إن الاهتمام بالطفل وحماية حقوقه من كل انتهاك، أصبح يحتل حيزا هاما في التشريعات الحديثة، وذلك لسيادة الوعي بأن حماية هذه الفئة من المواطنين تشكل عماد ومستقبل الدولة، الأمر الذي دفع الشارع إلى وضع ترسانة قانونية قصد إقرار الحماية اللازمة لهذه الفئة.ولم يقتصر الأمر على القوانين الداخلية لكل دولة بل امتد إلى إبرام اتفاقيات ذات طابع دولي غايتها توفير الحماية اللازمة للطفل، لعل أبرزها اتفاقية حقوق الطفل التي حثت الدول على توفير جملة من الحقوق للأطفال لتنشئتهم على نهج سليم.
وإذا كان الأمر كذلك وفق القوانين الوضعية، فان الشريعة الإسلامية الغراء كانت سباقة لهذه الحماية اللازمة للطفل، فقد أولته بالعناية الكاملة منذ كونه جنين في بطن أمه إلى غاية بلوغه سن الرشد، وكفلت له كافة حقوقه الجسدية والنفسية والمالية والتعليمية والتربوية بأفضل صور الرعاية والمحافظة عليها ورسم معالمها.
إن المعيار الطبيعي لنشوء الطفل هو كنف الأسرة وتحت رعاية الأم والأب، إلا انه في بعض الأحيان ولأسباب مختلفة يتواجد أطفال في وضعية الحرمان من هذه الأسرة، وبالتالي يصبحون أكثر عرضة للأخطار والضياع وللاستغلال من قبل ذوي النفوس الضعيفة، وقد أطلقت القوانين الوضعية على هذه الفئة ومن في زمرتها الأطفال المهملين وأولتها بالعناية والحماية اللازمتين، والمغرب لم يكن بمنأى عن ذلك واصدر نظاما يعالج هذا المقتضى أطلق عليه نظام معالجة كفالة الأطفال المهملين.
وقد عرف موضوع معالجة كفالة الأطفال المهملين ببلادنا عدة محطات على مستوى القوانين انتهت بصدور قانون 15.01 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين، والذي تضمن الشروط الموضوعية لكفالة الطفل المهمل ، كما نص على الإجراءات المسطرية التي يتوجب إتباعها من طرف طالب الكفالة والجهات المخول لها النظر في كليه وإسناد هذه الكفالة وتتبع تنفيذها ومدى الوفاء بالالتزامات الناشئة عليها.
و يمكن تعريف الطفل المهمل نصت المادة الأولى من القانون رقم 01-15 على انه يعتبر مهملا الطفل من كلا الجنسيين الذي لم يبلغ سنه ثمان عشرة سنة شمسية كاملة إذ وجد عدد من الحالات كان يكون ولد من أبويين مجهولين، أو ولد من أب مجهول وأم معلومة تخلت عنه بمحض إرادتها. او إذا كان يتيما أو عجزا أبواه عن رعايته وليست له وسائل مشروعة للعيش. او في حالة ذا كان أبواه منحرفين ولا يقومان بواجبهما في رعايته وتوجيهه من اجلاكتساب سلوك حسن كما في حالة سقوط الولاية الشرعية، أو كان أحد أبويه الذي يتولى رعايته بعد فقد الآخر أو عجزه عن رعايته منحرفا ولا يقوم بواجبه المذكور إزاءه.
ويلاحظ من خلال هذه المادة أن حالات الإهمال وردت حصرا وليس على سبيل المثال فلا مجال للقياس عليها أو اجتهاد القاضي فيها، لأن لا اجتهاد مع ورود النص. (بحث قانوني في قانون الكفالة في القانون المغربي. امل مرشد. محام نت.)
اما الكفالة فيمكن تعريفها في الاصطلاح القانوني في المادة الثانية من ظهير 13 يونيو 2002 بأنها …الالتزام برعاية الطفل مهمل وتربيته وحمايته والنفقة عليه كما يفعل الأب مع ولده ولا يترتب عن الكفالة حق في النسب ولا في الإرث.(مجلة المنار ،دراسة قانونية في نظام الكفالة الاطفال المهملين بالمغرب ، ادريسات عبد السلام، جامعة محمد الخامس الرباط )
يكتسي هذا الموضوع أهمية بارزة تتجلى على المستوى العلمي في الإجراءات القانونية لكفالة الأطفال في وضعية صعبة أما من الناحية العملية فهي تبرز من خلال طرح أهم الإشكالات التي تعتري الإجراءات المسطرية سواء على مستوى التتبع أو على مستوى التقاضي أو على مستوى إجراء البحث الاجتماعي .
ان الاشكالية التي ينطلق منها هذا البحث إلى أي حد استطاع المشرع المغربي من خلال القانون المتعلق بكفالة الأطفال المهملين الحفاظ على مصالح الطفل في وضعية صعبة؟
هذا الإشكال تنبثق عنه جملة من التساؤلات الفرعية و هي كالتالي:
- ماهي الشروط المتبعة لكفالة الأطفال المهملين؟
- ما هي الإجراءات المسطرية لكفالة الأطفال المهملين؟
- ما هي أهم الإشكالات التي تواجه طلبات الكفالة؟
للإجابة عن التساؤلات ارتأينا تقسيم الموضوع إلى مبحثين رئيسيين :
المبحث الأول: الاجراءات القانونية لكفالة الطفل المهمل و الآثار المترتبة عن تنفيدها.
المبحث الثاني: الصعوبات العملية بشأن البث في طلبات كفالة الأطفال في وضعية صعبة
المبحث الأول: الاجراءات المسطرية لحماية الطفل المهمل و الآثار المترتبة عن تنفيدها
المطلب الاول: الإجراءات السابقة عن تقديم طلب اسناد الكفالة
قبل تقديم طلب إسناد الكفالة إلى الجهة المختصة لابد من مراعاة مدى سلوك مسطرتين أساسيتين تقوم بهما النيابة العامة، باعتبارها تتولي النيابة عن هذه الفئة، وتقوم بكل ما يلزم لتسوية وضعيتهم القانونية، وأول هذه المساطر مسطرة تسجيل الطفل المهمل بالحالة المدنية ( فقرة أولى ) إضافة إلى مسطرة التصريح بالإهمال ( فقرة ثانية ).
فقرة الأولى: مسطرة تسجيل الطفل المهمل بالحالة المدنية :
إن الطفل المهمل قد يوجد في وضعية سليمة بسجلات الحالات المدنية، كما قد لا يكون كذلك، وهو الأمر الذي يتطلب التدخل من اجل معالجة هذه الوضعية وتسويتها بما يتوافق مع القانون.
ومن اجل ذلك أوكل المشرع المغربي أمر السهر على تسجيل الأطفال المهملين بسجلات الحالة المدنية إلى النيابة العامة) نظام كفالة الأطفال المهملين في القانون المغربي /العلاوي محمد /) وفي هذا الصدد تقضي المادة 5 من القانون رقم 01-15 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين بأن يقوم وكيل الملك عند الاقتضاء بكل الإجراءات الضرورية لتسجيل الطفل بالحالة المدنية قبل تقديمه طلب التصريح بالإهمال حيث يصرح بولادته وكيل الملك بصفة تلقائية أو بناء على طلب من السلطة المحلية أو من كل من يعنيه الأمر، معززا تصريحه بمحضر في هذا الشأن وبشهادة طبية تحدد عمر المولود وجه التقريب(مجلة مرجع، حقوق الطفل المتكفل به المالية, التسجيل في الحالة المدنية, إنتهاء الكفالة/https://maraje3.com// تاريخ الاطلاع 20mai 202
يقوم بالتصريح بولادة الإبن المجهول الأبوين أو المتخلى عنه بعد الوضع وكيل الملك من تلقاء نفسه أو بطلب من السلطة المحلية أو ممن يعنيه الأمر.
أما بالنسبة للإبن مجهول الأب فتصرح به أمه أو من يقوم مقامها، وتختار له اسما عائليا واسم أب من أسماء العبودية لله تعالى "كعبد الصمد" "و عبدالرحمان" ويشار إلى ذلك في هامش رسم ولادته )المملكة المغربية وزارة الداخلية / دليل الحالة المدنية).
الفقرة الثانية: مسطرة التصريح بالإهمال
يقوم وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الواقع بدائرة نفوذها مقر إقامة الطفل أو مكان العثور عليه بإيداع الطفل مؤقتا بإحدى المؤسسات الصحية أو احد المراكز أو مؤسسات الرعاية الاجتماعية المهتمة بالطفل سواء كانت تابعة للدولة أو غيرها أو إي شخص يرغب في كفالته والذي تتوفر فيه شروط الكفالة ، إما تلقائيا أو بناء على إشعار من طرف الغير ،.و يقوم وكيل الملك بإجراء بحث بشان الطفل .
يقدم وكيل الملك على الفور طلب التصريح بان الطفل مهمل، إلى المحكمة الابتدائية الواقع بدائرة نفوذها مقر إقامة الطفل أو مكان العثور على الطفل أو مقر المركز الاجتماعي المودع به .
فإذا كان الطفل مجهول الأبوين ، فان المحكمة تصدر حكما تمهيديا يتضمن كافة البيانات اللازمة للتعريف بالطفل بالاستناد إلى الأبحاث والوثائق المرفقة بالمقال، ولها القيام بكافة الأبحاث والخبرات قبل إصدار حكمها ويتم في هذه الحالة بتعليق الحكم بمكاتب السلطة المحلية بمكان العثور على الطفل أو الموجود به مقر إقامته أو المؤسسة المودع بها أو أي مكان تقرره المحكمة ، وبعد مضي ثلاث أشهر من تاريخ التعليق دون أن يتقدم أي شخص لإثبات أبوته له و المطالبة باسترداده تصدر المحكمة حكما تصرح فيه بان الطفل مهمل مشمولا بالنفاذ المعجل وتوجه نسخة منه بطلب من وكيل الملك أو من الشخص الذي يرغب في كفالة الطفل إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين بالمحكمة المختصة .
(نظام كفالة الأطفال المهملين في القانون المغربي العلاوي محمد /العدالة)
المطلب الثاني: إجراءات الحصول على كفالة الأطفال المهملين و الاثار المترتبة عن ذلك
أحاط المشرع المغربي نظام الكفالة بمجموعة من الضمانات توخى منها تحقيق حماية الطفل وتوفير بيئة سليمة لتنشئته.
وتبعا لذلك فقد عمل على وضع مجموعة من الإجراءات الواجب إتباعها من اجل الحصول على أمر بإسناد كفالة طفل مهمل، وهو ما من شانه أن يرتب أثارا عديدة على الكافل , كما انه أوكل أمر تتبع تنفيذها إلى جهة معينة، منذ إسنادها إلى غاية انتهائها بأحد الأسباب المنصوص عليها في القانون رقم 15.01.
الفرع الأول: إجراءات الحصول على كفالة الأطفال المهملين والآثار المترتبة عن ذلك
يتعين على من يرغب في كفالة طفل مهمل أن يتبع الإجراءات المنصوص عليها قانونا.
إن الحصول على أمر بإسناد كفالة يرتب على الكافل مجموعة من الآثار تتمثل في التزامات تلقى على عاتقه، كما قد يستفيد من مجموعة من الحقوق التي يمنحها القانون على ذلك .
الفقرة الأولى: إجراءات الحصول على كفالة الأطفال المهملين
يتعين على الشخص أو الجهة الراغبة في كفالة طفل مهمل تقديم طلب إسناد كفالة إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين بمقر إقامة الطفل، مرفق بالوثائق التي تثبت توفر الشروط الواجبة في طالب الكفالة والسابق ذكرها.
وإذا تعلق الأمر بتعدد طالبي كفالة طفل واحد، تمنح الأسبقية للمتزوجين الذين ليس لهما أطفال أو للذين لهما أفضل الظروف لضمان المصلحة الفضلى للطفل .
وقد أوكلت المادة 16 من هذا القانون الإطار رقم 15.01 للقاضي المكلف بشؤون القاصرين قبل إسناد الكفالة مهمة جمع المعلومات والمعطيات المتعلقة بالظروف التي ستتم فيها كفالة الطفل المهمل، عن طريق بحث خاص يجريه بواسطة لجنة حددها المرسوم الصادر في 7 يونيو 2004، تتكون من وكيل الملك وناظر الأوقاف، وممثل السلطة المحلية، والمساعدة اجتماعية ، ومندوب وزارة الصحة.
إذا أسفرت هذه الأبحاث عن توفر الشروط المطلوبة يصدر القاضي أمرا بإسناد الكفالة إلى الشخص طالبها ينص فيها على تعين الكفيل مقدما عن المكفول يكون مشمولا بالنفاذ المعجل مع إمكانية الطعن بالاستئناف في الأمر لدى محكمة الاستئناف الذي تبث فيه بغرفة المشورة.
ينفذ الأمر بإسناد الكفالة من طرف المحكمة التي صدر بها الأمر داخل اجل 15 يوما من تاريخ صدوره بحضور ممثل النيابة العامة والسلطة المحلية والمساعدة الاجتماعية ويحرر محضر تسليم الطفل المكفول إلى الجهة الكفيلة يتضمن هوية الكافل والمكفول والأشخاص الذين حضروا التسليم، وساعة التسليم، يحرر في ثلاث نظائر يسلم واحد منها إلى الكافل والأخر إلى قاضي شؤون القاصرين، ويحتفظ بالثالث في ملف التنفيذ ويوقع من طرف عون التنفيذ والكافل .
توجه نسخة من الأمر القاضي بإسناد الكفالة إلى ضابط الحالة المدنية المسجل لديه الطفل المكفول داخل شهر من إصداره قصد تضمينه مسطرة رسم ولادته.
الفقرة الثانية: الآثار المترتبة عن الأمر بإسناد الكفالة
يترتب عن الأمر المتعلق بإسناد الكفالة كما نصت على ذلك المادة 22 من هذا القانون ما يلي:
– تحمل الجهة الكفيلة بتنفيذ الالتزامات المتعلقة بالنفقة على الطفل وحضانته ورعايته وتنشئته تنشئة إسلامية، وتلبية حاجياته إلى حين بلوغه سن الرشد القانوني.
- إذا كان المكفول أنثى تستمر نفقتها إلى أن تتزوج أو تتوفر على الكسب،
- تستمر النفقة على المصاب بإعاقة أو العاجز عن الكسب مدى الحياة،
- استفادة الكافل من التعويضات والمساعدات الاجتماعية المخولة للوالدين عن أولادهم من طرف الدولة أو غيرها من المؤسسات الخاصة أو العامة،
- كون الكافل مسؤولا مدنيا عن أفعال المكفول ،
- تطبق على الكافل عند ارتكابه جريمة في حق المكفول مقتضيات القانون الجنائي التي تعاقب الوالدين عن الجرائم التي يرتكبونها في حق الأولاد وتطبق على المكفول مقتضيات الأولاد في حق الوالدين.
وانسجاما مع أهلية الطفل لقبول التبرعات فان مقتضيات القانون المتعلق بكفالة الأطفال المهملين خولت للكافل التبرع لفائدة المكفول سواء بطريق الهبة أو الوصية أو التنزيل أو الصدقة مع سهر القاضي المكلف بشؤون القاصرين الواقع ضمن دائرة نفوذه محل إقامة الطفل المكفول على إعداد العق اللازم لذلك وعلى حماية حقوق المكفول.
الفرع الثاني: تتبع تنفيذ الكفالة و أسباب انتهائها
إن حماية الطفل المكفول توجب تتبع تنفيذ الكافل لالتزاماته عند إسناد الكفالة له ,إضافة إلى ذلك فان هذه الكفالة لا تعتبر أبدية بل تنتهي بأحد الأسباب التي حددها القانون.
الفقرة الأولى: تتبع تنفيذ الكفالة
إن الأمر بإسناد الكفالة لا ينتهي بمجرد صدوره بل إن حماية الطفل المكفول تقتضي مراقبة مدى وفاء الكافل بالتزاماته ، وقد عهد المشرع من اجل دلك إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين مهمة تتبع الكفالة و له إن يعهد من اجل ذلك بإجراء الأبحاث التي يراها مناسبة إلى الجهات التالية :
- ممثل النيابة العامة أو السلطة المحلية أو المساعدة الاجتماعية.
- لجنة مكونة من ممثل النيابة العامة ، ممثل الأوقاف و الشؤون الإسلامية ، ممثل السلطة المحلية ، ممثل السلطة الحكومية المكلفة بالطفولة .
يقع على عاتق هذه الجهات رفع تقارير إلى القاضي ليتخذ ما يراه ملائما لمصلحة الطفل، وفي حالة امتناع الكافل عن تنفيذ التزاماته يحال الملف على النيابة العامة لتنفيذه بواسطة القوة العمومية، أو بما تراه مناسبا .
ومن أجل بسط رقابته على هذه الكفالة وتتبعها فقد منع المشرع على الكفيل السفر بالطفل المكفول للإقامة الدائمة خارج المغرب إلا بعد حصوله على الإذن بذلك من طرف القاضي بناءا على طلب بشان ذلك.
و ترسل نسخة من الإذن عند صدوره إلى المصالح القنصلية المغربية لمحل إقامة الكفيل للقيام بدور تتبع وضعية المكفول هناك.
الفقرة الثانية : أسباب انتهاء الكفالة
تنتهي الكفالة حسب المادتين 25 و 26 من قانون كفالة الأطفال المهملين بإحدى الأسباب التالية منها ما يعود للكافل و منها ما يعود للمكفول:
- بلوغ المكفول سن الرشد (ولا يسري ذلك على البنت الغير متزوجة و لا الولد المعاق او العاجز عن الكسب)؛
- موت المكفول؛
- موت الكافل ( البند الثالث من المادة 25 )؛
- فقدان الكافل الأهلية؛
- حل المؤسسة أو المنظمة أو الجهة الكافلة؛
- إلغاء الكفالة بأمر قضائي في حالة الإخلال بالالتزامات أو تنازله أو إذا اقتضت مصلحة المكفول ذلك.
ولا تنتهي الكفالة بالطلاق أو التطليق بين الكفيلين، وهكذا فإذا انفصمت عرى الزوجية بينهما، اصدر القاضي المكلف بشؤون القاصرين بناء على طلب من الزوج أو الزوجة أو النيابة العامة أو تلقائيا أمرا إما باستمرار الكفالة لأحدهما، أو باتخاذ الإجراءات التي يراها مناسبة في هذا الصدد بعد إجرائه للبحث المنصوص عليه في المادة 16 من هذا القانون .
إذا انتهت الكفالة بأحد الأسباب أعلاه أشير إلى ذلك برسم ولادة المكفول، كما يبت القاضي عند الاقتضاء بأمر في شان التقديم على الطفل المكفول بناء على طلب من الشخص المعني أو النيابة العامة أو تلقائيا.
المبحث الثاني: الصعوبات العملية بشأن البث في طلبات كفالة الأطفال في وضعية صعبة
إذا كانت مسألة البت في طلبات كفالة الأطفال غير المهملين تتم بسهولة ويتم إنجاز الأبحاث المتعلقة بها بسرعة، فإن الوضع يختلف عندما يتعلق الأمر بكفالة الأطفال المهملين. ففي هذه الحالة، تواجه مسطرة الكفالة العديد من الصعوبات والتحديات على مستوى البحث الاجتماعي وإجراءات القضايا القانونية والمتابعة.
المطلب الاول: الصعوبات على مستوى البحث الاجتماعي و مسطرة التقاضي
الفرع الأول: على مستوى البحث الاجتماعي
ويتم هذا البحث الاجتماعي عن طريق مساعدة اجتماعية كجهة من الجهات التي نص عليها المرسوم رقم 2.03.600 بتاريخ 07 يونيو 2004 المطبق للمادة 16 من القانون.
ومن مهام المساعدة الاجتماعية في مجال قضاء الاسرة و تحديدا في مسألة الكفالة جمع المعطيات حول ظروف طالبي الكفالة ، تتبع وضعية الطفل المكفول بمراقبة و تتبع شؤون المكفول و البحث في مدى التزام الكافلين تجاه تربيته و تعليمه و تلبية جميع حاجياته و الحضور عند تنفيد الامر بتسليم الطفل المكفول ، ايضا البحث في اسباب الطلب و التأكد من صحتها و تقديم اقتراحات ملائمة مع مراعاة المصلحة الفضلى للمكفول و تحرير تقرير بذلك .
وتتعرض مجموعة من العراقل و المهيقات في طريق بحث المساعدة الاجتماعية ونذكر من اهمها صعوبة جمع المعطيات حيث انه يستوجب تحريات دقيقة لا يتأتى جمعها إلا بالانتقال إلى مكان تواجد طالب الكفالة فإنه في منطقة مترامية الأطراف كإقليم الرشيدية الذي نعمل به، و الذي تتوفر دائرته القضائية على محكمة ابتدائية و ثمانية عشر مركزا قضائيا متباعدة فيما بينها، بشكل قد تصل معه المسافة بين مركزين اثنين إلى ما يقارب الأربعمائة كيلومتر، لا يبدو أن مساعدة اجتماعية واحدة بمقدورها القيام بجميع الأبحاث و التحريات المطلوبة، خصوصا وأنها تقوم بعمل مهني صرف في إطار وظيفتها بوزارة الصحة التابعة لها، ثم غنها قد تنتدب من قبل السيد قاضي الأسرة المكلف بالزواج للقيام ببحث اجتماعي بشأن طلب تزويج القاصر في إطار المادة 20 من مدونة الأسرة، و حتى إن تمكنت من القيام بذلك، فإن بحثها قد لا يكون بالجودة والمواصفات المطلوبة و التي تفيد القاضي عند بثه في الطلب .
و الذي يزيد في أعباء المساعدة الاجتماعية عن إجراءات تسجيل الطفل المهمل المودع بإحدى المؤسسات الصحية، نتيجة ولادة غير شرعية ترتبت عن علاقة زنى، و هي الصورة الغالبة للحالات المعروضة علينا، و إجراءات استصدار حكم تصريحي بكون الطفل مهملا، و التي توجب المادتان 04 و 05 من القانون 15.01 القيام بها من طرف وكيل الملك، لا تقوم النيابة العامة بها وإنما توكل ذلك الى المساعدة الاجتماعية، وهي إجراءات قد تتطلب وقتا ليس باليسير و تستوجب تردد المساعدة على المحكمة لمعرفة مآلها.
الفرع الثاني: على مستوى مسطرة التقاضي
يتم خلال هذه المرحلة تقديم طلب من الشخص أو الجهة الراغبة في تقديم الكفالة إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين المختص. يجب أن يتم تقديم الطلب بمرفقات الوثائق المطلوبة لإصدار أمر يُسند بموجبه الكفالة.
و أول إشكال نصادفه باستقراء نص المادة 15 من القانون 15.01 أنها لم تحدد شكليات خاصة للطلب المذكور و لم توضح ما اذا كان يستوجب أداء الرسوم القضائية أم معفى من كل أداء، لكننا عمليا نقبل الطلب إذا كان موضحا لهوية طالب الكفالة أومعرفا بما يكفي بالجهة الراغبة فيها، و كذا بهوية الطفل المهمل موضوع الطلب، دون فرض أداء أية وجيبة قضائية عليه، ثم إن البحث يأمر القاضي بإجرائه طبقا للمادة 16 قد يستغرق وقتا طويلا، يصل في عدة أحيان إلى سنتين، و هو ما يفيد عدم إيلاء الجهات المختصة بالبحث طبقا للمرسوم 2.03.600 الصادر بتاريخ 07 يونيو 2004 العناية اللازمة لهذه الملفات رغم كون الأطفال المعنيين بها في وضعية صعبة، و يزداد الأمر تعقيدا إذا كان السيد وكيل الملك قد سبق أن سلم الطفل مؤقتا لامرأة ترغب في كفالته إعمالا للمادة الثامنة من القانون، و كان الطفل آنذاك في أيام حياته الأولى فإنه لا يفتح عينه إلا على هذه المرأة، فكيف يتأتى بعد ذلك نزعه منها، إذا طالت مدة البحث وأسفرت نتائجه عن عدم توفرها على الشروط المطلوبة قانونا، و الحال أن علاقة حميمية تكون قد نشأت بينهما بشكل يصعب معه فصله عنها حفاظا على استقراره النفسي، و في وقت ليس من السهل فيه ايضا إسناد كفالة الطفل إلى شخص أو جهة أخرى إلا بالمرور عبر نفس المسطرة .
إنها وضعية تستوجب حث جهات البحث على القيام بما يطلب منها بالكفاءة اللازمة و السرعة المتطلبة احترازا من الوقوع في أوضاع شائكة بعد ذلك .
إن عدم التعجيل بالبحث المأمور به، قد يؤدي أيضا إلى عدم إنجازه بالمرة كما هو الشأن في حالة المرأة التي تتسلم الطفل مؤقتا من وكيل الملك بمقتضى محضر تسليم مؤقت، و تغادر المدينة التي كانت تستقر بها قبل قيام لجنة المادة 16 بالبحث المطلوب منها، خصوصا إذا لم تكن موظفة بأحد قطاعات الدولة أو عاملة بإحدى المؤسسات العمومية أو الخاصة أو بإحدى الجماعات المحلية، و لم تعمل بعد استقرارها بعنوانها الجديد بموافاة القاضي المختص به، فيما هو مآل الملف عندئذ، وما هي السبل الكفيلة لمعرفة ما إذا كان الطفل المسلم لها يعيش في كنفها في وضع يلقى فيه كامل الرعاية و العناية و التربية وفق ما يستوجبه القانون 15.01؟
ونقطة أخيرة في هذا الباب، لا مجال لتجاوزها تتمثل في أن ناظر الأوقاف أو مندوب الشؤون الإسلامية حاليا كجهة من جهات البحث المأمور به لجمع المعلومات والمعطيات المتعلقة بالظروف التي ستتم فيها كفالة الطفل المهمل، لا يقوم بالمطلوب منه بشكل مرضي، بل يكتفي بمراسلة تتضمن عبارة مفادها ان النظارة أو المندوبية لا ترى مانعا من إسناد الكفالة لطالبها في إطار ما تنص عليه الشريعة الاسلامية من التكافل و التضامن، و في إطار مقتضيات القانون المسطر لهذا الغرض .
المطلب الثاني : علـى مستوى التتبع
يترتب عن الأمر بإسناد كفالة طفل مهمل تتبع ومراقبة شؤون الطفل المكفول في مدى وفاء كافله بالتزاماته، وتعتبر هذه الصلاحية القضائية من الضروريات الأساسية التي تنبه إليها قانون الكفالة، حيث إن هذه المراقبة تشكل إجراء وقائيا يحمي الطفل المكفول من كل ما قد يمس به سواء كان مصدرها الغير أو الكافل نفسه، وذلك لما لوحظ في الواقع من أوضاع مزرية لأطفال أسندت كفالتهم إلى أشخاص لم تتم مراقبتهم ولا متابعة تنفيذهم لالتزاماتهم المترتبة عن إسنادهم الكفالة.
الفقرة الأولى: الصعوبة/ التحدي الأول:
إن واقع هذا التتبع وحسب ما يؤكده جل المساعدين والمساعدات الاجتماعيين المباشرين لملفات الأطفال المهملين بأقسام قضاء الأسرة غائب أو شبه غائب لدى عموم القضاة المكلفين بشؤون القاصرين لعدة عوامل منها:
-كون النص القاضي بالتتبع لا يلزم قاضي شؤون القاصرين بهذا التتبع، حيث لم ينص لا على كيفيته ولا عن وثيرته ولا عن إجراءاته وإن كان ينص عن إجراء الأبحاث التي يراها مناسبة هكذا بإطلاق.
-كون هذا التتبع يدخل في خانة الإمكان أي عند وجود ما يقتضي هذا التتبع كبلاغ من جهة معينة أو شكاية من المكفول أو من له صلة أو نحو ذلك.
-قيام بعض الكافلين بتغيير محل سكناهم بل وانتقال بعضهم للسكن بمدن أخرى، دون سابق إخبار القاضي المكلف بشؤون القاصرين، مما قد يصعب تنفيذ مهمة المراقبة في هذه الحالة.
الفقرة الثانية: الصعوبة/ التحدي الثاني:
تنص المادة 14 من القانون 15.01 أنه يعهد إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين الواقع بدائرة نفوذه إقامة الطفل المهمل بإسناد كفالته إلى الشخص أو الجهة الراغبة فيها طبقا للمادة التاسعة من القانون، فهل هذا القاضي هو نفسه الذي يعهد إليه طبقا للمادة 19 بمهمة تتبع و مراقبة شؤون المكفول و مدى وفاء كافله بالتزاماته، و الواقع بدائرة نفوذه مقر إقامة الكافل أم أنه قاض آخر؟
ذلك أن مقر إقامة الطفل المهمل قد يكون مختلف عن مقر إقامة الكافل، حيث يتصور أن يكون الطفل مودعا بمؤسسة لرعاية الطفولة مثلا بمدينة معينة، و يكون الراغب في كفالته مقيما بمدينة أخرى، و إذا ما أراد التكفل به فعليه أن يتقدم بطلبه إلى القاضي الذي يقع بدائرة نفوذه مقر المؤسسة المودع بها الطفل، فهل هذا القاضي هو الذي سيعمل على جمع المعلومات والمعطيات الخاصة بطالب الكفالة بواسطة لجنة المادة 16:
- ممثل للنيابة العامة؛
- ممثل للسلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف والشؤون الإسلامية؛
- ممثل للسلطة المحلية؛
- ممثل للسلطة الحكومية المكلفة بالطفولة.
رغم أن أعضاء هذه اللجنة لا يتواجدون بدائرة نفوذه أم أنه سيلجأ إلى إعمال الإنابة القضائية عن طريق انتداب القاضي المكلف بشؤون القاصرين لمحل اقامة طالب الكفالة بالحلول محله لإنجاز البحث المطلوب؟ و إذا ما سلمنا بإمكانية هذا الحل الأخير، ما دامت الإنابة القضائية وضعت أساسا لحل مثل هذه الإشكالات، فهل سينتهي دور القاضي الواقع بدائرة نفوذه مقر اقامة الطفل بإصدار أمره بإسناد الكفالة الى طالبها عند توفر الشروط المتطلبة فيه وفق ما أسفرت عنه نتائج الانتداب القضائي، أم سيمتد دوره للقيام بمهمة تتبع و مراقبة شؤون الطفل المكفول، و مدى وفاء كافله بالتزاماته، والحال أن هذا الأخير لا يقطن بدائرة نفوذه؟
واذا ما كان دوره سينتهي بإصدار أمره بإسناد الكفالة، فهل معنى هذا أن دور التتبع ومراقبة شؤون المكفول و مدى وفاء كافله بالتزاماته، سيقوم بها القاضي الواقع بدائرة نفوذه اقامة الطفل، والحال أن هذا الأخير لا يتوفر على ملف الكفالة، وإنما أنجز فقط ما ورد بإنابة قضائية صدرت إليه من قاض آخر.
إنه إشكال لم يعط القانون 15.01 أي توضيح بشأن تجاوزه، يخالطه واقع عملي يتمثل في الرغبة في إسناد كفالة طفل مهمل إلى شخص يبدو مؤهلا للقيام بالكفالة على وجهها المطلوب لتوفره على جميع شروط المادة التاسعة، تمتزج به الرغبة في انتشال ذات الطفل من المؤسسة المودع بها و التي قد لا ينعم في أحضانها بالرعاية والعناية والتربية اللازمة، خصوصا وأن جل المؤسسات على قلتها، لا تتوفر بالضرورة على الإمكانات المادية الضرورية و لا على الأطر البشرية الكافية و المؤهلة للقيام بالدور المنوط بها، وهي على العموم تعرف اكتظاظا ملحوظا بالأطفال الموجودين في وضعية صعبة .
إن إشكالا مماثلا قد يطرح بشأن تتبع وضعية الطفل المكفول المأذون لكافله بالسفر به خارج أرض الوطن، خصوصا و أن آليات التنسيق والقنوات التي يتعين المرور عبرها لتفعيلها بين السادة القضاة المكلفين بشؤون القاصرين وبين المصالح القنصلية والسفارات المغربية التابع لها محل اقامة الكافل، غير محددة لا بنص قانوني.
الفقرة الثالثة: الصعوبة/ التحدي الثالث:
هناك إشكالية ثالثة تتعلق بغياب كيفية واضحة لضمان تتبع وضعية الطفل المكفول عند كافله الاجنبي، حيث إن قانون الكفالة 15.01 على المستوى الوطني يغيب فيه اي نوع من التنسيق المرتكز على اتفاقية بينية تخص موضوع الكفالة، أي أن في حالة إعطاء الأمر بالسفر بالطفل المكفول خارج أرض الوطن، مثلا، يصعب تحقيق تطبيق مقتضيات الفصل الثالث من قانون الكفالة المتعلق بتتبع تنفيذ الكفالة.
وعلى هذا الأساس اثار المشاركون في الندوة الوطنية، "كفالة الأطفال المهملين: بين تقوية الضمانات وتذليل الإكراهات"، التي نظمتها محكمة النقض بمقرها بالرباط منذ 2014، أثاروا إشكالية إسناد الكفالة للأجنبي، التي ينبغي أن تراعى فيها مصلحة الطفل المكفول، إذ "ينبغي أن يحافظ على هويته، وهو ما لا يتم احترامه في العديد من الدول لغياب اتفاقيات ثنائية بين البلدين تضمن عنصر التتبع والمراقبة".
خاتمة:
على سبيل الختم، يمكن القول بأن هناك إشكالات وصعوبات عملية المواكبة لمسطرة البت في كفالة الأطفال المهملين، علما أن الواقع العملي قد يفرز غيرها، مشيرا فقط إلى أن عدد الأطفال المهملين يتزايد بشكل مطرد، و بوثيرة لا تتماشى مطلقا مع العدد القليل للأشخاص الذين يرغبون في الكفالة، كما أن المؤسسات والهيئات والمنظمات والجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة، لا تتواجد إلا بأعداد محدودة، وهي إن وجدت، لا تتوفر على كل الوسائل المادية والموارد والقدرات البشرية المؤهلة لرعاية الأطفال وحسن تربيتهم وتنشئتهم تنشئتهم تنشئة إسلامية.
بقلم: سعاد الصبار، وهاجر بوغابة، وندى شواع، ونعمان حمداوي