وسائل الاعلام والتنشئة الاجتماعية:
تعتبر وسائل الإعلام كالإذاعة والتلفزيون والكتب والمجلات والصحافة من أهم المؤسسات الاجتماعية والثقافية وأخطرها في عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال والناشئة، بما تحمله من مثيرات جذابة، ومؤثرات فاعلة، وبما تتضمنه من معلومات وخبرات وسلوكات تقدمها عبر أحداثها وشخصياتها، بطريقة مغرية تشتمل إنتباه القراء والمستمعين والمشاهدين، لموضوعات وسلوكات ومواقف مرغوب فيها، إضافة إلى توفير الترفيه والترويج والاستماع بقضاء أوقات الفراغ. ومن ضمن وسائل الاعلام نجد:
- المطبوعات:
حيث لا تقل في رسالتها عن الأسرة والمدرسة، وهي من خلال موادها المبسطة والتّي تنشرها تقدم للفرد أصول المعارف والصحة والآداب والفضيلة والأخلاق والإحساس بالمجتمع والحياة، تقوم بمهمة التعليم هدفها اجتماعي ووظيفة اجتماعية تسعى إلى خلق مجتمع متعارف.
فهي تزيد من خبرات الطفل بصورة متدرجة وتطلعه على نماذج مختلفة من السلوكات التّي يقتنع بها، ويحاول إستدخالها في بنيته الشخصية، بعدما يتضح له الجيد منها والرديء، وبما يسهم في نمو القيم الاجتماعية لديه، أي ما يقرأه الطفل من موضوعات مناسبة لسنه، يؤثر في إدراكه للعالم الداخلي والخارجي، ويسهم في إشباع حاجاته للتخيل والمعرفة والإطلاع.
- الإذاعة:
تعتبر الإذاعة عصب الإعلام المسموعة، واسعة الإنتشار حيث يتم الإستماع إليها في المكان والزمان المرغوبين من قبل المستمع، وقد تبوأت وتزايد الاعتماد عليها يوما بعد يوم بالنظر لما تقوم به المادة المذاعة من تسلية الناس المستمعين وتقديم المواد الثقافية المختلفة لهم وإطلاعهم على آخر الأحداث المحلية والدولية من خلال نشرات الأخبار والبرامج المتنوعة، وبذلك تسد حاجة الناس إلى الترفيه والتثقيف والإعلام.
ولذلك تؤدي الإذاعة بخصائصها المتميزة دورا هاما بين وسائل التنشئة الاجتماعية، بما لها من تأثيرات فعالة في شخصيات الأفراد/ المستمعين، ولا سيما تزويدهم بالمعارف والخبرات المختلفة، وتعزيز أنماط السلوك المرغوبة والقيم السائدة في المجتمع... أما بالنسبة للطفل فإنّ الإذاعة وعبر رامجها المختلفة تقدم للطفل مواقف وعلاقات اجتماعية معينة، وتعلمه كيف يمكنه أن يواجه تلك المواقف في حياته الواقعية الحالية والمستقبلية.
التلفزيون والسينما:
أ. التلفزيون: يعد التلفاز من أكثر وسائل الإعلام الجماهيرية في عصرنا الحاضر، نظرا لقدرته على الاتصال والتأثير في الكبار والصغار، من خلال مثيرات جذابة ومشوقة، تشد المشاهد وتلزمه على المتابعة لفترة طويلة، ومن المعروف (نفسيا وتربويا) أنّ تعدد المثيرات التّي تشرك أكثر من حاسة فاعلة عند الإنسان، تؤدي إلى شدّة الإنجذاب والإنتباه، وبالتالي الحصول على التأثير والفائدة بصورة أكبر وأدوم سلبا أو إيجابا، وهذا ما تفعله الشاشة الصغيرة في عصرنا الحالي.
ب. السينما: السينما تكسب أفراد الأسرة القيم والتقاليد والعادات التّي يعرضها الفيلم، ويزيد إنفتاح عقلية الطفل وتفتح الآفاق أمامه وبإطلاق على تطور العلوم والحياة في الأقطار الأخرى فالسينما ليست أداة للهو بل هي أداة فاعلة من أدوات تنميتهم عقليا وعاطفيا واجتماعيا وخلقيا ووسيلة من وسائل ثقافتهم وهي فن يسهم في تأصيل الكثير من المفاهيم القيم.
تاثير الإعلام الاجتماعي على البنية الثقافية للأسرة العربية:
لكل مجتمع من المجتمعات ثقافته الخاصة وتورث هذه الثقافة عبر الأسرة من جيل إلى جيل، فالأسرة العربية لها ثقافتها المنبثقة من حضارتها العربية الإسلامية، والأسرة العربية كنظام اجتماعي ما هي إلا إحدى تجليات هذه الثقافة الموروثة عبر الأجيال، ودور الأسرة هو الحفاظ على المكونات الثقافية الأصيلة للأسرة العربية وتوريثها للأبناء، ومواجهة التيارات الثقافية الوافدة وتحصين الهوية الثقافية من الاختراق والاحتواء من ثقافات أخرى خارجية. ولا شك أنه في ظل الثورة الاتصالية التي يعيشها العالم الآن أصبح الإعلام الاجتماعي ظاهرة واسعة الانتشار ومؤثرة على طريقة تفكير الأفراد وتحدثهم مع الآخرين، وهذا ما جعل صانعي شبكات التواصل الاجتماعي ومطوريها يقودون العالم الجديد ويصوغون ثقافته ويضعون سياساته ويتحكمون باقتصاده بأدواتهم الاتصالية التي أصبحت وسيلة للسيطرة على العالم وفرض ثقافة العولمة وقيمها، ومن الطبيعي في ظل هذه الهيمنة أن تتأثر المجتمعات بثقافة مغايرة لثقافاتها.
تتمثل مخاطر الإعلام الاجتماعي على ثقافة الأسرة العربية فيما يلي:
الهجمة الثقافية الشرسة على ثقافة الأسرة العربية:
“الأسرة العربية تواجه اليوم هجمة شرسة من الغرب من خلال تصدير ثقافته عبر الإعلام الاجتماعي والتي عادةً ما تتناقض وفي أغلب الأحيان مع ثقافتنا الأصيلة، وفي الواقع نجد أن الثقافة الغربية قد بدأت تتغلغل في أوساط الأطفال واليافعين والشباب عبر منصات التواصل الاجتماعي وهذا قد يؤدي إلى عملية ذوبان ثقافي بحيث تلجأ الناشئة العربية إلى رفض ثقافتها الأصيلة والتشبث بثقافة الغرب والاعتزاز بها .
انعدام التكافؤ في نشر الثقافات المختلفة:
إنَّ ما يهدد البنية الثقافية للأسرة العربية هو انعدام التكافؤ في نشر الثقافات عبر وسائل الإعلام الاجتماعي، فالثقافة السائدة هي ثقافة الغالب الأقوى، ثقافة النظام العالمي الجديد، ثقافة العولمة التي تتسرب إلى الأسرة العربية من خلال وسائل التواصل الرقمي بحيث أصبحت الأسرة العربية متلقية لثقافة موجهة أصلاً لإلغاء الآخر وفي نفس الوقت ثقافة قائمة على السطحية والاستهلاك وتعظيم شأن الاقتصاد والربح على حساب كرامة الإنسان.
محاكاة وتقليد ثقافة الآخرين:
التأثر بثقافة الغير المغايرة لثقافة الاسرة العربية الأصيلة ويظهر ذلك من خلال تقليد الملبس والمأكل إضافة إلى احتمالية وقوع الأطفال تحت تأثير ثقافة أصدقائهم الافتراضيين كثقافة العنف والابتزاز والتهديد وتشويه صورة الآخر وغير ذلك .
ولد ثقافات هجينة:
لقد أتاح الإعلام الاجتماعي الفرصة للأفراد للتواصل فيما بينهم على اختلاف معتقداتهم وأعراقهم وطبقاتهم الاجتماعية، وقد يرى البعض أنَّ هذا التواصل زاد من انفتاح المجتمعات على بعضها وزاد من مساحة العلاقات بينها، ولكن يبقى التخوف قائماً من الغزو الفكري الذي ولَّد حالة ثقافية مشوشة عند الأفراد نتيجة التناقض بين الثقافة السائدة في الأسرة العربية والتي هي جزء أصيل من عملية التنشئة الاجتماعية والثقافة الغربية الوافدة، وأصبحت الثقافة المهيمنة على عقول الناشئة هي ثقافة هجينة مزيجة، وأصبح المجتمع الافتراضي هو الذي يفرض ثقافته على الأفراد لأنَّ ما يجمعهم هو الاهتمام المشترك وليست الهوية الجمعية للمجتمع أو الانتماء إليها.
تغليب الهوية الفردية على الهوية الجمعية:
من مخاطر الإعلام الاجتماعي على ثقافة الأسرة العربية أن الهوية الفردية المنتمية للعالم الافتراضي حلَّت مكان الهوية الجمعية الوطنية والقومية المتشكلة أصلا من الحضارة العربية الإسلامية والقائمة على وحدة اللغة والدين والتاريخ والجغرافيا والأهداف والمصير المشترك، وما يشاهد اليوم على أرض الواقع العربي من تعصب ديني وعرقي وطائفي وصراعات داخلية قد جاء نتيجة لتفكك الهوية الجمعية الوطنية لصالح الفردية والإقليمية الضيقة بديلاً عن وحدة الأمة العربية، وفي ظل هذا الفضاء المفتوح فإنَّ سلطة الفرد على نفسه أصبحت أقوى من سلطة الأسرة والمجتمع على الفرد مما قد يؤدي على المدى البعيد إلى انهيار الهويات الوطنية والقومية، وهذا يجعل الأسرة العربية يقع على عاتقها حماية أمنها الثقافي من تأثيرات الإعلام الاجتماعي من خلال المحافظة على الهوية الوطنية ومكوناتها وخاصة حماية لغة أبنائها من الضياع والتهميش، فاللغة العربية هي إحدى مكونات الهوية العربية .
تشكل وعي ثقافي جديد لدى الأسرة العربية:
هناك اكتساب لثقافات سلبية منها التطرف ونبذ الآخر ونشر الإشاعات الكاذبة والتنمر، وأوجدت وسائل الإعلام الاجتماعي أنماطاً جديدة وغريبة من الجرائم الإلكترونية مثل سحب الأرصدة والقرصنة والابتزاز من خلال الصور .
تفشي ظاهرة الثقافة الهابطة:
ويتجلى ذلك باهتمام أفراد الأسرة العربية بصيحات الموضة من ملابس وقصات شعر وعمليات تجميل والتوجه نحو الفن وتقليد الفنانين، والاهتمام بالثقافة الغربية وتقليدها على حساب الثقافة الملتزمة التي تطوِّر شخصية الأفراد وترفع من شأن أمتهم.
بقلم: أميمة الشرقاوي