-->

الإنسان والزمن.. تداخلات بين الذات والمجال

في مفهوم الزمن والجذور الفلسفية للبعد الزمني:

إن مفهوم الزمن قد بحثت فيه الفلسفة وأسهبت في بحثه، ولم تخل أية حقبة وأية ثقافة من دراسة ومناقشة هذا المفهوم، وقد ظهر الاختلاف بيِّنا وجليَّا بين من ينفي وجود الزمان ويعتبره وهما، كما هو الحال عند المتكلمين من فلاسفة الإسلام وعلى رأسهم أبو البركات البغدادي، وبين من يؤكد وجوده وأنه الحقيقة الوحيدة الثابتة  في هذا الكون على حد قول الفيلسوف والفيزيائي الفرنسي إتيان كلان(Etienne Klein). لقد قسمت الفلسفة القديمة والحديثة الزمان إلى ثلاثة أقسام هي الماضي(الذي لم يعد موجودا إلا في الذاكرة) والحاضر وهو الآن (وهو الموجود وجودا حقيقيا) والمستقبل الذي لم يأت بعد. تطورت الافكار عن مفهوم الزمان وتعددت مصطلحاته كالزمن المطلق والزمن النسبي والزمن الجيولوجي(زمن الظواهر الجيولوجية) والزمن النفسي وغيرها، ونسب مرة إلى الذات وهو الزمن الذاتي، ومرة إلى خارج الذات وهو الزمن الموضوعي، وبين هذا وذاك نقاش مستمر.

الإنسان والزمن.. تداخلات بين الذات والمجال

1.     ماهية الزمان:

فلسفة الزمان: واجهت مفاهيم الزمان التقليدية الفلاسفة بتناقضات مربكة. احتار البعض فيما إذا كان الزمان غير موجود في الأصل، طالما ارتبطت فلسفة الزمن بفلسفة المكان حيث سميت بالفلسفة الزمان والمكان وهي احدى فروع الفلسفة والتي تهتم بالقضايا المحيطة بعلم الوجود و نظرية المعرفة وخصائص الزمان والمكان فقد كانت هذه الفلسفة مصدر الهام وجانب اساسيا في فلسفة التحليلية المبكرة.

لقد افتتنا الانسان منذ القدم بلغز الزمن هذا ما اكده (بول ديفيز) قائلا "إن الافتتانات بلغز الزمن قديم قدم التفكير الانسان حيث يظهر جليا من السجلات المكتوبة القديمة مدى الحيرة والغموض والالتباس الذي احاط بطبيعة الزمن".

نظرا لاهميه موضوع الزمن الذي تناوله مجموعه من الفلاسفه وتوخيا للدقه والاختصار اختصارنا بعض الاسماء لمعه فقط في سماء الفلسفه خصوصا ممن اشتغل كثيرا بموضوع الزمان من بينهم نجده (هيراقليطس) وهو فيلسوف التغيير فلا احد يستطيع الاهتمام بالتغيير دون ان يولي اهتماما للزمان حيث اشتهر بقولته "نحن ننزل ولا ننزل في نفس النهر مرتين فنحن موجودين وغير موجودين" ويمكن ان نفهم من هذه العبارات اننا لا نستطيع ان نستحم في النهر مرتين لان مياه النهر لا تتوقف عن الجريان وثانيا لاننا نحن ايضا في حدث ذاتنا نهر لا يتوقف فالانسان بطبعه حركي يتحرك من حين الى اخر مثل النار فهنا اشار هيراقليطس الى الزمن الموضوعي زمن العالم الخارجي المتمثل في النهر واشار من جهه اخرى الى الان بصفه ممثل للزمان النفس السيكولوجي، وبالرجوع الى تلميذ افلاطون والحديث هنا عن ارسطو الذي درس الزمان في خصائصه وحقيقته في الفصل الرابع من كتابه الطبيعه والذي ربط الزمان بالحركه ورا ان العلاقه بينهما كعلاقه العدد بالمعدود ويقول ارسطو" في الزمن يحدث التوالد الفساد والتزايد انه في الزمان كذلك هناك تغير والتحول بالمقياس الذي تكون فيه فيه حركه هناك عدد لكل من هذه الحركات ولهذا في الزمن هو عدد الحركه"[1]

وحسب ارسطو النفس الانسانيه التي تعد وبدونها لا يكون هناك زمان اصلا الحركه غير معدوده وهناك تتضح وجهه نظر ارسطو كون الزمان ذو طاب انساني يعد به الحركات والتغيرات سواء على المستوى الخارجي (الظواهر الطبيعيه) او التغير الداخلي ( حالاتنا النفسيه الشعوريه).

يعتبر القديس اوغستين ان ما ندركه من الزمان هو الان فقط حيث قال"الزمن الوحيد الذي يمكن ان يسمى حاضرا هو الان لو تمكنا من ادراكه في ذاته وهو ما لا ينقسم الى اجزاء اصغر وادق حيث يكون حاضرا لا يكون له ديموما الان الشبيه بالنقطه".[2] نفس الشيء عبر عنه غاستون باشلار قائلا " ان الزمن لا واقع له غير ألان أي يعتبر الزمان واقعا مبعوثا ضمن (الانيه) ومعلقا بين عدمين ولكي يستطيع هذا الزمن ان يحي من جديد عليه ان يموت اولا".[3]

2.     الفرق بين الزمن و الزمان:

معنى الزمن: الزمن هو ما نحس به جميعا خلال وعينا مع مرور الوقت وهو موجود منذ الأزل أو منذ "بداية الكون حتى نهايته". هو مشترك بين الناس على الارض، أي هو إحساسنا بسرعة الانتقال، وهو شيء نسبي حسب نظرية أنشتاين.

معنى الزمان: الزمان هو ما  نقيسه ونحسبه ونستعمله في حياتنا من الزمن، ويشمل ذلك الوقت والمدة وغير ذلك، مثل قولنا سيأتي زمان يحدث فيه كذا وكذا، يعني الزمان هو ما نحدده ونستعمله، بينما الزمن ما نستشعره  في كل لحظة بوعينا دون تحديده واستعماله.

خلاصة فالزمان هو الأصل و مصطلح اعم من الزمان بمعنى ان الزمان هو ما يتم حسابه بالساعات واستخدامه في الحسابات اما الزمن فهو إحساس عقلي خالي من الأرقام بمعنى يستخدم للوصف التعبيري لما نستشعره بوعينا.

<><> 

3.     الزمن النفسي:

ان علاقة الإنسان مع الزمن، علاقة متشابكة وغامضة، فما يزال الزمن في أبعاده المختلفة، مثار العديد من الأسئلة والاستفسارات، التي قد يصل البعض منها إلى التشكيك بحقيقة وجود الزمن أصلاً. لكن هذا ليس موضوع مقالنا، ما نحن مهتمون به هو فهم جانب واحد من تلك الجوانب العديدة للزمن، ألا وهو الزمن النفسي[4]وتبعاته على نشاط الإنسان الحياتي.لا يمكن إدراك الزمن بذاته، فليس هنالك من شيء محسوس يمكن التعالق معه، لخلق مفهوم له أو إرتباط معه؛ ما نشعر به هو تتالي الأحداث، الحركة؛ ولكي نقيس هذه الحركة، أوجدنا معايير وأدوات قياس معينة، تعيينا على الإرتباط بذلك الحراك وتنظميه.

نختبر الزمن بشكل مرحلي، أي أن هناك مِدَد (جمع مُدّة) مترابطة أو منفصلة، ندركها ونتعالق معها، سلباً أو إيجاباً، تبعاً للعديد من المؤثرات، والمحفزات، والدوافع؛ نقيسها بأدوات ووسائل مختلفة (كالساعة، والتقويم السنوي، وحركة الشمس، والقمر، والفصول، إلخ؛ وأيضاً نفسياً كذلك الأمر، بتتبع الحراك النفسي في نقاط ماضوية (حدثت سابقاً) أو آنية (ما يحدث الآن) أو مستقبلية (ما سيحدث)، والإرتباط معه عاطفياً، وشعورياً)هناك تقسيمات عديدة لمفهوم الزمن، ما يهمنا في هذا البحث هو الزمن النفسي (الحدسي، و الذهني) ما نود طرحه هو استجلاء أهمية الزمن النفسي في حياة الإنسان، وهل العلاقة معه سليمة، وهل استخدام الإنسان له فعّال وعملي في حياته. ما هو مقدار النفع في تطبيق المقاييس والمعايير المادية نفسياً؟ هل الزمن النفسي ضروري؟ وما هي علاقته بمعرفة النفس وإدراك الذات؟[5]

 هناك بعدين للزمن؛ الزمن المادي المقاس بالساعة، وهو الساعات والدقائق والثواني، وهو الأيام والأسابيع والشهور والسنوات؛ وهو كذلك ما حدث في الماضي (التواريخ والأحداث الموثقة) وهو ما يحدث الآن في الحاضر، وهو ما سيحدث مستقبلياً (كآجالٍ متوقعة لأحداث مادية معينة)؛ هذا البعد من الزمن هو ما لا يمكننا الاستغناء عنه، فطالما كان النشاط مادياً، فيزيائياً، لا بد من مقياس للحركة المادية، ليكون من السهل ربط الأحداث، والمواقيت، وتسهيل الأمور الحياتية.

البعد الآخر للزمن هو الزمن النفسي، وهو لا يقاس إلا ذهنياً؛ هو التعبير غير المادي عن الحركة النفسية في الوجود الإنساني؛ هو ذلك الحراك القائم في الذهن على شكل صور، وتخيلات، وذكريات، وأمنيات، مرتبطة بأحداث ماضية، أو آجال مستقبلية. بتعبير آخر هو الاستدعاء من المخزون المعرفي، والاختباري (الماضي)، ومن ثم البناء والتأسيس (الحاضر – والذي هو الماضي، مصهوراً وجاهزاً للصبّ في قالب معين)، ومن ثم الفعل (المستقبل، سواء كان بعد ثوان أو لسنوات قادمة؛ وهو بهذا الشكل لا يكون إلا الماضي بصيغة مستقبلية).[6]

في مؤلف (جدلية الزمن) لباشلار و الذي سعى من خلاله الوصول الى دمج (الذات، النفس، الزمان) بتوليفة منطقية فلسفية يحاول فيها تطويع كل ما يمكننا تصوره واستذكاره نفسيا يكون صالحا لادراك العقل له بما يلغي الحدود الفاصلة بين الذات والنفس والزمان أنطولوجيا – ميتافيزيقيا.

باشلار يتقبّل فكرة أن ينفصل الانسان عن ذاته خارج وعيه لذاته وموضوعه معا، لكنه من غير المتاح أمامه تقبله تصّور أن الزمن يقوده نحو حتمية الإندثار العدمي بإفنائه البايولوجي كاملا جسدا ونفسا وعقلا وروحا.

إن محاولة باشلار نقل الانسان من حتمية زمانية إندثاره بالموت الى واقعية التعامل مع الزمان كمحتوى تذكاري لمخزون رومانسي بالذاكرة إبتهاجي بالحياة التي لا نجدها في حاضرنا ولا في مستقبلنا بل في ماضينا فقط. حتى جمالية المكان القديم التي نتذوق استذكاراتها نفسيا بكل نشوة وغبطة وانتعاش رومانسي لذيذ لدى باشلار إنما السبب في ذلك هو العودة للماضي كتاريخ بدلالة زمنه الماضي المتموضع فيه وليس العودة الى زمن ماض جديد نتعرف عليه لاول مرة تخلقه الرغبة النفسية في الاستذكار لحوادث الماضي. عبر إستذكارات المخيّلة في عبورها حاجز الحاضر المقلق المرعب نحو الماضي البهيج المفرح.

هنا ربما أستبق الامور القول أن العودة الاستذكارية نحو الماضي هي عودة (تاريخية) استذكارية وليست عودة (زمانية) بمعنى الذاكرة أو المخيلة الاستذكارية لا تخلق لها زمنا ماضيا آخر خاص بها بدلا من زمن الماضي كتحقيب تاريخي تعيد الذاكرة استذكاره وليس زمانا ماضيا مجردا عن ملازمته مدركاتنا الواقعية والخيالية.

الانسان أمام هذه الحالة في جعل ماهو مادي يتداخل مع ماهو ميتافيزيقي يدركهما العقل معا في تداخلهما إنما يكون دافعها هو إرادة النفس الهروب الى أمام في محاولة خروج الانسان على حتمية مسار الزمان الانحداري الهابط به نحو الاندثار النهائي بالموت، في لجوئه محاولة الخلاص في إبتداع زمانا إستذكاريا تجريديا ليس مطلقا في وحدته الوجودية التي تختلط فيها الالام والاحزان في تذويبها بمصهر التفاؤل والامل بالسعادة الخادعة نفسيا. لذا يطلق باشلار على هذه الحالة النفسية التي تحاول النفس تطويع مسار التاريخ المتّعثر الى ما اسماه "سلسلة من القطوعات الزمانية" حسب تعبيره.[7]

وفي حقيقتها هي قطوعات استذكارية نفسية لا علاقة إرتجاعية لها في ملازمة الزمان الحاضر لها نحو إستذكار زمنا ماضيا بحوادثه ووقائعه وليس رغبة إكتشاف الزمان الماضي كزمن خالص. هو غير الزمان الماضي الذي يحتوي تاريخية وقائع وأحداث جرت فيه فأصبحت جزءا من تاريخ ماض ثابت مدوّن زمانيا.. الزمن مطلق تجريدي لا يقبل القطوعات الطارئة عليه مهما كان مصدرها.

فالزمان لا يعود الى الوراء في مطلق التجريد كماهية غير مدركة بل يعود الى الوراء (الماضي) كتحقيب تاريخي يحتوي وقائعه واحداثه بدلالة الماضي لكنه غير تابع لزمن متغير يقوده بل التاريخ يحتاج زمنا مجردا تسترشد به الذاكرة كتاريخ مدوّن ثابت في الماضي.

كل ما ذكرناه عن الزمان يسقطه باشلار في محاولته تحقق قيادة النفس للزمن في تلبييته رغائب النفس ومكبوتاتها وأمنياتها ودوافعها الشعورية واللاشعورية الى ما يجعل الزمان يتحرك طواعية تحت وصاية النفس. وعن هذا المعنى يقول "بين الماضي الحي والمستقبل تنتشر منطقة من حياة ميتة". ويضيف "لا يكون الاسف والشعور بالخسارة شديدين في اي مكان اخر مثلما يكون حالهما هنا وعلى هذا النحو يكون الزمان حسّيا بالنسبة لنا"، كما ويربط باشلار هذا الإسقاط التعويضي في الهروب من حتمية مسار الزمان نحو الاندثار والفناء في"ابتعادنا عن القلق النفسي الملازم لنا أن نصبح لا شيئا يذكر ويتهدم على هذا النحو عالم باسره، فمن منا لم يشعر بهذه الفكرة التي تدخل النفس كشفرة قاطعة.

هذا الزمن النفسي ما هو إلا الزمن المادي مُسقَط على الحراك النفسي؛ وهو أمر ترسّخ في البنية النفسية للإنسان عبر ما لا يحصى من حقب وأزمان. يكون هذا الزمن النفسي، أمراً طبيعياً للإنسان، فهو يعتبر أن ما حدث معه، أو مع الثقافة التي ينتمي لها، جزء من هويته، وكيانه كإنسان؛ فهو لا يرى إلى حقيقة هذا الزمن فعلياً، لا يعرف ما هي القيمة الحقيقية لهذا البعد الزمني.[8]

إذن البنية النفسية للإنسان غير المُدرك، وغير المستوعي للزمن النفسي، تكون قائمة ومترابطة مع هذا البعد الزمني؛ أي أنه يكون مكوناً عضوياً من تلك البنية، ناشط وفاعل فيها، ومحرك للفعل المُبتغى.

ووجد الباحثون أيضاً أن حضارة الشخص تلعب دوراً في رؤيته للزمن، فمثلاً هناك شعوب تنظر للزمن وكأنه يسير في خط مستقيم، فالماضي يؤدي للحاضر والحاضر يؤدي للمستقبل، فهم يعتقدون أن ما يفعله الشخص اليوم سيؤثر في المستقبل، وحريصون على الوقت ولا يحبون إهداره، وحريصون على مواعيدهم، ويغضبون إن أضاع شخص وقتهم أو لم يحافظ على الموعد، وهناك شعوب تهتم أكثر بالآن واللحظة التي هم فيها، يستمتعون باللحظة ولا يقلقون كثيراً على المستقبل، وقد يركزون على الماضي أكثر، ولا يهتمون بالدقة في المواعيد، ولا يهتمون بموضوع إهدار الوقت. فعلاقة الإنسان بالوقت تختلف حسب المكان والحالة النفسية والجسمانية والعمر والحضارة وحركة الأشياء والتغير، ومن علامات الصحة النفسية أن تكون علاقتك بالزمن صحيحة، بأن ينتهي "الزمن النفسي" ولا يبقى غير الزمن الخارجي، فعندما يكون عند الشخص مشاكل فأنك تجده "سرحان" ويفكر، هو جالس معك ولكنه يفكر في أمور بيته أو عمله، وقد يفكر في المستقبل أو الماضي، فهو في مكان غير المكان وفي زمان غير الزمان.[9]

نخلص من كل ما سبق إلى أن الحراك النفسي الغافل، يفسح المجال لظهور الزمن النفسي، وهذا الزمن هو بعد وهمي؛ بمعنى أنه غير واقعي، وغير عملي؛ الحادثة التي حصلت، هي حقيقة واقعة، انتهت في السياق الزمني المادي (هذا أمر بديهي)، لكن عيشك إياها مجدداً (ذهنياً ونفسياً) هو غير حقيقي. نفهم من هذا أن الزمن النفسي غير نافع عملياً، ويجلب الضرر، ويدمّر الإنسان، ويهدد وجوده؛ تماماً كما الأخطار المادية.

نؤكد أنه لا ضير في تلك الآلية النفسية، لأنها أمر طبيعي، ونشاط عضوي للنفس، لكن علاقتنا معها هي الخطيرة. ما يهم هو الإدراك والفهم لتلك الآلية. فعندما تكون سيداً في حراكك الطاقي، أي أنك تمتلك تلك الطاقة، ولا تسمح لأي شيء بخطفها، واستخدامها، وهدرها؛ فإنك تمتلك الخيار للخوض في فكرة معينة، أو ذكرى، أو رغبة، أو عدم الخوض فيها. الأمر عائد لك؛ وهذا هو المهم. عندما تفهم الحراك الزمني نفسياً، تنخلق إمكانية أكبر للخوض في التجربة، من عدمها. أي أنك تتحرر من الإسار الزمني نفسياً، وبالتالي تبدأ فعلياً، بالتحرر الوجودي؛ أي أنك تصبح سلطاناً في عوالمك (ليس بالمعنى الأنوي بالتأكيد؛ ما نقصده هو الاستقلال، وامتلاك زمام الأمور) لا تتلاطمك الخطوب، والمآسي، واللذات، والآلام. حاضرٌ ومنتبهٌ لكل حركة نفسية وخارجية، هذا الانتباه والحضور هو سلطانك، لأنه يفسح المجال لظهور فعل بنوعية مختلفة بالكامل عما اعتدنا عليه.

<><> 

البعد الزمني في ظل متغيرات الثورة الصناعية الرابعة:

ان الحديث عن اثار الثوره الصناعيه الرابعه على حياة وعلاقات الفرد الانساني، مع سليط الضوء على المتغيرات التي صاحبت هذه الثوره في علاقه بالبعد الزمني؛ حاجه ضروريه لتأطير الموضوع ووضعه ضمن سياقته الاجتماعيه والصناعيه المعاصره هذا مع الكون المتغيرات التي ألقتها الثوره الصناعيه الرابعه على حياه الفرد الانساني تداخلت وانعكست على بعده الزمني والمكان على حد سواء.

وللوقوف على هذه المتغيرات بنوع من الدقه، سيكون من الجيد الاشاره الى المسار التاريخي الذي قطعته الثوره الصناعيه في التطور، الامر الذي يسهل فهم علاقه الثوره الصناعيه الرابعه بالبعد الزمني بنوع من الدقه.

الثورة الصناعية الرابعة لمحة تاريخية:

فخلال عام 1760 ولدت الثوره الصناعيه الاولى رسميا في بريطانيا إبان اختراع المحرك البخاري وغيره من الالات الميكانيكيه التي شكلت ثوره صناعيه حقيقيه في تلك الحقبه.[10] كما ان اختراع المحرك البخاري اسهم في التحول من الزراعه ومجتمع الاقطاع الى عمليه التصنيع الجديده.

وخلال عام 1900 بدات الثوره الصناعيه الثانيه مع اختراع محرك الاحتراق الداخلي عن طريق كار بينز هذا مع توالي الاكتشافات والصناعات النفطيه ومساهمه في تفجير الثوره الصناعيه الثانيه هو اكتشاف توماس اديسون للكهرباء حيث شاع استعمال المصباح الكهربائي اعتبارا من 1880 ثم دخول العالم بعدها الى عهد السيارات واحداث التغيرات على مستوى المواصلات واليه التنقل.

اما الثوره الصناعيه الثالثه فالعديد من الدراسات تبين انها بدات عام 1960 واستمرت حتى عام [11]2000 وكانت للحواسيب والروبوتات اليد الطولى في قياده هذه الثوره التي عرفت بالدوره الرقميه كان ذلك مع اختراع جون اتاناسوف عام 1937 ببناء اول حاسوب رقمي الكتروني.

اما فيما يتعلق بالثوره الصناعيه الرابعه فقد انطلقت مع بدايه الالفيه الجديده ولا تزال هذه الثوره مستمره حتى الان،[12] وتتصف هذه المرحله بعدد من المحركات الاساسيه حتى تتمثل في التقدم في مجال هندسه وراثيه والانترنت وابتكار الطابعات ثلاثيه الابعاد والذكاء الاصطناعي والعملات الافتراضيه وغيرها.

وقد غطت مظاهر الثوره الصناعيه الرابعه عده مجالات ذات اتصال واضح ومباشر بحياه الانسان خاصه على مستوى منظمات الشغل وشركات الانتاج وكل المراكز التي تحتمل وجود فاعل بشري موظف بقطاع معين الفاعل الذي بات يزاحمه في مقر عمله الذكاء الاصطناعي ويهدد منصبه ويحرمه من امنه الوظيفي بنفس القدر الذي من المحتمل ان يساعده في ادائه الوظيفي ويرفع من كفاءته وحجم انتاجه.

وهنا نطرح سؤالا مركزيا كيف انعكست الثوره الصناعيه على الرضا الوظيفي للعمال والموظفين وما علاقه الثوره الصناعيه بالامن الوظيفي وما علاقه هذين الاخيرين بالبعد الزمني كمكون اساسي من مكونات الكينونه الانسانيه وما الرابط المحتمل بين الثوره الصناعيه الرابعه وفكره الوقت الحر؟

طبيعة العلاقة بين الثورة الصناعية الرابعة والرضا الوظيفي:

ان الرضا الوظيفي شعور داخليا يكمن في نفسيه الموظف هذا الشعور يدفعه ويحفزه لبذل جهد اكبر لاتقان العمل وزياده الانتاج دون شعور بالارهاق هذا الشعور المشحون بالدافعيه الذاتيه الداخليه تدفعه لبذل اكبر جهد عن طيب خاطر حيث يتخلل هذا الجهد شعور بالراحه اثناء العمل وبالتالي امكانيه المشاركه في النشاطات مع جماعه العمل هذه النشاطات التي تكون محور اهتمامه والتي تساعده على التقليل من تاثير العوامل الخارجيه عليه الى جانب هذا يمكن ان يظهر الرضا الوظيفي على مستوى الجماعه المتلاحمه والمتازره في ظل انجاز الاعمال هذا التلاحم يقوي لديهم الشعور بضروره مواجهه اي جديد. [13]

لقد عرف "فروم"[14] ايضا الرضا الوظيفي على انه يمثل الاتجاهات  المؤثره للافراد تجاه ادوارهم التي يؤدونها ويشغلونها.[15]

وقد وقفت مجموعه من الدراسات على ان القول بتحقق الرضا الوظيفي  التام لدى العامل لابد ان يستحضر ويستلزم الاهتمام والاخذ بالاعتبار جمله الظروف المحيطه به سواء كانت نفسيه او ماديه او بيئيه وان الاخلال باي من هذه الظروف ثلاث سيؤدي الى الاخلال بمدى صدق تحقق درجات عاليه من الرضى الوظيفي.

اذا كانت الثوره الصناعيه في سياق موازي للرضا الوظيفي عرفت هيمنه وحضور بارزا في جميع المجالات التي يحضر فيها الفاعل واصبحت تنوب عليه عبر مجموعه من الادوات والالات في اداء مهام في منظمات الشغل ما يدفع في المقابل الى تراجع حاجه ارباب العمل للعنصر البشري والتقليص من حجم سيطرته وتدخله في سلاسل فان هذا الحضور لصوره صناعيه في حياه الفرد الفاعل قلص من مستوى رضاه الوظيفي وامنه.

لقد وقف مجموعه من الباحثين وبينوا ان درجه السيطرة الذاتية المتاحة للفرد عامل مهم في تحقيق رضاه الوظيفي فيرى فروم 1964 على سبيل المثال في دراسه له ان الاعمال تتفاوت في السيطرة الذاتيه التي تتجه للفرد اي كلما زادت حريه الفرد في اختيار السرعه التي يؤدي بها عمله زاد تقبله للعمل وعند هذه النقطه يظهر لنا تفوق الاله من ناحيه الجوده والسرعه في اداء المهام الامر الذي يشكل ضغطا نفسيا ومهنيا على العامل لبدل اكبر جهد لانجاز العمل في وقت اقل سيرا على منوال وسياق اشتغال الاله.

اي ان درجه السيطره الذاتيه المتاحه للفرد تقلصت بشكل كبير في عصر الثوره الصناعيه الرابعه وبالتالي يتقلص معها مستوى رضاه وامنه الوظيفي والحال ان اتاحه الفرصه للفرض في تكييف الاداء ما يتناسب مع قدراته واسلوبه الخاص في العمل كلما زاد في فاعليته والارتياح في عمله.

تكون اذن العلاقه واضحه بين الثوره الصناعيه الرابعه والرضا الوظيفي من خلال اثر مظاهر الثوره الصناعيه الرابعه واقتحامها لمنظمات الانتاج والحياه اليوميه بشكل عام في صوره اقل ما يقال عنها انها زاحمت الفاعل الانساني ومارست نوع من الضغط على اسلوبه الخاص في العمل ونمط  واسلوب عيشه ان هذا الطرح لا ينفي في المقابل الجوانب الايجابيه للثوره الصناعيه الرابعه على قطاعات الانتاج ولكن واقع الحال وسياقه المعاصر يوحي بسياده الاله على حساب الفاعل الانساني.

طبيعة العلاقة بين الثورة الصناعية الرابعة والرضا الوظيفي بالبعد الزمني:

ان العلاقه القائمه بين هذين المتغيرين الرضا الوظيفي والثوره الصناعيه الرابعه بالبعد الزمني ليست بالعلاقه الواضحه البائنه ولا بالعلاقه المباشره الصريحه ولكن يمكن القول بان هذه العلاقه تبدو قائمه عند البحث في فكره صعوبه الحديث عن الوقت الحر في عصر الثوره الصناعيه الرابعه ذلك ان قبل وقبيل الثوره الصناعيه الرابعه كان وقت العمل معلوم ومحدد ومؤثر ببعد زمني ومكاني دقيقين وفي نفس الوقت كان الوقت الحر معلوم ومبرمج ضمن جدول اعمال الفاعلين في مختلف المجالات والقطاعات ولكن مع بروز الثوره الصناعيه الرابعه بمظاهرها التكنولوجيا والتقدم العلمي والتقني الذي صاحبها شكلت هذه المعطيات نقطه تحول حقيقيه على مستوى الزمن الوظيفي نموذجا وجعلت مفهوم الوقت الحر يتداخل بشكل منفذ مع الوقت الفعلي للعمل والشغل فعلى سبيل المثال شكل استخدام الهاتف النقال كمظهر وصوره للثوره الصناعيه الرابعه شكل استعماله في الحياه اليوميه امتزاجا حقيقيا بين الوقت الحر ووقت العمل او الوقت غير حر فيمكن للفاعل ان يشتغل ويؤدي وظيفته اثناء تواجده بالمنزل او اثناء قيامه بنزهة كما يمكنه ان يتفاعل مع زملائه واصدقائه وبالعالم الخارجي عامه اثناء وقت عمله بمنظمه الشغل وبالتالي يصعب الحديث في الوقت الراهن عن وقت حر ووقت غير حر في ظل هذه المتغيرات التي فرضته التطورات التقنيه التي جاءت بها الثوره الصناعيه الرابعه.

<><> 

الإنسان والبعد الزمني في فكر التابعي حسن البصري:

1.     موجز في ذكر  صفته ومنشئه:

الإمام الحسن البصري هو أحدُ علماء أئمةِ التابعين[16] المشهورين؛ وُلِدَ الحسن البصري رحمه الله بالمدينة لسنتين بَقِيتا مِن خلافةِ عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه،[17] وقد امتدت خلافته (عمرَ بنِ الخطاب) من السنة (13 هـ) إلى السنة (23 هـ)؛ فاستمرت (10) سنوات، أي أن الإمام الحسن البصري ولد سنة 21 للهجرة.

كانت أم الحسن البصري - واسمها خَيْرَةُ - تخدم أم المؤمنين أمَّ سلمة زوجَ النبي صلى الله عليه وسلم، فربما أرسلَتْها في الحاجة فتشتغل عن ولدها الحسن وهو رضيعٌ، فتشاغله أم سلمة بثديِها، فيدر عليه فيرتضعُ منها.

وقد تولَّى الحسن البصريُّ قضاء البصرةِ زمنَ عمر بن عبدالعزيز؛[18] وقد كان لا يأخذ على قضائه أجرًا.[19]

فاز الإمام حسن البصري بمنزلة علمية رفيعة، فقد روى ابن سعد عن حُمَيد بن هلال قال: قال لنا أبو قتادة[20] رضي الله عنه: عليكم بهذا الشيخ - يعني الحسنَ بن أبي الحسن - فإني واللهِ ما رأيتُ رجلًا قط أشبهَ رأيًا بعمر بن الخطاب منه.[21]

وقد وافته المنية سنة 110 ه وهو ابن تسعٍ وثمانين سنةً بالبصرة - العراق.

2.     نظرته للزمن والإنسان فيما ترك من أحكام وأقوال:

لقد ورد عن الإمام حسن البصري اهتمامه قيمة الوقت والزمن، وذلك عندما يريد أن يعض الإنسان في ضرورة ووجود التمعن والاستفادة من دنياه تحضيرا واستعدادا لآخرته، وهذه القضية تأخد مساحة لا بأس بها في أحكامه وأقواله فيقول:  "يا إبن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك".[22]  وفي سياق مماثل قال: "ابن آدم، إنما أنت عدد أنفاسك وأوقاتك، كلما مضى لك وقت، انقضى منك بعض".[23]

مما يوحي ويدل على أن الزمن قيمة لا يمكن إدخارها والاحتفاظ  بها.  فالزمن سيرورة مستمرة لا تقبل الوقوف ولا تحتمل التوقف، هذه الطبيعة الديناميكية للزمن والوقت هي ما تجعل استغلاله ايجابيا من طرف الإنسان أمرا صعباً، إذا افتقد هذا الأخير إلى التنظيم والالتزام، فهو في حاجة إلى التسلح بالضبط والأنية دون التأجيل والتسويف، فقد حذر الحسن البصري من التسويف، لما فيه من هدر ومضيعة للوقت؛ فقال: "ابن آدم، إياك والتسويف؛ فإنه مهلكك..".[24]

لقد عرف حسن البصري الإنسان بالزمن فأقرانه به حينما قال: "إنما أنت أيام" بل إن فناء وانتهاء وجود الإنسان الدنيوي مرتبط مباشرة بالانقضاء التدريجي لجزء من وقته المقدر له. وهو  الأمر نفسه المستنبط من قوله تعالى: "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ".[25] إن في هذه الأية الكريمة رابط قوي بين الإنسان وبعده الزمني، فهما متغيران متلازمان يفصلهما انقضاء الوقت من الزمن المحدد لكل فرد إنساني. ونفسه المنطق ينطبق على باقي المخلوقات من الوجود، فالبعد الزمني فاعل أساسي ورئيسي في حياة الخلق.

وهكذا ينبهنا الإمام الحسن البصري إلى أمر خطير، بادٍ للعيان، ولكن الناس عنه غافلون، ويزيد الأمر جلاء عندما يبين - بأسلوبه المؤثر - أن الإنسان بعد موته يتمنى أن يعود إلى الدنيا ولو لساعة واحدة مقابل كل ما تركه لأبنائه من متاع الدنيا، ليصلي صلاة  في هذه الساعة، أو ليسبح تسبيحة أو يحمد تحميدة..

تضمين فكرة الترفيه داخل العمل:

حتى وقت قريب كانت الجدية هي المعيار والسمة الأساسية التي نحكم من خلالها على نجاح الآخرين في أعمالهم، وفي المقابل كان اللجوء إلى الترفيه مؤشرًا على الفشل والتسيب، وبخاصة في المؤسسات الحكومية. هذا المفهوم التقليدي لم يعد مناسبًا الآن أو مستقبلًا لعالم الإدارة والأعمال الذي يبحث ذويه عن كل ما من شأنه الترفيه عن الموظفين وإقامة الفعاليات الترفيهية التي ثبت أنها ذات علاقة وطيدة بزيادة إنتاجيتهم وقوة أدائهم، وبسعادتهم ونجاحهم في العمل.

يساعد الترفيه الإنسان على التخلص من الكثير من المشكلات ،و يجعله أكثر راحة ،و سعادة بالإضافة لذلك يخلصه من الطاقة السلبية  ،و هذا ما يجعله أكثر تركيزاً في عمله ،و يعينه على انجاز مهامه ،و مسئولياته أولاً بأول ،و لا يتركها تتراكم عليه بالشكل الذي يؤدي إلى تعطيل مصلحة العمل كما يسهم في زيادة نشاطه و حماسه ،و هذا ما يجعله أكثر اقبالاً على القيام بمهامه الوظيفية  ،و يعزز صحته و كل هذا في نهاية الأمر يرفع كفاءة الفرد و يعود بالنفع على مصلحة العمل.

فداخل العمل تجد الشخص يكون تحت ضغوط كبيرة و السبب طبيعة عمله والتي تحتاج لذهن صافي و تجديد دائم للمعلومة فصفة الإبداع مرتبطة دائما بالحاله الذهنية لديه.

وهذه الضغوطات تنعكس بشكل كبير على صحته ووقته واهله خصوصا عند الفئة التي ذكرتها سابقا ولذلك نجد ان في أغلب الشركات الأجنبية وجود حيز من الوقت المخصص لترفيه.

وعلى صعيد متصل، ونظرًا لأهمية الترفيه؛ فقد تغيرت ثقافة العمل في اليابان من العمل الجاد والمتواصل بلا ترفيه إلى أهمية الترفيه في أماكن العمل؛ لمواجهة ظاهرة "الكاروشي"." فهذه الظاهرة كاروشي" عبارة عن كلمة يابانية تعني الموت من كثرة العمل، وفق ما أشارت إليه جريدة "الإندبندنت" البريطانية. وقد برزت هذه الظاهرة؛ نتيجة لثقافة العمل اليابانية الصعبة، وتعود جذورها لسبعينيات القرن الماضي، إذ كانت أجور الموظفين منخفضة، ما دفعهم إلى زيادة ساعات العمل بهدف الحصول على راتب إضافي.

ولمواجهة ظاهرة "الكاروشي"، اعتمدت الحكومة اليابانية عدة حلول؛ بهدف إقناع الموظفين بضرورة أخذ أوقات للاستراحة الترفيه ومغادرة أماكن عملهم في أوقات مبكرة دون القيام بساعات عمل إضافية. ومن هذه الحلول "الجمعة الممتازة"، التي يتم تنظيمها في آخر جمعة من كل شهر. وفي هذا الصدد يشير موقع "كرابي" الياباني إلى أن يوم الجمعة هذا تقام فيه العديد من الفعاليات الموسيقية، على غرار الموسيقى في شوارع المدن وتقديم وجبات الأكل اللذيذة بأسعار مناسبة، بالإضافة إلى تخفيض تذاكر السفر. وتأمل الحكومة من خلال هذه الخطوة في إقناع الموظفين بأهمية الراحة والترفيه للجسم.

<><> 

الزمن كمؤسسة اجتماعية:

إن الحديث عن الزمان كمؤسسة اجتماعية يتطلب الوقوف عنده هوية الزمن الذي نعنيه هنا أنه حديث عن الوقت الحر ذلك المفهوم الذي تبلور أواخر القرن الثامن عشر منتفضين على اطروحه ماركس القائمة على العمل ووسائل الإنتاج المفهوم الذي كابد للحصول على حيز ضمن نسق كلاسيكي يسود فيه العمل لساعات طويلة وهو الأمر الذي أدى فيما بعد إلى ظهور سوسيولوجيا الترويح والتي بانت الحاجة إليها مع تعاظم حجم الوقت المحرر بفعل التقدم التكنولوجي الذي وفر وزاد من حجم الوقت غير المستغل وهو الأمر الذي انطلق منه الأستاذ محمد العياط في مقدمتي كتابه الشباب المغربي وأزمه الوقت الحر في زمن الحداثة حيث أكد أن توفر التقنيات العصرية داخل المجتمع. وغزوها لجميع البيوت والمؤسسات سهل على الفرد الكثير من الخدمات وإدخال نظام على جميع مرافق الحياة فأصبح له متسع من الوقت يستعمله في اغراض خاصة ويستمتع به بناء على رغبته ومستواه العلمي والثقافي ووضعياته الاجتماعيه.[26]

ص١ هذا المعطى الهام ساهم في إحداث تغير ملحوظ في استعمال الزمن الاجتماعي بتقليص ساعات العمل الأسبوعية واليومية وزيادة في أوقات الفراغ والعطالة أننا نتحدث عن نشوء فكره الوقت الحر التي سنأتي على شرحها في ما يلي:

1.     فكرة الوقت الحر:

إن الوقت الحر لم يعد في تصور العديد من الباحثين ومن ضمنهم الأستاذ محمد العياط مجرد موضوع من موضوعات علم الاجتماع بل إنه تخطى هذه المرحلة ليصبح مؤسسة وظهرت فيها حتى فكره بعث نقابات على غرار نقابات الشغل وهذا دليل قاطع على أن الوقت الحر وكيفية استثماره قضية مجتمع بأسره رغم أنها تبدو لأول وهلة مسالة فردية مرتبطة بميول الشخص وحياته الخاصة.[27]

إن ظاهره الوقت الحر قديمه في التاريخ فقد دعا LAFARGE البروليتاريا إلى التخفيض تلقائيا في ساعات العمل والمطالبة بما سماه حق الكسل الأمر الذي جعل من هذه القضية حقا للكل وليس فقط حكرا على النبلاء والطبقة العليا من الشعب أن الوقت الحر حسب العديد من الدارسين فرصه للترويح عن النفس والخروج من ضغوط العمل والشغل نحو ظرف زمان فيه من الراحة والمتعة نصيب ولعل هذا الجانب لقي اهتماما كبيرا في الدين الإسلامي باعتباره ضمن الأنساق التي تساعد الفرد على خلق توازن في حياته الخاصة فقد قال -صلى الله عليه وسلم-    تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم في سياق مماثل قال روح القلوب ساعة فساعة رواه أبو داود.

أما في علم الاجتماع "ناش" الوقت الذي يتحرر فيه الفرد من الواجبات والأنشطة الضرورية فهو الوقت الذي يتبقى له بعد ذلك[28].

2.     تدبير الوقت الحر لدى الشباب:

إذا كانت المجتمعات العتيقة والقديمة لم تكن تهتم بوقت الفراغ أو لم تفكر في كيفية استغلاله وكان متداخلا مع ألازمه الاجتماعية الأخرى ومندمجا ضمن الحياة الاجتماعية لأنشطة تقوي روح الجماعة والتضامن بين أفرادها وكانت الاحتفالات الموسمية والدينية حتى مظهراته فإن وقت الفراغ في وقتنا الحالي أصبح سمه من سماته الأساسية.[29]

أن اعتبار الوقت الحر بهذا المعنى شكلا من أشكال النشاط الاجتماعي فرض على أجهزه ومؤسسات الدولة تدبيره بطرق تستجيب لحاجة الفرد خاصة الشباب منهم المرحلة التي تشهد تحولات واضحة وهامة في اهتمامات الشباب الاجتماعية وسلوكه الاجتماعي ان الشباب المغربي اليوم اكثر اهتماما بنفسه واكثر تعبيرا عن رغباته وميولاته الذي ينعكس عالم ممارسته الترفيهية التي تتجه بدورها نحو نوع من الانفرادية واعطائه الاهتمام للذات.[30]

إن هذه المعطيات فرضت الحاجة إلى تدبير الوقت الحر من خلال أنواع من الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية عبر برامج سنوية أو شهرية نذكر منها على سبيل المثال برنامج عطله للجميع الذي يفتح المجال أمام عدد مهم من الأطفال والشباب للاستمتاع بأوقات العطل كما أن لمؤسسات المجتمع المدني عظيم الأثر في هذا الجانب كما وان الفضاءات العمومية تحاول الاستجابة لحاجيات هذه الفئة في التنشيط السوسيو ثقافي من خلال المتنزهات والحدائق العامة أو الشواطئ والمصايف وكذا المتاحف والمعارض والمعالم الأثرية لا يخلو هذا الجانب من ذكر مؤسسة التنشيط الثقافي والترفيه من قبل المؤسسات دور الشباب والمكتبات والخزانات والمعاهد الموسيقية والملاعب الرياضية وغيرها من الفضاءات التي قد تساعد الشباب على حسن تدبير أوقاتهم الحرة والاستفادة منها بشكل ايجابي وفعال.

 بقلم: سعاد الصبار ونعمان حمداوي

:الهوامش


[1] محمد عبد الرحمان، من الفلسفة اليونانية الى الفلسفة الإسلامية، ص 173.

[2]  سعيد الغانمي، ترجمة التباسات تجربه الزمن من اعترافات اوغستين، مجلة نزوى العدد 31 صفحه 3 و 19.

[3]  خياري شمس الدين، مفهوم الزمن بين الفلسفة و الفيزياء ص 112.

[4] (psychologgy of time .simon grondin.chapter 1 p 4

[5] https://alsarmady.com/?page_id=3547

[6] https://alsarmady.com/?page_id=3547

[7] باشلار جدلية الزمن /ت.خليل احمد خليل ص 59

[8] شيكة النبا المعلوماتية https://m.annabaa.org/arabic/anthropology/

[9] منهل الثقافة التربوية /قسم الثقافات الزمنية /حالد صابر خان

[10]  محمد عبد القادر الفقي، الثورة الصناعية الرابعة.. منعطف هائل في تاريخ البشرية، مجلة التقدم العلمي، العدد 103 أكتوبر 2018، ص. 9.

[11]  محمد عبد القادر الفقي، المرجع السابق، ص. 10.

[12]  محمد عبد القادر الفقي، المرجع السابق، ص. 11.

[13] العبودي فاتح، مذكرة ماجستير في علم النفس التنظيمي وتسيير الموارد البشرية، بعنوان: الضغط النفسي وعلاقته بالرضا الوظيفي، السنة الجامعية 2007- 2008، ص. 49.

[14] إريك فروم عالم نفس وفيلسوف ألماني أمريكي ولد سنة 1900 ، من أعماله: أعماله :الخوف من الحرية (1941) التحليل النفسى والدين (1950) اللغة المنسية : مدخل إلى فهم الأحلام والقصص الخيالية والأساطير (1951) المجتمع العاقل (1955.

[15]  V.H.Vroom. work and Motivation/landy:Psychology of work.

[16]  التاريخ الكبير؛ للبخاري ج ـ 2 ص ـ 289.

[17] التاريخ الكبير؛ للبخاري ج ـ 2 ص ـ 289.

[18] المعرفة والتاريخ؛ ليعقوب بن سفيان الفسوي جـ2 صـ49.

[19] الطبقات الكبرى؛ لابن سعد جـ7 صـ125.

[20] قتادة بن دعامة (61 هـ- 118 هـ ، 680 - 736م). قتادة بن دعامة السَّدوسي، أبو الخطاب. تابعي وعالم في العربية واللغة وأيام العرب والنسب، محدث، مفسر، حافظ، علامة. كان ضريرًا أكمه. وكان يقول: «"ماقلت لمحدث قط أعد عليَّ، وما سمعت أذناي قط شيئًا إلا وعاه قلبي"». قال أحمد بن حنبل: «"كان قتادة أحفظ أهل البصرة لا يسمع شيءًا إلا حفظه؛ قرئت عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها".

[21] الطبقات الكبرى؛ لابن سعد جـ7 صـ118.

[22]  صالح أحمد الشامي، مواعظ الإمام الحسن البصري، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، ص 32.

[23]  صالح أحمد الشامي، المرجع السابق نفسه، ص 79.

[24]  صالح أحمد الشامي، المرجع السابق نفسه، ص 71.

[25]  القرآن الكريم، الأعراف، الأية 34.

[26]محمد الغياط، الشباب المغربي وأزمة الوقت الحر في زمن الحداثة، تحليل مؤسساتي لدار الشباب والتنشيط السوسيوثقافية، دار هجر للطباعة والنشر والثقافة، ص . 1.

 [27]محمد الغياط، المرجع نفسه، ص . 20.

 [28]محمد الغياط، المرجع نفسه ، ص. 34.

[29]  COULANGEON Philippe: «loisirs», Encyclopedia Universalis [en ligne], consulté le 27 avril 2017. URL http://www.universalis.fr/encyclopedie/loisirs/

[30] BERRIANE Med .F. Article les loisirs dan la Société Marocaine.

إرسال تعليق

شاركنا رأيك في الموضوع

أحدث أقدم