو بالضرورة يتأثر بالبيئة التي ينشأ من خلالها ويتعامل معها وهو يحاول تنظيم أنشطة الأفراد في علاقتهم بالبيئة سواء كانت أنشطة ايجابية تتعلق بالاستفادة من البيئة وما تقدمه من موارد طبيعية وإمكانات اقتصادية، أو أنشطة سلبية تتعلق باستنزاف واستغلال البيئة وبتدمير مواردها والإخلال بأنظمتها الايكولوجية والتوازن الطبيعي بين عناصرها التكويني.
ولقد تطورت حقوق الإنسان عبر الزمن من الإعلان عن الحقوق الفردية إلى الإعلان عن الحقوق الجماعية إلى الإعلان عن حقوق المشتركة والتي تتمثل في الحق في التنمية وحق العيش في بيئة نظيفة والحق في التغذية وغيرها من الحقوق المشتركة. لذلك يعتبر موضوع البيئة من بين أهم المواضيع التي تم تناولها بشكل كبير و متواتر بالدراسة و المتابعة، لما لها من أهمية على الصعيد الوطني أو الصعيد الدولي، ونظرا لما يحدثه النشاط البشري من تأثيرات على محيطه و البيئة وما أنتجته الصناعة والتكنولوجيا من مشكلات بيئية، أصبح من الضروري التدخل بإجراء دراسات متأنية لتحديد المنافع والمضار و كذا البحث عن الإجراءات الواجب إتباعها سواء كانت فنية أو قانونية لحل هذه المشكلات، والبحث عن مدى التوفيق بين البيئة واحتياجات الإنسان، ولقد أخذت البيئة وقضاياها ووجوب حمايتها حيزا كبيرا من الاهتمام المحلي والإقليمي أو الدولي، لما لها من علاقة مفصلية بالحياة عموما لكل كائن حي، مما دفع الشعوبوالدول نحو التكتل والتوجه نحو إقامة المؤتمرات وتنظيم المنتديات العلمية المتخصصة وعقد المعاهدات المتعلقة بالبيئة وإشكالاتها. إن آثار التهديد البيئي تجاوزت الحدود السياسية للدولة وقد ساهم التطور الكبير لوسائل النقل والاتصال في ذلك حيث أن تسرب غاز من أحد المفاعلات النووية لدولة ما أو انتشار فيروس أو لكثرة الفيروسات المعدية كان آخرها فيروس covid 19 أو تلوث مياه البحر، أصبحت جميعها تشكل تهديدا للبيئة الدولية كلها، ولأن التلوث أصبح مقترنا بالتقدم التكنولوجي تبادلت الدول النامية و الدول المتقدمة المسئولية عن تلويث البيئة، واتهمت
الدول النامية الدول المصنعة بالتنصل من مسؤولياتها عن ذلك وطالبتها بتقديم المساعدات وفي هذا الصدد عقد عدد من المؤتمرات الدولية أهمها مؤتمر ريودي جانيرو، كما تم التوصل الى بروتوكول كيوتو ومؤتمر جوهانسبورغ و مؤتمر باريس عام 2015. إن فقهاء القانون الدولي يعملون جاهدين من أجل وضع مجموعة من القواعد القانونية و تنظيم مجموعة من الخطط لبرمجة المؤتمرات الدولية بغرض تحديد المسؤولية الدولية الملقاة على عاتق أشخاص المجتمع الدولي وهذا لمعالجة الأضرار الناتجة عن تلويث البيئة، كذلك متابعة أخطاء الأفراد والاشخاص تجاه البيئة وتحديد عناصر وأسس و آليات المسؤولية الدولية بناء على العمل الذي يقوم به اشخاص المجتمع الدولي بينما يعمل خبراء القانون الدولي في مجال البيئة على فرض مجموعة من القواعد القانونية التي تحمل اشخاص المجتمع الدولي المسؤولية قبل وقوع الضرر، إن هذه القواعد القانونية تحاول ان تحدد بوضوح الاجراءات التي ينتظر من اشخاص المجتمع الدولي اتخادها للوفاء بالتزاماتها الاساسية من منع الحاق الضرر بالأقاليم التي تخضع لسيطرتها وتمارس فيها نشاطها وكذلك المناطق الخارجة عن نطاق ولايتها الإقليمية.
النسق البيئي: المفهوم والمكونات
مفهوم البيئة:
إن مصطلح البيئة لفظ شائع الاستخدام يرتبط مدلوله بطبيعة العلاقة بينه وبين مستخدمه إذ نقول:البيئة الزراعية، والبيئة الصناعية، والبيئة الاجتماعية، والبيئة الثقافية والبيئة السياسية، والبيئة الصحية... ويرادمن ذلك ربط النشاطات البشرية المتعلقة بهذه المجالات في إطار علاقات تفاعلية
ومصطلح البيئة أو علم البيئة تقابله كلمة Ecologie التي وضعها العالم الألماني ارنست هيجل Ernest Haeckel عام 1866م بعد دمجه كلمتين يونانيتين هما Oikes ومعناها مسكن، و Logos ومعناها علم وعرفها بأنها "العلم الذي يدرس علاقة الكائنات الحية بالوسط الذي تعيش فيه ويهتم هذا العلم بالكائنات الحية ، وطرق معيشتها وتواجدها في مجتمعات أو تجمعات أو شعوب، كما يتضمن أيضاَ دراسة العوامل غير الحية مثل خصائص المناخ (الحرارة، التساقطات الرطوبة، الإشعاعات، الغازات، الهواء...) والخصائص الفيزيائية والكيميائية للأرض والفضاء المحيط بها.
ويتفق العلماء في وقتنا الراهن على أن مفهوم البيئة يشمل كل الظروف والعوامل الخارجية التي تعيش فيها الكائنات الحية والتي تؤثر في العمليات التي تقوم بها. فالبيئة بالنسبة للإنسان » هي الإطار الذي يعيش فيه والذي يحتوي على التربة والماء والهواء وما يتضمنه كل عنصر من هذه العناصر الثلاثة من مكونات جماديه، وكائنات تنبض بالحياة. وما يسود هذا الإطار من مظاهر شتى من طقس ومناخ وجاذبية وومن علاقات متبادلة وتفاعلات بين هذه العناصر «.
إن الحديث عن مفهوم البيئة يعني الحديث عن مكوناتها الطبيعية وعن الظروف والعوامل التي تعيش فيها الكائنات الحية. قسم بعض الباحثين البيئة إلى قسمين رئيسين:
البيئة الطبيعية: ويعنى بها المظاهر التي لا دخل للإنسان في وجودها أو استخدامها ومن مظاهرها: الهواء والبحار والمحيطات، المناخ، التضاريس (جبال هضاب سهول)، الماء والحياة النباتية والحيوانية. وتؤثر البيئة الطبيعية بأشكال مختلفة في حياة أية جماعة حية Population من نبات وحيوان وإنسان.
البيئة المشيدة: يقصد بها البنية المادية التي شيدها الإنسان أي كل المؤسسات والنظم الاجتماعية التي أقامها، و التي نظمت بها المجتمعات حياتها، والتي غيرت البيئة الطبيعية لخدمة الحاجيات البشرية. وتشمل البيئة المشيدة استعمالات الأراضي للزراعة والمناطق السكنية واستخراج الثروات الطبيعية والمناطق الصناعية والمراكز التجارية والصحية والتعليمية والادارية والطرق والسدود...
فالبيئة بأقسامها الطبيعي والمشيد هي عبارة عن كل متكامل يشمل إطارها الكرة الأرضية، ومحيطها الذي تتفاعل معه الكائنات وتوفر ظروف الحياة، فمحتويات هذا الإطار ليست جامدة بل إنها دائمة التفاعل مؤثرة ومتأثرة. والإنسان ككائن حي هو واحد من مكونات البيئة يتفاعل مع عناصرها وكل مكوناتها.
عناصر البيئة:
تقسم البيئة، وفق توصيات مؤتمر ستوكهولم سنة 1972 إلى ثلاثة عناصر هي:
البيئة الطبيعية: تتكون من أربعة نظم مترابطة وهي: الغلاف الجوي، الغلاف المائي، اليابسة، المحيط الجوي، بما تشمله هذه الأنظمة من ماء وهواء وتربة ومعادن، ومصادر للطاقة بالإضافة إلى النباتات والحيوانات، وهذه جميعها تمثل الموارد المتاحة والتي يحصلمنها الإنسان على مقومات حياته من غذاء وكساء ودواء ومأوى.
البيئة البيولوجية: تشمل الإنسان، ومختلف الكائنات الحية داخل المحيط الحيوي. وتعد البيئة البيولوجية جزءاً من البيئة الطبيعية.
البيئة الاجتماعية: يقصد بها شبكة العلاقات التي تنظم حياة الإنسان مع غيره. وتشكل هاته العلاقات الإطار الأساس الذي ينظم أي جماعة من الجماعات سواء بين أفرادها بعضهم ببعض في بيئة ما، أو بين جماعات متباينة أو متشابهة معاً. وتؤلف أنماط تلك العلاقات ما يعرف بالنظم الاجتماعية، التي استحدثها الإنسان منذ نشأته لكي تساعده على تدبير حياته وبقائه فمكنته من تعمير الأرض واختراق الأجواء وغزو الفضاء وعبور المحيطات والوصول إلى أعماق الارض والبحار... وهو ما يعرف بالبيئة الحضارية. تتحدد عناصر البيئة الحضارية في قسمين رئيسيين:
القسم المادي: يقصد به كل شيىء استطاع الإنسان أن يصنعه من مسكن وملبس ووسائل النقل والأدوات والأجهزة التي يستخدمها في حياته اليومية.
القسم غير المادي: ويشمل عقائد الإنسان وعاداته وتقاليده وأفكاره وثقافته وكل ما تنطوي عليه نفس الإنسان من قيم وآداب وعلوم...
البيئة والنظام البيئي: مثلما أسلفنا يطلق العلماء لفظ البيئة على مجموع الظروف والعوامل الخارجية التي تعيش فيها الكائنات الحية وتؤثر في العمليات الحيوية التي تقوم بها. أما النظام البيئي فيقصد به جزء من الطبيعة وما تحويه من كائنات حية ومواد حية في تفاعلها مع بعضها البعض ومع الظروف البيئية وما تولده من تبادل بين الأجزاء الحية وغير الحية، ومن أمثلة تلك النظم البيئية: منظومة الغابات منظومة البحار والمحيطات منظومة الأنهار منظومة التربة، الرياح، الليل والنهار، الرطوبة، التلوث... والمنظومات الحيوانية. ويتميز النظام البيئي بخصائص مختلفة ومتميزة بين الكائنات الحية والكائنات غير الحية كما هو الحال مثلا على مستوى التغذية والكيفية التي تتم بها. ويعتبر الإنسان من أهم العناصر المحدثة للتغير البيئي من خلال أنشطته ومختلف تدخلاته في البيئة.
مظاهر تأثير البيئة على الإنسان:
كانت البيئة منذ القدم عنصرا هاما ومؤثرا بدرجه كبيره على الإنسان وعلى كينونته الحيوية سواء على المستوى الاجتماعي او الفكري او الاقتصادي وحتى السياسي.
مظاهر تأثير البيئة الطبيعية على حياة وكينونة الكائن البشري. شكل تنوع التضاريس الجغرافية والمناخ تأثيرا بارزا على أنماط العيش عند الإنسان، فسكان المناطق الحارة كالصحراء في جنوب المغرب يختلفون عنهم في المناطق الباردة كسكان الجبال في الأطلس على سبيل المثال لا الحصر.
ندرة المياه:
وتمثل الثروة المائية داخل المنظومة البيئية الركيزة والأساس في تشكيل المجتمعات، فنزوح البشر نحو ينابيع المياه العذبة و الأنهار طلباً لتأمين العيش وسد الحاجيات الأساسية أظهرت نشاطات مختلفة بدءا بجمع الثمار و الصيد قديماً ، إلى التطور الزراعي وتربية المواشي و الرعي وغيرها من النشاطات الفلاحية الأخرى ، كما أن الكثافة السكانية المرتفعة في هذه المناطق المائية ، ساهمت في التفاعلات الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية بين السكان،لكن الصعوبات البيئية : كندرة المياه بحدوث تغير ملحوظ في كميات سقوط الأمطار حيث زادت في بعض المناطق و في المقابل ظهور الجفاف في مناطق أخرى كالساحل الإفريقي والبحر الأبيض المتوسط وجنوب أفريقيا ، و تكرار ظواهر الفيضانات و العواصف ، و الارتفاع في درجات الحرارة لبعض المناطق والأقاليم في العالم مما أدى إلى تراجع أحجام و مساحات المناطق والجبال الجليدية في العالم بصفة عامة.
المناخ:
فالتغير المناخي والآثار الناجمة عنه من بين القضايا الهامة التي تشغل العالم. وقد تمت مصادقة المغرب على "اتفاقية الأمم المتحدة الإطار حول تغير المناخ"، في ريو دي جانيرو سنة 1992. كما انعقدت قمم دولية عديدة حول المناخ، ك " مؤتمر الأطراف " (COP)الذي يعقد سنويا منذ 24 سنة، انعقد منها اثنان بالمغرب سنة 2007 و2016 بمدينة مراكش.
"فرغم ان تغير المناخ يؤثر في جميع سكان كوكبنا إلا أن أكبر المتضررين منه وفق تقرير التنمية البشرية عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2014 هم سكان المدن الساحلية الذين يمثلون نحو 45 بالمئة منالسكان العالم وسكان الدول الجزرية الصغيرة وهي 51 دولة نامية تواجه خطرا وجوديا بسبب تغير المناخ، والمزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة خاصه في جنوبي آسيا الذين يعتمدون على الأمطار في غذائهم وزراعتهم وتربية ماشيتهم".
قضايا الأمن والصراع:
كما أن هذه التغيرات البيئية قد تقود العالم إلى حروب متصاعدة حول الموارد المتراجعة في الأمدين القريب والبعيد، وهذا ما أشار إليه الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان بقوله:" إن التغير المناخي بمثابة تهديد شامل لصحة الإنسان ولإمدادات العالم من الغذاء والأمن والسلام".
وهو ما ذهب الرئيس الأمريكي أوباما حينما أشار إلى أن " التغير المناخي عبر الجفاف وتراجع المحاصيل الزراعية سيؤدي الى الجوع والصراع".
فهذه التغيرات البيئية تزيد من مخاطر اندلاع الصراعات خاصة مع تفشي الفقر والعنف إلى جانب التغير المناخي، فحسب بعض الدراسات التي أكدت العلاقة بين التغيرات البيئية والحروب الأهلية في أفريقيا سواء تعلقت الأسباب بهطول الأمطار أو ارتفاع درجة الحرارة، حيث توقعت إحدى هذه الدراسات ازدياد معدلات الحروب الأهلية في أفريقيا عام 2030 بنسبة 55 بالمئة عما كان عليه الحال عام 1990، وأن ضحايا تلك الصراعات سيقترب من نصف مليون قتيل.
الإنتاج والمستوى المعيشي:
والجدير بالذكر الهيكل الإنتاجي ومستوى المعيشة لهذا الإنسان حيث تتفاوت قدرات المجتمعات على مواجهة آثار التغيرات البيئية، فالقوة العاملة في الزراعة تبلغ من 1 الى ا2 بالمئة من القوى العاملة في البلدان الصناعية، لكن تلك النسبة ترتفع أكثر من النصف في جل الدول الإفريقية جنوب الصحراء، ما يفضي إلى ان تغير المناخ من حيث معدلات الأمطار يؤثر بالسلب وبقوة في مختلف مناحي الحياة والأنشطة الاقتصادية لتلك الدول.
ان اكثر الفئات المتضررة جراء التغيرات البيئية هي الجماعات الفقيرة المهمشة سواء كانت تعاني من الفقر النسبي المزمن او المؤقت حيث تزداد حدة هذا الفقر بتقلص الموارد وعدم قدرة الحكومات على مد شبكات الأمان الاجتماعي للمتضررين خاصة حينما تعتمد هذه الفئات على مورد واحد للدخل ، مما يرسخ أسباب الفقر في غياب الدعم الاقتصادي والسياسي للدول الفقيرة قصد مساعدتها على مواجهة تلك التحديات ، وذلك لضعف الدول وهشاشتها وهنا نقصد الدول النامية ، كما أن تدهور الريف يؤدي في جانب منه الى حركة نزوح الى الحضر اذ تخلق ضغوطا على المرافق والخدمات في تلك المناطق ، فيتأثر بذلك التعليم والصحة والائتمان وفرض النظام و القانون وحفظ الأمن مما يؤدي في كثير من الأحيان بالدول إلى تقليص مجال الحريات العامة.
إن هذا التغير المناخي والبيئي الذي نحن بصدده دراسته يؤدي إلى مجموعة من المعوقات والمشاكل النزوح واللجوء والهجرة البيئية هذه الهجرة السكانية التي تؤدي إلى ظهور ظواهر أخرى يصعب التعامل معها من طرف التنظيمات والمؤسسات الحكومية، مما يعمق الهوة بين المشكلات وحلولها.
وهذا ما يشير إلى أن حياة الإنسان مازالت تهددها التغيرات البيئية المتعاقبة منذ القدم رغم التطورات التي عرفتها كل المجالات وخاصة العلمية منها والصناعية على مستوى التجهيزات والتدابير المتخذة لمواجهة هذه المخاطر البيئية.
مظاهر تأثير الإنسان على البيئة:
بعض مظاهر تدخل الإيجابي للإنسان في النسق البيئي:
ليس ثمة شكل أن الإنسان المعاصر من خلال ما اكتسبه من تقنيات عالية جدا وتفوق علمي إبداعي، قد زادت قدراته وإمكاناته في استغلال موارد بيئته واستطاع من خلالها التغلب على الكثير من المعوقات التي تفرضها البيئة الطبيعية. وحتى نتبين تأثير الإنسان في بيئته سنحاول أن نستعرض ما يبذله الإنسان من جهد لتطويع مكونات البيئة الطبيعية ومحاولة إخضاعها لسيطرته بما يحقق حاجاته وطموحات.
فإذا أخذنا البيئة الجبلية ولمواجهة انحدار سفوح الجبال تمكن الإنسان من تحويل هذه السفوح إلى مدرجات أو مصاطب ليحقق لنفسه الأرض المستوية التي تمكنه من ممارسة الإنتاج الزراعي دون مخاطر أو مشكلات (مشكلة جرف التربة وضعف تشرب المياه). وبهذه التقنية استطاع أن يستغل الكثير من السفوح الجبلية في مجال الإنتاج الزراعي. كما قام بشق الأنفاق عبر الجبال ليتغلب على مشكلة صعوبة الاتصال التي تفرضها الموانع الجبلية. كما تمكن من استغلال الإنحدار الشديد للمياه عبر الشلالات والمساقط في توليد الطاقة الكهربائية واستغلالها في إقامة الكثير من الصناعات.ويتجلى تأثير الإنسان وإيجابياته بشكل واضح في البيئات الجافة وشبه الجافة التي تضع أمام الإنسان الكثير من المعوقات الطبيعية (ندرة المياه، تحركات الرمال، ملوحة التربة) واستغل كل ما لديه من علم وتقنية في التغلب على هذه المعوقات، فبالنسبة لندرة المياه قام بالبحث واستطاع أن يستكشف مخازن المياه الجوفية السطحية والعميقة وأن يضخها للاستفادة منها في مجال الإنتاج الزراعي والعمراني، كما استطاع عبر الأقمار الصناعية من تحديد مناطق الخزانات الجوفية العميقة تمهيدا لاستغلالها. كما نجح الإنسان في توفير موارد مياه عذبة عن طريق تحلية (تقطير) مياه البحر حتى أصبحت المياه المحلاة موارد مهمة للاستخدامات المنزلية والتنمية الصناعية الزراعية في الكثير من البيئات الجافة.وفي مواجهة التقلبات المناخية وفي مجال الزراعة لم يقف الإنسان موقفا سلبيا بل أوجد ما يسمى الزراعة المحمية وقام باستنباط الكثير من السلالات التي تتحمل قوة الظروف المناخية أو التي تنمو في فصل نمو أقصر نسبيا من فصل نموها العادي مثال القمح الربيعي.
كما نجح الإنسان من خلال اختراعه لأجهزة التبريد والتدفئة من التغلب على المعوقات الحرارية وخلق ظروف حرارية مناسبة تتيح له القدرة على العمل والنشاط وبذل الجهد كما استخدم الآلات والمعدات الثقيلة في شق الأنفاق وتشييد الطرق وتسوية الأرض واستخراج المعادن من باطن الأرض وتغيير الكثير من ملامح البيئة بما يسهل استغلالها للإنتاج الزراعي دون مخاطر أو مشكلات (مشكلة جرف التربة وضعف تشرب المياه). وبهذه التقنية استطاع أن يستغل الكثير من السفوح الجبلية في مجال الإنتاج الزراعي.
كما قام بشق الأنفاق عبر الجبال ليتغلب على مشكلة صعوبة الاتصال التي تفرضها الموانع الجبلية. كما تمكن من استغلال الانحدار الشديد للمياه عبر الشلالات وبناء السدود، في توليد الطاقة الكهربائية واستغلالها في إقامة الكثير من الصناعات.
وإذا كان الإنسان قد قام بالكثير من التأثيرات الإيجابية في مجال السيطرة على بيئته واستغلال مواردها بكفاءة عالية. إلا أنه في نفس الوقت من خلال سوء استغلاله ونزعته التدميرية التي تتصاعد دوما مع تقدمه التقني قد أحدث بعض التأثيرات الضارة ببيئته التي أسهمت في إفساد وتدهور واستنزاف موارد البيئة وإحداث خلل في نظامها الإيكولوجي وما صاحب هذا الخلل من مشكلات بيئية كبيرة.
بعض مظاهر التدخل السلبي للإنسان في النسق البيئي:
تمثل البيئة بالنسبة للإنسان مجالا حيويا يمكن استخلاصه من خلال عدة مستويات منها:
يعتبر المجال البيئي مصدر وجود الإنسان ومتاع حياته لما يوفره له من هواء وماء وغذاء وملجأ.
يمثل الوسط البيئي الإطار الذي يمارس فيه الإنسان مختلف أنشطته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية... ومثلما يؤثر الوسط البيئي على نشاط الإنسان وسلوكياته، فإن الإنسان بدوره يؤثر بشكل كبير على محيطه البيئي على امتداد حياته ويؤثر بأشكال ودرجات مختلفة
استغلال الإنسان للموارد التي توفرها الطبيعة ويسخرها في خدمته بدرجات متفاوتة وتزيد في الكثير من الأحيان عن الحاجة والقدر المطلوب
ترتكز استدامة النظام البيئي على الاستغلال المعقلن لكافة مكونات البيئة وتحقيق التوازن الايكولوجي الذي باث يشكل مطلبا وهدفا رئيسيا في سياسات المحافظة على البيئة.
بقي الإنسان يتصور بأن بيئته تشكل خزانا للموارد وبقي يعتقد أن الموارد الطبيعية ثروات غير قابلة للانقراض. غير أن بحثه المستمر عن أفضل السبل لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتزايد حاجيات المجتمع بشكل متزايد جعل تصرفاته وأنشطته المختلفة تحدث أضرارا بليغة وسلبية على البيئة.
مظاهر التدهور البيئي:
في إطار الحديث عن المفاهيم البيئية لابد من الاشارة إلى مفهوم، التدهور البيئي. فالتدهور البيئي يقصد به التغير في طبيعة البيئة والتغيير في هذه الحالة إلى الانخفاض والتقلص أو التراجع بمعنى كلمة تدهور فمثلا عندماً نقول رجل تدهورت صحته يعني أنهكان سليماً وأصبح مريضاً. فالتدهور البيئي هنا هو حدوث تغير في اتجاه الأسوأ. بالنسبة للبيئة، تغير في طبيعة البيئة، يقصد به تغير في نوعيتها.
فالتدهور البيئي هو الانخفاض في نوعية البيئة نفسها... وهذا التدهور له تأثير على الإنسان والحياة...فعندما نقول إن نوعية الهواء تدهورت، معناه أن الإنسان أصبح يتنفس هواء ليست له المواصفات المفروضة أو الواجبة أن تكون، فالهواء الجوي له مواصفات خاصة طبيعية وكيميائية فعندما يحصل تدهور في هذه المواصفات، معناه أن الإنسان يتنفس هواء ليست له المواصفات الصحية.
والتدهور في التربة معناه أن التربة أصبحت غير صالحة للاستخدام. والتدهور في التربة الزراعية معناه انه حصل تدهور في نوعية التربة ولاتصلح للاستخدام الزراعي كأن نقول أحياناً أن الأرض تصحرت، يعني تحولت من أرض زراعية إلى أرض غير قابلة للزراعة.
ويمكن اختصار مفهوم التدهور البيئي والقولإنه عبارة عن مجموعالتغيرات الطارئة في الخصائص الطبيعية أو الكيميائية أو البيولوجية لعنصر أو أكثر من عناصر البيئة مثل التربة والغطاء النباتي والمياه الجوفية على نحو يؤثر سلبا في كفاءة وإمكانات هذا العنصر أو العناصر.
للإشارة فقد ساهمت ولاتزال زيادة السكان وحركة التصنيع، بطرق متعددة في التدهور العام لكثير من عناصر البيئة التي يعتمد عليها الإنسان في حياته، كالثروات المعدنية والطاقية والغابات والأتربة والمياه والثروات السمكية والهواء... وبقي الإنسان يستنزف وبكميات كبيرة جدا الموارد الطبيعية دون أن يدرك انه لا يمتلك أي مناعة ضدها. فتراجع صبيب الأنهار أو توقف جريانها بعضها كما تعرض الجليد ولا يزال بالقطبين الشمالي والجنوبي للذوبان، وباتت أنواع كثيرة من الأسماك والحيوانات والطيور تتعرض للانقراض... وساهمت العديد من مبتكراته الكيماوية والبيولوجية في تكريس التدهور البيئي وعرض بذلك نفسه لنتائجها وتداعياتها.
اجمالا يمكن القول إن أساس تدهور عناصر البيئة هو تدخل الإنسان المفرط في النظام العام الذى يحكم هذا الكوكب، فنتج عن ذلك تراجع الموارد الطبيعية وتلوث الكثير منها تلوث بات يصيب الهواء الذى نتنفس والماء الذى نشربه، والطعام الذى ناكله، هذا بالإضافة إلى ظواهر أخرى أقل وضوحاً، وتؤثر كغيرها من الملوثات على البيئة التي يعتمد عليها وجوده . وليست الملوثات ومضاعفاتها السلبية هي المظهر الوحيد لتدهور البيئة، بل يمكن الحديث عن الكثير من هذه المظاهر التي شملت الغلاف الجويلا والحيوي على حد سواء، وامتدت لتنال من البنية الجيولوجية لبعض أماكن الكرة الارضية، كما انعكست على المشاهد الجغرافية للمجالات الطبيعية، كالغابات والأنهار والبحيرات، وامتدت لتشمل المياه الجوفية والثروات الباطنية. بل أكثر من ذلك فإن مظاهر التدهور قد مست حياة الإنسان نفسه وعرضته للخطر من خلال انتشار عدد من الأمراض التي باتت تصيبه كأمراض الحساسية وضيق التنفس والأمراض الجلدية وعدد من أنواع السرطانات.
المشاكل البيئية الكبرى:
تعاني البيئة الكثير من المشاكل والتحديات التي يمكن إجمالها وحصرها في ثلاث نقط أساسية:
مشكلة الانفجار السكاني:
إن المشكلة السكانية كما يراها المالتيسيون تعبر عن سياق غير متكافئبين نمو السكان من جهة وبين الموارد المحدودة من جهة أخرى. في حين أن أصحاب المنظور الاقتصادي يرون بأن المشكلة السكانية، هي عبارة عن سباق بين النمو السكاني المرتفع وبين جمود الموارد المادية من جهة، وتخلف التشكيلات الاجتماعية المهيمنة في البلدان النامية، والتي عجزت عن تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي لشعوبها، على النحو الذي يوفر الغداء واللباس والتعليم والخدمات الصحية، وفرص الشغل لمواطنيها.
أوضحت الدراسات السكانية، أن سكان العالم تضاعفوا بأعداد كثيرة في ضرف وجيز حيث بلغ عددهم 7،7 مليار نسمة سنة 2020 وأنه من المرجح أن يصل عددهم 8 مليار سنة 2023 و 9.2 مليار نسمة بحلول 2050. إن الارتفاع الهائل لعدد سكان العالم سيؤدي لا محال إلى استغلال الموارد الطبيعية وتدمير البنى البيئية بشكل كبير بسبب تزايد الحاجيات مما سيؤدي إلى عدم التوازن بين التضخم السكاني من جهة، وضعف توفر الموارد والغداء والسكن الملائم والطاقة والمياه من جهة أخرى.
ومن الآثار السلبية لنمو السكان الهائل سوء توزيعهم، فتركز السكان في المدن والعواصم الكبرى سيولد ضغطا على الموارد وبالتالي تدمير البيئة، لعل من أبرز تمظهراتها،تراجع الأراضي الزراعية أو المساحات الخضراء بسبب الزحف العمراني المتزايد، بالإضافة إلى زيادة التلوث، البطالة، والفقر...
إن عدم أخذ العامل السكاني بعين الاعتبار في التخطيط التنموي والبيئي، سيؤدي إلى حدوث، خلل تنموي، بحيث تغدو المجتمعات عاجزة عن تلبية الحاجيات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للأفراد،فهذا النمو السكاني سيصاحبه نقص في الماء والغداء، وتلوث للماء والهواء والتربة، ونقص الطاقة واستنزاف الموارد البيئية غير المتجددة، وازدياد الهجرة، وازدياد كمية الفضلات والنفايات، وما يصاحبها من تأثيرات سلبية على كل مكونات البيئة كالمناخ مثلا
مشكلة التلوث البيئي:
يقصد به التغيرات غير المرغوب فيها، والتي تحيط بالإنسان كليا، أو جزئيا، كنتيجة لأنشطته من خلال حدوث تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة، من شأنها أن تغير من المكونات الطبيعية والكيمائية والبيولوجية للبيئة، ومن ثمة التأثير على الإنسان وطبيعة الحياة التي يعيشها.
ويعرف التلوث البيئي كما أسلفنا على أنه التغير الذي يحدث في المميزات الطبيعية للعناصر المكونة للبيئة. ويمكن استنتاج العناصر المشكلة لمفهوم التلوث، وكذا أنواعه المختلفة كما يلي:
التغير الكيفي: ويحدث بإضافة مركبات صناعية غريبة، على الأنظمة البيئية الطبيعية، التي لم يسبق لها أن كانت ضمن دوراتها، وتتراكم في الماء أو الهواء أو التربة، وأبرز مثال على ذلك، المبيدات الزراعية والأسمدة.
التغير الكمي: يتم بزيادة نسبة بعض المكونات الطبيعية للبيئة، كزيادة نسبة أول وثاني أوكسيد الكربون عن نسبته المعتادة، نتيجة للحرائق الهائلة التي تلحق الغابات، أو زيادة درجة حرارة المياه في منطقة ما، بسبب ما تلقيه وتطرحه بعض المصانع من مياه حارة. أو قد يكون بإضافة كمية من مادة في موقع حساس كما هو الحال بالنسبة لتسرب النفط في مياه البحار والمحيطات.
التغير المكاني: يؤدي تغير مكان بعض المواد الموجودة في الطبيعة إلى تلوث البيئة و إلحاق الضرر بها، فنقل المواد المشعة والخطرة على سبيل المثال من مكان إلى مكان آخر، قد يترتب عنه أضرار بالبيئة، و نفس الشيء بالنسبة لنقل النفط بالسفن و البواخر، عن طريق البحار و المحيطات، فقد يؤدي غرقها إلى تلوث المياه بالنفط و إلحاق الضرر بالكائنات الحية و المياه.
أنواع التلوث: يتنوع التلوث الذي يصيب البيئة إلى عدة أنواع، كما يمكنها أن تكون متداخلة، حسب نظرتنا إليه:
بالنظر إلى طبيعة التلوث:
وفي هذا الإطار يمكن أن نميز بين ثلاثة أنواع من التلوث، تلوث هوائي، وتلوث مائي، وتلوث أرضي أو ترابي.
التلوث الهوائي: يعتبر أكثر أشكال التلوث البيئي انتشارا، نظرا لسهولة انتقاله وانتشاره من منطقة إلى أخرى، وبفترة زمنية وجيزة نسبيا، ويؤثر هذا النوع من التلوث على الإنسان والحيوان والنبات، تأثيرا مباشرا، ويخلف آثارا بيئية وصحية واقتصادية واضحة، متمثلة في التأثير على صحة الإنسان، وانخفاض كفاءته الإنتاجية، كما أن التأثير ينتقل إلى الحيوانات، ويصيبها بالأمراض المختلفة ويقلل من قيمتها الاقتصادية.
التلوث المائي: فهو التغير في طبيعته وخواصه، وفي مصادره الطبيعية المختلفة، حيث يصبح غير صالح للكائنات الحية التي تعتمد عليه في استمرار بقائها، في حين أن التلوث الأرضي هو التلوث الذي يصيب الغلاف الصخري والقشرة العلوية للكرة الأرضية، ويعتبر الحلقة الأولى والأساسية من حلقات النظام الإيكولوجي، وتعتبر أساس الحياة وسر ديمومتها.
التلوث الترابي: يقصد به تلوث التربة من جراء استعمال المبيدات والأسمدة بكميات كبيرة وإلقاء النفايات مما يفقدها خصوبتها ويعرضها لفقدان المواد العضوية بالتالي ضعف المردودية.
بالنظر إلى مصدر التلوث:
ينقسم التلوث بناءا على مصدره إلى نوعين، تلوث طبيعي وآخر اصطناعي.
التلوث الطبيعي: ينتج عن الظواهر الطبيعية التي تحدث بين الفينة والأخرى، كالزلازلوالأعاصير والبراكين، كما تساهم بعض الظواهر المناخية كالرياح والأمطار في إحداث بعض صور التلوث البيئي، علما أن مصادر هذا التلوث طبيعية ولا دخل للإنسان فيها. حيث يصعب مراقبتها أو التنبؤ بها، أو السيطرة عليه تماما. لكن هذا لا يعفي السلطات الإدارية من اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من تأثيراته السلبية على الإنسان وبقية الأحياء.
التلوث الاصطناعي: فهو التلوث الذي ينتج بفعل نشاط الإنسان، أثناء ممارسته اليومية لأوجه حياته المختلفة، وهذا التلوث يجد مصدره في أنشطة الإنسان الصناعية والزراعية والتجارية والخدماتية.
بالنظر إلى نطاقه الجغرافي:
نميز في هذا النوع صورتين، تلوث محلي ويقصد به التلوث الذي لا تتعدى آثاره الحيز الإقليمي في مكان مصدره، بمعنى انه التلوث المحصور سواء من حيث مصدره، أو في آثاره في منطقة معينة، أو إقليم معين، أو مكان محدد كمصنع أو غابة، أو بحيرة أو نهر داخلي... وتلوث بعيد المدى والذي عرفته اتفاقية جنيف سنة 1979 على أنه التلوث الذي يكون مصدره العضوي موجودا كليا أو جزئيا، في منطقة تخضع للاختصاص الوطني، وتحدث آثاره الضارة في منطقة تخضع للاختصاص الوطني لدولة أخرى.
بالنظر إلى أثاره على البيئة:
نميز كذلك في النوع من التلوث بين ثلاثة أنواع،النوع الأول هو التلوث المقبول، والذي لا تكاد تخلو منطقة ما على الكرة الأرضية من هذا النوع من التلوث، وهو درجة من درجات التلوث التي لا يتأثر بها توازن النظام البيئي، ولا يكون مصحوبا بأي أخطار أو مشاكل بيئية، أما النوع الثاني فهو التلوث الخطير، حيث تعاني منه العديد من الدول الصناعية، والناتج بالدرجة الأولى عن النشاط الصناعي. ويعتبر هذا النوع، كمرحلة متقدمة من مراحل التلوث. حيث أن كمية ونوعية الملوثات تتعدى الحد البيئي المسموح به، والذي يبدأ معه التأثير السلبي، على العناصر الطبيعية والبشرية. أما النوع الثالث فهو التلوث المدمر، والذي يحدث فيه انهيار للبيئة والإنسان معا، ويقضي على كافة أشكال التوازن البيئي، أي أنه يدمر، بدون إعطاء فرصة للإنسان، حتى لمجرد التفكير في حلول. ويحتاج إصلاح هذا النوع من التلوث لسنوات طويلة ونفقات باهظة. ولا يقف عند هذا الحد، بل وتتأثر منه أجيال من البشر على المدى الطويل. كما هو الحال بالنسبة للتلوث النووي الناجم عن انفجار مصنع تشيرنوبيل بأوكرانيا، حيث لا تزال آثاره مستمرة لغاية اليوم .
استنزاف الموارد البيئية: يعني استنزاف الموارد بصفة عامة تقليل قيمة المورد، أو اختفائه عن أداء دوره العادي في شبكة الحياة والغذاء، ولا تكمن خطورة استنزاف المورد فقط عند حد اختفائه أو التقليل من قيمته، وإنما الأخطر من كل هذا، تأثير الاستنزاف على توازن النظام البيئي، والذي ينتج عنه أخطار مباشرة أوغير مباشرة بالغة الخطورة. ذلك أن استنزاف مورد من الموارد قد يتعدى أثره إلى بقية الموارد الأخرى، ومن هنا تتسع دائرة المشاكل فتتداخل محليا وعالميا.
للإشارة فإنه يمكن تصنيف الموارد البيئية المعرضة للاستنزاف إلى ثلاثة أنواع:
استنزاف الموارد الدائمة: والمكونة كما أسلفنا من الموارد الدائمة في الطبيعة من هواء، وماء، وتربة... فعلى الرغم من ديمومتها، إلا أنها تستنزف بصورة لا تتناسب وطبيعتها. حيث يستنزف الهواء مثلا بالمبالغة في استخدام الوسائل التي تستنفذ ما به من أوكسجين، أو تستبدله بغازات ضارة، أو يستنزف عن طريق التمادي في استئصال مصادر انبعاثه من غابات وأحراش ومياه.
استنزاف الموارد المتجددة: ويقصد به استنزاف الموارد التي يبقى رصيدها متجددا وقابلا للانتفاع به مرات ومرات، بل ولعصور زمنية طويلة، إذا ما أحسن استغلال مصادرها البيئية، ولم تتعرض للإفراط في الاستخدام بالشكل الذي يؤدي إلى تدهورها تدريجيا، والانتقاص من صلاحيتها للاستخدام. غير أن الإنسان سعى جاهدا لاستنزاف ما يمكنه الحصول عليه من موارد البيئة المتجددة، سواء الحيوانية أو النباتية أو التربة، فبالنسبة مثلا للأحياء الحيوانية البرية والبحرية، فإن عددا لا يستهان به من مختلف أنواع الحيوانات، قد استنزف وأوشك على الانقراض حيث تشير بعض الدراسات إلى انقراض حوالي مليون كائن حي حيواني مع نهاية القرن العشرين.
استنزاف الموارد غير المتجددة: ويقصد به استنزاف موارد البيئة ذات المخزون المحدود، والتي تتعرض للنفاذ والنضوب، لأن معدل استهلاكها يزداد يوما عن يوم، في حين يتناقص مخزونها اطرادا ودرجة استهلاكها. خصوصا وأنها موارد تحتاج في تكوينها لسنوات طويلة، قد لا يدركها الإنسان في عمره القصير. وتشمل هذه الموارد النفط والغاز الطبيعي والفحم والمعادن... هذه الموارد تظل أصلا طبيعيا، طالما بقيت مخزونة في الأرض، لكن متى تم استخراجها واستغلالها ونقلها إلى أماكن تصنيعها أو أسواق استخدامها، تصبح هذه الموارد مجرد سلعة عادية تدخل كمواد أولية أو سلع وسيطة، في إنتاج سلع وخدمات أخرى.
واقع بيئي بات ينذر بالخطر ويهدد الكائن البشري مما دفع بالمنتظم الدولي إلى عقد عدد من اللقاءات والمؤتمرات الدولية لتدارس تداعيات تدهور البيئة على الإنسان من أجل ايجاد حلول أو الحد من التدهور وأ قر أياماعلمية ترتبط بعناصر بيئية وازنة من أجل التحسيس بها والمحافظة عليها، والتأكيد على ضرورة الاهتمام بالبيئة بشكل عام. فأصبحت المناسبات البيئية متعددة، منها ماهو عالمي وغيرها إقليمي وأخرى محلية. ومن هذه المناسبات والمؤتمرات نذكر:
المؤتمرات:
مؤتمر ستوكهولم 1972 بالسويد: شاركت فيه 115 دولة عام 1972 واتفق المؤتمرون على مبدأ وجوب وقف كافة الأنشطة التي تسبب التلوث بمختلف أنواعه. ودعا إلى السعي لإيجاد سياسات عالمية لحماية البيئة وإنشاء مؤسسات تهتم بقضايا البيئة في إطار الأمم المتحدة؛
مؤتمر نيروبي 1982 بكينيا: جاء بعد عشر سنوات من اعلان استوكهولم، اهتم هذا اللقاء الدولي بشؤون البيئة والتنمية وشدد على التخفيف من حدة النزاعات التي تساهم بشكل كبيرفي انتشارالتلوث والفقر وتسبب أضرارا فادحةللبشرية. ومن أهمالمبادئ التي ركز عليها:معالجة التصحر والجفاف، وتشجيع الزراعة، ومكافحة الفقر، والتعاون والتنسيق بين الدولمن أجل حماية البيئة في العالم. كما تطرق لقضايا أخرى كالنمو الديموغرافي السريع خاصة فيدول النامية؛
مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة 2002 بجوهنسبورغ في جنوب افريقيا وسمي بقمةالأرض الثانية وشدد على العمل بتوصيات قمة ريوديجانيرو وفقا لتعهدات الدول من أجلالحفاظ على البيئة وحل المشاكل العالقة بين الدول مع التنصيص على حق الإنسان في البيئية والتنمية المستدامة وهذا ما نصت عليه عدد من البنود الداعية إلى الحرية والمساواة والعيش السليم والكريم في ظروف بيئية تضمن السلام والرفاهية؛
مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2012؛
مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2016كوب22؛
مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات في عام 2017 المعروف رسميا باسم مؤتمر الأمم المتحدة الرفيعالمستوى لدعم تنفيذ الهدف 14من أهداف التنمية المستدامة المعني بحفظ المحيطات والبحاروالموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام لتحقيق التنمية المستدامة كان هذا المؤتمرأول حدث عالمي للأمم المتحدة مخصص للمحيطات. وقد جمع المؤتمر الدول وأجهزة الأممالمتحدة والأوساط الأكاديميةوالمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والقطاعالخاص لمناقشة تنفيذ الهدف 14من أهداف التنمية المستدامة؛
مؤتمر البيئة 2018 و2019.
بعض الأيام التحسيسية الخاصة بالبيئة:
بدأت الأمم المتحدة تدرك أن حماية البيئة البشرية وتحسينها هي مسألة رئيسية تؤثر على رفاه الشعوب والتنمية الاقتصادية في كل أنحاء العالم، لذا جعلت الامم المتحدة منذ 1972من يوم 5 يونيو يوما عالميا للبيئة. أصبح هذا اليوم يمثل فرصة متاحة لتوسيع قاعدة الرأي المستنير والسلوك المسؤول للأفراد والشركات والمجتمعات في سبيل المحافظة على البيئة يوم البيئة العالمي 5 يونيو: تحتفل دول العالم سنويا في الخامس من يونيو باليوم العالمي للبيئة،ويأتي الاحتفال بهذا اليوم تخليدا لذكري انعقاد أول مؤتمر للأمم المتحدة اهتم بالبيئة البشرية، عام 1972 في ستوكهولم عاصمة السويد، ويهدف هذا اليوم الى توجيه الاهتمام العالمي بما تواجهه البيئة العالمية من أخطار والدعوة إلى تنسيق الجهود الدولية لتطويق هذه الأخطار ومنعها من التفاقم.
يوم المياه العالمي 11مارس: يحتفل العالم من كل عام بيوم المياه العالمي. ويعكس الاحتفال بهذا اليوم الأهمية الكبيرة التي توليها دول العالم قاطبة للموارد المائية باعتبارها شريان الحياة الذي يتعين علينا جميعا المحافظة عليه من التلوث والهدر، واستغلاله بشكل سليم ومرشد يضمن استمراريته للوفاء باحتياجات جيلنا وأجيال المستقبل.