-->

المسؤولية الجنائية للأطر التربوية في مجال التعليم الأولي

 يعد الحديث عن المسؤولية الجنائية للأطر التربوية العاملة في مجال التعليم الأولي، واحد من الموضوعات الهامة التي أحاطها المشرع المغربي بعناية قانونية، تسعى إلى تنظيم الممارسات المهنية وتحديد المسؤوليات الواقعة على عاتق الفاعل التربوي الممارس من داخل منظومة التربية والتعليم بالمغرب.

المسؤولية الجنائية للأطر التربوية في مجال التعليم الأولي

وقد شكل مفهوم المسؤولية عامه والمسؤولية الجنائية على وجه الخصوص، أحد المفاهيم البارزة؛ بحيث اُعتبرت المسؤولية وضعية التكليف يكون فيها الشخص مسؤولاً عن تصرفاته القولية والفعلية والأدائية بالفعل أو الترك، بل قد يكون مسؤولاً عن الاضرار التي يتسبب فيها الذي يكون تحت حراسته أو عهدته، وهو ما يصطلح عليه (بالمسؤولية التقصيرية) إنسانا كان أم حيوانا أم شيئا، وتشتد المسؤولية أو تضعف حسب مستوى الشخص العلمي والفكري والمهني والموقع الاجتماعي.

إن حديثنا هنا سيتركز على وجه الخصوص على القسم الخاص بالمسؤولية الجنائية التي يحكمها وينظمها القانون الجنائي، والذي يعتبر حسب أحمد اباش في معناه العام "القواعد القانونية التي تحدد الأفعال المعتبرة جرائم يعاقب عليها قانونا والعقوبات المقررة لها والإجراءات التي تتبع في تعقب المتهم ومحاكمته وتوقيع العقوبات عليه إذا ثبت إجرامه.

بهذا تكون المسؤولية الجنائية لهذه الفئة (الأطر العاملة بمجال التعليم الأولي) هي كل ما يرتكبه رجل التعليم شخصيا من اخطاء ناتجة عن إهماله أو عدم مراعاته النظم أو القوانين طبقا لمقتضيات القانون الجنائي، كل ذلك دون اغفال ماله من حقوق مهنيه.

ولقد أكدت مجموعة من الأبحاث أنه في غالب الأحيان ما تكون المتابعات التي يخضع لها الموظف في التعليم سببها يرجع إلى العقوبات البدنية ضد المتعلمين، فاللجوء للعنف والعقوبات البدنية يجرمه القانون كما ترفضه النظريات البيداغوجيه. هذا مع الإشارة إلى أن أحكام الضرب والجرح ذات طابع عام يخضع لها كل شخص دون استثناء ويتابع المدرس كباقي الأشخاص في حالة ضربه للمتعلم أو إيذائه؛ سواء كان خطأه عمداً أو غير عمد.

لقد جاءت المسؤولية الجنائية للأطر العاملة في مجال التعليم الأولي على وجهين اثنين: يتعلق الوجه الأول بالمسؤولية ذات العلاقة بالمعلمين والمتعلمين الواقعة مسؤوليتهم على عاتق الأطر التربوية، أما الوجه الثاني فيتعلق بمسؤولية ذات طبيعة إداريه ومؤسساتية.

المسؤولية الجنائية بالنسبة للمدرسين

يسال إطار التربية والتكوين عما يرتكبه شخصياً من أخطاء ناتجة عن إهماله أو عدم احتياطه أو عدم تبصر أو عدم مراعاته النظم والقوانين طبقاً لمقتضيات القانون، كل ذلك دون إغفال ما له من حقوق مهنيه.

وإننا هنا سنقف عند بعض الأفعال المجرمة قانوناً والمعاقب عليها بمقتضى فصول القانون الجنائي، والتي غالبا ما يكون ضحيتها المتعلمين والأطفال بأقسام التعليم الأولي أو في مستويات أخرى من أسلاك منظومة التربية والتعليم.

في حال حدوث القتل أو الجرح خطأ

ينص منطوق الفصل 432 من القانون الجنائي على أنه "من ارتكب بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته النظم أو القوانين قتلا غير عمدي أو تسبب فيه عن غير قصد يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات وغرامه ماء من 250,000 درهم".

وقد جاء في بعض الاجتهادات الفقهية التي حاولت إعطاء تفسير للقتل الخطأ وعرفته بأنه إخلال الشخص بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون فأفضى إلى نتيجة إجرامية، سواء أكان متوقعا لها أم لم يتوقع حدوثها، ولكن كان في استطاعته ومن واجبه أن يتوقعها.

كما واعتبر الخطأ غير العمدي أنه "هو عدم اتخاذ الجاني واجب الحيطة والحذر الذي يقتضيه النظام القانوني وعدم حيلولته تبعا لذلك من أن يؤدي سلوكه إلى حدوث النتيجة الجرمية "الجريمة" بينما يكون بوسع الشخص المعتاد إذا وجد في ظروف الفاعل أن يحول دون حدوثها.

إن القانون الجنائي في حالة القتل الخطأ يراعي إلى حد كبير الفرق الواقع بين القتل العمدي والقتل الخطأ؛ بحيث إن هذا الأخير يغيب فيه الركن المعنوي في القصد الجنائي، حيث أن الفاعل يريد الفعل ولكنه لا يريد النتيجة (القتل) ولا يرغب في إحداث الوفاة.

وعليه، يركز القانون الجنائي في هذه الحالات التي تغيب فيها قصديه إحداث الوفاة، على ترتيب الجزاءات بناء على ارتكاب الفاعل الخطأ المؤدي إلى الوفاة، بقدر ما لا يركز على النتيجة في حد ذاتها. مما يعني أن المشرع المغربي حريص إلى حد كبير على الحفاظ على أرواح الناس، وهو الأمر الواضح في حجم فوارق الجزاءات المرتبة بين القتل العمد ( المعاقب عليه بالإعدام طبقاً للفصل 392 من القانون الجنائي)، بينما تغيب هذه العقوبة في حالة القتل المقرون بخطأ.

هذا مع أن المشرع المغربي نبه إلى تضاعف العقوبات المحددة في الفصلين (432 و 433) إذا كان الجاني قد ارتكب الجنحة وكان قد حاول التخلص من المسؤولية الجنائية أو المدنية التي قد يتعرض لها وذلك بفراري عقب وقوع الحادث أو بتغيير حالة مكان الجريمة أو بأي وسيلة أخرى. وعليه يكون المشرع المغربي في مضمون الفصول السابقة قد حاول تأمين حقوق وسلامة الأشخاص عامة، أين كان جنسهم أو سنهم ضد أي اعتداءات من شأنها أن تؤدي بالضحية إلى الوفاة في أقصى حالة أو إحداث جروح أو كسور معينة.

في حالة هتك العرض أو الاغتصاب أو شذوذ جنسي أو فساد

عند الحديث عن القضايا التي تتعلق بمحاولات الاغتصاب أو الاغتصاب، وكل الأفعال ذات الطبيعة الجنسية والمرتبطة بقضايا هتك العرض والفساد، فإنه يتبادر إلى أذهاننا واقعة الطفل عدنان والطفلة نعيمة، اللذان ذهبا ضحية أفعال جرمية يعاقب عليها القانون، وهي مع الأسف، جرائم تحز بالنفس وتبعث بفقدان الثقة في مجتمعنا كما أنها تمس بالشعور الإنساني العام. وفي خطواته الزجرية لمثل هذه الأفعال الإجرامية، فقد رتب المشرع المغربي عبر بوابة قانونه الجنائي مجموعة من العقوبات التي من شئنها ردع مثيل هذا السلوك، في جميع الفضاءات والأمكنة.

إن جريمة الاستغلال الجنسي ضد الطفلات والأطفال، تتخذ عدة أشكال وصور مختلفة، بدءا بالتغرير والإغراء ومرورا بالتحرش الجنسي وبهتك العرض وبالاغتصاب المقرون بالعنف أو بدونه، وقد تنهي بالتعذيب والقتل ودفن الجثة.

لقد وقف المشرع المغربي في الفرع السادس في الاعتداءات الجنسية في الفصل 484 على أنه: يعاقب بالسجن من عشر إلى عشرين سنة وبغرامة من 50.000 إلى 100.000 درهم، على كل من اعتدى جنسيا أو حاول الاعتداء الجنسي على قاصر تقل عن 18 سنة أو عاجز أو معاق أو شخص معروف بضعف قواه العقلية سواء كان ذكرا أو أنثى،و يقصد بالاعتداء الجنسي بمنطوق الفقرة الأولى أعلاه:أن كل السلوكات ذات الطبيعة الجنسية والتي تمارس على القاصرين أقل من ثمانية عشر سنة، أو أي شخص معروف بضعف قواه العقلية ذكرا كان أو أنثى".

بينما ينص الفصل 486 على أن الاغتصاب هو كل اعتداء جنسي يقع على الضحية بغض النظر عن جنسها أو الوسيلة التي ارتكب بها أو طريقته أو مكان ارتكابه أو مرتكبه، أو العلاقة التي تربطه بها. سواء كان ذلك الاعتداء باستعمال القوة أو التهديد أو استغلال عدم قدرة الضحية على المقاومة، إما بسبب الخوف أو المرض أو العنف أو الإكراه أو استعمال السلطة. ويعاقب عليه بالسجن من خمس إلى عشر سنوات.

غير أنه إذا كان سن الضحية يقل عن ثمانية عشرة سنة، أو كانت عاجزة أو معاقة أو معروفة بضعف قواها العقلية أو حاملا، فإن الجاني يعاقب بالسجن من عشرين إلى ثلاثين سنة وبغرامة من100.000 إلى 500.000 درهم".

ولا ننسى أن الفصل 487 نص على أن إذا كان الفاعل من أصول الضحية أو ممن لهم سلطة عليها أو وصيا عليها أو خادما بالأجرة عندها، أو كان موظفا دينيا أو رئيسا دينيا، وكذلك أي شخص استعان في اعتدائه بشخص أو بعدة أشخاص فإن العقوبة هي: السجن من عشرين سنة إلى ثلاثين سنة وبغرامة من100.000 إلى 500.000 درهم، في الحالة المشار إليها في الفصل 484. فجريمة الاعتداءات الجنسية إذن على الطفلات والأطفال تعد من الجرائم الأكثر فظاعة، وتكمن خطورتها في كونها من الجرائم المسكوت عنها لعدة اعتبارات لا تزال سائدة في المجتمع المغربي والعربي على حد سواء.

المسؤولية الجنائية بالنسبة للإداريين

لقد وقف القانون الجنائي على مجموعة من الأفعال المعاقب عليها طبقاً لمقتضى نفس القانون ورتب لها جزاءات تتلاءم مع طبيعة الفعل وملابساته (في حال كان خطا عمدي أم كان خطا غير عندي)، وفي هذا الإطار فإن الأفعال المعاقب عليها طبقا للقانون الجنائي ذات طبيعة عامه يخضع لها كل شخص دون استثناء، وبالتالي يتابع الأطر التربوية العاملة في مجال التعليم الأولي كباقي الأشخاص.

تزييف أختام الدولة والدمغات والطوابع والعلامات

لقد عُرف التزوير في المحررات بأنه "تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق التي نص عليها القانون تغييرا من شانه إحداث الضرر ومقترن بنيه استعمال المحرر المزور فيما اعد له". فالتزوير في مدلوله العام يعني تغيير الحقيقة أياً كانت وسيلته فهو في جوهره كذب وفي مرماه اغتيال لعقيدة الغير.

أما المشرع المغربي فقد اعتبر تزوير الأوراق حسب الفصل 351 من القانون الجنائي أنه "تغيير الحقيقة فيها بسوء نية تغييرا من شأنه أن يسبب ضرراً متى وقع في محرر بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون".

يمكن كذلك أن يدخل في هذا الإطار ما ورد في الفرع الخامس من القانون الجنائي والمتعلق بتزوير أنواع خاصة من الوثائق الإدارية والشهادات (الفصول 360 367)؛ حيث نجد في الفصل 365 أنه من اصطنع تحت اسم موظف عمومي أو مكلف بخدمة عامة شهادة بحسن السيرة أو العدم أو شهادة تتضمن أيه ظروف من شأنها أن تجلب عطف السلطات العامة أو عطف الأفراد على الشخص المذكور فيها أو أن تمكنه من الحصول على عمل أو قرض أو إعانة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين.

الاختلاس والغدر والرشوة واستغلال النفوذ

عاقب المشرع المغربي على كل الأفعال التي يرتكبها الموظفون العموميون وتكون ذات طبيعة تتسم بالغدر والاختلاس والرشوة، فنجده في الفصل 241 يعاقب بالحبس من خمس إلى 20 سنة وبغرامه من خمسة آلاف درهم إلى 100,000 درهم كل قاض أو موظف عمومي بدد أو اختلس أو احتجز بدون حق أو أخفى أموال عامه أو خاصة أو سندات تقوم مقامها أو حججا أو عقودا أو منقولات موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته أو بسببها.

كما ونجد في الفرع الرابع من القانون الجنائي زجره لكل الأفعال التي تدخل في أحكام الرشاوى التي يقبلها أو يطلبها الموظف العمومي بحيث عد في الفصل 248 من القانون الجنائي مرتكبا لجريمة الرشوة ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامه من 5000 درهم إلى 100,000 درهم من طلب أو قبل عرضاً أو وعدا أو طلب أو تسلم هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى من أجل:

  1. القيام بعمل من أعمال وظيفته بصفته قاضيا أو موظفا عموميا أو الامتناع عن هذا العمل سواء كان عملا مشروعا أو غير مشروع طالما انه غير مشروط باجر ..
  2. إصدار قرار أو إبداء رأي لمصلحة شخص أو ضده ...
  3. الانحياز لصالح احد الأطراف أو ضده ...

وغيرها من الأفعال المعاقب عليها بمقتضى الفصول من 248 إلى 286. وفي هذا الإطار اعتبر الدكتور عبد الواحد العلمي أن القانون هو احد الوصفات ولعله أهمها ينفع ولا شك في الحد من هذه الظاهرة الإجرامية (أي الرشوة).

بقلم: هاجر بوغابة


إرسال تعليق

شاركنا رأيك في الموضوع

أحدث أقدم